fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الأزمة السياسية بالعراق

132

لا يكاد يخرج العراق من أزمة إلا ويقع في غيرها، وقد ألقت الأزمة السياسية الأخيرة بظلالها على العراق بعد أن تعمّقت الخلافات السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية في العراق مؤخرًا وما رافقتها من تجاذبات ودخول البلاد في مرحلة الفراغ التشريعي، وهو ما أدى إلى بروز ظاهرة الاحتجاجات الجماهيرية؛ منطلقةً هذه المرّة من البصرة بسبب الأوضاع المأساوية القائمة التي يعيشها العراقيون منذ 15 سنة.

وبهتافات وشعارات مناهضة للأحزاب السياسية والمليشيات يواصل آلاف العراقيين التظاهر بالعاصمة بغداد، وعدد من مدن جنوبي البلاد، والتي تطالب بمحاسبة المفسدين وتحسين خدمات الماء والكهرباء وتوفير فرص العمل، وشهدت محافظات وسط العراق وجنوبه، ذات الأكثرية الشيعية، احتجاجات واسعة، هذه الاحتجاجات تصاعدت على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وشهدت سقوط قتلى وجرحى، فضلًا عن اعتقال السلطات العراقية مئات المتظاهرين[1].

تعود أسباب توسع الاحتجاجات الشعبية إلى تردي الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، في العديد من المحافظات. أعلن وزير الكهرباء العراقي، قاسم الفهداوي في وقت سابق عن عجز في توفير الطاقة الكهربائية لأغلب مناطق بغداد، داعيًا المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك حتى يتم رفد المنظومة بزيادات في الطاقة، وسط مخاوف وتحذيرات من أزمة للمياه. وقال حينها:

“عجزنا عن مواكبة الطلب على الطاقة الكهربائية في المناطق المشمولة بالخدمة والجباية، وتم شمولها بالقطع المبرمج”.

ويرى بعض المحللين أن لبعض دول الجوار العراقي يدًا في هذه المظاهرات والاحتجاجات فقد قامت إيران بقطع الخط المغذي نتيجة تراكم الديون المترتبة عليها لإيران؛ حيث أكدت لجنة الكهرباء في مجلس محافظة البصرة، أن إيران قطعت الخط المغذي للمحطات العراقية منها: (ميسان وديالى وبغداد) نتيجة تراكم الديون المترتبة عليها لإيران في حين يمثل قطاع الطاقة في العراق أبرز مظاهر الفساد الإداري والمالي بسبب المبالغ الطائلة التي أنفقت عليه خلال السنوات الماضية، حيث تقدر بـ 50 مليار دولار، منذ احتلال العراق عام 2003م وذلك بحسب تصريح عضو مجلس محافظة ديالى أحمد الربيعي[2].

وبعض المراقبين يتهم مجموعات مسلحة شيعية بقمعهم، فإيران المنزعجة من تطور الأحداث في العراق بعد الانتخابات الأخيرة، تحاول جاهدة منع تحالف سياسي يمكن أن يؤدي إلى تشكيل حكومة مناهضة لها، وقريبة من محور شيعي تشكل مؤخرًا يرغب بتقارب مع الولايات المتحدة، وعدد من دول الخليج، وهو ما عزز الانقسام داخل التحالف الوطني، الذي كان على الدوام موزعًا بين قوتين هما تحالف دولة القانون وقوات الحشد الشعبي، وتيار مقتدى الصدر، الذي دعم إصلاحات أساسية في الحكم وحقق تقدمًا في الانتخابات الأخيرة بالتحالف مع قوى مدنية وتبقى بعض القوى الشيعية التي لا تدخل طرفًا في المواجهة ولكنها تنتظر إلى أين تنتهي الأمور لتقرر وجهتها المقبلة.

وعلى جانب آخر قامت تركيا بملء سد أليسوا التركي الذي أثر بشكل سلبي على انخفاض مناسيب في نهر دجلة ومنع إيران من تدفق نهر الزاب الصغير إلى إقليم كردستان فبهذه الحالة تكون العراق قد فقدت حوالي 50% من كمية المياه الواردة من إيران وتركيا.

موقف الأطراف السياسية العراقية من الاحتجاجات

مع بدء الاحتجاجات العراقية ساد التوتر الأوساط السياسية العراقية حيث صدرت العديد من المواقف وردود الأفعال من قبل القوى والأحزاب السياسية والمرجعيات الدينية، فعلى الرغم من إعلان التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر دعمه للاحتجاجات لكنه تردد باللحاق بركبها لأنها تساهم في تعطيل المفاوضات السياسية لتشكيل الحكومة، وكما يبدو أن قادة “قائمة سائرون” التي ينضوي تحتها التيار الصدري مترددون بين مواصلة الانخراط في نشاط التفاوض السياسي لتشكيل الحكومة الجديدة استجابة للاستحقاق الانتخابي، وبين النزول إلى الشارع والمشاركة في التظاهرات. حيث تخشى القائمة أن تؤدي الاحتجاجات فعلًا إلى تطورات سياسية استثنائية، تجمّد العمل بنتائج الانتخابات، كتشكيل حكومة طوارئ لتلبية طلبات المتظاهرين، على سبيل المثال وأن تضيع فرصة فوزها في الانتخابات، والتي تسمح لها بلعب دور مؤثر في تشكيل الحكومة الجديدة وينعكس ارتباك “سائرون” على المشهد السياسي بشكل عام، ويعيق تطور أي مفاوضات سياسية.

