fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دراسة| الغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط .. ثروات ونفوذ إقليمي

163

مقدمة :-

أثارت الاكتشافات المتتالية للغاز الطبيعي بمنطقة شرق البحر المتوسط العديد من التحركات والمواقف لدول المنطقة؛ ما بين التوافق والاتفاق، وبين النزاع والصراع على الثروات بالمنطقة. وهو ما بدى جليًا من خلال التحركات العسكرية التركية والتصعيد الدبلوماسي مع قبرص ومصر، بالإضافة إلى التصريحات والتحركات بين الكيان المحتل ولبنان، والنزاع حول أحقية كل منهما بما يسمى ببلوك 9، وما يحتويه من اكتشافات للغاز الطبيعي.

وفي هذه الورقة سوف نتناول هذا الملف من حيث مناقشة طبيعة هذه الاكتشافات، وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والإقليمية خصوصًا على دول منطقة شرق البحر المتوسط.

 

حجم الاكتشافات المعلنة و الاحتياطات المتوقعة :

في عام 1999 أرست الهيئة العامة للبترول أكبر امتياز تنقيب بحري على شركة (رويال دتش شِل) للبحث والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط ( نيميد –  NEMED) وذلك بالاشتراك مع (بتروناس كاريكالي) الماليزية والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي، ويمتد الامتياز من شمال الدلتا حتى السفح الجنوبى لجبل إراتوستينس المُثبت ملكيته لمصر منذ عام 200 ق.م، وفي شتاء 2000-2001 قدَّرت شركة (شل) احتياطي الغاز ببلوك نيميد بناءً على المسح السيزمي بنحو  1 تريليون قدم مكعب من الغاز.

وبناءً على ذلك قامت (شل) بأول برنامج استكشاف في نيميد. و في  فبراير 2003 وقَّعت مصر مع قبرص اتفاقية ترسيم للحدود البحرية بين البلدين، ترتب عليها اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي. وبعد ترسيم الحدود بين الدولتين استمرت (شل) في ممارسة عملها دون أي تغيير في حدود الامتياز الممنوح لها من الحكومة المصرية.

وفي فبراير 2004 رفعت شركة (شل) سقف توقعاتها للاحتياطيات المحتملة بنيميد إلى 15 تريليون قدم مكعب من الغاز؛ وبناءً على ذلك أعلنت الشركة أنها ستعمل خلال الأربعة أعوام المقبلة على تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة، إلا أن ما تلى ذلك من تصرفات قامت بها (شل) خلال الفترة اللاحقة لإعلانها الأخير حمل العديد من علامات الاستفهام.

ففي نوفمبر 2005 أرسلت (شل) رئيسًا جديدًا لشركتها في مصر، وكانت مهمته غير المعلنة هي تقليص أعمال (شل) للحفر والتنقيب في مصر، وفي فبراير 2007 أعلنت (شل) أنها بصدد استئجار الحفار “ترانس أوشن إكسبدشن” لحفر أربع آبار بامتياز نيميد، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي أنشطة حفر بالمنطقة، وبمراجعة أنشطة الحفار المذكور تبين أن (شل) مصر حجزته للمجيء في صيف 2005 إلا أنه لم يأت إلى مصر على الإطلاق !!! ولم يصدر أي تصريح من قبل الشركة حول ما تم التوصل إليه في أعمال الحفر والتنقيب بمنطقة شرق المتوسط منذ هذا التصريح.

