fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

اقتراح فرنسا بإنشاء جيش أوروبي موحَّد؛ يضم إنجلترا ودول أوروبية فقط، ومستقبل حلف الناتو

148

كان -ولايزال- حلف شمال الأطلسي”الناتو” مثارًا للجدل، ليس فقط لكونه إحدى آليات الدول الغربية خلال الحرب الباردة، التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1990م، والتي استطاع الحلف التكيف مع السنوات التي تلتها، وإنما بسبب الخلاف داخل الحلف ذاته، سواء بسبب الصراع على زعامة اللجنتين السياسية أو الأمنية، فضلًا عن الجدل حول نسب إسهام أعضاء الحلف الثمانية والعشرين في ميزانية الحلف .حيث بلغ ذلك الجدل مداه خلال الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي وصف الحلف بأنه “شيء من الماضي“.

وعلى الرغم من اشتراك الاتحاد الأوروبي مع أمريكا وغيرها من الدول في إنشاء هذا الحلف إلا أن الاتحاد الأوروبي يسعى بشكل دائم للحفاظ على مفهوم “الهوية الأوروبية” لإدراك مؤسسيه منذ البداية أنه ليس حلفًا أو كيانًا دفاعيًا، على غرار الناتو، وإنما هو مشروع سياسي يتضمن جوانب دفاعية وأمنية، ويعكس مفهوم القوة الناعمة، على العكس من حلف الناتو الذي يجسد مفهوم القوة الصلبة، وهو ما تعكسه مواقف المنظمتين تجاه القضايا العالمية عمومًا، ومنطقة الشرق الأوسط على نحو خاص[1].

لذلك سعت  فرنسا وألمانيا إلى بلورة سياسة دفاعية خاصة عقب الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، حيث أكَّدت وزيرتا الدفاع، الفرنسية فلورانس بارلي، والألمانية أورسولا فون دير ليين، خلال كلمتيهما الافتتاحية في مؤتمر ميونيخ للأمن على أهمية الاعتماد على “استقلالية استراتيجية” أوروبية في مجال الدفاع خارج حلف الناتو، في إشارة إلى اتفاق “بيسكو” الذي يثير قلق واشنطن. وهو الأمر الذي لقي ترحابًا حذرًا من أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ[2].

وقد اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ28 على إنشاء مركز مشترك للقيادة وإدارة مهام التدريب العسكري لقوات الاتحاد غير القتالية في الخارج. حيث أوضحت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الاتفاق الأوروبي

“يعد بالفعل خطوة إلى الأمام بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكنه في المقابل لن يقوض عمل الناتو، الذي يمثل القوة الدفاعية الرئيسية لأوروبا، وأن استخدام مصطلح القيادة المشتركة لا يعني أن هناك جيشًا مشتركًا، بل هو فقط المصطلح الأنسب لوصف طبيعة العمل العسكري الذي ستنفذه هذه القيادة المتمركزة في بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي)، والتي سيشرف عليها 30 شخصًا”.[3]

ويمكن اعتبار تصريحات موغيريني مجرد مناورة في ظل تطلعات الاتحاد الاوروبي، التي يتعارض بعضها مع نفوذ حليفتها واشنطن، لا سيما وأن مسؤولين أوروبيين آخرين تحدثوا عن إمكانية -بل وضرورة- تشكيل جيش أوروبي، ولعل أبرزهم رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر الذي أعلن في مايو الماضي صراحة عن ضرورة تأسيس جيش أوروبي.

وجود جيش مشترك للاتحاد الأوروبي يؤكد للعالم أنه لن يكون هناك أي حرب أخرى بين دول الاتحاد، وأن هذا الجيش الأوروبي المشترك سيساعدنا على تشكيل السياسات الخارجية والأمنية المشتركة، والسماح لأوروبا بتولي المسؤولية في العالم”.

وبعد إعلان تأسيس مركز القيادة الأوروبية المشتركة، قال وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه ريندرز، خلال مؤتمر صحفي، إن تلك القيادة ما هي إلا “خطوة أولى.. وربما يأتي الجيش الأوروبي لاحقا”، بحسب موقع “إي يو آر أكتيف”. و هو ما أكدته صحيفة “دايلي ميل” البريطانية إن القيادة الأوروبية المشتركة هي بالفعل نواة تأسيس جيش خاص بالاتحاد الأوروبي لمواجهة تهديدات من روسيا ودول أخرى.

حيث إن الأمين العام للحلف قد أشار في مقال له إلى “تأييده دفاعًا أوروبيًا قويًا، بيد أنه ليس بديلًا عن حلف الناتو، بل مكملًا له”[4].

وعلى جانب آخر تعارض عدد من الدول الشرقية الأوروبية بناءَ سياسة دفاعية أوروبية؛ حيث إنها لا ترغب في وجود منافسة مع حلف الناتو، لأنها لا تزال ترى أن الخطر الأكبر هو روسيا.

ويجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تلعب دورًا مهما داخل حلف الناتو، سواء بالنظر إلى إسهامها بأكثر من ثلثي ميزانية الحلف، بما يعني تغيرات قد تشهدها الرؤية الأمريكية للحلف، من شأنها أن تترك آثارًا عميقة على مستقبل تلك المنظومة الدفاعية لدول غرب أوروبا بأسرها، أو على الصعيد العملي ذاته.

  •  وبتحليل توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الناتو، نجد لديه أمرين للاختلاف مع حلف الناتو، الأول: اعتراض ترامب على حالة عدم المساواة في تقاسم الأعباء بين الولايات المتحدة، وبقية أعضاء الحلف بشأن الإسهام في ميزانية الحلف، حيث طالب بقية دول الحلف بزيادة نفقاتها في تلك الميزانية. حيث إن هناك خمس دول فقط من بين 28 دولة أعضاء الحلف تفي بالتزاماتها من حيث تحديد نفقاتها الدفاعية ، وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، واليونان، وبولندا، واستراليا.

وهذه الانتقادات ليست بالأمر الجديد، حيث لوحظ أن الولايات المتحدة كثيرًا ما وصفت شركاءها الأوروبيين “بالراكب المجاني”، وكانت هناك خلافات عديدة بشأن نسبة الإسهامات الأمريكية والأوروبية في مناطق الصراع. أما الأمر الآخر، فهو وصف ترامب للحلف بأنه “منظمة عفا عليها الزمن”، وهو ما أثار مخاوف الدول الأوروبية بشأن رؤية ترامب مستقبلًا بشأن جدوى وجود الحلف ذاته من عدمه[5]، وهو الأمر الذي قد يرتب تحديات هائلة لأمن أوروبا، خاصة حال قيام ترامب بسحب جزء من القوات الأمريكية التي تتمركز في الدول الأوروبية بما يجعلها في حالة من الانكشاف الاستراتيجي أمام النفوذ الروسي المتنامي، لا سيما دول البلطيق الثلاث “استونيا، ولاتفيا، وليتوانيا”.

وبغض النظر عن الخطاب التصعيدي لترامب تجاه شركاء الولايات المتحدة في الحلف، فإن ذلك لا يعني نية ترامب الانسحاب من الحلف، أو الدعوة لإلغائه، وإنما استهدف ممارسة المزيد من الضغوط تجاه تلك الدول من أجل الالتزام بالنسبة المقررة للنفقات الدفاعية “ثمن الحماية” ضمن توجهاته الجديدة عمومًا، ولم يقصد بها إلغاء الحلف. ومما يؤكد ذلك ما أشار إليه الرئيس الأمريكي، خلال إلقاء خطاب التنصيب، بالقول “سنعزز تحالفاتنا القديمة”. صحيح أنه لم يشر إلى حلف الناتو بالاسم، بيد أن وزير الدفاع الأمريكي الجديد جيمس ماتيس قد أكد، خلال اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، “التزام الولايات المتحدة الثابت حيال حلف شمال الأطلسي”، وهو ما شدد عليه أيضا الرئيس ترامب.

ومن خلال ما سبق من خطوات وتصريحات فإنه لا يتوقع “تفكك” أو “انهيار” حلف الناتو، وذلك لعدة أسباب، سواء تلك التي ترتبط بآلية عمل الحلف ذاته، أو بالنظر إلى الواقع الإقليمي والدولي الراهن. ويعزز من ذلك خمسة أمور:

أولها: مع الأخذ في الحسبان أن التحالفات تنتهي بانتهاء المهمة التي أوجدتها، كما أنه آلية مهمة للولايات المتحدة ضمن صراعها مع روسيا، بالإضافة إلى دور الحلف تجاه الأمن العالمي والأمن الإقليمي، في ظل بوادر انحسار الدور الأمريكي عن الأزمات العالمية، وفقًا للاستراتيجية الدفاعية الجديدة، التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا عام 2012م، ومفادها أنه بحلول عام 2020م، ستعيد البحرية الأمريكية نشر قواتها من نسبة 50% للمحيط الهادي، و50% للمحيط الأطلسي لمواجهة القوة الصينية الصاعدة، التي أطلق عليها “استراتيجية الدوران”، وكذلك التحديات الأمنية التي تواجه أعضاء الحلف في الوقت الراهن، سواء الحدود الشرقية للناتو “تركيا”، في ظل استمرار الأزمة السورية، أو استمرار الأزمة الأوكرانية، وما تمثله روسيا من تحد للحلف.

لكن لا يزال هواجس وتخوفات وتطلعات بعض القوى الأوروبية يشكل هاجسًا ومحركًا نحو دور قيادي إقليمي وعالمي جديد؛ يمثل في المحور الألماني-الفرنسي المبادرة مجددًا لإعادة إطلاق مسار التكامل الأوروبي.

[1] http://www.siyassa.org.eg/News/12095.aspx

[2] france24

[3] هسبريس

[4] الحياة

 [elnashra[5

التعليقات مغلقة.