مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تداعيات صعود اليمين المتطرف الأوروبي ومدى تهديده للاجئين العرب (تحليل وتوقعات)

0 12

تداعيات صعود اليمين المتطرف الأوروبي ومدى تهديده للاجئين العرب (تحليل وتوقعات)

شهدت السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا لليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، وهو ما أثار قلقًا واسعًا على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية.

فهذه الظاهرة لم تقتصر آثارها على الداخل الأوروبي فقط، بل امتدت لتشمل العديد من الجوانب التي تمس العلاقات الأوروبية – العربية.

اليمين المتطرف جذوره ونشأته:

“اليمين المتطرف” وصف يُطلق على تيار سياسي يتركز أساسًا في أوروبا ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، ولديه تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتسم بميل شديد إلى المحافظة الدينية المسيحية.

ومن أشهر أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا: “الجبهة الوطنية” بفرنسا المعادية للأجانب والإسلام، وحزب الوسط الديمقراطي في سويسرا الذي كان وراء استفتاء على منع بناء المآذن في البلاد أُجري يوم 29 نوفمبر 2009، و”حركة بيغيدا” الألمانية التي تأسست عام 2014 والمناهضة لما تدعوه “أسلمة الغرب”.

ظهور مصطلح اليمين الأوروبي:

عندما انطلقت الثورة الفرنسية عام 1789 غيَّرت وجه السياسة العالمي، حينها اجتمع السياسيون لمناقشة حق النقض الذي كان سيُمنح للملك حينها، ومع احتدام النقاش تجمع الموالون للملك لويس الـ16 ولسلطته الكاملة إلى اليمين، أما الموالون لسلطة محدودة للملك فقد تجمعوا إلى اليسار، وكتبت الصحف الفرنسية عن تلك الحادثة وبدأ مصطلح اليمين واليسار، وشيئًا فشيئًا أصبح اليمين سمة “التقليديين” المحافظين على تقاليد الحكم المعترف بها، أما اليسار فأصبح سمة “التقدميين” الذين يؤمنون بسلطة الشعب.

هذا في عالم السياسة، أما في الاقتصاد فالأمر معكوس تمامًا، فاليمين يكون مع عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد (سوق حرة، ضرائب أقل، ورأس المال هو الأقوى، ولكل إنسان فرصته للتقدم)، أما اليسار فهو مع أن تكون الحكومة صاحبة الدور الأكبر في الاقتصاد، وأن تكون الضرائب أكثر على الأثرياء من أجل مد الحكومة بالمال والقوة، لإعادة هذه الأموال إلى الناس عبر التعليم والصحة فتتحقق المساواة.

لكن مع مرور الوقت جنح بعض اليمينيين يمينًا، ومنهم أدولف هتلر وبينيتو موسوليني، وهكذا ظهر بعد اليمين ما يُعرف بـ”أقصى اليمين” وسُمي أيضًا “اليمين المتطرف”، وتشكلت الفاشية والنازية، كما ظهر أيضًا إلى جانب اليسار مفهوم “أقصى اليسار” أو “اليسار المتطرف” في فترة صعود الاتحاد السوفياتي الذي ظهرت معه تيارات يسارية متشددة وتدعو إلى ما تسميه العنف الثوري.

النشأة والتطور لأحزاب اليمين المتطرف:

اتفق الدارسون للعلوم السياسية على أن أحزاب اليمين المتطرف تمثل في الواقع الأيديولوجيات الوطنية المنهزمة في الحرب العالمية الثانية مثل النازية والفاشية، أو ما تُعرف في الأدبيات الأوروبية بتيارات الوطنية/الاشتراكية المعروفة بمنزعها العنصري واعتمادها الشديد على العرق محددًا وأيديولوجية أساسية في التعامل مع الغير وتصنيفه.

ويتميز اليمين المتطرف في أوروبا بمعاداة شديدة لليهود، ولا سيما في ضوء تمكن اللوبيات اليهودية والصهيونية من مفاصل الاقتصاد والإعلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كما اشتدت تلك النزعة مع استغلال تلك اللوبيات المحرقة النازية ضد اليهود لممارسة نوع من الإرهاب الفكري والأخلاقي على الأوروبيين، خاصة بعد قيام إسرائيل في حرب عام 1948.

وإذا كانت معاداة اليهود متأصلة في أوروبا -وألمانيا النازية أحد أبرز تجلياتها- فإن الماسونية أيضًا من أهم أعداء اليمين المتطرف في بواكير ظهوره، كما كانت له مواقف متحفظة، بل معادية أحيانًا للأنظمة الجمهورية وللنموذج الديمقراطي الليبرالي، فضلاً عن النزعة العنصرية الكلاسيكية(1).

الفرق بين اليمين واليسار الأوروبي في ظل السياسات الحديثة:

إن كلمة “اليسار” ظهرت كمصطلح سياسي عندما استُعملت أول مرة في أحد برلمانات أوروبا، إشارة إلى النواب الذين كانوا يجلسون على يسار الرئيس، بينما سُمي الذين كانوا على يمينه بـ”اليمين”.

