fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دراسة| الأزمة المصرية السودانية

145

تمهيد :-

تشهد العلاقات الرسمية بين القاهرة والخرطوم واحدة من أسوأ مراحلها حيث أثار اعلان الخرطوم مؤخرا عن استدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور العديد من التساؤلات ، فمن المعلوم ان اجراء استدعاء دولة لسفيرها لدي دول اخري انما هو  إجراء يعنى عملياً تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى – ولو مؤقتاً – كتعبير عن امتعاض الدولة من سياسات ومواقف الدولة المستضيفة للسفير. و بالعودة الي موضوعنا الخاص بسحب السودان لسفيرها من القاهرة و هو الامر الذي يثير العديد من الستاؤلات و الشكوك حول موقف السودان و طريقة تعاملها مع القضايا الاقليمية و خصوصا الدول الشقيقة و دول الجوار ، حيث شهدت العلاقات المصرية السودانية مرحلة من التغير خلال السنوات القليلة الماضية حيث اصبح يشوبها التوتر و الخلاف.

ففي الوقت الراهن توجد عدة ملفات شائكة بين القاهرة و الخرطوم مثل مطالبة السودان بضم حلايب و شلاتين و ازمة سد النهضة مع اثيوبيا و اقليم دارفور و مؤخرا قرار السودان تسليم تركيا إدارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر لفترة زمنية غير محددة ، ويعتبر قرار السودان بسحب سفيرها من القاهرة واحدة من الخطوات الدبلوماسية التصعيدية التى تتبناها الخرطوم للتعامل مع الملفات العالقة بينها و بين القاهرة و التى يمكن تلخيصها فيما يلي :-

أولًا : أزمة حلايب وشلاتين

فمؤخرا قامت وزارة الخارجية السودانية بتوجيه خطاب إلى الأمم المتحدة لإعلان رفضها لاتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر في 8 أبريل 2016. (المعروفة اعلاميا باتفاقية تيران و صنافير) في خطوة منها لاثبات مزاعمها بأحقيتها في حلايب و شلاتين ، يبدو أن السودان رأى في الاتفاق المصري-السعودي فرصةً سانحةً لإثارة نزاعه مع مصر على المنطقة، مطالبا القاهرة بانتهاج أسلوبٍ مماثلٍ لما اتبعته بشأن جزيرتي تيران وصنافير .

حيث تقول الخرطوم إن مثلث حلايب وشلاتين ترابٌ سوداني، وإن السودان أودع لدى مجلس الأمن الدولي منذ عام 1958 مذكرة يؤكد فيها حقه السيادي، وإنه ظل يجددها منذ تاريخه. كما دعت السودان مصر الي قبول التحكيم الدولي بشأن مطابتها بأحقيتها في حلايب و شلاتين و هو الامر الذي ترفضه القاهرة رفضا تاما حسب ما جاء بيان وزارة الخارجية المصرية انها بصدد توجيه خطاب إلى سكرتارية الأمم المتحدة لرفض الخطاب السوداني، وما تضمنه من مزاعم في هذا الصدد مؤكدة ان “حلايب وشلاتين أراض مصرية يقطنها مواطنون مصريون تحت السيادة المصرية ، وفي هذا الاطار بث التلفزيون المصري شعائر صلاة الجمعة الأخيرة عام 2017 من منطقة حلايب وشلاتين المتنازع حولها. كما أذاع التلفزيون صورا ولقاءات على الهواء مباشرة وأعلن عدة مشروعات تنموية في المنطقة الواقعة ضمن مثلث حدودي متنازع عليه مع السودان  وفيما يلي معلومات عن مثلث حلايب وشلاتين :

  • يقع مثلث حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر، بمساحة إجمالية تُقدر بنحو 20.580 كيلومترا مربعا، وتوجد به ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين .
  • ظلت حلايب وشلاتين منطقة مفتوحة أمام حركة التجارة والأفراد دون قيود بين البلدين، رغم تنازع السيادة بينهما .
  • ظل الوضع على هذا الحال حتى عام 1995، حين أرسلت مصر قوات عسكرية لفرض سيطرتها عليها عقب اتهام القاهرة للخرطوم بالضلوع في مخطط لاغتيال الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أثناء حضوره اجتماعات القمة الأفريقية ، رفضت مصر أكثر من مرة دخول مسؤولين وبرلمانيين سودانيين إلى المنطقة المتنازع عليها، كما ضمتها إلى دوائر الانتخابات المصرية التي جرت في مايو 2014، وهي الخطوة التي أثارت غضب حكومة الخرطوم .
  • النزاع أُثير مرة أخرى على المنطقة، بعد أيامٍ من إعلان الحكومة المصرية في أبريل 2016 توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية، أقرت فيه القاهرة بأحقية الرياض في جزيرتي تيران وصنافير .