 و على بعد عدة كيلومترات بحرية من موقع امتياز نيميد كان الظهور الأول لشركة (نوبل إنرجي) في المشهد حين أعلنت بالاشتراك مع إسرائيل في يناير 2009 عن اكتشاف حقل تمار للغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية المقابلة لمدينة صور، ثم جاء الظهور الثاني لها في يونيو 2010 حين أعلنت شركات (نوبل إنرجيٍ) الأمريكية و(أفير وديلك) الإسرائيليتان عن اكتشاف حقل (ليفيثان) للغاز في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس – 450 بليون متر مكعب، وهو ما يوازي 100 مليار دولار

وبخلاف اعتراف إسرائيل بأن حقلا تمار وليفيثان يقعان في مناطق بحرية متنازع عليها فإن الحقلين الجديدين لن يجعلا إسرائيل في احتياج إلى الغاز الطبيعي المصرى بعد الآن، ولم تمض سوى عدة شهور وتحديدًا في نهايات ديسمبر 2010 حتى وقَّعت قبرص وإسرائيل اتفاقًا للتعاون والتنسيق في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، واستخراجهما في المناطق الاقتصادية المشتركة التي تجمعهما في شرق المتوسط دون الرجوع إلى مصر.. كما هو متفق عليه في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص.

ولكن كيف يمكن لشركة (نوبل إنرجي) أن تقوم بأعمال البحث والتنقيب في مناطق تتراكب وتتداخل بالحدود المصرية الاقتصادية، والممنوحة لشركة (شل) في امتياز نيميد، دون علم الأخيرة بهذه التحركات؟ إلا إذا كانت هذه التحركات بعلم مسبق وتنسيق مع (شل)، وأن الأخيرة كانت مجرد غطاء لتحركات (نوبل إنرجي) بالمنطقة يُسهِّل لها عملية الاستيلاء على آبار الغاز بشرق المتوسط، وبمجرد أن يستتب الأمر لـ (نوبل إنرجي) ستغادر (شل) المنطقة، وهو ما حدث بالفعل في مارس 2011 حيث قررت (شل) بدون أي مقدمات الانسحاب من امتياز نيميد متعللة بارتفاع تكلفة الحفر، واستخراج الغاز مقارنةً بعوائد بيعه، ليأتي هذا التبرير ناقضًا لتوقعاتها التي أعلنتها في 2004 بصورة مثيرة للريبة ( 1 ) .

ثم في عام ٢٠١٠ قامت الجمعية الأمريكية للجيولوجيا بنشر نتيجة مسح استكشافي لمنطقة شرق المتوسط والمسماة بحوض (اليفانت). وهو الذي أوضح وجود احتياطيات ضخمة جدًا من الغاز الطبيعي بحوض شرق البحر المتوسط يصل في بعض التقديرات إلى 345 تريليون قدم مكعب من الغاز قدرت احتياطيات مصر منها بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى.  وأووضحت الدراسات أيضًا أنه بإمكان جميع الدول المحيطة بهذا الحوض (سوريا، لبنان ، إسرائيل ، فلسطين “غزة” ، قبرص ، مصر) الاستفادة منه.

اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط:

بعد تواتر إعلان شركات التنقيب والدراسات المسحية عن حجم المخزون من الغاز الطبيعي بحوض شرق المتوسط سارعت بعض الدول إلى توقيع اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية بين بعضها البعض من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب من خلال استخراج أكبر قدر من هذا المخزون.

وقد قامت مصر  في فبراير 2003 بالتوقيع على اتفاقية ترسيم للحدود البحرية مع قبرص، ترتب عليها اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي ( 2 ) . وفي نهاية ديسمبر 2010 وقَّعت قبرص وإسرائيل اتفاقًا للتعاون والتنسيق في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، واستخراجهما في المناطق الاقتصادية المشتركة التي تجمعهما في شرق المتوسط.                  

( 1 ) البوابة

( 2 ) الوطن

وقد استغلت إسرائيل الأحداث والاضطرابات التي مر بها الوطن العربي منذ يناير 2011 واتخذت العديد من الخطوات المتسارعة؛ من إعلان مناقصات لشركات البترول للتنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، سواء تلك المغتصبة أو التي لا تخضع لسلطاتها (بعض المناطق في لبنان وغزة).