وكان من المصادفة أن الذين كانوا يجلسون على يساره كانوا يمثلون بصورة عامة الطبقة العاملة والقوى الكادحة على العموم، في حين كان الذين يجلسون على يمينه يمثلون قوة الرأسمال والأغنياء وأصحاب الأموال على العموم أيضًا؛ من هنا إذًا بدأ مصطلح “اليسار” يأخذ مضمونًا أو بعدًا إيديولوجيًّا، فصارت إيديولوجيا اليسار تعبر بصورة أو بأخرى عن هذه الواقعة الاجتماعية.

وعندما انتشرت الماركسية بين صفوف المثقفين وصفوف العمال، وكان هذا في أوروبا بطبيعة الحال، ارتبط اليسار نوعًا ما من الارتباط بالفلسفة الماركسية نفسها.

وبما أن رجال الكنيسة عمومًا كانوا مع القوى القديمة أي مع القوى المالكة لزمام الأمور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أي مع اليمين، فلقد صُنفت الكنيسة وبالتالي الدين بالمفهوم الأوروبي مع اليمين ورُبط به، بينما اعتُبر اليسار ممثلاً لتلك الطبقة الكادحة وعلى العموم للفئات الاجتماعية المتحررة نوعًا ما من الهواجس الدينية.

هكذا إذًا أصبح مفهوم يسار / يمين ذا بعدين، بعد اقتصادي يتحدد أساسًا بالعلاقة مع وسائل الإنتاج (بملكيتها: اليمين، أو عدم ملكيتها: اليسار)، وبعد إيديولوجي يتحدد أساسًا بنوع النظرة الميتافيزيقية للكون، النظرة الدينية (اليمين)، والنظرة المادية الموسومة بالعمالية (اليسار).

وبالارتباط مع هذين البعدين، ومع البعد الإيديولوجي بصفة خاصة، ظهر مرادفان، أو رديفان، لمصطلح يسار / يمين هو مصطلح تقدمي / رجعي، فأصبحت التقدمية سمة لليسار والرجعية سمة لليمين.

وحيثما يكون البعد الاقتصادي في التصنيف ضعيفًا أو منعدمًا كان البعد الإيديولوجي يقوم مقامه، وهكذا غدا التقدمي هو المتحرر دينيًّا، والرجعي هو المتمسك بالدين. فصار التقدمي بهذا المعنى يساريًّا حتى ولو لم يكن من صفوف الكادحين، وصار الرجعي بهذا المعنى أيضًا يمينيًّا، حتى ولو لم يكن من صفوف الأغنياء.

وتعزز هذا التمييز المزدوج مع قيام الاتحاد السوفيتي وتزعمه للمعسكر الاشتراكي على الصعيد الدولي أي للطبقة العاملة كطبقة واحدة عبر العالم: “أيها العمال في جميع أنحاء العالم اتحدوا”.

فأصبح اليسار -أو مصطلح اليسار- يتحدد إضافة إلى ما سبق بالارتباط مع الاتحاد السوفيتي، واليمين يتحدد بالارتباط مع الغرب الرأسمالي، هكذا أضيف بعد ثالث هو البعد الدولي إلى مضمون يسار / يمين(2).

وسيلعب هذا البعد الدولي دورًا مهمًّا خلال حقبة ما سُمي بالحرب الباردة بين المعسكرين؛ إذ سيصبح الانتماء إلى اليسار يتحدد أساسًا بمناصرة الاتحاد السوفيتي، والانتماء إلى اليمين يتحدد بالارتباط بالغرب الرأسمالي! وسيلعب هذا البعد الدولي دورًا كبيرًا وخطيرًا في العالم الثالث حيث تحتفظ القبيلة والطائفة بمكانة في المجتمع تسمو أحيانًا على مكانة الطبقة، نظرًا لضعف الاقتصاد وتخلفه وغياب طبقة عاملة حقيقية صناعية تستحق هذا الاسم، وغياب طبقة رأسمالية مالكة لوسائل الإنتاج.

فصار اليسار إذًا يدل على انتماء دولي أكثر منه تعبيرًا عن واقع اقتصادي اجتماعي! لقد أصبح دالًّا على مشروع مستقبلي يتحقق “في الحاضر”، في الاتحاد السوفيتي.

وبما أن الاتحاد السوفيتي قد قام من أجل تحقيق الاشتراكية، فلقد ارتبط الكفاح من أجل الاشتراكية بالانتماء إلى معسكره. وصارت مناصرته مؤشرًا على الاختيار الاشتراكي.

فكر ومعتقدات اليمين المتطرف:

ويمكن القول: إن اليمين المتطرف في أوروبا يتصف بالتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني ومعاداة المسلمين خاصة والمهاجرين عامة، وذلك لأنه يرى أن ما يحدث من جرائم وسرقات بسبب زيادة الهجرة وأن لدى المسلمين والأجانب عامة عادات وتقاليد جلبوها من بلادهم الفقيرة فلا يحبون أن تدخل مثل تلك العادات بلادهم.

ورغم أن تشكيلات ومشارب أحزاب اليمين المتطرف تختلف حسب السياقات الخاصة بكل بلد، فإنها تشترك كلها في خصائص عامة ومرتكزات إيديولوجية تميزه كتيار سياسي واحد ومتجانس، ومن هذه الخصائص النزعة الوطنية المفرطة والرافضة لكل أشكال الاندماج الإقليمي (كونفدرالية، اتحاد قاري… إلخ) بحجة حماية السيادة الوطنية.

