fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

في الذكرى الأولى… الجمود السياسي يهدد لبنان بسيناريوهات قاتمة

265

في الذكرى الأولى… الجمود السياسي يهدد لبنان بسيناريوهات قاتمة

 

فيواجِه لبنان أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد 1975/ 1990، فالساحة اللبنانية تمر بأزمات متلاحقة: اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وصحية.

فمنذ عام لم تكن الأوضاع مهترئة في لبنان بهذا الشكل، ولم تكن ودائع المواطنين محتجزة لدى البنوك والمصارف وأصحابها لا يعرفون عنها شيئًا.

ومنذ عام تقريبًا لم تكن الليرة بهذا الشكل في أدنى مستوى لها كما هو الحال في السوق الرسمي (3800 مقابل الدولار)، في حين بلغ سعر الليرة في السوق الموازي نحو ليرة للدولار الواحد.

أهي المصادفة أن تعيش لبنان أوضاعًا اقتصادية مهترئة، وتختفي الوادئع والتحويلات البنكية وتمتنع المصارف عن السداد، وتدخل البلاد في أزمات خانقة، بل هي الأعنف منذ الحرب الأهلية1975/1990؟!

سايكس بيكو ومؤتمر سان مارينو:

بناءً على اتفاقية سايكس بيكو 1916م، التي وُقِّعت بين فرنسا وبريطانيا لاقتسام الدول العربية في إطار تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية التي كانت توصف بالرجل المريض.

الاتفاقية حددت مناطق النفوذ الفرنسي واستولت على النصيب الأكبر شرق الشام وغرب سوريا ولبنان، وولاية أضنة، ووقعت لبنان تحت الانتداب الفرنسي بناءً على مقررات مؤتمر سان ريمو أبريل 1920م.

تم تقسيم بلاد الشام إلى ثلاثة أقسام، هي: (سوريا ولبنان وفلسطين)، وعهد إلى فرنسا بالانتداب على سوريا ولبنان، فيما عهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين والعراق بما فيها الموصل.

كما تقرروضع المنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا “فلسطين” تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا لاحقًا، وبموجب وعد بلفور لليهود أعطيت فلسطين إلى الصهاينة لبناء دولة إسرائيل.

ولم يبقَ من اتفاق سايكس بيكو عمليًّا بعد الحرب العالمية الأولى، سوى الترسيم المبدئي لحدود لبنان والعراق والأردن وفلسطين.

الانتداب الفرنسي:

رفضت فرنسا قيام حكومة عربية بزعامة الأمير فيصل في دمشق، ووجَّه الجنرال غورو في 14 يوليو 1920م إنذارًا بقبول الانتداب الفرنسي فورًا، وإلغاء قانون التجنيد الإجباري وتسريح الجيش العربي.

وعلى الرغم من أن فيصل ردَّ بالقبول؛ إلا أن غورو رفض الرد مدعيًّا أنه جاء في وقتٍ متأخرٍ عن الموعد المحدد له، فتقدمت القوات الفرنسية نحو دمشق واحتلتها بالقوة بعد موقعة ميسلون في 25 يوليو 1920م، ثم تقدمت القوات الفرنسية فاحتلت لبنان الساحل ولبنان الجبل، وانسحبت منها قوات الحكومة العربيّة وعين غورو على جبل لبنان حاكمًا فرنسيًّا عسكريًّا مُنِحَ صلاحيات متصرف الجبل في العهد العثماني، ووضعت المنطقة اللبنانية الساحلية تحت إدارة كولونيل فرنسي.

 وعين جورج بيكو مفوضًا ساميًا على لبنان يتمتع بكل الصلاحيات السياسيّة والإدارية، واضطرت فرنسا تحت ضغط المقاومة الوطنيّة في سوريا ولبنان أن تسمح للبنانيين بالاشتراك في وضع دستور للبلاد، ثم أعلنت الجمهورية في 23 مايو عام 1926.

