fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دراسة| من هو جون ماكين؟ و دوره في السياسة الامريكية بالمنطقة ؟

172

توفي عضو مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين، الأحد 26 أغسطس 2018 ، عن عمر يناهز 81 عاما، وفقا لبيان صادر عن مكتبه، وكان الأطباء شخصوا في الصيف الماضي إصابة ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس، بسرطان دماغ متسارع النمو، وقد خضع للعلاج بدءا من يوليو 2017، وكان ماكين يوصف بأنه بطل حرب وثعلب سياسة وصريح الكلام.

ولد جون سيدني ماكين في التاسع والعشرين من  أغسطس 1936. وتدرج ماكين، الذي قضى خمس سنوات كأسير حرب في فيتنام، في سلم السياسة الأمريكية ليصبح صوتا مؤثرا في السياسة الخارجية والشؤون العسكرية ، وكان ماكين من الصقور في السياسة الخارجية وكان من أقوى المؤيدين للحرب على العراق وأيد زيادة القوات هناك تحت إمرة الجنرال ديفيد بتريوس.

لكنه وصف وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رمسفيلد بأنه “واحد من أسوأ وزراء الدفاع في التاريخ” وانتقد تعامل ادارة الرئيس السابق جورج بوش مع الصراع في العراق ، وعارض ماكين بشدة ترحيل المعتقلين المشتبه في أنهم ارهابيون إلى سجون سرية في دول تستخدم أساليب تحقيق غير قانونية، وعارض استخدام التعذيب ونجح في تبني تشريع يحظر استخدام أساليب قاسية ولا انسانية ومهينة في معاملة المشتبه بهم.

كان ماكين من الصقور في السياسة الخارجية وكان من أقوى المؤيدين للحرب على العراق. ولم يتردد ماكين في اعلان الخلاف مع حزبه في القضايا الداخلية. فأنتقد مبدئيا خطة الرئيس بوش الابن لخفض الضرائب وقال في مجلس الشيوخ عام 2001: “لا استطيع أن اؤيد، وانا مرتاح الضمير، خفضا للضرائب تذهب معظم فوائده للأوفر حظا بيننا على حساب الامريكيين من الطبقة الوسطى”.

وكان ماكين يقول إنه محافظ في الشؤون المالية، وكان يعتقد بضرورة أن تكون الميزانية مضبوطة. لكنه جلب على نفسه غضب العديد من المحافظين بسبب وجهات نظره التي كانت توصف بأنها متهاونة نسبيا فيما يتعلق بزواج المثليين جنسيا والاجهاض واصلاحات قوانين الهجرة. وربما كان خلافه الكبير مع ادارة بوش السابقة هو فيما يخص التغير المناخي. وقال ماكين إنه كان سيوقع على اتفاقية جديدة حول التغير المناخي بشرط أن تنضم إليها الهند والصين كذلك.

 

تجاوز الحزبية في سياسة ماكين

على الرغم من انه من اهم السياسين في الحزب الجمهوري الا انه لم يتردد في التعاون مع النواب الديمقراطيين في الكونجرس لتحقيق أهدافه. فقد تبنى مع عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي جو ليبرمان قانونا يفرض حدودا قصوى لانبعاثات الكربون.

كما تبنى مشروع قانون للهجرة للحزبين في 2007 لو تم تمريره لسمح بعفو عن المهاجرين غير القانونيين وفرض قيود مشددة على الحدود.

و قد كان السيناتور “جون ماكين” هو أحد اثنين فقط من المرشحين الجمهوريين، الَّذين طَالبوا بإغلاق جوانتانامو، ويعتقد أنَّ السجناء يَجبُ أنْ يّتم نقلهم إلى السجن العسكري في كانساس.

وكان يرى أن العاملين بدون وثائق في الولايات المتحدة يجب أن يعطوا حق المواطنة، وهو ما لا يتسق مع رأي كثيرين من أعضاء حزبه.

ويعتقد أن أكثر ما كان يجذب الناخبين الأمريكيين لماكين هي شخصيته التي تشكلت عبر سنوات طويلة من الخدمة في البحرية الأمريكية.

فهو ابن لادميرال بحري كبير، تخرج عام 1958 من الاكاديمية البحرية الامريكية ليبدأ مسيرة عمل لنحو 22 عاما كطيار في البحرية.

خدم في حرب فيتنام ونجا من الموت بأعجوبة عام 1967 عندما اصاب صاروخ خزان وقود طائرته وهو يستعد للإقلاع من حاملة الطائرات “فوريستال” في مهمة قصف في فيتنام، وادى الحريق الى مصرع 135 من القوات الامريكية.