كما أن لليمين المتطرف نزعة متأصلة نحو رفض الرأسمالية والليبرالية ليس لذاتهما وإنما خوفًا من التحولات العميقة التي عادة ما تصاحبهما خاصة على مستوى القيم والأخلاق، بل إن اليمين المتطرف معروف بتحفظه على بعض مقتضيات مواثيق حقوق الإنسان في الغرب، ودافعه إلى ذلك ديني نابع في أساسه من التقاليد المسيحية.

ومن ناحية المشاركة السياسية يُمكن تقسيم اليمين المتطرف إلى أحزاب احتجاجية هدفها الأساس تسجيل مواقف وتعبئة مستمرة في صفوف أنصارها، من أجل تسويق خطاب تحريضي هدفه التشويش الإعلامي أكثرَ من التأثير في واقع الأمور، ويُطلق على هذا الصنف اسم “اليمين الشعبوي المتطرف”.

وهناك صنف آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية جعله يعدِّل خطابه ليكون مقبولاً لدى جزء من ناخبي اليمين في عمومهم، وملائمًا كذلك لمتطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية وبالتالي الاختلاف.

وقد حققت هذه الأحزاب مكاسب سياسية مهمة في العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، وشاركت في حكومات وصارت ممثلة في برلمانات بلدانها وكذلك في البرلمان الأوروبي.

منذ ثمانينيات القرن العشرين، شهد اليمين المتطرف تحولًا جذريًّا في أولوياته وبالتالي في أعدائهِ وحلفائه، ومعروف أن الحركات المتطرفة تستند إلى هذه الثنائية أكثر من استنادها إلى برنامج سياسي يمكنه أن يجمع حوله أطيافًا واسعة من المجتمع.

وهكذا بدأ اليمين المتطرف يهتم أكثر فأكثر بموضوع الهجرة والاندماج مع تصدره النقاش السياسي في عدد من بلدان أوروبا الغربية ذات التقاليد العريقة في الهجرة بحكم الماضي الاستعماري، ثم بسبب الحاجة إلى اليد العاملة القادمة من وراء البحار في مرحلة الإعمار اللاحقة للحرب العالمية الثانية.

وبحلول تسعينيات القرن العشرين، باتت الهجرة الشغل الشاغل لليمين المتطرف الذي يُسوِّق إشكالاتها العديدة (وأولها الاندماج والهوية) لإضفاء قابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته. وهكذا طوَّر اليمين المتطرف خطابه ضد الهجرة لإكسابه حجية أقوى لدى قطاعات أوسع من المواطنين الأوروبيين(3).

أبرز الجماعات الأوروبية المنتمية لليمين المتطرف:

وفيما يأتي نذكر أبرزَ الجماعات والتنظيمات لليمين المتطرف في أوروبا:

في بريطانيا: جماعةُ “الملائكة التسعة” التي تنشر أفكارها في مواقع الإنترنت، وجماعة “ناشيونال أكشن”، وجماعة “أتوموافن”، وجماعة “البديل الوطني” التي تدعو إلى طرد السكَّان غير البيض من المملكة المتحدة، وحركة “بريطانيا أوّلاً” التي أضحت أكبرَ تجمُّع لليمين المتطرف في البلاد، على الرغم من حداثة تأسيسها عام 2011م. و”حزب الاستقلال البريطاني” الذي كان من أكبر الأحزاب المعارضة للاتحاد الأوروبي وسياساته.

في فرنسا: جماعةُ “القوَّات العملية” قبل تفكُّكها عام 2018م، وجماعة “لي بارجول” التي حُلَّت في العام نفسه؛ بسبب اتِّهامها بالتخطيط لاغتيال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. إضافةً إلى جماعات أُخرى مثل: جيل الهُوية، وباستيون سوسيال، وكومبات 18، ومنظمة الجيش السرِّي.

في ألمانيا: حركةُ “كويردينكن”، وحركة “التفكير الجانبي”، وحركة “بيغيدا”، و”لواء العاصفة 44″، و”نسر الشَّمال” التي حُظِرت في يونيو 2020م، و”مواطنو الريخ”، و”عصابة الذئاب البيضاء الإرهابية”، و”ألترميديا”.

في بلجيكا: “الحزبُ القومي الفلامنكي”، وحزب “المصلحة الفلامنكية”، وجماعة “الدروع والأصدقاء”، و”الياقات البيضاء”، ومنظمة “شيلد آند فريندز”(4).

مؤشرات ودلالات وأسباب صعود:

حظيت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي باهتمام بالغ خلال السنوات الأخيرة، وسعى بعض الباحثين إلى تطوير مقاربات نظرية تحاول تفسير الظاهرة وتيسير فهمها.

ومن أبرز هذه النظريات:

1- نظرية الحرمان النسبي: وتميل إلى تفسير صعود اليمين المتطرف برغبة فئات محددة في الاحتجاج على ما تعتبره ضررًا لاحقًا بها جراء تحولات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ومن ثم فإن النجاح الانتخابي للأحزاب المتطرفة يعود إلى التصويت الاحتجاجي للفئات المذكورة أكثر مما يعبر عن قبول شعبي للظاهرة.