الدستور اللبناني:

بموجب الدستور الجديد أصبح للبنان مجلسان:

الأول: الشيوخ.

والثاني: النواب.

وفي عام 1932م، علَّق المفوض السامي الفرنسي الدستور اللبناني، وحل مجلس النواب والوزارة، وعين شارل دباس رئيسًا للدولة لأجل غير مسمى يساعده في إدارتها مجلس مديرين، وظل دباس على رأس الدولة حتى عام 1933، بعدها عينت باريس حبيب باشا أسعد رئيسًا جديدًا للجمهورية اللبنانية لمدة سنة، ثم جدد له سنة أخرى.

المفوضية ترفض الاستقلال:

بالرغم من أن لبنان نال استقلاله من فرنسا 1941؛ إلا أن الأمور ظلت غير مستقرة، وماطلت باريس تعديل الدستور اللبناني واقترحوا فكرة توقيع معاهدة فرنسية ـ لبنانية جديدة تحل محل معاهدة عام 1936، لكن الحكومة اللبنانية رفضت وطالبت بتحويل المفوضية الفرنسية العامة إلى دار تمثيل دبلوماسي ممّا أزعج الفرنسيين.

وبعد مشاورات وضغوط انتخب مجلس نيابي جديد عام 1943، وانتخب بشارة الخوري رئيسًا للجمهورية في 21 سبتمبر 1943، وتشكلت حكومة لبنانية جديدة برئاسة رياض الصلح.

حكومة الصلح ترفض التبعية:

أخذت وزارة الصلح تنظِّم أمور البلاد على أساس الاستقلال بدلًا من التبعية لحكومة الانتداب الفرنسي، وهو ما أغضب المفوض السامي الذي أصدر تعليماته بحل مجلس النواب وتعليق العمل بالدستور، واعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح 1943، كما اعتقل كميل شمعون وعادل عسيران.

وفي صباح يوم 11 نوفمبر عام 1943م تجمع النواب والوزراء برئاسة صبري حمادة رئيس مجلس النواب، وطالبوا بإلغاء الإجراءات التعسفية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي، وأحاطت جماهير الشعب اللبناني بمجلس النواب، وهتفوا بإطلاق سراح المعتقلين، مرددين شعارات الحرية والاستقلال.

الجلاء الفرنسي:

وتحت ضغط شعبي ودولي اضطرت فرنسا بعد أحد عشر يومًا من الأحداث إلى إعادة الحكومة الشرعيّة اللبنانيّة، والعمل بالدستور المعدل، وإعادة مجلس النواب اللبناني. وظل الوضع كذلك إلى أن أُجليت القوات الفرنسية كلها عن لبنان في آخر شهر ديسمبر عام 1946، أي بعد حوالي خمسة أشهر من جلائها عن سوريا.

تشكيل المجلس النيابي:

أما عن المجلس النيابي اللبناني بعد الاستقلال فأصبح يتألف من 99 نائبًا ينتخبون على أساس طائفي، ولمدة أربع سنوات، وتوزيع النواب لم يكن يعبر عن عدد السكان بقدر ما وزع بناءً على المفهوم الطائفي، وبشكل غير متوازن.

وبمقتضى هذا العرف يكون رئيس الجمهورية وهو رئيس السلطة التنفيذية من الموارنة، فيما خصص منصب رئيس الوزراء اللبناني للمسلمين السنة، كما خصص منصب رئيس المجلس النيابي للمسلمين الشيعة، أما نائب المجلس النيابي فيكون للمسيحيين الأورثوذكس الشرقيين.

وتشير الإحصاءات التقديرية إلى أن نسبة السكان المسلمين في لبنان 62%، لكن التقليد المعمول به منذ الاستقلال في توزيع المناصب السياسية قد بقي على ما هو عليه حتى دخلت البلاد في أون حرب أهلية استمرت 15 عامًا .

الحرب الأهلية… وتدخل إسرائيل:

بدأ النشاط العسكري للفلسطينيين جنوب لبنان ينشط ضد إسرائيل 1968، وتطور لاحقًا إلى التموضع والمقاومة.

محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم الماروني بيار الجميّل تسببت في اندلاع الحرب الأهلية 13 أبريل 1975 حتى 13أكتوبر 1990، تدخلت على إثرها أطراف المسيحيين الموارنة، الشيعة، السنة، والدروز، وانتهت على اتفاق الطائف.

ومنذ العام 1978 وحتى 2006 عاشت لبنان تحت نير العدوان الإسرائيلي المتكرر: صبرا وشاتيلا / شبعا / عناقيد الغضب ثم حرب تموز مع “حزب الله”، والتي استمرت 34 يومًا في المناطق الجنوبية والشرقية، وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي إسرائيل، في مناطق الجليل، الكرمل ومرج ابن عامر.

أفق 2000 والمكاسب المثيرة:

بعد 2006 اتَّجَه الاقتصاد نحو النمو، وحقق مكاسب مُثيرة بعد المخصصات التي أنفقتها الحكومة على برنامج الإعمار “أفق 2000 ” بقيمة 20 مليار دولار، وشكَّل القطاع الخاص 75٪ من الطلب الكلي.

وتوقع صندوق النقد الدولي نموًّا بنسبة 7٪ للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي و8.5% 2008، و9% بين عامي: 2010/2011، وانخفض معدل التضخم السنوي من أكثر من 100٪ إلى 5٪، وقفزت احتياطيات النقد الأجنبي إلى مبلغ يزيد على 6 مليارات دولار من 1.4 مليار دولار، وارتفعت القيمة الشرائية لليرة اللبنانية.

الفجوة بين الشعب والطبقة السياسية:

وبالرغم من المعوقات أو الصعوبات التي تعرضت لها لبنان؛ إلا أن عدم التوافق بين الطوائف والفرقاء السياسيين أفضى إلى فشل التعامل مع مطالب الشعب التي خرجت في 17/10/2019 رافعة لافتات: “كلّن يعني كلّن”، و”يلا ثوري يا بيروت”، و”الشعب أشرف منن”.

وعلى ما يبدو أن الفجوة بين الطبقة السياسية التي حكمت البلاد طيلة ثلاثين عامًا لم ترد أن تترك الحكم، ولا الشعب اللبناني لديه قدرة على الإطاحة بهم بعد عام من الاحتجاجات، فضلًا عن وجود مشكلة أخرى تتمثل في “حزب الله” -وأتباعه- الذي يتمتع بتواجد صلب ونفوذ قوي داخل الكتلة الحاكمة، ومن الصعوبة بمكان زحزحته أو إبعاده عن المشهد؛ بصرف النظر عن كونه منظمة إرهابية تهدد أمن إسرائيل من عدمه.

كما أن الأحزاب وباقي التيارات السياسية الأخرى لها تركيبة خاصة من المجتمع اللبناني الذي تُسيطر عليه الطائفية.

فحركة “أمل” ذات التوجه الشيعي برئاسة نبيه بري، ومنطقة جبل لبنان يتزعمها وليد جنبلاط وأتباعه، و”تحالف 8 /14 آذار” يضم  تحت لوائه العديد من الأحزاب العلمانية والشيعية “حزب الله”، الحزب السوري القومي الاجتماعي عالماني، تيار المردة الموالي للموارنة، وتيار التوحيد ورابطة الشغيلة، وتيار العزم، والطاشناق علماني أرمني، والبعث الاشتراكي، والتنظيم الشعبي الناصري.

بخلاف التحالف الأخرى: كتيار المستقبل، والتيار الوطني، وتيار الكرامة، والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع؛ ما يعني أن التركيبة السياسية في لبنان معقدة ونتاج لما رسخته فرنسا أيام الانتداب حتى وصفها البعض بـ”الأم الحنون!”.

