fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا

136

مرت العلاقات الكندية السعودية في الأيام الماضية بأزمة دبلوماسية مفاجئة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث إن العلاقات بينهما قبل الأزمة كانت طبيعية من خلال التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري والعلمي. وبدأت الأزمة بعد أن وجهت كندا انتقادات للسعودية فيما يخص تدهور حقوق الإنسان بالمملكة، وقد ردت المملكة على تلك الانتقادات بقوة وحدِّة؛ سواء على مستوى التصريحات السياسية أو الإجراءات العملية.

و يبقى التساؤل:

  • هل هي أزمة عابرة يمكن إنهاؤها سريعًا، وبالتالي لن يكون لها تداعيات كبيرة وطويلة الأمد على العلاقات بين البلدين أو أنها أزمة كبيرة ستلقي بظلالها على مستقبل العلاقات بين البلدين؟
  • كيف ستؤثر الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا على مجالات التعاون بينهما؟

خلفيات الأزمة الدبلوماسية السعودية مع كندا

نشأت الأزمة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وكندا على خلفية تصريح السفارة الكندية في الرياض بشأن اعتقال ناشطات في مجال حقوق الإنسان على رأسها الناشطة السعودية سمر بدوي، حيث عبرت وزارة الخارجية الكندية عن ”قلقها البالغ من الاعتقالات الإضافية لناشطات المجتمع المدني وحقوق المرأة في السعودية ومن بينهم سمر بدوي*”.

وطالبت السعودية بالإفراج فورًا عن المعتقلين، ما أثار غضب السعودية، واعتبرت التصريحات الكندية تدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية، موضحة على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير بأن المعتقلين عملاء يتعاملون مع جهات خارجية معادية ويشكلون خطرًا على استقرار المملكة.

وقد صرح الجبير عبر توتير قائلًا: ”الموقف الكندي مبني على معلومات مضللة، وأن بلاده لن تقبل بأي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية … وستتعامل مع ذلك بحزم”.

تجدر الإشارة إلى أن الانتقادات بشأن ملف حقوق الإنسان في السعودية ليست وليدة اللحظة بل لطالما انتقدت تقارير سابقة لمنظمة حقوق الإنسان وجهات حقوقية أخرى أوضاع حقوق الإنسان في السعودية بشأن المعارضين السياسيين لها، الصحفيين والمدونين؛ كالمدون رائف بدوي شقيق الناشطة سمر بدوي الذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات و100 جلدة لانتقاده على موقعه الإلكتروني لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال الدين وحقوق المرأة.

تطورات الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا

تصاعدت سريعًا الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بداية من استدعاء الرياض سفيرها في كندا للتشاور وامهال السفير الكندي لديها 24 ساعة لمغادرة المملكة باعتباره شخصًا غير مرغوب به في المملكة حسب ما هو متعارف عليه في العلاقات الدبلوماسية، واحتفظت السعودية بحقها في اتخاذ إجراءات إضافية أخرى، في المقابل علقت كندا أنها لن تتخلى عن جهودها لحماية حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه أبدت استعدادها للتواصل مع السعودية حسب الناطقة باسم الحكومة الكندية ماري بيير باريل: ”إننا نشعر بالقلق الشديد ونريد التواصل مع المملكة” .

المتتبعون لتطورات الأزمة يرون أن رد الفعل السعودي كان متسرعًا ومتعجلًا ومبالغًا فيه، رغم أحقية السعودية في الدفاع عن نفسها ـ عندما طردت السفير الكندي وقطعت العلاقات، لأن الانتقادات الغربية كما هو معلوم  ليست جديدة على السعودية بشأن حقوق الإنسان فيها، فلماذا إذن ردت الفعل السعودية هذه إزاء التصريح الكندي؟

ويمكن التوقع أن رد الفعل السعودي يعكس سلوكًا خارجيًا جديدًا بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، وهو غير معتاد لأن الدبلوماسية السعودية تقوم على قدر كبير من الرشد والتأني، ومن جهة أخرى يرجح آخرون أن رد الفعل السعودي رسالة أبعد من كندا إلى دول أوروبية أخرى الغرض منها تأديب المنتقدين لها [1]،  وأنها محاولة واضحة لتخويف الدول الهدف منها التخفيف من حدة انتقادهم للسعودية [2].