وكذلك الأمر بالنسبة للتكتل الذي يقوده العبادي رئيس الحكومة الحالي الفائز بالمركز الثاني بالانتخابات العراقية حيث يعاني من عدم القدرة على التفرغ لمفاوضات تشكيل الحكومة وانشغاله بالمظاهرات.

وبدوره دعا نائب رئيس الجمهورية وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإعادة الانتخابات البرلمانية، في بيان موقفه من الاحتجاجات. ولا تختلف مواقف القوى السياسية الأخرى من هذه الاحتجاجات، من حيث إعلان تأييدها لها بشرط احتفاظها بالسلمية، وعدم خروجها عن ذلك باستخدام العنف والتخريب[3].

وبشأن الأحزاب في العراق، أوضح هيثم نعمان أن هناك صراعًا سياسيًا كبيرًا، وتشكيل الحكومة العراقية يتطلب وقتًا طويلًا قد يتجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر، بالإضافة إلى وجود انقسام كبير بين الأحزاب العراقية على المستوى الشيعي والكردي والسني، صراع شيعي شيعي هو الأكثر على المناصب، ينقسم إلى الجانب الشيعي العراقي الوطني والجانب الآخر الشيعي العراقي الموالي لإيران.

وأضاف: «هذه السياسة الجديدة في العراق، الحكومة ستشكل بالنسبة لكن أحدهم سيكون الأقوى في المرحلة المقبلة» مع استبعاد أن تكون هناك كتلة معارضة في مجلس النواب العراقي المقبل، إلا في حال تشكيل حكومة لإنقاذ وطني، الكل يبحث عن المصالح ويعمل على تشكيل الحكومة العراقية[4].

و كتبت الكاتبة العراقية باهرة شيخلي أن أزمة العراق أعمق من الماء والكهرباء لأن الأزمة بين العراقيين والحكومات التي تعاقبت بعد الاحتلال الأميركي للعراق أعمق من ذلك، وإذا كان العراقيون قد رفعوا مطالب خدماتية في مظاهراتهم، فذلك لأنهم يعلمون أن الحكومة، وأي حكومة تأتي من المنظومة المفروضة بعد الاحتلال، غير قادرة على تحقيق أي مطلب بسبب منظومة الفساد المهيمنة على دوائر الدولة، والتي تحميها أحزاب وميليشيات، تقول في السر غير ما تقوله في العلن[5].

ويتضمن مشروع تشكيل حكومة الإنقاذ إلغاء مجلس النواب ومجالس المحافظات، وتعليق العمل بالدستور، وتشكيل حكومة تضم شخصيات سياسية خارج توافقات الأحزاب الحاكمة، وتتولى إدارة شؤون البلاد لمدة سنتين، وتهيئ لانتخابات تشريعية في ضوء قانون انتخابي جديد، ودستور جديد يتم التوافق عليه بعيدًا عن ضغوطات القوى السياسية التي تتحكم في العملية السياسية على مدى 15 عامًا مضت.

وبالطبع فإن القوى الفائزة في الانتخابات، ومنها التيار الصدري وحتى بعض فصائل الحشد الشعبي، التي حققت تقدمًا، لا ترغب في دعم هذه التظاهرات بكامل ثقتها وثقلها حيث تأمل في تشكيل حكومة تلبي استحقاقاتها، لكن القوى المؤيدة لإيران لا يبدو أنها موافقة على حكومة يشكلها تحالف “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، ويبقى رئيس الوزراء حيدر العبادي الوحيد الذي يعمل بجدية لأنه يترأس السلطة التنفيذية، وبرغم أنه يمثل “رمانة الميزان“، في التحالفات المقبلة، بسبب تفوقه الواضح في الانتخابات إلا أنه ترك كل ذلك وانشغل بتشكيل لجان وخلايا أزمة وتواصل مع دول عدة، لبحث سبل المساعدة في تطوير قطاع الكهرباء والماء، وهما الملفان الأكثر إلحاحا في هذه الأثناء، وقد حقق مكاسب إيجابية سريعة وهناك جهود تبذل لتلبية المطالب لتخفيف الاحتقان الشعبي، والشروع في المزيد من المشاريع الخاصة بتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية.

وعلى ما يبدو أن مآلات هذه التظاهرات غير واضحة، في ظل تصاعد الخلافات ووجود نوايا مبيتة لدى بعض الكتل السياسية لعرقلة جهود الحكومة المنتهية ولايتها، في سبيل الإصلاح، وتبقى الحاجة ملحة إلى شراكة حقيقية بين الفرقاء السياسيين لتلبية المطالب الشعبية، قبل التفكير بالحكم والمكاسب السياسية، نظرًا لأن كل ذلك سيضيع ما لم تتوفر للشعب أسباب الكرامة وبعض الرفاهية.

وليس خافيًا على أحد أن غياب العراق عن دوره الإقليمي والدولي، منذ سقوط نظام صدام حسين قد أحدث خللا في التوازن الإقليمي، لم يكن في صالح العراق، ولا دول المنطقة، خصوصًا بعدما أرسى بول بريمر الحاكم الأمريكي في العراق، نظامًا سياسيًا، مبني على المحاصصة الطائفية، وفق دستور مليئ بثغرات أزكت حربًا طائفية راح ضحيتها آلاف الأبرياء العراقيين.

[1] الخليج اونلاين

[2] موقع إرم نيوز الإخباري.

[3] وكالة انباء هاوار

[4] عربي بوست

[5] وكالة انباء هاوار

التعليقات مغلقة.