وهذا التفسير لا يخلو من وجاهة، لكنه يصطدم بحقائق مثل كون تشابه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدد من البلدان لم يؤدِ إلى نفس النتائج السياسية، ومثل التنوع الملحوظ في الخلفيات الاجتماعية لناشطي أحزاب اليمين المتطرف وناخبيها، ناهيك عن أن هذه الأحزاب أصبحت تتمتع -كما هو الحال في فرنسا- بقاعدة انتخابية مستقرة ومتنامية باطراد.

2- نظرية السياسة الجديدة: ويرى أصحابها أن الأحزاب التقليدية لم تعد مؤهلة للاستجابة للمشكلات التي تطرحها المجتمعات الحالية، وأن المناخ السياسي يميل بالتدريج إلى إضعاف الروابط الحزبية التقليدية.

ويؤكد هؤلاء أن تراجع الثقة في الممارسة السياسية من شأنه أن يزيد فرص ظهور خيارات سياسية غير عادية، خاصة أن تغير القيم في المجتمعات المعاصرة تجاوز قدرة الخيارات التقليدية على مواكبة التحولات الاجتماعية واستيعابها.

مقتضى هذه المقاربة أن اليمين المتطرف ليس سوى ابن طبيعي للمجتمع الأوروبي الراهن، مثلما أن أحزاب الخضر اعتُبرت حين ظهورها ابنًا شرعيًّا لهذا المجتمع.

لكن نظريات السياسة الجديدة -وإن وفقت في رصد تأثير التحولات القيمية والبنيوية داخل المجتمع على الحياة السياسية- لا تقدم توضيحات كافية حول متى يحدث هذا التغيير ولا كيف تتغير تفضيلات الناخبين أو في أي اتجاه تتحول.

3- نظرية الطلب الاجتماعي: وفحوى هذه النظرية، القريبة من سابقتها والمكملة لها، أن نجاح اليمين المتطرف الانتخابي يعكس مصادفة خطابه لأهواء قطاعات اجتماعية عريضة عرفت خلال العقود الأخيرة انتشارًا متزايدًا لمشاعر التعصب العرقي والثقافي وكراهية الأجانب والضجر من قيم الحرية والمساواة والتضامن.

غير أن مشكلة هذه النظرية -مثل سابقتيها- أنها لا تقدم تفسيرًا مقنعًا لتفاوت مستويات النجاح الانتخابي لليمين المتطرف حسب البلدان، رغم تشابه أوضاعها وتجانس شعوبها من حيث المشاعر وأنماط السلوك والتوجهات الاجتماعية…

وكل ذلك يفيد بأن الظاهرة مستعصية على التأطير النظري المغلق، ومن ثم فإن فهمها واستيعاب أبعادها المختلفة يتطلب مقاربة أكثر تكاملاً.

“الصعود المسجل الآن لا يمثل نجاحًا لأحزاب اليمين هذه بقدر ما يعتبر فشلًا لطبقة سياسية أصابها الترهل ونال منها الفساد، وعرضًا لمأساة مجتمعات أوهنتها الشيخوخة وتعرضت لأزمة قيم”.

مسلسل صعود اليمين المتطرف في أوروبا:

مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات حدثت تغيرات كثيرة في أوروبا نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية متمثلة في حلف وارسو وتأسيس الاتحاد الأوروبي نتيجة معاهدة ماستريخت 1992، نتيجة لما سبق، فإن الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تعود لأصولها العرقية وهو ما ساهم في ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد، في 2008، بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، أدت هذه الأزمة لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم وخاصة المسلمين وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم.

وفي 2008 أيضًا، حدث حدث جليل فقد قامت الأحزاب اليمينية في أوروبا بخطوة جديدة في معاداة المهاجرين وخاصة المسلمين فقامت بإنشاء منظمة تهدف لمكافحة “الأسلمة” في أوروبا والتي حملت اسم “المدن ضد الأسلمة”.

ومن عوامل صعود نجم اليمين المتطرف أيضًا: أن زيادة سرعة الاندماج الأوروبي أدى إلى زيادة المخاوف من أن ذلك الاندماج سيأتي على حساب الخصوصية الوطنية والمحلية.

في 2011 ومع بداية ما عُرف بالربيع العربي، ظهرت عدة صراعات في الشرق الأوسط من الأزمة السورية إلى الأزمة الليبية واليمنية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتدهور الأحوال المعيشية للمواطن العربي كل ذلك أدى لزيادة الهجرة واللجوء لأوروبا، ومع زيادة الهجمات الإرهابية من حادث تشارلي إيبدو إلى باريس إلى بروكسل وغيرها من الهجمات، وأيضًا مع زيادة منافسة المهاجرين على الوظائف الموجودة وفي ظل وجود نسبة بطالة، كل ذلك أدى لزيادة المخاوف عند الكثير من الأوروبيين على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم وعلى الجنس الأوروبي وأيضًا الخوف من اختفاء دولة الرفاهية.

