fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حرب قره باغ… صراع سياسي ونفوذ دولي للسيطرة على مسارات الطاقة

235

حرب قره باغ … صراع سياسي ونفوذ دولي للسيطرة على مسارات الطاقة

 

  • فلماذا يتجدد الصراع في منطقة القوقاز في هذه الفترة بالتحديد؟
  • وما مخططات الدول الكبرى وسيناريوهات المرحلة؟
  • وهل بالفعل اتجه الزعيم السوفيتي ستالين إلى توطين الأرمن في هذا الإقليم؟
  • وما حقيقة التواجد الإيراني والإسرائيلي؟
  • وهل يخطط حلف الأطلسي لاستقطاب دول الاتحاد السوفيتي السابق؟
  • وما موقف الروس من الطموح الأمريكي الأوربي؟ ولماذا تدعم تركيا الآذريين؟

أسئلة مهمة تطرح نفسها، بعضها يبحث عن إجابة، والبعض الآخر سنحاول التعليق عليه.

يعود النزاع في إقليم قره باغ إلى بداية 1923م حيث قرر الزعيم الشيوعي جوزيف ستالين توطين الأرمن في هذا الإقليم عقب الثورة البلشفية، كنوعٍ من الضغط على المسلمين في منطقة القوقاز، ومن جانب فَرِّق تسد للقضاء وللتأثير على المسلمين ووضع خريطة ديموغرافية مسيحية في هذه المنطقة.

أسباب الصراع:

يعود الصراع في هذا الإقليم لعدة أسباب، من بينها:

  • الموقع الجغرافي، حيث يقع إقليم قره باغ بين البحرالأسود في الغرب وبحر قزوين في الشرق، ويتقاسمه عدد من الدول هي: روسيا، وجورجيا، وأذربيجان، وأرمينيا، ويتسم بالتنوع العرقي الكبير، ويحدوه صراع من نوع مختلف؛ إذ هناك تفاهمات وتواجد قوي لبعض القوى الإقليمية، مثل: التواجد الإيراني في أرمينيا، والإسرائيلي في أذربيجان.
  • تخضع منطقة القوقاز إلى مسارات سياسية وإستراتيجية مهمة، حيث خطوط نقل الغاز الأذربيجاني من باكو عبر جورجيا وصولًا إلى تركيا؛ فضلًا عن وجود خطط دولية لقلقة الأمن والسلم العالمي، وفتح مناطق للحروب والفتن الطائفية وإيجاد أوضاع غير مستقرة في المنطقة، بعد زرع فتيل حرب قد يتسع ويطول دول الجوار الإقليمي الدولي على الحدود الصينية الغربية، وروسيا الجنوبية الغربية، وإيران الشمالية الغربية، وكذلك الحدود التركية.
  • تحالف دولي وإقليمي، من نوع خاص بين أربيل عاصمة كردستان العراق وتل أبيب، حيث تسعى إسرائيل إلى تعميق الاستفادة وإشعال النزاع الدولي لضمان تسويق السلاح، ومن ناحية أخرى: تطويق إيران عسكريًّا وكبح جماحها النووي، فضلًا عن استهداف أمريكا لروسيا ومحاولة جرها إلى حلبة الصراع مع تركيا.

انهيار الاتحاد السوفيتي وتأثيره على قره باغ:

بتصدع الاتحاد السوفيتي أوائل تسعينيات القرن الماضي، خرجت أصوات تطالب بأحقية الإقليم في الانفصال وإعلانه جمهورية مستقلة؛ لكنه لم يحظى بالاعتراف الدولي على الإطلاق، ووبعد مدة من الشد والجذب توترت العلاقات بين الدولتين: الآذرية صاحبة الحق والإقليم والداعم للمسلمين، والأرمينية المسيحية المدعومة خارجيًّا من روسيا، وزاد الخلاف والتوتر بين الجانبين حتى وصل إلى مرحلة القتال في الإقليم وسقط عشرات الآلاف من الضحايا ما بين قتيل وجريح، وهرب لاجئون فيما كوّن الفارون منطقة عازلة بين الجانبين فسكنوا واستطوطنوا على الحدود الآذرية الأرمينية داخل الإقليم.

الأعمال الجيوسياسية وحقول الغاز:

مع تزايد الأعمال الجيوسياسية واكتشاف حقول الغاز والنفط، زادت الأهمية السياسية والاقتصادية للإقليم، فعلى صعيد الحدود التركية بادرت أنقرة إلى الاعتراف باستقلال أذربيجان عام 1991م بحثًا عن مصالحها، وإمعانًا لحقوق الأغلبية التركية داخل الحدود الآذرية.

وفي المقابل: رفضت أرمينيا الاعتراف بأذربيجان، وظلت محتفظة بعلاقاتها مع روسيا، وكلاهما عضوان في “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، ولها علاقات جيدة أيضًا مع إيران وإن كانت طهران لها تمركز مخابراتي في أرمينيا؛ للرد على التواجد الإسرائيلي في أذربيجان.

موسكو وطهران وأنقرة… والتحديات الصعبة:

ثمة تحديات صعبة تواجِه روسيا التي تخشى اتساع حدة النزاع إلى ما وراء القوقاز جهة الشرق حيث أوزبكستان، وتركمانستان، وقرغيزيا، وطاجيكستان، أوشمالًا نحو جمهوريات الاتحاد السوفيتي “سابقًا” كما حدث في الشيشان مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومحاولة تفتيت وإخضاع ما تبقى من جمهورياته للهيمنة الأميركية الأوروبية، حيث لا بد أن نرى هذه المخططات مقترنة مع الجهود الأطلسية الأميركية المتواصلة؛ لضم أوكرانيا وجورجيا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي.