المواقف الدولية من الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا

تنوعت وتعددت المواقف الدولية العربية والغربية الأولية بشأن الأزمة الدبلوماسية بين مؤيد وداعم للخطوة السعودية، فقد أعلنت كل من روسيا والبحرين والأردن ومصر والسودان رفضها للتدخل في شؤون السعودية، وكذلك لبنان عبر رئيس الحكومة سعد الحريري والإمارات عبر وزير خارجيتها أنور قرقاش الذي صرح عن تضامن بلاده مع السعودية في الإجراءات التي اتخذتها ضد كندا.

أيضا عبرت  فلسطين عبر رئيسها محمود عباس عن رفضها وإدانة التدخل الكندي، وكذلك جامعة الدول العربية التي رفضت التدخل الكندي في شؤون المملكة العربية السعودية، وبين قلق أبدته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حيال أوضاع حقوق الإنسان في السعودية وطالبتا طرفي الأزمة بضبط النفس لحل الأزمة.

تأثير الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا على مجالات التعاون بينهما

لا شك أن لهذه الأزمة تداعيات خطيرة على واقع ومستقبل التعاون السعودي الكندي إذا لم يتم احتواؤها سريعًا، فالآثار ما لبثت أن مسَّت القطاع العسكري والقطاع الزراعي والاستثمارات، إضافة إلى الجالية السعودية والطلبة المبتعثين للدراسة في الجامعات الكندية.

  • ففي المجال العسكري عقدت السعودية مع كندا صفقة قيمتها 15 مليار دولار لشراء مدرعات عسكرية خفيفة وتوفر الصفقة بموجبها ثلاثة آلاف منصب عمل داخل كندا، يبقى مصير هذه الصفقة مجهولًا في ظل تصعيد السعودية من إجراءاتها، وهو ما يتخوف منه الكنديون لأنه يؤدي بهم إلى خسارة وظائفهم.
  • أما في القطاع التجاري والاستثماري فقد جمدت السعودية كل تعاملاتها التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الكندي و قيمه عملتها ، فضلًا عن ذلك أخطرت المؤسسة السعودية للحبوب التجار الأوروبيين بوقف شراء القمح والشعير ذي المنشأ الكندي في مناقصاتها العالمية.
  • أما في المجال التعليمي فقد تؤدي الأزمة إلى تضرر الطلبة من تداعياتها عليهم، حيث أوقفت السعودية برامج التعليم والتدريب والابتعاث والزمالة في كندا، وأعلنت استدعاء 8200 طالب من طلبتها الذين يدرسون في الجامعات الكندية برفقتهم 6400 فرد من عائلاتهم لنقلهم إلى جامعات دول أخرى كخطة مستعجلة، كذلك مسَّت الأزمة المرضى حيث أعلن الديوان الملكي السعودي إيقاف علاج المرضى السعوديين ونقلهم إلى مشافي دول أخرى حسب رغبتهم.

وعليه كان لهذه الأزمة الدبلوماسية المفاجئة أثر كبير على مجالات التعاون العسكرية والاقتصادية والتعليمية وحتى الطبية، بحيث أوقفت وجمدت جل المشاريع [3].

فتش عن ترامب!!!

في الوقت الذي صبَّ المسؤولون السعوديون جام غضبهم على كندا، التزمت الولايات المتحدة الصمتَ الكامل، في إشارة واضحة لعدم وجود أي رغبة أمريكية للتدخل المباشر لفض النزاع عبر النبرة المعتادة في مثل تلك المواقف خاصة مع جارتها الأهم، وهو موقف يمكن قراءته بوضوح في تصريحات “هيذر ناورت”، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، حيث صرحت أن «الأمر يرجع لحكومة المملكة العربية السعودية والكنديين، في التوصل لحلٍّ للأزمة». مضيفة: «على الطرفين حل المسألة بالطرق الدبلوماسية معًا. لا يمكننا فعل ذلك بالنيابة عنهم».