وبعد ثلاثة اشهر أسقطت طائرته فوق شمال فيتنام، وأسره الفيتناميون وظل سجينا لديهم لخمس سنوات حتى عام 1973، وقال إنه تعرض خلالها للضرب الذي تركه يعاني من محدودية الحركة في أحد ذراعيه. وظل في الخدمة حتى تقاعده عام 1981.

 

مسيرته السياسية

بعد تقاعده من الجيش الامريكي ، انتقل لولاية اريزونا ليبدأ مشواره السياسي، بالفوز بمقعد مجلس النواب عام 1982 ثم الفوز بمقعد مجلس الشيوخ بعدها بأربع سنوات.

وفي التسعينيات، لعب دورا مهما في تطبيع علاقات الولايات المتحدة مع فيتنام.

نافس الرئيس جورج بوش الابن على ترشيح الحزب الديموقراطي لانتخابات 2000 وضمنت له شخصيته دعما اوليا، وأحرز فوزا مفاجئا في انتخابات تمهيدية في ولاية نيو هامبشير.

لكنه تعرض لسلسلة من الهجمات مع تحول المنافسة إلى صراع مرير كما اختلف بشدة فيما بعد مع اعضاء الحزب المؤثرين من اليمين المحافظ.

وفي السياسة الخارجية أيد ماكين بوش في مواقفه بالنسبة للشرق الاوسط وبالنسبة للعراق واكد مرارا على ضرورة زيادة القوات هناك “لوقف العنف”.

و في عام 2008 فاز ماكين بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، ولكنه خسرها أمام المرشح الديمقراطي باراك أوباما بنسبة 365 الى 173 في المجمع الانتخابي و53 الى 46 في المئة بالنسبة لعدد الأصوات.

عقب ذلك، اتخذ ماكين مواقف أكثر محافظة وعارض الكثير من سياسات ادارة أوباما لاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وفي عام 2015، اصبح ماكين رئيسا للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. كما كان ماكين من أشد الداعين الى اتخاذ موقف متشدد من ايران، وفي احدى حملاته لانتخابات 2008 غنى “اقصف ايران” على انغام اغنية بيتش بويز “باربارة آن”.

 

موقفه من ثورات “الربيع العربي”

عند اندلاع الاضطرابات التي اطلق عليها اسم “الربيع العربي” في عام 2011، اتخذ ماكين عدد من المواقف من تلك الثورات في الدول العربية :

  • ففي مصر ،حث الرئيس حسني مبارك على التنحي، ودعا الولايات المتحدة الى اتخاذ موقف مؤيد للديمقراطية في المنطقة العربية رغم مخاطر استحواذ الاسلاميين على السلطة في دول المنطقة.
  • اما في ليبيا كان من أقوى المؤيدين للتدخل العسكري الغربي في ليبيا في عام 2011. وقام في أبريل من ذلك العام بزيارة القوات المعارضة للقذافي في بنغازي، وقال “هؤلاء هم أبطالي” على حد تعبيره. وواصل ماكين في تلك الفترة هجماته على سياسات ادارة اوباما، ففي سبتمبر 2012، هاجم بشراسة الاسلوب الذي تعاملت به ادارة أوباما مع الهجوم الذي تعرضت له الممثلية الامريكية في بنغازي والذي ادى الى مقتل السفير الأمريكي هناك. ووصف تعامل الادارة مع الهجوم بأنه أسوأ من فضيحة ووترغيت.
  • فيما يخص الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، والتي اندلعت شرارتها في عام 2011، دأب ماكين على المطالبة بأن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا الى جانب القوات المعارضة للحكومة السورية. وزار ماكين في مايو 2013 القوات المعارضة في سوريا ودعا الى تزويدها بالاسلحة الثقيلة ولإقامة منطقة حظر طيران تشمل كافة الاراضي السورية. ويتذكر السوريون أنه في الوقت الذي كانوا يعيشون فيه تحت القصف اليومي لقوات النظام، وبينما كانوا ينتظرون دعم كبار السياسيين الدوليين، اتخذ جون ماكين قرارا غير مسبوق بزيارة قوات الجيش السوري الحر في سوريا في عام 2013. وفيما يرى البعض أن موقفه في سوريا انما هو بمثابة “تكفير” عن إحساسه بالمسؤولية في حرب العراق. حيث ذكر الناشط السوري محمد غانم ردة فعل ماكين عند زيارته لحلب قائلا: “أشعر بالخجل من تقاعس بلدي عن التدخل في سوريا. وإذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر بالنسبة لبلدي للاستيقاظ والاعتراف بخطورة تهديد بوتين والقيام بشيء ما لوقف تلك المذبحة التي تنال من المدنيين السوريين، فأنا لا أمانع أن أموت مقتولا على يد طائرة روسية في سوريا”.
  • كما دعى “ماكين” إلى الحذر من المباحثات الإقليمية مع سوريا وإيران، وأنَّها قد لا تكون ذات جدوى، ويقول: “إنَّ مصالحنا تختلف جدًا، عن تلك الَّتي لدمشق وطهران”.

