fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

التحالف الشيعي المسيحي يهدد استقرار لبنان

195

التحالف الشيعي المسيحي يهدد استقرار لبنان

 

حالة مِن الارتباك سيطرت على المشهد اللبناني منذ عشية فرض الخزانة الأمريكية عقوبات مالية على جبران باسيل وأعوان له، بعد أكثر من شهرين على فرض عقوبات مماثلة على الوزيرين السابقين والحليفين لحزب الله: “علي حسن خليل، ويوسف فينيانوس”؛ ما اضطر بالحزب الشيعي  إلى الخروج والتنديد بالعقوبات الأمريكية التي حلت بزعيم أكبر كتلة سياسية مسيحية في لبنان، واعتبر أنه لا شيء يوحي بانفراجات حكومية مقبلة في المدى المنظور، وأن الصورة قاتمة والأمور معقدة.

لكن وبحسب التوقعات، فدائرة العقوبات قد تزيد وتتسع لملاحقة مسئولين كبار ومقربين من رئيس الجمهورية ميشال عون، في مقدمتهم وزير العدل السابق: سليم جريصاتي، الرجل الأول في القصر الرئاسي والمشرف على سياسات التيار الوطني الحر؛ بالإضافة إلى نواب بارزون من حزب الله، واصفًا قرار وزارة الخزانة الأمريكية بالتدخل السافر والفظ في الشؤون الداخلية للبنان.

العقوبات على جبران باسيل تأتي على خلفية تورطه بالفساد، وقد تطول مشمولين آخرين لهم حسابات مالية ومصرفية ضخمة في الداخل أوالخارج وفق قانون “ماغنتسكي” الذي قُدِّم من قِبَل الحزبين: الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، وصدَّق عليه الرئيس الأسبق باراك أوباما 2012، وهو ما سيضع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري أمام استحقاقات أخرى؛ خصوصًا وأن الأميركيين وضعوا خطوطًا حمراء في آلية تشكيل الحكومة، أولها: عدم تمثيل الحزب، وعدم تسليم وزارات معينة لعون مثلاً، وطبعًا هناك شروط أخرى لم تعلن بعد.

جبران باسيل يعد المرشح الأقوى لخلافة صهره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكنه راهن على أمرين أحدهما الدعم الإيراني الشيعي لضمان حوصل أنصار حزب الله وحركة أمل في الانتخابات الراسة اللبنانية، والآخر هو نتائج السباق الرئاسي الأمريكي، لإعادة الاتفاق النووي مع إيران كورقة لتخفيف الضغط عن حزب الله.  

تحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله يتم وفق مصالح وتفاهمات مشتركة، وعلى ما يبدو أن الصالح العام لا يمثِّل لهما أي شيء فجبران باسيل فعل ذلك من قبل وتحالف مع حزب الله خلال الانتخابات الرئاسية اللبنانية لدعم صهره العماد ميشال عون في تصويت مجلس النواب 31/10/2016، بعد أن رفض التخارج؛ مما يسمَّى بمحور الممانعة والمقاومة والهلال الشيعي ما أفضى بلبنان إلى الدخول في ضائقة إقليمية عربية وخليجية، في ظل التقارب السياسي مع إيران على حساب الدولة والشعب اللبناني.

لبنان بلد صغير ويعيش أزمة من التخبط والفوضى الصحية والعشوائية واللامبالاة، فضلًا عن مديونية ضخمة تبلغ 100 مليار دولار، ورغم ذلك هناك من يحاول إبقاءه في هذه الحالة اللاوجدانية، بل ويُزيد من مهمة تعقيد الموقف على سعد الحريري في تأليف الحكومة، وهو في موقف صعب وأشد قساوة على الحريري فإسناد “وزارات حساسة وهامة بحجم المالية، الطاقة، والأشغال، والداخلية، والصحة، والاشغال والاتصالات؛ بيد أن  التيار الوطني الحر وحزب “الله” سيجعل الحريري عاجزًا للتسويق لها بالخارج بعد أن باتا مصنفين فاسدين وإرهابيين.

بلغة المدافع طالبت الرئاسة اللبنانية الولايات المتحدة الأمريكية تسليمها الأدلة والإثباتات التي تدين باسيل لعرضها على القضاء للبت فيها، كما أجرى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، اتصالات مع السفارة الأمريكية ببيروت لاستيضاح الموقف،  فيما أعلن التيار الوطني الحر رفضه التام للعقوبات الأمريكية معتبرًا ما حدث انتقامًا سياسيًّا بسبب رفض باسيل الانصياع لما يخالف مبادئه وقناعاته الوطنية، وشدد على أنه لا يأخذ التعليمات من أحد، ووصف التيار ما يتعرض له من عقوبات بالتضحية الجديدة لمصلحة لبنان وأمنه واستقراره “على حد وصفه”.