ثانيًا : أزمة مياه النيل وسد النهضة

تشهد ازمة مياه النيل و قيام اثيوبيا بتشييد سد النهضة حالة من التباين بين مصر و السودن (دول المصب) في التعامل مع الازمة حيث تري مصر ان الازمة اشد ضررا بها و انها المتضرر الاكبر  في حين تميل السودان الي تبني مواقف متوافقة مع الرؤية الاثيوبية و انها علي ما يبدو قد وصلت الي مرحلة من التفاهمات مع اثيوبيا خلافا لموقف مصر ، فقد عبرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها بأن سد النهضة سيكون له فوائد على دول المصب، على خلاف ما تخشاه القاهرة ، و في هذا السياق حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي في 18 نوفمبر الماضي من المساس بحصة مصر من المياه، في إشارة إلى مخاوف من تقلص حصة مصر من مياه نهر النيل، على خلفية موافقة القاهرة وتحفظ كل من الخرطوم وأديس أبابا على تقرير استهلالي أعده مكتب استشاري حول التأثيرات المحتملة لبناء سد النهضة الإثيوبي على دول المصب .

ففي هذه اللحظات تقوم إثيوبيا بوضع اللمسات الأخيرة في بناء “سد النهضة”، وهو أول سد كبير تبنيه على النيل الأزرق، ويتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال تشييده خلال عام 2018.

وستشرع أديس أبابا بعد اتمام خطوة البناء في ملء الخزان الذي يقع خلف السد بالمياه، لإدارة ما ينتظر أن يكون أكبر سد في أفريقيا لتوليد الطاقة الكهرومائية و تمثل عملية ملء السد النقطة الخلافية الاكبر بين مصر و اثيوبيا حيث انها ستؤثر حتما علي حصة مصر من مياه النيل و ما يتبع ذلك من تأثيرات سلبية علي الاراضي الزراعية المصرية و مياه الشرب في الوقت التي تعاني مصر فيه من فقر مائي خصوصا مع زيادة تعداد السكان و ثبات و محدودية الموارد المائية ، وفي جانب اخر من الازمة تتهم السودان مصر بالتعدي علي حصتها من مياه نهر النيل، وذلك بعد نحو أسبوع من فشل جولة تفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة .

حيث قال وزير الخارجية السوداني “إن الوقت قد حان لأن تدفع مصر ما عليها من استحقاق وتحصل السودان على حصتها كاملة دون نقص ”  ، وهو الامر الذي تنفيه القاهرة علي لسان وزير خارجيتها بأن السودان يستخدم بالفعل كامل حصته من مياه النيل ومنذ فترة طويلة و ان السودان لم يكن قادرا على استهلاك كامل حصته من مياه النهر وما كان يفيض من تلك الحصة كان يأتي الى مصر لأن “القدرة الاستيعابية المائية للسودان لم تكن مكتملة وبالتالي كان يفيض جزء من تلك الحصة إلى مصر دون إرادتها وبموافقة سودانية و أن المياه التي كانت تأتي بشكل زائد من السودان كانت تشكل خطرا على السد العالي نتيجة الزيادة غير المتوقعة في السعة التخزينية له، خاصة في أوقات الفيضان المرتفع، ما كان يدفع مصر إلي تصريف تلك الكميات الزائدة في مجرى النهر أو في مفيض توشكى خلف السد دون جدوى“.

ثالثًا : أزمة دارفور

تعاني السودان من اضطرابات مستمرة خلال العقود الماضية و اضطرابات و احتراب داخلي ادي الي انفصال جنوب السودان في 9 يوليو 2011 عقب الاستفتاء علي الاستقلال، كما ثارت ايضا مواجهات مسلحة في فبراير 2003 و لا تزال مستمرة بين الحكومة السودانية و بين مجموعتين متمردتين هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة .

( أثناء كتابة التقرير الحالي ثم تطور جديد بالنسبة للسودان : فقد اعلن حاكم ولاية كسلا الحدودية مع اريتريا اغلاق الحدود و ذلك لوجود كثير من العناصر المصرية (المخابراتية) في ارتيريا تقوم علي تدريب بعض العناصر كما اعلن حاكم الولاية) ، وتتهم الخرطوم القاهرة بدعم ميليشيات المتمردين في اقليم دارفور وبيع ذخائر فاسدة للجيش و ان قوات الجيش والدعم السريع السودانية قد صادرت مدرعات و مركبات من المتمردين كانت مصرية كما جاء في تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير و هو ما نفاه الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا إن مصر تلتزم بعدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم انتهاج “سياسات تآمرية”

رابعًا : أزمة تركيا و جزيرة سواكن

مؤخرا شهدت العلاقات السودانية التركية تطورا صاحب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان قام فيها بزيارة المعالم التاريخية والأثرية لمدينة سواكن و وقع البلدان 12 اتفاقا للتعاون بينهما في المجالات العسكرية والاقتصادية  و شملت تلك الاتفاقيات تسليم ادارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الاحمر  الي تركيا لفترة زمنية غير محددة. في حين شنت وسائل الاعلام المصرية هجوما علي السودان بعد هذه الخطوة متهمة اياها بفتح موانيها “لانتقال سلاح الإرهاب والإرهابيين إلى مصر“.

فمدينة سواكن تقع على البحر الأحمر و هي عبارة عن ميناء وجزيرة وتبعد عن العاصمة الخرطوم 560 كيلومترا ومساحتها 20 كيلومترا مربعا وترتفع عن سطح البحر 66 مترا و تعتبر حاليا الميناء الثاني في السودان. تتمتع هذه المدينة بأهمية استراتيجية فهو أقرب موانئ السودان لميناء جدة السعودي، واستخدمها الحجاج الأفارقة قديما في طريقهم لمكة

خامسًا : أزمة حظر استيراد المنتجات الزراعية والحيوانية من مصر

هذه الازمة هي ناتج عرضي لاتهام السودان لمصر بتأييد قرار تمديد العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي بسبب الأوضاع في إقليم دارفور، وهو الأمر الذي نفته الخارجية المصرية .. حيث أصدر مجلس الوزراء السوداني  في مايو 2017 قرارا بحظر استيراد المنتجات الزراعية والحيوانية من مصر وطالبت الحكومة السودانية المستثمرين بشراء هذه المنتجات من بلد المنشأ، وليس عن طريق مصر. ويؤثر القرار على الشركات التي تستورد المواد الخام لتصنيعها في مصر، ثم تصديرها لعدد من الدول، من بينها السودان.

خاتمة وتوصيات

يمثل توتر العلاقات المصرية السودانية منعطفا غير جيد بالنسبة لمصر حيث انه من المعلوم ان السودان هي العمق الاستراتيجي للامن القومي المصري و ان اي محاولات للعبث بتلك العلاقات تشكل تهديدا مباشرا لمصر و في هذا الاطار :-

  • يجب العمل و بقوة علي احتواء الاختلافات و الخلافات المصرية السودانية بشكل ثنائي مباشر بعيدا عن التراشقات و في الغرف المغلقة
  • وقف حملات التصعيد الاعلامى بين الدولتين و وقف المهاترات الاعلامية لمقدمي البرامج الحوارية بما يؤدي الي تأجيج المشاعر بين الشعبين و هو الامر الذي له تبعات سيئة علي المدي القريب و البعيد بما يضر مصالح البلدين
  • التفكير في الشراكة الحقيقية علي اساس المصالح المشتركة بين البلدين
  • الاتجاه الي دعم التنمية في السودان كخيار استراتيجي للامن القومى المصري
  • انتهاج سياسية تصفير المشاكل مع الجانب السودانى
  • محاولة انتزاع السودان من الارتماء في احضان محور قطر – تركيا مع ما يمثله هذا المحور من تهديدا للامن القومى المصري

 

التعليقات مغلقة.