fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

جهود دبلوماسية مصرية بنكهة اقتصادية لإيجاد سوق بديل عن السوق الأوروبي

111

جهود دبلوماسية مصرية بنكهة اقتصادية لإيجاد سوق بديل عن السوق الأوروبي

مصر واحدة من دول العالم الثالث التي تعتمد على جزءٍ كبيرٍ من الواردات لتأمين احتياجاتها المختلفة، لدرجة أن حجم واردات الدولة المصرية تخطى الـ 80.7 مليار دولار في أقل من عام واحد؛ إذ أعلن جهاز التعبئة والإحصاء في بيان رسمي عن زيادة حجم واردات مصر خلال الـ 10 شهور الأولى من العام الفائت “2022” لتبلغ 80.7 مليار دولار بـزيادة قدرها 8.1 مليار دولار عن العام قبل الماضي “2021”، بحسب ما ذكره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم السبت 14 يناير 2023.

وبحسب تقرير آخر صادر عن وزارة التجارة والصناعة، فإن مصر استوردت سلعًا بقيمة 68.3 مليار دولار في المدة من شهر يناير وحتى سبتمبر من العام الماضي، وأن النسبة الأكبر من هذه الواردات هي سلع غير بترولية؛ إذ مثَّلت هذه السلع 91% من واردات مصر من السلع عن المدة سالفة الذكر، وبقيمة 63.4 مليار دولار، أما النسبة المتبقية فهي سلع بترولية بحسب ما ذكر التقرير.

أزمة توفير الدولار:

زيادة حجم الواردات ليس هو الأزمة في حدِّ ذاتها، بل إن الأزمة تتمثَّل في صعوبة توفير السيولة الدولارية اللازمة لاستكمال عملية الاستيراد؛ إذ تعاني مصر أزمة كبيرة في توفير الدولار الأمريكي، وتخطى سعر العملة الخضراء في البنوك المصرية حاجز الـ 30 جنيهًا، بينما في السوق السوداء فقد ترتفع الأرقام كثيرًا.

وصعوبة توفير الدولار زادت من قيمة العجز في الميزان التجاري لدى مصر، ووصل هذا العجز إلى أرقام مرتفعة بشكل ملفت، حيث أفادت إحصائيات رسمية: أن العجز وصل 3.58 مليار دولار خلال شهر أكتوبر الماضي فقط؛ خاصة بعد تراجع قيمة الصادرات المصرية بما يعادل 9.4%؛ الأمر الذي أثَّر على توافر العملة الخضراء وأدَّى إلى ارتفاع نسبة العجز في الميزان التجاري المصري بهذا الشكل.

مصر تبحث عن السوق البديل:

الأرقام سالفة الذكر وغيرها من الأرقام والمؤشرات؛ بالإضافة إلى الوضع السياسي في أوروبا والغرب، تكشف أن مصر بحاجة إلى التحرك السريع لتأمين وارداتها من خلال أسواق جديدة ومختلفة بعيدًا عن التوترات السياسية والحاجة للعملة الأمريكية، ومِن هنا جاءت الجهود الدبلوماسية والزيارات الخارجية التي انطلق فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي للأراضي الأسيوية، تلك الزيارات الدبلوماسية التي تميَّزت بالنكهة الاقتصادية هي خطوة من ضمن خطوات عِدَّة تسعى الحكومة من خلالها لتحسين أدائها الاقتصادي، وحماية أمنها الغذائي.

تواصل الدبلوماسية المصرية بذل جهودها في فتح أطر وآفاق جديدة؛ فكانت البداية مع زيارة الرئيس السيسي لدولة الهند، ثم أعقبها بزيارة لدولة أذربيجان، واختتمتها مؤسسة الرئاسة بزيارة تاريخية إلى أرمينيا التي لم تطأ قدم رئيس مصري أراضيها من قبل، واصطبغت هذه الزيارة بصبغة اقتصادية في المقام الأول.

البُعد الاقتصادي لزيارات السيسي الأسيوية:

أوضح محمد فايز فرحات في تصريحات صحفية: أن هذه الزيارة تعكس اهتمام القاهرة بالدول الآسيوية على وجه التحديد، وخاصة بعض الأقاليم التي لم تكن تجمعها بمصر علاقات قوية من قبل، كحال آسيا الوسطى وإقليم القوقاز، موضحًا: أن هذه الزيارات، وخاصة التي حدثت الأسبوع الأخير، تأتي في إطار ما يمكن تسميته: بـ”أولوية دبلوماسية التنمية”.

وأفاد فرحات: أن ما يدلل على هذا التوجه ويدعمه بقوة: أن هذه الجولات الأخيرة اصطبغت بالصبغة الاقتصادية الخالصة، وأن ذلك اتضح جليًّا من اللقاءات المتعددة مع مجتمعات الأعمال في الدول التي تزورها مؤسسة الرئاسة، كما أوضح أن هذا الأمر يأتي في إطار عملية التنمية الاقتصادية، وفي إطار جذب الاستثمار وترويج الفرص الاستثمارية في مصر.