فموقفه من منطقة الشرق الاوسط و الثورات التى اندلعت بها كان  كما يقول “ماكين”نفسه : إذا كان البديل لدعمنا للديمقراطيّة في العالم العربي، هو العودة إلى أيام دعم الدكتاتوريين الموالين لأمريكا عبر الشرق الأوسط؛ فإنَّ الثمن سيكون باهظًا، يجب أن نتعلم خطورة هذا السبيل ودروسه المؤلمة“.

كما كان لماكين دورا داعما لبيع السلاح الأميركي للسعودية لشرعية حربها في اليمن، وفي نفس الوقت يدافع عن القصف الإسرائيلي لغزة، في سلسلة من المواقف المثيرة للجدل مثل تأييده الشديد لغزو العراق، الذي اعترف بعد سنوات كثيرة أن ما فعلته بلاده فيه، وتسليمه لإيران، كان خطأ فظيعا؛ وإيمانه بمخطط إدارة منافسه في الانتخابات الرئاسية باراك أوباما، لتجربة تمكين الإسلاميين (الاخوان المسلمين) من الحكم في دول الربيع العربي.

وبدا واضحا أن الغضب العربي لم يهدأ من هذا الدعم، حتى بعد أن تغيرت سياسة الأميركيين تجاه الإسلاميين، فبينما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي المصرية عنوان “وفاة سناتور الإخوان”، تبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة شهيرة لماكين خلال زياراته المتعددة لتونس، بعد سقوط النظام في 2011، آخرها كانت في سنة 2015، وفي كل زياراته يلتقي بقيادات حركة النهضة. وكانت آخر زيارة لماكين في تونس، سنة 2015، مترأسا وفدا من أعضاء الكونجرس الأميركي. أشاد حينها بـ”النموذج التونسي” الذي سيصبح وفق تعبيره مثالا يحتذى به في المنطقة.  وبينما يبدو واضحا موقف التونسيين والمصريين من ماكين، ينقسم موقف السوريين، وإن مال أغلبهم نحو الثناء عليه لـ”دعمه الثابت للثورة السورية”.

 

موقفه من القضية الفلسطينية !!

يعتقد “ماكين” أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تستمر في تقديم كل المعدات العسكرية، والتكنولوجيا الَّتي تحتاجها إسرائيل للدفاع عن نفسها، كما وعد أنَّه في حال انتخابه رئيسًا فإنَّه “سيعملُ على زيادة عزل أعداء إسرائيل” مثل سوريا وحماس وحزب الله. و بالتالي كان من كبار الداعمين لاسرائيل في السياسة الامريكية بما يحقق اهدافها.

 

موقفه من العراق !!

يُعرف عن “ماكين” دعمه القوي لحرب العراق الَّتي أعتبرها “قوية وعادلة”، و قد اتّهم ماكين الديمقراطيين “بالاهتّمام بالسياسة قبل أمن الولايات المتّحدة“، وهو كان من المؤيدين لقرار الرئيس “جورج بوش” في زيادة عدد الجنود الأمريكيين بالعراق.

و في النهاية و بعد ما لحق بالعراق من دمار اعترف السيناتور الأمريكي جون ماكين في كتاب مذكراته الجديد، بأن حرب العراق كانت خطأ وأنه يتحمل جزءا من اللوم  بسبب ارتكابها .  حيث نقلت صحيفة “بولتيكو” عن ماكين قوله في كتابه الجديد، إن “الحرب في العراق التي ناديت من أجل إطلاقها لا يمكن الحكم عليها على أنها أي شيء آخر سوى أنها كانت خطأ، وخطأ خطيرا جدا، ويجب أن أتحمل نصيبي من اللوم عليها”. وتابع ماكين أنه يدرك أن السبب الرئيس لغزو العراق عام 2003 وهو أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين “كان خطأ”، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك من داع لـ”إزهاق الأرواح والإخلال بالأمن”.

