fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

القروض الصينية للدول النامية(2) مصر… هل سقط النظام في الفخ؟

264

عرضنا في مقال سابق نبذة عن القروض الصينية للدول النامية يمكن الرجوع له هنا

والآن نعرض لجزء آخر

فبسبب الديون رزخت مصر تحت نير الاحتلال البريطاني البغيض لما يقارب أربعة وسبعين عامًا.

وقد بدأت المأساة مع سعيد باشا -الابن الرابع لمحمد علي  باشا- الذي نزع السعادة مِن قلوب المصريين وأدانهم بـأحد عشر مليون جنيه؛ ذلك المبلغ الضخم آنذاك إذا ما قورن بميزانية مصر.

ثم أتى مِن بعده الخديوي إسماعيل الذي بدأ عهده بانتقاد ما فعله سلفه من الاستدانة، وعلى الرغم من ذلك لم تمر سوى شهور معدودة حتى بدأ ينتهل من بحر الديون المر، وأصبحت مصر خاضعة لإنجلترا وفرنسا حتى إنهم فيما بعد أشرفوا بشكل كامل على الاقتصاد المصري، ثم عقب ذلك امتدت عواقب الديون إلى احتلال مصر عام 1882م في عهد الخديوي توفيق.

ذلك التاريخ يمثِّل درسًا قاسيًا للمصريين؛ يعلمهم دومًا أن القروض بفوائدها المتصاعدة هي بداية السقوط في الهاوية مهما كان الكلام معسولًا والوعود براقة!

وتمر السنوات وتتبدل الأحوال، ويقفل نجما إنجلترا وفرنسا ليجوس في الأفق نجما أمريكا والاتحاد السوفيتي، ثم ينهار الأخير بينما تضمر عضلات الأول ببطء، ويبزغ نجم العملاق الصيني في ظل صراعٍ مضنٍ لم يُحسم بعد؛ صراع اقتصادي في المقام الأول، تحاول فيه الصين استخدام مصيدة الديون للسيطرة على الدول ذات الثقل الإقليمي وفي مقدمتهم: “مصر”، فخلال الفترة من 2014 وحتى 2017م قامت الصين بإقراض الدول النامية 394 مليار دولار لمشاريع تنمية اقتصادية وبنية تحتية، بقروض ميسرة غير مشروطة، محتفة بالتسهيلات والإغراءات تم تقديمها لعشرات الدول الإفريقية والآسيوية.

فهل سقط النظام المصري في حبائل الشرك الصيني كما سقطت تلك الدول؟!

على الرغم مِن تراكم إجمالي الديون المصرية الخارجية ووصولها لما يزيد عن 96 مليار دولار في ديسمبر 2018م؛ إلا أن الصين ما زالت تتعامل مع مصر بكرم حاتمي، لكنه كرم الصياد مع الفريسة عندما يلقي لها الطعم القاتل، فلقد قامت الصين بإقراض مصر 1.8 مليار دولار عام 2016م دعمًا لاحتياطات النقد الأجنبي ثم أعقبها قرض بما يقارب مليار دولار لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر ثم أعقبها قرض ثالث في مجال الاتصالات بقيمة 200 مليون دولار، ثم اتفاق على قرض آخر بما يقارب المليار و مائتي مليون دولار لمشاريع بنية تحتية بالعاصمة الإدارية الجديدة ثم قرض بقيمة 890 مليون دولار لدعم قطاع الطاقة، تزامن ذلك مع إصدار مصر سندات دولية بالجوان الصيني؛ بالإضافة لمشروعات استثمارية متنوعة في محور قناة السويس.

ومِن المثير للاهتمام: أن الصين تمنح مصر قروضًا ميسرة بنسبة فائدة أقل من 2%، أي: أقل مِن تلك التي يمنحها البنك الدولي (2-3%) فضلًا عن الدول العظمي الدائنة (5 – 7%)، ولكن التفاصيل تحمل مزيدًا من الفخاخ الصينية، فالصين تشترط أن تقوم الشركات الصينية بتنفيذ المشروعات التي يتم الاقتراض من أجلها، فمثلًا منحت الصين مصر قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتنفيذ مشروع القطار الكهربائي السريع الذي يصل العاصمة الإدارية بالعاشر من رمضان، واشترطت الصين أن يتم تنفيذ المشروع من خلال شركة أفيك الصينية، وهكذا في باقي المشاريع، نسبة فائدة منخفضة ظاهرًا تعوضها نسبة مكسب مرتفعة من خلال عقود التنفيذ.

ودعونا نتناول حالة أخرى من حالات القروض الصينية لمصر لتوضيح النهج الذي تتبعه الصين مع النظام المصري، فلقد اعتزمت الحكومة الصينية على إقراض مصر 3 مليارات جنيه عن طريق استثمارات مباشرة تنفذها شركة CSSEC الصينية، حيث تتولى بناء عددٍ مِن الأبراج الشاهقة في العاصمة الإدارية الجديدة؛ إلا أن خلافًا قد دبَّ بين الطرفين المصري والصيني حول نسبة تقسيم الأرباح وتحمل المخاطر، فتوقفت الصفقة وتعطل تنفيذ المشروع، فما كان مِن الصين إلا أن بدلت أسلوبها كثعبان يبدِّل جلده  وعرضت على مصر إقراضها المبلغ كاملًا لتنفيذ الأبراج، ولكن هذه المرة في صورة قرض مالي مباشر، وليس عن طريق استثمار وشراكة عقارية، وكأن الصين تصر على أن يكون لها اليد الطولى على النظام المصري مهما اختلفت الوسيلة لذلك.

إنه مِن الجلي أن الصين تحاول من خلال شلال القروض والمشروعات الاستثمارية المشتركة إخضاع الاقتصاد المصري لسيطرتها المطلقة خلال السنوات القادمة؛ إلا أن متخذ القرار المصري يبدو أنه على دراية ببعض تلك النوايا الخبيثة، فلقد رفض إتمام التعاقد مع الشركات الصينية لتولي تأسيس الجزء الأكبر من العاصمة الإدارية بعد ما أصرت الحكومة الصينية على جني نسبة مرتفعة من الأرباح، وقرر الرئيس المصري إسناد الأمر برمته للشركات المحلية، ثم رفضت الهيئة الاقتصادية لقناة السويس عرض إحدى شركات الحكومة الصينية لإنشاء محطة حاويات جديدة في ميناء السخنة.

كما تم فسخ التعاقد على عددٍ مِن المشروعات الكبيرة المشتركة؛ نظرًا لرغبة الجانب الصيني في الاستئثار بالأرباح، وفرض أسلوب إدارته؛ مما أغضب الجانب المصري، وأدَّى في النهاية لفشل التفاوض، وتعثر تلك المشروعات.

يتضح مما سبق: أن الحكومة المصرية ما زالت منتبهة للخطر الصيني المحدق؛ لذا فهي تتحرك في مستنقع الديون الصينية بحذرٍ حتى لا تقع تحت طائلة احتلال اقتصادي ناعم، ولكنه مدمر، كما حدث لسيرلانكا، وإثيوبيا، والسودان، وجيبوتي، وغيرهم.

فهل تستمر يقظة النظام المصري للشَرَك الصيني أم أن سكرة الاقتراض ستطغى على حذره وتدفعه نحو حقل الألغام الصيني؟!

هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة إن شاء الله

التعليقات مغلقة.