fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

سياسة تركيا تجاه سوريا

123

نالت الأحداث السورية أهمية خاصة واهتمامًا مختلفًا من الحكومة التركية، فمنذ اللحظة الأولى لخروج السوريين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة والديموقراطية، كان الموقف التركي داعمًا لهم ومؤيدًا لمطالبهم. فلقد اتسم الموقف التركي تجاه الثورة السورية بالحماسة الداعمة لمسار الثورة، بغيةَ تعجيل تحقيق طموحاتها السياسية الرامية لإعادة الدور الدبلوماسي التاريخي المؤثر لتركيا، لكن لم تظهر سمات ذلك الموقف فور انطلاق الثورة السورية، فالشهور الأولى اتسمت بالتوازن ومحاولة إقناع الأسد بالكف عن مواجهة المظاهرات بالأسلحة.

وقد اتضحت محاولات الحل الدبلوماسي لدى الحكومة التركية، عبر إرسال برقيات إعلامية ووفود دبلوماسية على مستوى رفيع تطالب الأسد بالإصغاء لمطالب الشعب، وتوقع الجانب التركي -مستندًا إلى الترابط الدبلوماسي والاقتصادي الوثيق بينه وبين سوريا- ردًا إيجابيًا من الأسد لخطاباته ومحاولاته الداعمة لعملية الحل السلمي، لكن نظام الأسد لم يواجه هذه الخطابات بإيجابية، واتجه لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.

وبعد تحقق عدم جدوى الخطابات الإعلامية التي وجهها أردوغان، والزيارات التي قام بها داود أوغلو، أعلن داود أوغلو في 15 أغسطس 2011م -أي بعد ما يقارب 5 أشهر من قيام الثورة السورية- أن “الحديث الدبلوماسي مع النظام السوري قد انتهى”.

حيث كانت منطلقات تركيا في التعامل مع الثورة السورية -في البداية على الأقل- لتحقيق حل سلمي في سوريا من عدة نقاط أساسية، هي:

  • المخاطر الأمنية التي قد تنتج عن اتساع رقعة تحركات حزب العمال الكردستاني، كما كان هناك تخوف من ميلاد منظمات إرهابية جديدة.
  • الجهد السياسي الذي قطعته مع النظام السوري لإحراز هدفها في الانفتاح على الشرق، حيث استطاعت تشييد نموذج ناجح من التعاون السياسي والاقتصادي الوثيق بينها وبين سوريا، وكانت تروِّج لمشروعها في الانفتاح عبر ذلك النموذج.
  • الحسابات الاقتصادية: فحجم الصادرات التركية لسوريا بلغت 1 مليار و611 مليون دولار، عوضًا عن عدد السياح السوريين الذين بدأوا يتوافدون بالآلاف إلى المدن التركية نتيجة رفع التأشيرة عام 2009، بالإضافة إلى الاستثمارات التركية المتنامية في سوريا وتلك السورية في تركيا، كما أن تنامي الأزمة كان سيؤدي إلى تأثر علاقات تركيا بعدة دول ذات صلة، كإيران وروسيا، وهو ما أحال تركيا للتوتر في البداية.

وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: لماذا ضحَّت تركيا بكل هذه المكاسب دفعة واحدة، لقاء وقوفها إلى «جانب» الشعب السوري الثائر على نظامه؟ [1]

بطبيعة الحال من السذاجة القول -جوابًا عن السؤال السابق- إن تركيا الديموقراطية تنطلق في دعمها لنضال الشعب السوري من مبادئها في نصرة قضايا الشعوب العادلة، ففي العلاقات الدولية تظل المصالح هي الأساس الذي تُبنى عليه. ومن السذاجة أيضًا القول -جوابًا على السؤال ذاته- إن تركيا تبحث عن فضاء حيوي ديموقراطي لمصالحها، يسمح لها بالضغط على دول الاتحاد الأوروبي من أجل قبول عضويتها فيه، أو بديلًا عنه. ومع أنه قد يكون في القولين السابقين بعض الصحة، غير أن الجواب الأقرب للصحة ينبغي البحث عنه في مجال آخر؛ هو مجال تأثير ما يجري في سوريا على الداخل التركي، واحتمال انتقال الصراعات المحتملة في سوريا إليها؛ نظرًا للعلاقات السكانية المتداخلة والمعقدة بين البلدين.