ما كان مطلوبًا من باسيل هو الابتعاد عن “حزب الله” لتكريس عزلة داخليًّا؛ إلا أن الضربة التي تلقاها ستكشف مزيدًا من التحالفات المقيتة المتحكمة في الشأن السياسي اللبناني، وربما تعيد الحياة إلى شخصيات سياسية تقليدية مستقلة، تم القفز فوقها من قِبَل التيار الوطني الحر؛ لأن شطرًا كبيرًا من المسيحيين يعتبرون أن جبران باسيل قفز إلى المعترك السياسي كـ”طفيلي” أراد سحق الجميع وظفر بما شاء، واستبعد قادة مستقلين وسياسيين كبار، وكوَّن مع عمه العماد ميشال عون فريقًا سياسيًّا أصبح يدير البلاد كما شاء؛ مما جعل الكثيرين يطلقون عليه الذراع الطولى أو كما ينادونه برئيس الظل.

عدم التوافق والتأخر في إعلان الحكومة يضر البلاد كثيرًا وقد يدخلها في أتون نفق مظلم، فحالة التشرذم السياسي يصحبه الفقر والمجاعة، وهو كابوس مخيف على جميع المناحي؛ لأن 35% من اللبنانيين تحت خط الفقر، واشترط الاتحاد الأوروبي إجراء الإصلاح وموافقة صندوق النقد الدولي أولًا، ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحث قرينه اللبناني العماد ميشال عون على ضرورة إعلان تشكيل الحكومة بالتزامن مع صرف مساعدات مالية قدرها 25 مليون يورو لمساعدة بعض القطاعات الأكثر تضررًا من الانفجار.

وعبر الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس عن أسفه، فالجماعة السياسية تحارب الإصلاح، والشعب منكوب على قارعة الطريق، فنسمع بتشكيل حكومة محاصصة بدلًا من المداورة الشاملة في الحقائب من دون استثناءات، ومن غير المقبول أن يسيطر على الحكومة فريق هو مَن يقر ويختار ويحدد، في حين يَترك الآخرين مهمشين وكأنهم أعداد إضافية.

وقال: “كفوا أيها السياسيون عن انتهاك الدستور؛ تطالبون بإحياء المبادرة الفرنسية وتعملون بعكسها! أسسوا لوطن الدولة لا لوطن الدويلات“.

فيما أعرب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن أمنياته في أن يظل الحريري مبقيًا على إصراره بتشكيل “حكومة مهمة” خارج نطاق الأحزاب والمجموعات التي اعتادت أن تشكِّل الحكومة.

يأتي هذا وسط طقس ملبَّد بالغيوم وسط توقعات بشتاء قارس البرودة، وموجة ثانية من كوفيد -19، وما بينهما هو قاسم مشترك يكمن في نقص الغذاء والعلاج، وهو ما جعل منظمة الزراعة والأغذية “فاو” تطلق صافرة إنذار بانضمام لبنان إلى الدول 16 الأكثر تضررًا من الجوع، ودعا مسؤول الطوارئ في المنظمة دومينيك بورجون، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة قائلًا: يتعين علينا الوصول إلى هؤلاء السكان حتى يتمكنوا من الحصول على الغذاء، وأن يملكوا الوسائل لإنتاجه، وأن يحسِّنوا سبل عيشهم؛ لتفادي حدوث السيناريو الأكثر تشاؤمًا.

باتت سيناريوهات معقدة تهدد الجمهورية العربية اللبنانية؛ أقلها تفاعلًا هو المحاصصة الوزارية، ومزيد من الفقر والدِّين، وانهيار اقتصادي أعنف، وأشدها ضرارة الانزلاق إلى حافة الصراع الطائفي؛ بسبب التحالف المسيحي الشيعي على حساب الشعب اللبناني، فهناك مَن يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه والعودة بالبلاد إلى المربع الأول؛ لكن الخاسر الأكبر في هذه الحالة هو الشعب الذي يجلس على قارعة الطريق دون غذاء أو كساء أو علاج.

 

التعليقات مغلقة.