fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الدور العماني في الأزمة الخليجية

150

شغلت أزمة الخليج المنطقة والعالم، وسارع الملوك والأمراء والرؤساء ووزراء الخارجية العرب والدوليين إلى العواصم الخليجية، على أمل في أن يسفر سعيهم عن نتيجة تساهم في حل الخلاف الخليجي، وآثرت سلطنة عمان التزام الصمت والوقوف على الحياد، كما هو الحال في موقفها تجاه أزمة اليمن، إلا أن الأمر غير مستغرب إذا تمت مراجعة ملف العلاقات العمانية الخليجية؛ إذ تعتبر السلطنة الحلقة الأضعف في عقد مجلس التعاون الخليجي اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، خصوصًا مع توتر العلاقات الإماراتية العمانية على مدى زمن طويل، وكذلك علاقاتها مع السعودية.

بعد إعلان الدول الأربع لمقاطعة قطر ارتأت مسقط الهدوء، والاكتفاء بإرسال وزير خارجيتها يوسف بن علوي إلى الكويت، لمؤازرتها في جهود وساطتها لحل الأزمة، ولم تنضم إلى حملة حصار قطر، بل ظلت سياستها كما هي تجاه أطراف الأزمة؛ فقامت بتوفير ميناءين بحرييَن، بديلًا لميناء “جبل علي” الإماراتي، والذي كانت الدوحة تستقبل من خلاله، مجمل حاجتها من السلع والبضائع.

أما بالنسبة لحرب اليمن، بخلاف كل دول مجلس التعاون الأخرى، بقيت سلطنة عمان على الحياد في أزمة اليمن، ولم ترسل أي من قواتها إلى هذا البلد، لترجيح كفة طرف على طرف في النزاع اليمني الداخلي، وآثرت عمان أن تقوم فقط بأمور إنسانية، مثل المساهمة بالإفراج عن بعض المحتجزين، لدى الميليشيات المسلحة، من رعايا الدول الغربية، كما وفرت طائرات لنقل متفاوضين محسوبين على “أنصار الله” (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي العام، من صنعاء إلى الكويت، للمشاركة في جلسات الحوار مع مسؤولين من الحكومة اليمنية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، والمعترف بها دوليًا.

ومن هذا يتضح أن السلطنة تلمح من خلال تلك التحركات إلى خط سياسي واقتصادي جديد داخل مجلس التعاون، فبعد فك الشراكة بين الحوثيين و”حزب المؤتمر” ومقتل زعيم الحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح استقبلت مسقط -في ديسمبر- أكثر من عشرين فردًا من عائلة صالح، بعد ملاحقتهم من قبل الحوثيين.

استغلت إيران موقف عمان في الأزمات الخليجية، فأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني -في يوليو من عام 2017م- أن إيران وسلطنة عمان ستعمقان علاقاتهما، وأن إيران وعمان لديهما علاقات أخوية لسنوات، ويجب أن يتم تعزيز هذه العلاقات الجيدة لتكون في وضع أفضل، في حين قال وزير خارجية عمان يوسف بن علوي “إن القادة العمانيين يعتقدون أنه يتعين تطوير علاقاتنا مع إيران.

ويرى البعض أن الظروف الدينية والجغرافية العمانية قد ساعدت على تشكيل هذا الدور؛ حيث إن خمسة وسبعين بالمئة من العمانيين ليسوا من السنة ولا من الشيعة ولكن ينتمون إلى مذهب الإباضية بالإضافة إلى أن ما يفصل عمان عن إيران هو مضيق هرمز الضيق، في الوقت الذي يفصلها فيه عن الدول العربية في شبه الجزيرة العربية حدود جبلية. وبناء على ذلك، كانت مسقط تميل نحو التوازن بين الرياض وطهران.

وقد استفادت عمان من موقفها المحايد حيث شهدت حركة الملاحة والشحن في ميناء «صحار» رواجًا كبيرًا، بسبب الحصار المفروض على الموانئ البحرية القطرية، ولكن يبدو أن الموضوع له زاوية أخرى حيث يمكن القول أن التعامل الحاد مع قطر خلال الأزمة الحالية أدى إلى تعزيز مخاوف عمان من مواجهة مصير قطر في حال الدخول في أي خلاف مع الرياض أو أبو ظبي، وخاصة أن ما تدعيه السعودية والإمارات عن قطر ينطبق بشكل أكبر على سلطنة عمان، لا سيما فيما يتعلق بإيران.