حيث أوضحت دراسة أعدها مركز «السادات – بيجن للدراسات» في إسرائيل: أن الاكتشافات البحرية في شرق البحر المتوسط ستصبح سببًا في صراعات جديدة في منطقة متقلبة سياسيًا وعسكريًا مع تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية؛ فبالإضافة إلى حقول الغاز التي تم اكتشافها بالقرب من الشواطئ الإسرائيلية وقبرص، هناك احتمالات لاكتشاف حقول جديدة بالقرب من الشواطئ السورية واللبنانية وغزة.

 وتضيف الدراسة أن «الاكتشافات قد تكون أقل من حيث الكمية مقارنة بالآبار الموجودة في منطقة الخليج العربي، ومع ذلك سيكون لها بالغ الأثر على التنمية في منطقة شرق المتوسط، وستسهم في تأمين مصادر الطاقة بالنسبة لأوروبا». على الجانب الإسرائيلى، وبعد بدء الإنتاج فى حقل «ليفاثيان» فى عام 2010، الذي يحتوي على فائض يصل إلى 22 تريليون قدم مكعبة، وحقل «تمار» الذي بدأ إنتاجه عام 2009 بفائض يقدر بـ10 تريليونات قدم مكعبة، قال مدير هيئة معلومات الطاقة فى أمريكا، ألكسندر ميتيليتسا، لصحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية: «إن إسرائيل بمقدورها تصدير 40% من الغاز الذي تم اكتشافه» ( 3 )  .

 

( 3 ) الوطن

 

 

اكتشافات حقول الغاز  في المياه الإقليمية المصرية:

في فبراير من العام الحالي افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي رسميًا حقل “ظهر” للغاز الطبيعي الذي يقع ضمن مجمع شروق داخل المنطقة المصرية الاقتصادية في البحر المتوسط، والذي تم اكتشافه من قبل شركة “إيني” الإيطالية في عام 2015، ويضم هذا المشروع إلى جانب “إيني”، شركة “بي بي” البريطانية و”بلاعيم” المصرية وغيرهم. ويقع حقل “ظهر” ضمن مجمع شروق الذي تبلغ مساحته 3,752 كم مربع داخل المنطقة المصرية الاقتصادية في البحر المتوسط، ويبعد عن الساحل بحوالي 150كيلو مترًا. وتمتلك شركة “إيني” حصة 100 % من رخصة شروق من خلال شركة إيوك للإنتاج. ويبلغ حجم احتياطاته ثلاثين ترليون قدم مكعب، ويحتل مساحة 100 كيلو متر مربع، وهو أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط ( 4 )  .

وقد أعقب هذا الإعلان حالة من حالات الصراع والبحث عن المصالح بعد إعلان تركيا بدء التنقيب عن الثروات الكامنة داخل مياهها الإقليمية، لتصبح لاعبًا جديدًا بجوار كل من مصر وإسرائيل وقبرص اللاعبين الأساسيين في المنطقة. حيث صرح وزير الخارجية التركى، مولود جاويش أوغلو، بأن بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط في المستقبل القريب، معتبرًا أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقًا سياديًا لبلاده.

 

 

( 4 ) bbc

 

 وفي حوار مع صحيفة “كاثيميريني” اليونانية، وصف الوزير التركي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين مصر وقبرص عام 2013 شرق البحر المتوسط، لا تحمل أية صفة قانونية. وقال أوغلو، إن تركيا قدمت طلبًا لرفض الاتفاقية، باعتبارها “تنتهك الجرف القاري التركي عند خطوط الطول 32، و16، و18 درجة”، معتبرًا أن “القبارصة الأتراك لهم حقوق غير قابلة للنقاش في جزيرة قبرص”، وأن أنقرة “مصممة على حماية حقوقها ومصالحها”.

وعقب أيام قليلة من إعلان الحكومة المصرية لاحتياطيات حقل ظهر وأن مصر على أعتاب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي والعودة مرة أخرى إلى السوق العالمي من خلال التصدير؛ إذ فوجئ الجميع بإعلان إسرائيل عن توقيع صفقة ضخمة لتصدير الغاز إلى مصر بعقد لمدة 10 سنوات بقيمة إجمالية 15 مليار دولار.