أزمات متصاعدة… والحريري يستقيل:

بدأت الأحداث تتسارع وتتلاحق ليتبدل الاحجاج العادي إلى مطالب باستقالة الحكومة، لكن حكومة الرئيس سعد الحريري في ذلك الوقت لم تلتفت ولم تُلقي بالًا، وفرض وزير الاتصالات محمد شُقير يفرض ضريبة على مكالمات “الواتس آب” ما آثار استهجان وغضب الشارع اللبناني.

ارتفع سقف مطالب المحتجين ضد الطبقة السياسية الحاكمة، ولوّحوّا بالتراجع المالي والاقتصادي ووجود فساد مستفحل في أجهزة الدولة، فانطلقت شراراة التظاهرات غير المسبوقة منذ ثورة الأرز 2005، أفضت في النهاية إلى استقالة حكومة سعد الحريري في 29 أكتوبر 2019م.

تكليف حسان دياب:

تم طرح عديد من الأسماء وتم تكليف حسان دياب، لتشكيل الحكومة الجديدة تحت ضغط شعبي بتغيير السلطة الحاكمة التي استحوذت على الحكم لمدة 30 عام والاستعانة بحكومة تكنوقراط.

حسان دياب لم يكن بعيدًا عن المشهد السياسي، فسبق وأن تولى حقيبتي: التربية والتعليم، والشئون الاجتماعية بالوكالة في حكومة نجيب ميقاتي 2011، عقب سقوط حكومة سعد الحريري الأولى، على إثر استقالة 11 وزير محسوبين على التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس المسيحي ميشال عون، وحزب “حزب الله” وحلفائه، مبررين ما حدث نتجية الرضوخ الأمريكي وتعطيل المحكمة الدولية المكلفة بتحقيقات مقتل الرئيس رفيق الحريري.

وفي 19 ديسمبر 2019 أجمع 69 عضوًا من أصل 128 من قوى الثامن من آذار على اختيار حسان دياب، الذي أعلن عن تشكيل حكومة تكنوقراط تعبرعن انتفاضة 17 أكتوبر الشعبية.

فُرقاء السياسة… والولادة المتعثرة:

بعد مدة من المداولات وإطلاق التصريحات بين الفرقاء السياسين، وعلى رأسهم: التيار الشعبي، وتيار المستقبل، والتيار الوطني الحر، وتيار المردة، و”حزب الله”، وحركة “أمل” وكتلة التيار الماروني، والمسيحي، وجبل الدروز بزعامة وليد جنبلاط، “وقوى 8 آذار” وحزب القوات اللبنانية “سمير جعجع”.

 الساحة السياسية لم تهدأ، فالحريري يشير إلى أن الحكومة المنتظرة ستخضع لإمرة التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، والشيعي نبيه بري زعيم حركة “أمل” يرى أن لبنان دخل مرحلة حرجة، وأنه يُفضّل حكومة جامعة تضم كافة الأطياف، في المقابل يٌصر حسان دياب على تكتل حكومة مُصغّرة من التكنوقراط. 

مواقف متناقضة:

  • في 11 يناير 2020 نبيه بري يُعلن عدم مشاركته في حكومة تكنوقراط خالصة، ليرد الرئيس ميشال عون، في نفس اليوم بأنه سيشارك بحكم الدستور في تشكيل الحكومة وأنه لن يقبل بأن يقتصر دوره على تلقي أسماء وزراء الحكومة الجديدة.
  • 19 يناير سعد الحريري، يدعو إلى تشكيل الحكومة والتوقف عن إهدار الوقت، بعدها بيومين يؤكد بأنه لن يشارك في تشكيل الحكومة الجديدة، وأنه استقال بناءً على مطالب جماهيرية.
  • 21 يناير الماضي اتهم تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية، تيار المستقبل، والتيار الوطني بتعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة بإصرار كل منهما الحصول على تكتل وزاري “الثلث”.
  • في 6 من فبرير 2020 أعلن حسان دياب تشكيل حكومته، بٌغية الحصول على ثقة المجلس، وبعد خمسة أيام منح المجلس حكومة دياب الثقة بـ63 صوتًا.