وقال ماكين في ايام مرضه الاخير: “لقد خرجنا من حرب فيتنام و اقتنعت بصراحة أننا قادرون على النصر في حرب العراق وفعلنا ذلك، انتصرنا في حرب العراق بعد اتباع استراتيجية زيادة عدد القوات، وضحيت من أجلها بكل شيء بما في ذلك طموحاتي الرئاسية“.

وأشار ماكين في مذكراته إلى معارضته للرئيس الأمريكي في كثير من قراراته ومنها تعيين جينا هاسبل لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إذ حث ماكين زملاءه أعضاء مجلس الشيوخ على رفض ترشيح هاسبل لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية بسبب تاريخها وضلوعها في عمليات تعذيب السجناء والمعتقلين.

 

كيف يراه خصومه السياسين بالداخل ؟

في الوقت الذي كان فيه ماكين يعتبر نفسه بطلاً قوميًا؛ إلاّ أنَّ خُصَومه يَصفُونه بالأحمق، لأنَّه يسيرُ على نهج الرئيس الأمريكي “جورج بوش” في جميع سياساته، حتَّى وإن بدا غير ذلك، وبما أن بوش كان أحمقًا في تلك السياسات، خاصة فيما يخص ملفات العراق وأفغانستان والأزمة الماليّة فإن جون ماكين (المرشح الأقل حظًا في الفوز برئاسة الولايات المتحدة) يرثه في هذه الصفة.

فجون ماكين “أدميرال سابق, وأسير حرب في فيتنام؛ تلك الحرب الَّتي خرجت منها أمريكا مهزومة” وهو ما يعد رابطًا قويًا بينها وبين احتمالات تعرض أمريكا لهزائم جديدة في العراق وأفغانستان، وهو مرشح الحزب الجمهوري وشعاره “الفيل” هذا الحيوان الضخم الجثة قليل الفهم، كناية عن ضخامة الولايات المتحدة مع “غباوة” تصرفاتها.

فمن المعلوم ان ماكين كان يرأس المعهد الجمهوري الدولي منذ 22 سنة، ولهذا المعهد علاقات وثيقة جدا مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وأجهزة المخابرات الأوروبية، وتمويل هذا المعهد من الميزانية الأمريكية التي يقرها الكونجرس.

فماكين لا يولي أي اهتمام لقوانين وتقاليد البلدان التي يحاول أن “يصلح انظمتهامجسدا صورة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، الذين يتميزون بعدم مبالاتهم بمصير الناس ومعاناتهم بسبب النزاعات الاقليمية التي يخطط لها في واشنطن ، فقد ساهم في كافة الثورات الملونة التي حدثت خلال العشرين سنة الماضية”.

فجون ماكين واحد من أشهر صقور الولايات المتحدة. كما تبين في كثير من المواقف أنه المايسترو و اكثر الداعمين لـ “الربيع العربي”.

وقد كان لجون ماكين علاقات قوية و داعمة لبعض الانظمة في المنطقة خصوصا الخليجية منها بما يحقق اهداف و استراتيجية المحافظين في السياسة الامريكية بل وصفه البعض بحامي الانظمة اخليجية في الكونجرس و انه كان حلقة الوصل في كثير من القضايا و المسائل المتعلقة بالسياسة الامريكية فيما يخص الخليج العربي و انه من اكثر السياسين الامريكين المقربين لتلك الانظمة و هو ما يمكن ملاحظته من خلال  وزيرِ الخارجية السعودي عادل الجبير عندما رثاه في تغريدةٍ على موقع تويتر:”خسرت أمريكا بطلاً أمريكياً، وفقدتُ صديقاً شخصياً عرِفتَه منذُ أكثر من ثلاثينَ عاماً .. فلترقدُ روحُه في سلام“. في حين وصفه خالد السليمان في “عكاظ” السعودية بأنه “آخرَ السياسيين الأمريكيين المحترمين”، قائلا: “على مستوى الشرقِ الأوسط كان دائماً يفهم أهميةَ العلاقات مع السعودية بالنسبة للمصالحِ الاستراتيجية الأمريكية، وضرورة الحفاظ عليها، وكان من منتقدي سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط التي لم تستوعب الخطر الإيراني تجاه استقرار المِنطقة ومصالح بلاده فيها“. فقد مثلت وفاة جون ماكين صدمة و ازمة حقيقية لبعض الانظمة الحالية بالمنطقة العربية نتيجة عدم توافر بديل بنفس الكاريزما و التأثير السياسي داخل ساحة السياسة الامريكية.

 

التعليقات مغلقة.