أولًا : النزاع التركي مع دول شرق المتوسط حول الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي

يبدو الإعلان التركي موجها في المقام الأول إلى مصر، بخلفية سياسية ترتكز على علاقات متوترة بين البلدين في أعقاب عزل د. محمد مرسي في يوليو 2013. خصوصًا بعد قيام مصر بالتحالف مع اليونان وقبرص (توجد خلافات عميقة بينهم وبين تركيا). و كان أحدث مظاهر هذا التحالف اتفاق وزراء دفاع الدول الثلاث على تأسيس آلية ثلاثية للتعاون العسكرى لزيادة التدريبات المشتركة في مجالات الدفاع ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والتدريبية، ليدشنوا مرحلة جديدة من التعاون العسكري بين التحالف الثلاثي الذي برز خلال السنوات الثلاثة الماضية على المستويين السياسي والاقتصادي.

ويمكن اعتبار التصعيد التركي  محاولة من أنقرة لإيجاد موطأ قدم لها أو الحصول على نصيب من كعكة الغاز الطبيعي بحوض شرق البحر المتوسط، خصوصًا مع الإعلانات المتتالية للاحتياطيات الضخمة المعلن عنها من مختلف الجهات. وأن أي تحركات عسكرية تركية إنما هي من قبيل المناوشات ليس أكثر؛ نظرًا لأن الدول صاحبة الحق في التنقيب واستخراج الغاز لها ثقل إقليمي ودولي وعلاقات مصالح مع كيانات لا ترغب تركيا في استعدائها في الوقت الراهن (كقبرص عضو الاتحاد الاوروبي ).

بالإضافة إلى إسرائيل التي تربطها بها علاقات اقتصادية وعسكرية قوية؛ وأن النزاع ليس مع مصر مباشرة في ادعائها بحقوق لها في المياة الإقليمية والغاز المستخرج لها ولكن النزاع في الأصل مع قبرص؛ وبناءً عليه فإنه من غير المتوقع أي تصعيد عسكري مع مصر من جانب تركيا.

ثانيًا: اتفاقية مصر  مع إسرائيل لتوريد الغاز الإسرائيلي لمصر

من المعلوم أن مصر كانت قد أبرمت اتفاقية لتوريد الغاز إلى إسرائيل في عهد الرئيس الأسبق مبارك بسعر أقل من السعر العالمي، وهي الاتفاقية التي قضت محكمة القضاء الإدارى ببطلانها. وبعد ثورة يناير 2011 توقف ضخ الغاز إلى إسرائيل مما حدا بإسرائيل إلى اللجوء إلى التحكيم الدولي، مما أدى للقضاء بغرامة قدرها 1.7 مليار دولار لصالحها.

وخلال شهر فبراير الحالي وعقب أيام قليلة من إعلان افتتاح حقل ظهر للغاز الطبيعي، والآمال المعقودة عليه لتحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر فوجئ الجميع بإعلان توقيع اتفاقية بين مصر وإسرائيل تزود بموجبها إسرائيل 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر في صفقة وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتص بأنها “ستجعل إسرائيل لاعبًا في مرافق الطاقة الإقليمية”. وفقًا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.

وذكر تقرير الهيئة أن هذه الصفقة تمتد لعشر سنوات، وتبلغ قيمتها 15 مليار دولار، لافتًا إلى أنها تعتبر أكبر صفقة بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام.

 ولفت تقرير الهيئة الإسرائيلية إلى “توقيع اتفاقين في إطار هذه الصفقة بين شركة ديليك الإسرائيلية، مالكة منشأتي الغاز ليفياتان وتامار، وشركة دولفينيوس المصرية في القاهرة، ملقية الضوء على أن “هذه الصفقة تحتاج إلى موافقة السلطات في كلا البلدين لتدخل حيز التنفيذ”.