خلال هذه الفترة اتسعت أزمة الليرة وفقدت 112% من قيمتها وبلغت في السوق الرسمي نحو 3200 مقابل الدولار أما في السوق الموازي فكسرت حاجز 4500 لأول مرة، وامتنعت المصارف عن صرف الدولار، وأعلن حسان دياب في 7 مارس تعليق سداد سندات الخزينة بالعملة الأجنبية،  وفي 30 إبريل طلبت بيروت اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية للمرة الأولى.

ناصيف يدق جرس إنذار:

في 3 من أغسطس أعلن أعلن وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّى، في حكومة حسان دياب استقالته، مشيرًا في خطابه أنه لم ولن يساوم على مبادئه وقناعاته وضميره من أجل أي مركز أو سلطة، في ظل غياب الرؤية وقال: (لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند ربّ عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة.

 واعتبر وزير الخارجية المستقيل أن لبنان ينزلق اليوم للتحوّل نحو الدولة الفاشلة، مشيرًا إلى تدخل وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، في عدد من القضايا الهامة كمحيط لبنان الإقليمي والعربي، والقضية السورية، والاستراتيجية الدفاعية لبيروت.

فاجعة مرفأ بيروت:

في 4 من أغسطس 2020 هزت بيروت ومحيطها الإقليمي انفجارات هي الأعنف مسجلة 3.5 على مقياس ريختر للزلازل، وتشير التحقيقات إلى أن السبب هو2750 طنًا من مادرة نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ منذ سبع سنوات، وأعلنت الحكومة الطوارئ لمدة أسبوعين واعتبار بيروت منطقة منكوبة.

وفي مساء نفس اليوم غرَّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وخاطب الشعب اللبناني باللغة العربية قائلًا: أعبرُ عن تضامني الأخوي مع اللبنانيين بعد الانفجار الذي أودى بعددٍ كبيرٍ من الضحايا هذا المساء في بيروت، وخلَّف أضرارًا جسيمة، وأكَّد على أن فرنسا ستقف إلى جانب لبنان دائمًا، وهناك مساعدات وإسعافات فرنسية يتم نقلها الآن إلى لبنان.

اشتعلت حالة الغضب والاحتقان السياسي في الشارع اللبناني، وبثت الفضائيات خطابًا لرئيس الحكومة حسان دياب، أوضح فيه أن الانتخابات البرلمانية من شأنها أن تُنهي حالة الاحتقان السياسي.

 توالت الاستقالات وأقدم حسان دياب على الاستقالة 60/2 – 10/8-2020 بعد أسبوع من انفجار مرفأ بيروت، وقد عجزت عن فك طلاسم المعادلة السياسية المعقدّة، في ظل توالي النكبات وهيمنة الفرقاء السياسيين على دفة الأمور في البلاد.

ماكرون يزور لبنان:

لم تكن زيارة ماكرون هي الأولى؛ فقد سبقه من قبل الرئيس الأسبق الراحل جاك شيراك 2005 عقب مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

إيمانويل ماكرون يقف على باب قصر الصنوبر، ويعلن بعد يومين من انفجار مرفأ بيروت أن “دولة لبنان الكبير” لم تعد صالحة للحياة، داعيًا إلى دولة لبنان الحديث.

وصرَّح ماكرون عقب لقاءاته مع ميشال عون والعديد من التيارات السياسية بأن  باريس ستضغط لإجراء إصلاحات تهدف لانتشال البلاد من الهاوية الاقتصادية، وتم طرح اسم الدبلوماسي مصطفى أديب لتشكيل الحكومة.

رأى أديب أنه لا وقت للكلام والوعود والتمنيات، فالوقت للعمل وبتعاون الجميع من أجل لبنان، وأن الفرصة ضيّقة والمهمة التي قبلها تأتي بناءً على أن كل القوى السياسية تدرك ذلك وتفهم ضرورة تشكيل الحكومة في فترة قياسية، والبدء بتنفيذ الإصلاحات فورًا من مدخل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

البنك الدولي يرحب بأديب:

مسئول في البنك الدولي: نرحب بترشيح رئيس وزراء جديد، ونأمل أن يجري تشكيل حكومة جديدة قريبًا بتفويض لتنفيذ السياسات والإصلاحات التي يحتاجها لبنان لمعالجة الأزمة الراهنة، واستعادة النمو المستدام.

