fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

توابع اغتيال “سليماني” وخيارات إيران

749

توابع اغتيال “سليماني” وخيارات إيران

 

فقد مثَّل خروج “ترامب” من الإتفاق النووي مع إيران الذي وقَّعه سلفه “أوباما” ضربة موجعة للاقتصاد الإيراني الذي بدا وكأنه قد التقط قُبلة الحياة من “أوباما”، ثم سرعان ما فقدها مِن جديدٍ؛ مما استلزم تصعيدًا ضد القوات الأمريكية بالعراق وصل ذروته باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد في 31 ديسمبر 2019م، وكان هذا تعديًا على الخط الأحمر للقوى الأولى عالميًّا؛ فأصبح من الأهمية بمكان توجيه ضربة عقابية للإيرانيين وأذرعتهم الطويلة بالعراق؛ كانت تلك الضربة هي اغتيال: “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس، والمقرَّب من مرشد الثورة الإيرانية، مهندس المستعمرات الشيعية بالمنطقة، وصاحب السمعة العسكرية ذائعة الصيت.

الضربة كانت موجعة بحق للإيرانيين، ووضعتهم في موقفٍ صعبٍ، ما بين البحث عن ردٍّ قوي يحفظ ماء وجه المرشد ونظامه أمام الشعب الإيراني وما بين اقتصاد متهالك لا يقوى على مواجهة مفتوحة مع عدوٍّ بقوة أمريكا؛ فضلًا عن التضحية بمصالح خفية وتعاون من وراء الستار بين الإخوة الأعداء!

فكيف تصرف النظام الإيراني؟ وما الخطوات المترتبة على ذلك خلال المرحلة القادمة؟

لمزيدٍ مِن الوضوح في الرؤية: علينا أن نقسِّم توابع حادث اغتيال “سليماني” إلى عواقب داخلية وخارجية.

أولًا: العواقب الداخلية:

بدا جليًّا أن الإيرانيين ليسوا على قلب رجلٍ واحدٍ كما يحاول النظام إيهام العالم، فتظاهرات منددة بالنظام خرجت في أنحاءٍ من إيران؛ ولولا القبضة الأمنية الفولاذية للحرس الثوري الإيراني لخرجت الأمور على السيطرة؛ إذ عم الشارع الإيراني غضب جم متراكم تجاه نظام لا يجيد إلا قمع معارضيه وتصدير صورة وهمية عن إيران كقوة عالمية يخشاها الجميع، وهذا ما ثبت خطؤه عقب اغتيال أبرز جنرالات الحرس الثوري الإيراني.

ومِن المتوقع أن تُستثمر حادثة اغتيال سليماني لممارسة مزيدٍ مِن القمع على المعارضة الإيرانية تحت دعوى أن الدولة في معركة مفتوحة، ولا وقت للحديث عن أي إصلاحات أو منح حقوق لأقليات تعاني الويلات تحت نير نظام الملالي الإيراني المقيت.

ثانيًا: العواقب الخارجية:

أمام إيران فرصة قوية للضغط على أمريكا من خلال حليفتها العراق، التي اجتمع برلمانها ليوجِّه طلبًا إلى القوات الأمريكية لمغادرة العراق، والذي قوبل بتهديد ووعيد مِن ترامب.

العراق حاليًا خاضعة لنفوذ إيران من جانب، وأمريكا من جانب آخر، ويحاول كل من الطرفين لي ذراع الآخر، أمريكا تحاول الحد من النفوذ الإيراني في العراق الذي امتد بدوره ليشمل سوريا ولبنان واليمن، ويهدد بابتلاع المنطقة بأسرها خلال العقود القليلة القادمة لا سيما وقد تجرأ على أمريكا وحلفائها ووجه إليهم ضربات مفزعة كان أبرزها هجمات أرامكو السعودية، أما إيران فتحاول فرض الأمر الواقع من خلال الجماعات الشيعية المسلحة الموالية لها والتي نجحت خلال السنوات الماضية في السيطرة على عدة عواصم عربية بشكل مباشر أو غير مباشر، ويبدو أن حادث مقتل سليماني سيرفع من وتيرة التنافس المحموم ما بين أمريكا وإيران، ولكل منهم أوراق ضغطه.

ولعل أبرز ما يمكن لإيران أن تؤلم به أمريكا هو إجباراها على الخروج من العراق، وهذا ما صرح به مرشد الثورة الإيرانية عقب مقتل سليماني حين قال: “إن إيران ستسعى لإخراج أمريكا من المنطقة بأسرها”، ذلك الخروج إن حدث فسيتبعه هزات داخلية عنيفة، وبالتأكيد سيقصي ترامب من سباق الانتخابات القادمة؛ إذ سيصدر ذلك صورة لأمريكا مهزومة ومرتبكة وغير قادرة على حراسة مصالحها ولا حلفائها الذين دفعوا وسيدفعون مليارات الدولارات لشراء الحماية الأمريكية المزعومة، وقطعًا إن أصرت إيران على ذلك فسيكون رد الفعل الأمريكي مزيدًا مِن الضغوط على الاقتصاد الإيراني المتداعي، وهذا سيتولد عنه مزيد من الاحتقان الداخلي، وهذا ما يخشاه مساعدو خامنئي؛ لذا فلقد اقتصرت إيران حتى الآن على توجيه ضربة رمزية لقاعدة عين الأسد العراقية زاعمة أن الضربة قتلت 80 جنديًّا أمريكيًّا، وهذا ما نفته أمريكا بإصرار، بل تعمدت إيران أن تبلغ وسطاء عن موعد تلك الضربة في إشارة للأمريكان أنها لا تنوي إلا حفظ ماء وجة النظام أمام الشعب الإيراني الغاضب!

وببعض التأمل نجد بجلاء أن أمام النظام الإيراني عدة اختيارات كالتالي:

الدخول في مواجهة نفوذ صفرية مع أمريكا بحيث تجبر إيران أمريكا عن طريق أتباعها في النظام العراقي على خروج مذل للجيش الأمريكي؛ مما يعني هزيمة مؤلمة وبداية لانحصار دور صانع القرار الأمريكي في العراق كبداية، ثم يتبعه باقى الدول العربية التي يتحكم النظام الإيراني في حكوماتها، مثل: سوريا، واليمن، وغيرهما، وبالطبع هذا سيكون له رد فعل عنيف من الرئيس الأمريكي سيتمثل في عقوبات قاصمة لن يتحملها النظام الإيراني وذيوله في المنطقة.

التهدئة والاكتفاء بظهور إعلامي كذر الرماد في العيون، ومحاولة تحقيق مكاسب على الأرض بممارسة ضغوط على أمريكا؛ لإفساح المزيد من المغانم لإيران وميلشياتها في الدول المتهالكة، وإغماض العين عن جرائم النظام الإيراني الداخلية والخارجية، ويبدو أن هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق.

ترى هل تستمر وتيرة ردود الفعل الإيرانية الإعلامية أم ينتقل النظام الإيراني لمرحلة الرد الفعلي ويتحمل ما سينتج عنه ذلك مِن عواقب لا قِبَل له بها؟!

هذا ما ستسفر عنه الأسابيع القادمة -إن شاء الله-.

التعليقات مغلقة.