من جهته علق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أن الصفقة “ستدر المليارات على خزينة الدولة وأن هذه الأموال ستخصص للتعليم والصحة والرفاه،” مشددًا على أنها “ستعزز علاقات إسرائيل في المنطقة”، وفقًا لما نقله تقرير هيئة البث الإسرائيلية ( 5 ).

وقد سارعت الحكومة المصرية بالإعلان بأنها ليست طرفًا في الاتفاقية، وأنها بين شركة من شركات القطاع الخاص المصري والشركات الإسرائيلية ( 6 ) حيث أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول أن اتفاق الغاز الأخير وقّعته شركات خاصة بموجب قانون الغاز المصري الصادر في أغسطس الماضي، والذي يمنح كافة الشركات الحق في استيراد الغاز من أية دولة بما فيها إسرائيل. لكن يبقي ضرورة موافقة الحكومة المصرية من خلال الجهاز القومي لتنظيم سوق الغاز المصري على هذه الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ، وفق قانون الغاز المصري!.

 

( 5 ) cnn

( 6 ) العربية

التداعيات الاقتصادية لاتفاقية الغاز  مع إسرائيل:

تسارعت العديد من الجهات إلى الاعلان عن الفوائد الاقتصادية لهذه الاتفاقية؛ فبحسب تقرير “إيكونوميست”، فإن استيراد مصر للغاز من إسرائيل سيحولها إلى مركز للغاز في المنطقة، كما سيسمح لإسرائيل بالاستفادة من محطتين مصريتين لتسييل الغاز  (“إدكو”، و”دمياط”، وتمتلك الحكومة المصرية نسبة 20% و24% منهما على التوالي) وعبرهما ستجهّز غازها للتصدير بحرًا إلى الموانئ الأوروبية.

في حين أوضح تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول، ورئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات ( 7 ) الفوائد الاقتصادية لهذه الاتفاقية بما يلي:

  • أن الغاز المستورد سيسهم في توفير كمية إضافية من الغاز، يمكن استخدامها في السوق المحلي أو تصديرها، خاصة أن توفير الغاز كان من أكبر المشكلات التي تواجه الصناعة المصرية خلال السنوات الماضية، كما أن توفير كل هذه الكميات من الغاز سواء المنتجة من الحقل أو المستوردة من إسرائيل أو قبرص يمكن استخدامها كبديل للمازوت.
  • هذه الاتفاقية ستساهم في تحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز، خاصة بعد استيراد الغاز من قبرص أيضًا، ومروره بوحدات الإسالة التي تمتلكها مصر، لإعادة تصديره في صورة مسالة، فمصر لديها ميزة كبيرة هي امتلاك وحدتين لإسالة الغاز في إدكو ودمياط، ما يسمح لها باستقبال الغاز وإعادة تصديره، ولكنهما متوقفتان حاليًا نتيجة عدم وجود كميات من الغاز تسمح بالتصدير، ولكن هذه الاتفاقية ستساهم في إحياء هذه الوحدات وإعادة تشغيلها.

 

( 7 ) مصراوي

وأكد أيضًا استفادة الحكومة المصرية من هذ الاتفاقية قائلًا: “ليس هناك فرق بين شركة تابعة للقطاع العام أو الخاص في مثل تلك الاتفاقيات، فالأنابيب التي سوف تستخدمها الشركة في استيراد الغاز من إسرائيل، هي أنابيب ملك الدولة، وسوف يتم تحصيل رسوم للمرور بها، تدخل خزينة الدولة، وبالمثل في وحدات الإسالة التي تستخدم في تسييل الغاز لإعادة تصديره”.

وأضاف أن توقيع هذه الاتفاقية والسماح باستيراد الغاز الإسرائيلي عبر الخطوط المصرية لا بد أن تتم تسوية النزاعات القضائية السابقة بين مصر وإسرائيل أولا قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، وبالتالي تسقط قضايا التحكيم الدولي التي رفعتها إسرائيل على مصر نتيجة خلافات سابقة بشأن استيراد وتصدير الغاز بين البلدين.