و تخشى مسقط من محاولات الهيمنة السعودية، وقلقها الأكبر ينبع من الدور المتزايد للإمارات جنوب اليمن ودعمها للحركات الانفصالية والحراك الجنوبي، وكذلك محاولات الإمارات لتطوير قاعدتها العسكرية في جزيرة «سقطرى» اليمنية، التي تقع عند مدخل خليج عدن، بالقرب من عمان وتخشى مسقط من سعي الإمارات بكل قوة لبسط نفوذها جنوبي اليمن لمنافسة الاستثمارات العمانية الصينية في تلك المنطقة، والمتركزة على مشروع الميناء العماني في «الدقم»، وهو ما قد تعتبره عمان محاولة لتطويقها اقتصاديًا، ويمكن القول إن المخاوف من الدور السعودي والإماراتي -فضلًا عن جملة المصالح الاقتصادية التي تحصلت عليها من سياستها- مثَّلت دافعًا رئيسيًا في الاستمرار بسياسة النأي بالنفس التي تنتهجها سلطنة عمان.

في حين بدأ الصراع الخفي بين أبو ظبي ومسقط في اليمن بالظهور للسطح شيئًا فشيئًا، خاصة بعد تنامي الدور الإماراتي لتثبيت نفوذه في محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان؛ مما أثار قلق عمان من استخدام هذه المحافظة ورقة في مواجهتها بعد هيمنة أبو ظبي على الجنوب اليمني، فمخاوف عمان من توسع النفوذ الإماراتي بالمهرة تستند إلى إرث بدأ منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، عندما واجهت دعوات الاستقلال عنها لما عرف لاحقًا “بجبهة تحرير ظفار” (اليسارية)، حيث شكلت المهرة محطة انطلاق لعملياتها العسكرية، إذ كانت تتلقى الدعم عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا من النظام السياسي في اليمن الجنوبي.

كما أن العلاقات بين مسقط وأبو ظبي عرفت توترًا وأزمة صامتة عام 2011م، على خلفية اكتشاف السلطنة خلية تجسس إماراتية، تحاول الوصول إلى معلومات حساسة تمس السلطان قابوس شخصيًا. ولم تُحل هذه الأزمة إلا بوساطة خليجية كويتية أدَّت إلى شروط مالية وسياسية على أبو ظبي لصالح مسقط.

فمع تصاعد الأزمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط بسبب سعي السعودية لجمع حلفائها في المنطقة ضد إيران؛ لا يوجد أي دليل على أن عمان ستتخلى عن نهجها المحايد في الأزمة السياسية بين السعودية وإيران، بل على العكس من ذلك حيث إن المسؤولين في عمان تجاوبوا مع الأزمة بالهدوء المعتاد في نهجهم السياسي.

ففي الوقت الذي أدانت القيادة في سلطنة عمان الهجمات العنيفة على الوجود الدبلوماسي السعودي في اثنتين من المدن الإيرانية لكنها على عكس باقي دول الخليج لم تسع إلى تخفيض أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، حيث قام يوسف بن علوي وزير الخارجية العمانية، وكذلك سفير سلطنة عمان في إيران سعود بن أحمد البرواني بالسفر إلى إيران للاجتماع بالمسؤولين السياسيين في طهران ومناقشة الأزمة الراهنة.

وترى مسقط أن التصعيد السياسي والتوتر  في المنطقة والفتنة الطائفية هو أمر  مؤسف للغاية، وقد تؤثر  على المصالح الوطنية الخاصة بالسلطنة في المنطقة، وفي العام الماضي قدمت السلطنة جهدًا كبيرًا، وذلك لدفع الحوار  بين الأطراف المتنازعة في كل من سوريا واليمن، ولكن رغم ذلك فإن السعودية وعددًا من حلفائها وشركائها قد خفضوا أو قطعوا علاقتهم مع إيران، وهي:  (البحرين، جزر القمر، جيبوتي، الأردن، الكويت، قطر، الصومال، السودان والإمارات العربية المتحدة). وكذلك أعرب المسؤولون في كل من تركيا ومصر عن تأييدهم لموقف السعودية، وتعد هذه الأزمة الدبلوماسية حجر عثرة تجاه المبادرات الهشة لحلحلة الأزمة في كل من اليمن وسوريا.

 

التعليقات مغلقة.