إنَّ الحديث عن “اليمين المتطرف” أو “الشوفينية الوطنية المرضية” يحتل اليوم، كمفهوم سياسي أو “سوسيو-بوليتيكي” مساحات واسعة من الجدل النظري بشأن هذه الظاهرة السياسية المقلقة، إلا أنَّ الاتجاه عن الحديث حول تطرف اليمين هو الذي صار يسود، مع الوقت، بالقياس إلى شدة التطرف في سياقات الخطابات نفسها من جهة، وانتماءات الخيارات الإيديولوجية لهذه التوجهات إلى نزعات سياسية يمينية ما فتئت تقاومها اليسار وتقوم بالدرجة الأولى على خطابات وطنية وخيارات محلية، سواء بالقياس إلى الهموم الثقافية، أو الاقتصادية أو الهوية السياسية للدولة الوطنية من جهة أخرى وهي الخيارات التي لا تقلق الإيديولوجيات اليسارية بذاتها، وإن اشتركت معها في بعض الرهانات المرحلية لـ”دولة وطنية” قائمة.

يعتمد الخطاب الشوفيني، الذي يوظفه اليمين المتطرف في معاركه السياسية والانتخابية بواسطة الإعلام الوطني، على إشكالية الهوية الثقافية وتهديدات العولمة أو الهجرة أو الاختلاط المتعسف، لخصوصيتها الحضارية واللغوية بل الوطنية، معتمدًا ذلك كأهم سلاح لترويج برنامجه الشوفيني المتطرف، مقدِّمًا مسألة “الانغلاق” على الوطن والأمَّة وإغلاق الحدود ومنع دخول الأجانب -بل وطردهم من البلد- كأهم وسيلة لحماية “الهوية الوطنية” الغالية، وهو الخطاب الذي يذهب في هذا الاتجاه إلى درجة عداء الجيران الأوروبيين أنفسهم، والمطالبة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أو إلغاء التداول بالعملة الأوروبية الموحدة.

على أنَّ حروب هذه التيارات الشوفينية في أوروبا تقوم، بالدرجة الأولى على عداوة العرب والمسلمين، وذلك في سياقات خطابية وإيديولوجية متعسفة ضد الإسلام وحضارته، وتقديمه كتهديد مباشر للهوية المسيحية لأوروبا من جهة، وكتهديد ديمغرافي سيجعل من أوروبا قارة مسلمة في القريب العاجل، بالقياس إلى ارتفاع معدلات الولادات عند الأسر المسلمة المستقرة في فضاءات هذه القارة من جهة ثانية، بخاصة وأنَّ نسبة المسلمين في أوروبا صارت تفوق العشرين مليون نسمة، منهم ستة ملايين في فرنسا وحدها. (5).

أرقام في مسيرة الصعود اليمينية بأوروبا:

يمثل الصعود الجماعي السمة المميزة لليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا، فقد شهدت فرنسا صعود الجبهة الوطنية وشهدت النمسا في التسعينيات صعود “يورج هايدر” المحافظ المتطرف وتأييد الجماهير له بعد هجومه على المهاجرين.

وفي هولندا بداية العشرينيات من القرن الحالي نال “بيم فورتوين” تأييدًا عبر التحذير من المهاجرين المسلمين الذين يقوضون التقاليد الهولندية الليبرالية، وفي إيطاليا نجح اليمين متمثلاً في حركة رابطة الشمال وحزب الخمسة نجوم.

فقد بدأ صعود الجبهة الوطنية الفرنسية في الانتخابات المحلية في عام 1983. وحصل الحزب في الانتخابات الأوروبية في عام 1984 على 11% من الأصوات.

وقد استمر صعود الجبهة الوطنية في الانتخابات المحلية الفرنسية وفي الانتخابات البرلمانية الأوروبية، فقد حصل في انتخابات عام 1989 على نسبة 11.8% من الأصوات. واستمر أيضًا التقدم على مستوى الانتخابات الرئاسية، ويُعد التقدم الأبرز ما حققه “جان ماري لوبان” في الانتخابات الرئاسية عام 2002 إذ حصل على 16.95% من الأصوات في الجولة الأولى.

في إيطاليا، حقق حزب رابطة الشمال الإيطالي 10% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الإيطالية عام 1996، وحقق الحزب بالتحالف مع الحزب اليميني المتطرف التحالف الوطني انتصارًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية في عام 2001.

أما حزب الحرية النمساوي تحت قيادة “يورج هايدر”، فقد تصاعدت نسبة التصويت له في انتخابات عام 1994 لتتجاوز 20%. وفي الانتخابات الأوروبية عام 1996 فقد حصل الحزب على 27.6%.

في الدنمارك، حصل حزب الشعب الدنماركي على 7.4% في الانتخابات البرلمانية الدنماركية في عام 1998. ثم أخذت مكانته بالتزايد. وفي هولندا حقق حزب بيم فورتيون 17% في الانتخابات التشريعية في عام 2002.