ومن ناحية أخرى سوف تسهم الكميات التي يتم استيرادها في تخفيف العبء عن كاهل الحكومة في التزامها بتوفير الغاز للمصانع كثيفة الطاقة، فالحكومة ملتزمة التزامًا كاملًا بتوفير الغاز للمصانع كثيفة استخدام الطاقة، وتقوم بدعم الغاز، أي بيعه لتلك الشركات بسعر أقل من سعره الحقيقي، من أجل استمرار عملية التشغيل، ولكن بعد توفير الكميات الكبيرة من الغاز ضمن تلك الاتفاقية، سيكون السوق مفتوحًا أمام شركات القطاع الخاص، ومن حقها استيراد الغاز من أي طرف لاستخدامه في مشروعاتها الخاصة مقابل دفع رسوم مرور هذا الغاز في الشبكة المصرية.

التداعيات السياسية لاتفاقية الغاز مع اسرائيل:

يسعى الكثيرون إلى إبداء الفوائد الاقتصادية المتوقعة من جراء توقيع تلك الاتفاقية، في حين نجد أن البعد السياسي لهذه الاتفاقية يحمل رسائل أهم من تلك النظرة الاقتصادية الضيقة، خصوصًا وأن هذه الاتفاقية موقعة مع إسرائيل؛ ذلك الكيان المحتل، والذي لا يزال يصنفه الشعب المصري كعدو وليس دولة صديقة حتى مع وجود اتفاقيات ومعاهدات للسلام.

وفي تصريح لرئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان اللواء كمال عامر،يوضح بعدًا سياسيًا مهمًا للقضية قائلًا: “إن اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل الذي أبرمته إحدى الشركات الخاصة بقيمة 15 مليار دولار، لن يضر بالأمن القومي المصري، ولا يوجد قلق منها، لأنها تمت وفق اتفاقية السلام بين البلدين الموقعة من 40 عاما؛ و أن اتفاقية السلام، هي أساس للتعاون الاقتصادي بين الجانبين، خاصة إذا كان يحقق المصالح المُشتركة، ولا يمس الأمن القومي المصري، وبما ينعكس لصالح الشعب وتحقيق احتياجاته” ( 8 ) .

وهذا التصريح يحمل في طياته مؤشرات مهمة جدًا خصوصًا مع استصحاب معطيات أخرى متزامنة مع تلك الاتفاقية؛ منها: توقيت التوقيع (بعد زيارة لوفود رجال أعمال ومستثمرين أمريكين، وزيارة نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الأمريكي) والانتخابات الرئاسية المصرية.

وفي سياق آخر تحت عنوان “اتفاق تصدير الغاز لمصر: انتصار عظيم مع تساؤلات كثيرة”، كتب موقع “غلوبس” الإسرائيلي أن لا أحد غير “ديليك” كان يتوقع أن تفضي المفاوضات المستمرة منذ ثلاث سنوات مع المصريين إلى نتيجة، خاصةً بعد اكتشاف حقل ظهر للغاز، وهو حقل يحتوي على ضعف ما يحتويه حقل ليفياثان. وأشار إلى أن تطوير حقل ليفياثان كان يرتبط “بشكل خطير” بإيجاد “مستهلك استراتيجي”. ولكن الموقع لفت إلى أن آلية تنفيذ الاتفاق المعقود لم تتضح بعد، فمن غير الواضح كيف سيصل الغاز الإسرائيلي إلى الشركة المصرية، أكان عبر الأردن التي ستفرض ضرائب باهظة على مروره أو عبر “شركة غاز شرق المتوسط” المصرية.

 

( 8 ) المصري اليوم

 

وذكّر بأن مرور الغاز المصري عبر أنابيب الشركة الأخيرة كان متقطعًا بسبب الاعتداءات التي كانت تستهدفه في سيناء، في عامي 2011 و2012. ولفت إلى أن التجربة الإسرائيلية مع الشركات المصرية الخاصة ليست جيدة، خاتمًا بالقول: “كل شيء سيعتمد على شخص واحد، حاكم مصر الجنرال السيسي”.