ثم مع تصاعد التوتر والقمع والقتل الذي ارتكبه نظام بشار الأسد لمواجهة الثورة السورية قررت تركيا فتح أبوابها أمام جميع السوريين، وتبعه قطع للعلاقات التركية السورية بالكامل في مايو 2012م، ولعل لإسقاط النظام السوري إحدى المقاتلات التركية في يونيو 2012م، بالقرب من اللاذقية، وتمادي النظام السوري في عملياته العسكرية ضد الشعب السوري؛ لعل تلك الأحداث كانت هي العوامل الرئيسة في دفع تركيا للاتجاه نحو تلك المرحلة، إذ شعرت بضرورة الاتجاه لدعم عسكري ولوجستي وسياسي مفتوح، يعزز من عملية إسقاط النظام، ورسَّخت تركيا الانتقال إلى هذه المرحلة عبر إعلانها الاعتراف في نهاية عام 2012م “بالتحالف الوطني لقوى الثورة السورية” على أنه الممثل الوحيد والشرعي للشعب السوري.

ومع ظهور وانتشار داعش في سوريا وسيطرتها على مناطق شاسعة من الأراضي السورية تشكل ما يُسمى “التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب”، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو التحالف الذي انطلقت غاراته وتحركاته من الأراضي التركية (عضو التحالف) من خلال قواعدها العسكرية؛ فكان لكل عضو من أعضاء التحالف أهداف يسعى لتحقيقها، قد لا تتوافق جميعها إلا في الشعار المستخدم “مواجهة الإرهاب” لكن لتركيا أهداف أخرى في المواجهة من خلال استهدافها حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش. فشددت تركيا الخناق والرقابة على المطارات والموانئ التركية والحدود تحت شعار مواجهة التنظيمات الإرهابية بعد أن كانت تفتح الأبواب على مصراعيها لهذه التنظيمات ذاتها سابقا للدخول إلى سوريا.

 

ومع تطور وتعاظم الدور الروسي الداعم لنظام بشار الأسد، وتغير موزاين القوة على الأرض وإعادة ترسيم مناطق النفوذ. وبعد 9 أشهر من توتر العلاقات التركية الروسية إثر حادث إسقاط المقاتلة الروسية بواسطة سلاح الجو التركي؛ انتقل أردوغان إلى روسيا حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، وتباحثا حول عدد من القضايا من بينها الأزمة السورية.

ثم أعقب ذلك زيارة وزير الخارجية التركي لإيران التي تدعم النظام السوري، وذلك بعد أسبوع من زيارة قام بها نظيره الإيراني لأنقرة. وهذه الزيارات أوضحت حدوث تحول في الرؤى والخطط التركية في الإقليم وتحالفاتها وتعاملها مع الأزمة السورية؛ حيث أعلن بعدها رئيس الوزراء التركي أن بلاده ترغب في أن تقوم بدور “أكثر نشاطًا” في الملف السوري خلال الفترة المقبلة.

وفي أغسطس 2016م شنَّت تركيا عملية عسكرية في سوريا أطلقت عليها “درع الفرات” تستهدف رسميًّا المليشيات الكردية والإرهابية .

و يمكن تلخيص محددات التغير  في السياسة التركية تجاه الأزمة السورية في:

  • اعتبارات سياسية داخلية تتمثل في إدارة الصرعات الداخلية مع القوى السياسية المختلفة مع حزب العدالة والتنمية.
  • اعتبارات سياسية إقليمية مع دول الجوار كالاتحاد الأوروبي، باستخدام أوراق ضغط مختلفة؛ والتي منها اللاجئون.
  • مناورة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من خلال التحالف والتقارب مع روسيا، خصوصًا عقب محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة، خصوصًا مع عدم إظهار أمريكا والاتحاد الأوروبي التضامن الكافي مع تركيا في هذه الأزمة.
  • كبح النزعات الانفصالية الكردية شمال سوريا من أجل الحفاظ على أمنها القومي، ومواجهة النزعات الانفصالية لحزب العمال الكردستاني بتركيا.
  • تغلب النزعة اليمينية الدافعة باتجاه مشروع “أوراسيا” بعد ارتفاع أسهم مجموعة من القوميين الذين تم تعيينهم في مناصب دبلوماسية رفيعة-بعد محاولة الانقلاب الأخيرة- واستهداف أردوغان لجماعة فتح الله غولن .
  • التعاون مع ترامب وبوتين رغبة في إضعاف النفوذ الإيراني واستعادة التوازن في المنطقة .

[1] الحياة

التعليقات مغلقة.