وقد شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة في عام 2019 تقدمًا للأحزاب اليمينية المتطرفة في دول؛ مثل: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال حقق حزب بريكست بزعامة “نايجل فاراج” فوزًا واضحًا وحصد 32.84% من الأصوات. وفي فرنسا فاز حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده “ماري لوبان” بنسبة 23.31% من الأصوات. وفي إيطاليا حصل حزب ليغا بزعامة “ماتيو سالفيني” على 33.64% من الأصوات. أما في هنغاريا فقد حصل الحزب المجري القومي اليميني على 52.14% من الأصوات.

تداعيات صعود اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا:

تنطلق الأحزاب اليمينية المتطرفة من رؤية متشددة قومية معادية للأجانب عامةً وللمسلمين بشكلٍ خاص، وتعتمد في كسب المؤيدين على الخطاب الشعبوي الذي يقوم على أطروحات تعميمية ووعود غير مضمونة التنفيذ.

في هذا الإطار، تم وضع مقولات وتصورات تلك الأحزاب عن وجود الإسلام والمسلمين في الغرب، ومن ذلك إرجاع ارتفاع نسبة البطالة إلى ارتفاع عدد المسلمين دون تقديم أرقام أو إحصاءات أو تقارير رسمية تفيد ذلك. بذلك انتقل الخطاب اليميني المتطرف من العنصرية التقليدية إلى العنصرية الانتقائية ليتم التركيز على العداء والعنصرية ضد المسلمين تحديدًا عبر توظيف الإسلاموفوبيا.

لقد كان العرب والمسلمون هم المستهدفون على أرض الواقع أكثر من سواهم، من عمليات الاعتداء الجسدي في الشوارع والأماكن العامة، وحرق المنازل، وجرائم القتل، فضلاً عن ازدياد التمييز العنصري على حسابهم في الحياة اليومية على صعيد العمل والمسكن مثلًا، وحتى في نطاق تعامل الدوائر الأمنية مع ظاهرة التطرف وضحاياها. ويمكن تعليل استهداف العرب والمسلمين في الدرجة الأولى بأسباب عديدة، منها:

– الأجنبي غير المسلم في بلد أوروبي غربي لا يتميز بمظهره العام أو سلوكه المعيشي بصورة تلفت النظر عن أهل البلاد الأصليين إذا كان من بلد أوروبي شرقي مثلًا، على النقيض من غالبية العرب والمسلمين القادمين من بلدان أخرى من الجنوب.

– نادرًا ما تميَّزت الإحصاءات الرسمية الغربية بين فرد وآخر من حيث انتمائه الديني، ولكن الحديث عن طالبي اللجوء والمهاجرين بسبب الحروب كان يقترن على الدوام بمثل هذا التمييز على ألسنة المسؤولين في مناصب سياسية وإدارية وبأقلام المحررين في وسائل الإعلام، حيث يُراد التركيز على ربط مشكلة اللجوء بالانتماء إلى بلدان إسلامية.

– التقارير الدورية حول أوضاع الجريمة في البلدان الأوروبية التي يمكن أن تتضمن ارتفاعًا محدودًا في أوساط الأجانب بالمقارنة مع أهل البلاد الأصليين، وهذا ما يفسره مثلاً أن نسبة انتشار البطالة والفقر بينهم تزيد على الضعف عادةً، ولكن كثيرًا من المسؤولين السياسيين، وفي ظل الميل الحزبي المتزايد نحو “اليمين” عمومًا، كانوا يبرزون في تعليقاتهم مدى “الخطر” الكامن في تلك الأرقام عندما يتحدَّثون عن ضرورة اتخاذ إجراءات مضادة. وهنا يلفت النظر أيضًا أن عدم تحديد الجنسيات أو الانتماء الديني في التقارير الدورية بوضوح يأتي على حساب العرب والمسلمين، فالواقع هو أن الجرائم عمومًا لا سيما الأخطر من سواها كتجارة الرقيق الأبيض والمخدرات، إنما تقوم عليها عصابات منظمة من البلدان الشرقية بأوروبا بالتعاون مع مثيلاتها في بلدان غربية، وليس فيها من المسلمين إلا القليل النادر.

– ويضاف إلى ما سبق: أن مستوى الجهل أو العداء للإسلام، والذي صنعته المناهج المدرسية ووسائل الإعلام في الدرجة الأولى، وساهم فيه المسلمون في الغرب عمومًا نتيجة قدر لا بأس به من “الانعزالية” من جانبهم، هذا الجهل أو العداء، كان من وراء المخاوف الأولى التي انتشرت بين عامة السكان عندما أصبحت آثار الصحوة الإسلامية ظاهرة للعيان في الدول الأوروبية نفسها، رغم أن تلك الآثار اتخذت مظاهر بسيطة نسبيًّا كانتشار الحجاب بين الفتيات، وازدياد إقبال الشباب على المساجد.

والأهم من جميع النقاط السابقة هو أن جميع هذه التطورات السلبية كانت تجد ما يُعززها بقوة في المناخ الرسمي المعادي للإسلام نفسه، فقد انتقل هذا العداء بصورة شاملة منذ مطلع التسعينيات من فئة المستشرقين فيما مضى، ومن مستوى الكتب المدرسية والكنسية ووسائل الإعلام والترفيه، إلى أعلى أجهزة صناعة القرار الغربي في القطاعات الأمنية والسياسية والفكرية، كما هو معروف شعار “صراع الحضارات” وربما ما هو غير معروف عمومًا عن شعار “الإسلام عدو بديل”(6).