و تبقى من التبعات السياسية لهذه الاتفاقية:

  • القبول بخارطة التحالفات الجديدة المقترحة، والتى منها إدماج اسرائيل في تحالف إقليمي يشمل مصر والسعودية، وفق روابط سياسية وأمنية واقتصادية طويلة الأمد، ومتفقة المصالح والتوجهات، و التي بدت ملامحها بقوة في عدد من القضايا و الملفات و التصريحات.
  • إسراع خطوات التطبيع مع إسرائيل و رفع وتيرته من خلال الملف الاقتصادي في ظل الظروف الراهنة، مع اعتبار هذه الصفقة دعمًا لإسرائيل ، ومعلوم أن هذا العائد الاقتصادي مما يقوي شوكة الاحتلال ويزيد من قوته.
  • الإقرار بالوضع الحالي من اغتصاب الكيان المحتل لموارد دول عربية في الغاز الطبيعي كلبنان وغزة خصوصًا .
  • تعتبر مثل هذه الاتفاقيات والتحالفات فرصة للنظام المصري لخلق حالة من التشابك في المصالح مع إسرائيل من أجل تخفيف الضغوط عليه في ملفات أخرى.

 

الخلاصة:

تمثل الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي بحوض شرق البحر المتوسط حلقة من حلقات إدارة الصراع والمصالح بين دول الإقليم حيث تسعى الدول والأنظمة الحاكمة بها إلى تحقيق أكبر قدر من الاستفادة لها بما يحقق لها أهدافها سواء أكانت دولًا أو أنظمة حاكمة.

فتركيا تسعى إلى الحصول على أي نصيب من كعكعة الموارد و الاستكشافات الغازية الضخمة لتحقق مكسب اقتصادي يساعد أردوغان في علاج بعض المشكلات الداخلية التي يتعرض لها من ارتفاع العجز  في الميزان التجاري و عجز  في الحساب الجاري، وارتفاع للديون الداخلية؛ خصوصًا وأنه على أعتاب انتخابات رئاسية وبرلمانية في بداية 2019. يسعى فيها إلى تجنب سيناريو الانتخابات الأخيرة وتراجع شعبيته وعدم قدرته على تحقيق الاغلبية المطلقة التي تسمح له بتشكيل الحكومة منفردًا كما كان الوضع خلال السنوات السابقة.

وبالنسبة لإسرائيل فإنها تسعى إلى تحقيق تحالف طويل الأمد من خلال المصالح الاقتصادية المشتركة مع دول الإقليم و تثبيت خطواتها فيما يتعلق بسيطرتها على حقول الغاز  في مناطق النزاع مع لبنان وغزة بالإضافة إلى تصدير الغاز  بما يحقق لها مكاسب اقتصادية بعد المعوقات الصعبة التي شككت في جدوى استخراج وتصدير الغاز إلى أوروبا لارتفاع تكاليف النقل وعدم جدواها اقتصاديًا إلا بالتصدير إلى مصر؛ و أيضا يسعى بنيامين نيتنياهو إلى استغلال هذه الصفقة في معالجة أزماته الداخلية؛ خاصة أنه متهم في قضايا فساد، فحاول عبر  خطابه رفع شعبيته الكبيرة بين الإسرائيليين.

أما الطرف الثاني من اتفاقية الغاز  وهو  مصر  فإنه يمكن إجمال أهمية الاتفاقية في فوائد اقتصادية؛ من تنفيذ مخطط الحكومة لتحويل مصر  إلى مركز  دولي للطاقة؛ يساهم في تحقيق التنمية المنشودة بالإضافة إلى مكاسب سياسية من خلال ترسيخ تحالفات إقليمية مع إسرائيل وقبرص واليونان يحقق قدرًا من التوازن لاستقرار النظام، ومواجهة الضغوط الغربية والعالمية للنظام والدولة المصرية.

التعليقات مغلقة.