فروسيا لم تنسَ أن استقلال أوكرانيا وضعها أمام تحديات صعبة جعلها مستعدة للإبقاء على حظوظها في مصادر المياه وبأي ثمن؛ خاصة في ظل تواجد القواعد العسكرية وشركات النفط الأمريكية والأوروبية في منطقة القوقاز، بل وعلى مرمى قريب من القواعد الروسية؛ مما سيضع روسيا أمام تحديات قد تكون هي الأصعب خلال سنوات حكم الرئيس فلاديمير بوتين.

أما إيران فتتسم علاقتها مع أذربيجان بالتوتر وعدم الاستقرار؛ بسبب تقاسم ثروات بحر قزوين، فضلًا عن قلقها من تأثير الأقلية الآذرية داخل الأراضي الإيرانية، إضافة إلى أن إمداد خطوط الغاز والطاقة يعبر أرمينيا وصولًا إلى روسيا، ومنها إلى أوروبا، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى وقف هذا التعاون.

وفي المقابل: تقف أنقرة بجانب أذربيجان لأسبابٍ تاريخيةٍ وثقافيةٍ وسياسيةٍ؛ فالشعب الآذري ينتمي أغلبيته إلى العرق التركي، فضلًا عن أن الطموحات الإستراتيجية جعلت أذربيجان وإقليم “قره باغ” مصدرًا مهمًّا لإمداد أنابيب الطاقة إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

وفي إبريل 2016م شهد الإقليم أسوأ أعمال عنف حدثت منذ 20 عامًا أودت بحياة العشرات من الجانبين، وسرعان ما عادت الأوضاع إلى الهدوء قليلًا، وفي 2018 أطاحت انتفاضة سلمية بالرئيس الأرميني سيرج سيركسيان من السلطة، لتأتي الانتخابات بزعيم المعارضة نيكول باشينيان في رئاسة الحكومة، ويعقد هدنة للتهدئة مع الرئيس الآذري إلهام علييف، لصالح الشعبين؛ إلا أن ذلك لم يُفضِ إلى التهدئة، ويتجدد الصراع مرة أخرى بين البلدين.

عودة الاشتباكات:

في 27 سبتمبر الماضي 2020م، استأنف الطرفان تبادل إطلاق النار والاشتبكات العسكرية بين القوات الأرمينية والآذرية، وأعلنت أرمينيا حالة الحرب والتعبئة بسبب الصراع، وأقر الرئيس الآذري إلهام علييف، فرض حالة الحرب في عددٍ مِن مدن ومناطق الجمهورية وحظر التجوال، وأعلن التعبئة الجزئية وحشد قواته على حدود قره باغ والحدود الأرمينية.

هدنة هشة:

أمس السبت وبرعاية روسية تمت عقد هدنة بين الطرفان أربيجان وأرمينيا، لدواعٍ أمنية وتبادل الجثامين، لكنه سراعان ما عاود الطرفان الاشتباكات مرة أخرى، لتدخل الأسبوع الثالث على التوالي مخلِّفة مئات القتلى والجرحى، وتطور القصف الصاروخي ليطول المدن الكبرى داخل حدود الدولتين، وسط اتهامات متبادلة بوجود مرتزقة أجانب وعرب متورطين في أعمال قتالية بجانب أذربيجان وأرمينيا.

وأعلنت السلطات الآذرية في وقتٍ سابقٍ: أن الجيش الأرميني نفَّذ هجومًا عكسريًّا وبأسلحة كيماوية تحتوي على الفوسفور الأبيض، وطال بعض المدن، مِن بينها: تيرتير وحدروت وجبرائيل، ومحطة للكهرباء، فيما حملت السلطات الأرمينية أذربيجان بتوسيع رقعة الأعمال القتالية داخل الإقليم المتنازع عليه.

ونفى وزير دفاع أرمينيا، دافيد تونويان، صحة تصريحات نظيره الأذربيجاني، ذاكر حسنوف، الذي اتهم يريفان باستهداف مواقع في أذربيجان من أراضي أرمينيا (وليس من أراضي إقليم قره باغ أو المناطق المحيطة بها التي تعتبرها باكو أراضٍ محتلة من قبل أرمينيا).

وشارك الطرفان المتنازعان في الإقليم صورًا تُظهر آثار القصف المتبادل بينهما؛ إذ نشرت وزارة الدفاع الآذرية صورًا لبقايا الصاروخ الباليستي الذي أطلقته يريفان على منطقة مينجا تشيفير، فيما نشرت نظيرتها الأرمينية صورًا لمواقعها العسكرية التي تم قصفها بالطائرات المسيرة، كما تبادل الطرفان المتنازعات الاتهامات أيضًا بتورط مرتزقة أجانب وعرب داعمين إلى أذربيجان وأرمينيا على حدٍّ سواءٍ.

مظاهرات في إسرائيل… والاتهامات تحاصِر أردوغان:

هذا وبلغ التوتر بين إقليم قره باغ الانفصالي وإسرائيل أشده؛ فبعد ما نظَّم عشرات الأشخاص في تل أبيب مظاهرات داعمة لأذربيجان وتركيا في حربهما ضد أرمينيا، اتهم رئيس جمهورية الإقليم -غير المعترف به دوليًّا-: أرايك هاروتيونيان، إسرائيل، بتزويد أذربيجان بطائرتٍ مسيرةٍ وأسلحةٍ هجوميةٍ.

ووجَّه الجنرال التركي المتقاعد: توركار أرتورك عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر” انتقادًا حادًّا على الدعم الإسرائيلي لتركيا وأذربيجان، خاصة بعد تأكيد أردوغان في كل المحافل الدولية عداءه الشديد لإسرائيل، متسائلًا: أين العرب إخوة الحكومة والدِّين؟

التعليقات مغلقة.