تداعيات وسيناريوهات صعود اليمين المتطرف على أرض الملفات العالمية:

العلاقات الدبلوماسية والتجارية:

صعود اليمين المتطرف أثر أيضًا على العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الدول الأوروبية والمنطقة العربية:

– تراجع التعاون الدولي: إذ تميل الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى سياسات انعزالية، مما يؤدي إلى تقليص الدعم والمساعدات المقدمة للدول العربية.

– تأثر التبادل التجاري: قد تؤدي السياسات الحمائية التي تتبناها بعض الحكومات اليمينية إلى تقليل الصادرات والواردات بين أوروبا والدول العربية، مما يؤثر على الاقتصاديات المحلية.

القضية الفلسطينية:

لطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا رئيسًا في العلاقات العربية – الأوروبية، ومع صعود اليمين المتطرف، شهدت السياسة الأوروبية تجاه هذه القضية تغيرات ملحوظة:

– دعم أكبر لإسرائيل: بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة تتبنى مواقف داعمة لإسرائيل بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى تهميش حقوق الفلسطينيين وتقليل الدعم الدولي لقضيتهم.

– تقليل الضغوط على إسرائيل: تراجع الضغوط الأوروبية على إسرائيل لوقف الاستيطان والانتهاكات بحق الفلسطينيين.

التعاون الأمني والعسكري:

على الرغم من التداعيات السلبية، هناك بعض الجوانب التي قد تشهد تعاونًا مشتركًا بين الدول الأوروبية والعربية:

– مكافحة الإرهاب: قد تدفع التهديدات المشتركة من الإرهاب الجانبين إلى تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي لمواجهة هذه الظاهرة.

– التدريبات العسكرية المشتركة: قد تؤدي التحديات الأمنية المشتركة إلى زيادة التعاون في مجالات التدريب العسكري وتبادل الخبرات(7، 8).

شواهد أوروبية يمينية عنصرية:

يطول الحديث والتأكيد على عدم ديمقراطية الدول الأوروبية سواء بممارسات النظام الرسمي الفعلية، أم بتواطؤ النظام الرسمي مع جهات أخرى، وسنتناول هنا عددًا من الدول الأوروبية لنبين مدى بعدها عن المبادئ الديمقراطية، وذلك على النحو التالي:

(1) فرنسا: أعلنت عقب الهجمات التي تعرضت إليها في (عام 2015م) حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور، الأمر الذي وسَّع من السلطات الاستثنائية للحكومة، من بينها التفتيش دون إذن قضائي، ووضع أشخاص قيد الإقامة الجبرية دون موافقة قضائية، ما أثار مخاوف بشأن الحق في الحرية، وحرية الحركة، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التعبير. وسجلت الحكومة (50 حالة) اعتداء وتهديد ضد مسلمين بين (7 و12 يناير 2016م) فقط. وأصدر وزير العدل، في (12 يناير 2016م) تعليمات إلى أعضاء النيابة العامة بالتعامل استنادًا إلى القانون الجنائي في مواجهة الحديث عن (تمجيد الإرهاب)، والحديث عن معاداة السامية أو العنصرية ذو الصلة بهجمات باريس. ومصطلح تمجيد الإرهاب هو مصطلح فضفاض قد يشمل أي حديث لا يحرض على العنف. كما سنت فرنسا في (يوليو 2015م) قانونًا يسمح للحكومة بإجراء مراقبة رقمية شاملة على نطاق واسع ودون الحصول على إذن قضائي مسبق، في خرق للحق في الخصوصية، وفي (نوفمبر 2015م) أقر البرلمان الفرنسي قانونًا يسمح بمراقبة الاتصالات الإلكترونية المرسلة أو المستلمة من الخارج.

(2) ألمانيا: سجلت الشرطة الفيدرالية (473 حالة) اعتداء ضد أماكن إقامة طالبي اللجوء في الأشهر التسعة الأولى من العام (2015م)، وذلك أكثر من ضعف إجمالي حالات الاعتداء في (عام 2014م)، نتيجة لصعود منظمات اليمين المتطرف وتنامي حركة المحتجين ضد المهاجرين خلال العام (2015م) لا سيما في الشرق.

(3) اليونان: واجه آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في اليونان استقبالاً وأوضاع احتجاز مرعبة في اليونان، وانتشرت أخبار مشاركة حرس الحدود اليوناني في عمليات طرد جماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، وصدهم على الحدود البرية مع تركيا، إلى جانب احتجاز السلطات اليونانية طالبي اللجوء والأطفال المهاجرين المسجلين باعتبارهم أحداثًا لفترات أطول -غالبًا- من البالغين أو الأطفال المسافرين مع عائلاتهم، حتى تعثر لهم على أماكن إيواء. وقد قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمسؤولية اليونان عن المعاملة اللَّا إنسانية والمهينة داخل مراكز احتجاز الهجرة في 5 قضايا منفصلة في العام (2015م).