كانت تلك اللهجة المحايدة واللامبالية تشبه ما حدث تمامًا في بدايات حصار محور “السعودية والإمارات” لقطر، حين اتخذت إدارة ترامب موقفًا باهتًا من الأزمة، وبالقياس يمكن قراءة الصمت الأمريكي أمام التوترات الكندية بنفس الصورة، أي أن ثمة ضوء أخضر أمريكي على الأرجح لإطلاق ابن سلمان العنان لدبلوماسيته كاملة، وربما دفعه لذلك أيضًا.

لم تكن العلاقات الكندية الأميركية بعد تولّي ترامب مقاليد السلطة بوقت قصير على ما يُرام بحال، وبات من الواضح أن تلك العلاقة الاستراتيجية على وشك التحول، خاصة بعد مسألة إعادة المفاوضات المقتضبة لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وآلاف طالبي اللجوء الذين يعبرون الحدود المشتركة بين البلدين عكس رغبة ترامب وسياساته المعادية للمهاجرين في كلا الطريقين، وحملة السياسات الحمائية لإدارته أيضًا [4].

على أي حال، فإن كندا تعي تمامًا أن البلد الذي تتشارك معه أطول حدود سيظل صامتًا تحت إدارة ترامب إزاء هذه الأزمة إن لم يكن محركًا لها، فرجل البيت الأبيض الأول حاليًا لم يكن أبدًا من المعجبين برئيس الوزراء الكندي الشهير “جاستن ترودو”، واصفًا إياه ذات مرة في إحدى تغريداته المعتادة على تويتر بـ «الـضعيف».

وكذلك من المؤكد أن ترامب غير معجب بالسياسة الخارجية التي ينتهجها الشاب الكندي، خاصة وأن إدارة الرئيس الأميركي قد منحت بصورة ثابتة الأولوية للطبيعة الاستراتيجية لعلاقتها مع الرياض على حساب المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان أو العلاقات الخارجية الأخرى في الشرق الأوسط تحديدًا، كون الرياض هي أحد أكبر مدخلي المال للخزانة الأميركية في العديد من المجالات وعلى رأسها السلاح.

تشير خلفية العلاقات الأميركية الكندية منذ صعود ترامب إلى انزلاق في شكل العلاقة بين الطرفين كاد يصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، خاصة بعدما هاجم مستشارون في البيت الأبيض رئيس الوزراء الكندي “ترودو” تزامنًا مع هجوم ترامب عليه، فضلًا عن أن ترامب قد فرض رسومًا على البضائع الكندية المستوردة أمريكيًا، وتحديدًا الأخشاب ومنتجات الألبان وواردات الصلب والألومنيوم، أمر تلاه تصعيد في تصريحات الطرفين تجاه بعضهما مع رفع وتيرة التهديدات المتبادلة.

في هذا السياق، يمكن قراءة الموقف الأميركي الصامت كإنفاذ وموافقة على الإجراءات السعودية ضد كندا التي ترفض الخضوع لرؤى ترامب التجارية، وكذا يمكن أن نخلص إلى أن القضايا الكامنة في هذه المواجهة أكثر من مجرد عدم اهتمام واشنطن بحقوق الإنسان، لكنها تحمل في طياتها صورة لاهتمامات إدارة ترامب واستخدامها لنفط الخليج كعصا تأديب عالمية، كما حدث مع روسيا وإيران في السابق، والآن يحدث مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أمريكا الشمالية، وهنا يعرف ابن سلمان أن لديه حليفًا أميركيًا لا يهتم بشكل خاص بمسائل حقوق الإنسان، وإنما يهتم أكثر بالنزاع مع إيران، وأكثر بالمال السعودي.

[1] كرستين ديوان من معهد الخليج العربي في واشنطن

[2] جيمس دورسي الخبير في شئون الشرق الاوسط

[3] المركز الديمقراطي العربي

[4] ميدان

التعليقات مغلقة.