الشيعة والمحاصصة:

الانهيار الاقتصادي يلقي ويرخي بثقله، بينما لا يملك الشعب اللبناني رفاهية الوقت؛ إلا أن القوى السياسية لم تعِ ذلك وفشلت في ترجمة ما قطعته على نفسها أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. إعلاء نداء الوطن على المصلحة الشخصية ليصطدم مصطفى أديب بطالب الشيعة حزب الله الموالي لإيران وحركة “أمل” بزعامة نبيه بري يطالبان أديب بحقائب وزارية معينة من أهمها: وزارة المالية.

إذ إن المحاصصة ومنطق التسويات هي المألوف والمتبع عند تشكيل الحكومة، فغالبًا ما تكون الاستشارات شكلية ويسبقها توافق بين القوى السياسية، ويعود لبنان إلى المربع الأول ووصف ماكرون ما حدث من الطبقة السياسية بالخيانة الجماعية.

عون يحذر:

قبل اعتذار أديب، حذّر الرئيس اللبناني ميشال عون من أن الفشل في التوافق على تأليف حكومة يعني أن لبنان سيتجه “طبعًا إلى جهنم”.

الحريري يعود إلى المشهد:

خلال الأيام القليلة الماضية أُعيد طرح اسم رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري كي يترأس التشكيل من قِبَل القوى السايسية، وأجرى عديد المقابلات مع بعض القوى والرئيس ميشال عون، لكن التوافق شرط أساسي وهو مفتقد من قِبَل زعماء القوى السياسية والفُرقاء الذين تجاهلهم المرة الفائتة، وعلى رأسهم: التيار الوطني الحر المسيحي، والوزير: جبران باسيل، الذي امتعض من تجاهله المتعمَّد سابقًا، وهو ما يُعيد الملف برمته إلى موقف الجمود.

الجمود يُخيم على الساحة:

الحريري لم ينسحب من المشهد، لكنه أطفأ محركات التواصل مع الآخرين؛ خاصة جبران باسيل، فلربما يستند الحريري على أكثرية مضمونة من المسيحيين “الثلث”؛ إضافة إلى أن التأجيل لن يغيرّ شيئًا على الأرجح من موقف سعد الحريري تجاه التسميات، فالمشكلة تجاه الكتل والتيارات السياسية المسيحية التي طالبت ميشال عون بالتأجيل، وإن كانت الرئاسة لا تريد أن تظهر في موقف “المُعطّلة” للتشكيل، لكن الصورة غير واضحة وقد تبدو ضبابية، خاصة وأن جبران باسيل يريد ميثاقية للتكتل المسيحي وعودة وزارة الطاقة للتيار الذي يترأسه، كما أن حزب الله يريد  وزيارة المالية، عكس نبيه بري زعيم حركة “أمل” الذي يرفض التأجيل ويتوافق مع الحريري لتأليف حكومة جديدة.

لاعبون دوليون:

واقع الأمر يشير إلى أن لاعبين كبار وقوى إقليمية ودولية تُخطط وتضع العديد من السيناريوهات للمنطقة العربية “ولبنان بالتحديد”، وقد يكون إعادة تهيئة لمخاض يتم إعداده وترتيب أوراقه على مسرح الأحداث في كلٍّ مِن: العراق، واليمن، وسوريا، وليبيا، وفلسطين، وربما يطول دولًا أخرى. 

فبحسب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيروت وباريس: فإن لبنان قد تشهد موجات من الهجرة للخارج، أو قد تنجر نحو العنف، أو تتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية إلى حدٍّ يصعب التعامل معها.

التعليقات مغلقة.