(4) المجر: أقامت الحكومة المجرية سياجًا على طول حدودها مع صربيا، وأقامت سياجًا على حدودها مع كرواتيا، وانتهجت السلطات المجرية نظامًا حدوديًّا جديدًا عبر تغييرات قانونية جرت في (يوليو وأغسطس 2015م) تجرم الدخول المخالف للقواعد، وتعتبر صربيا (بلدًا ثالثًا آمنًا)، ما سمح بإعادة سريعة لطالبي اللجوء الذين عبروا منها، كما واصلت الحكومة كذلك تقييد حرية وسائل الإعلام، وقد أصدر مجلس لجنة فينسيا الأوروبية رأيًا في (مايو 2015م) بشأن وسائل الإعلام المجرية، مؤكدًا على المخاوف المستمرة بشأن اللائحة الغامضة لتنظيم محتوى البث لا سيما حظر انتقاد الآراء السياسية أو الدينية، وبشأن المحتوى الذي ينتهك حقوق الخصوصية.

(5) إسبانيا: دخل قانون جنائي معدل وقانون جديد للأمن العام حيز التنفيذ منذ (يوليو 2015م)، وهو قانون يشمل بنودًا تُعرِّف جرائم الإرهاب بعبارات فضفاضة، وتنتهك حقوق حرية التعبير والتجمع السلمي، منها فرض غرامات باهظة على الاحتجاجات العفوية وقلة الاحترام لعناصر إنفاذ القانون، وعقوبات أقسى جراء مقاومة السلطات في سياق الاحتجاجات، ممَّا يؤدي ذلك إلى تطبيق عقوبات غير متناسبة أو تقديرية.

(6) إستونيا: وهي دولة تحتل المرتبة العاشرة عالميًّا في عدد السكان عديمي الجنسية، بوجود نحو (6.3%) من سكان البلاد البالغ عددهم (1.3 مليون نسمة) بدون جنسية حتى (يونيو 2015م) بحسب تقرير وزارة الداخلية، ولا يتمتع عديمو الجنسية بحقوق التوظيف الكاملة، ويُمنعون من الاشتغال بعديد من المهن، مثل مناصب هيئات الخدمة المدنية القومية والمحلية والشرطة والجمارك، وقد لا يمكنهم أن يصبحوا أعضاء النيابة العامة أو قضاة أو كُتاب دوائر العدل.

(7) بريطانيا: سجلت شرطة لندن زيادة بنسبة (46.7%) في جرائم معاداة الإسلام بين (يناير ويوليو 2015م)، مقارنة بالعام (2014م).

(8) إيطاليا: تتبع إيطاليا إجراءات فرز تحرم جنسيات بعينها من التقدم بطلبات لجوء ويؤمرون بمغادرة البلاد.

(9) كرواتيا: لا يزال هناك تمييز وعنف بحق أعضاء الأقليات الإثنية، لا سيما الغجر والصرب(9).

الخلاصة:

أصبح صعودُ اليمين المتطرف ظاهرةً عالميةً ناميةً، وأضحى الصُّعود اللافت للأحزاب اليمينية في أوروبا مقلقًا، فلم تَعُد مجرَّدَ أحزاب صغيرة تتبنَّى بعض الأفكار الشعبوية.

ومن المتوقَّع أن يؤثِّر ذلك في المشهد السياسي والاجتماعي الأوروبي، وقد تلجأ القُوى السياسية التقليدية في بعض بلدان أوروبا إلى تبنِّي إجراءات متشدِّدة للحدِّ من نفوذ اليمين المتطرف، والحفاظ على كتلتها التصويتية في الانتخابات، وقد يؤثِّر ذلك في عدد من السياسات الأوروبية تجاه بعض القضايا المحورية.

كذلك من المتوقَّع أن تزدادَ المخاوف من تهديدٍ أكبرَ للأقلِّيات في أوروبا؛ نتيجةَ انتشار خطاب اليمين المتطرف، ممَّا يجعل مستقبل أوروبا مهدَّدًا؛ بسبب الصعود المطَّرد لقُوى التيار اليميني المتشدِّد، ومساعيها في تكوين تحالفات سياسية؛ لتمرير برامجها وسياساتها المتشدِّدة الهادفة إلى السيطرة الكاملة على المشهد السياسي الأوروبي. وهذا يفرضُ على الحكومات الأوروبية البحثَ عن مخرج سياسي ناجح لحالة الاستقطاب التي تشهدها بعضُ البلدان الأوروبية.

ولابد أن نعلم علم يقين أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا يحمل في طياته العديد من التداعيات على المنطقة العربية، تتراوح بين زيادة التشدد تجاه المهاجرين وتأثر العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وصولاً إلى تأثيرات على القضية الفلسطينية وظاهرة التطرف والإرهاب. لذلك، يجب على الدول العربية أن تكون مستعدة لمواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، والعمل على تحسين الأوضاع الداخلية لتقليل تداعيات هذه الظاهرة على مجتمعاتها واقتصادياتها.

المصادر:

1_ الجزيرة

2_ مجلة الدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية

3_ مجلة السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف

4_ مجلة التحالف الاسلامي والعسكري لمحاربة الارهاب

5_ الحرة

6_ مركز الحضارة الاسلامية

7_ بي بي سي

8_ الجزيرة

9_ الخليج أون لاين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.