وبيَّن مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة: أن البُعد الاقتصادي للجولات الرئاسية للأراضي الآسيوية، تستهدف مضاعفة حجم التبادل التجاري بين مصر وبين هذه الدول؛ بالإضافة إلى أنها تستهدف دعم تنمية الاقتصاد المصري في الداخل، علاوة على عرض الإصلاحات الهيكلية التي تجري في الاقتصاد المصري على مجتمع رجال العمال في الدول الآسيوية التي هي محط زيارات الرئاسة المصرية واهتمامها.

الهند بديلًا عن الغرب:

الهند واقتصادها الواعد هي البديل عن الغرب الأوروبي الذي يعاني ويلات الحرب، ويشتكي موجات تضخم بنسب مرتفعة، بل هي مرشحة لتصبح مصدر دعم قوي للاقتصاد المصري؛ نظرًا لما تمتلكه الهند من مقومات اقتصادية كبيرة، وبصفتها ثاني أكثر دول العالم من حيث عدد السكان، وهو ما يمنح مصر فرصة أكبر في فتح أسواق جديدة وكبيرة أمام المنتجات المصرية من جهة، واحتمالية جذب السياح الهنود من جهة أخرى، بحسب الدكتور نصر سالم أستاذ العلوم الإستراتيجية.

وأشاد نصر في تصريحات متلفزة، بالدبلوماسية المصرية التي بدأت تبحث عن بدائل أخرى عن السوق الأوروبي، مؤكِّدًا: أن هذا التوجه توجه صحيح؛ لا سيما أن الهند كانت إحدى هذه البدائل، مؤكِّدًا: أن الهند واحدة من أكبر اقتصادات العالم؛ خاصة في ظلِّ انغلاق الغرب وتركيزه على الحرب الروسية الأوكرانية، بجانب حالة التضخم التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

أذربيجان مصدر آخر للنفط:

أما فيما يخص الزيارة المصرية لدولة أذربيجان؛ فقد أوضح السفير حسين هريدي -مساعد وزير الخارجية الأسبق-: أن هذه الزيارة بخلاف أهميتها الإستراتيجية؛ فإن لها فوائد اقتصادية عدة، موضحًا: أن هذه الدولة تمتلك مقومات عدة، وأن أبرز هذه المقومات هو: النفط، والغاز، مشيرًا إلى أن أذربيجان هي دولة غنية بالنفط والغاز.

وأشاد هريدي في تصريحات متلفزة بالتعاون المصري مع أذربيجان في مسألة الغاز والنفط، مؤكدًا: أن هذا التعاون بهذا الشكل وفي هذا التوقيت هو أمر في غاية الأهمية؛ لا سيما أن مصر مرشحة خلال السنوات المقبلة، أن تكون أحد المحاور الأساسية للطاقة خاصة في الغاز الطبيعي.

أرمينيا والقطاع الزراعي:

أوضحنا في السطور السابقة جزءًا مِن البُعد الاقتصادي للجولات الدبلوماسية التي أجرتها مؤسسة الرئاسة إلى كلٍّ مِن: الهند، وأذربيجان، حيث اتضح أن الأولى مرشحة؛ لما تمتلكه من مقومات أن تكون بديلة عن السوق الأوروبي بالنسبة لمصر، بينما اتضح أن الثانية هي مصدر قوي للغاز والنفط، وتخدم المشروع المصري الذي يهدف إلى تحويل القاهرة لمركز وسوق للطاقة.

أما أرمينيا التي كانت بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية المصرية -حيث لم يزورها رئيس مصري من قبل-؛ فإنها تمتلك قطاعًا زراعيًّا مميزًا، ومناخًا استثماريًّا قويًّا؛ الأمر الذي يمثِّل نقطة دعم للاقتصاد المصري، وَفْقًا لما ذكره الدكتور محمود عنبر مستشار البنك الدولي وأستاذ الاقتصاد.

وأوضح عنبر في تصريحات متلفزة: أن أرمينيا لديها ميزة نسبية من حيث القطاع الزراعي؛ فضلًا عن أنها تمتلك العديد من العوامل التي تؤهِّل زيادة الاستثمار بينها وبين مصر، موضحًا: أن القاهرة يمكنها أن تصبح مركزًا للنفاذ لهذه الدول نحو الأسواق العربية والإفريقية، مشيرًا إلى إمكانية حدوث ذلك على أرض الواقع؛ خاصة مع تدشين منظمة التجارة الحرة التي تسعى للتكامل بين هذه البلدان وبعضها البعض.

الخلاصة:

الوضع الاقتصادي السابق ذكره بالإضافة إلى توتر الأوضاع السياسية في دول العالم؛ جعل مِن الضرورة الملحة البحث عن أسواق أخرى بديلة، أو -على الأقل- أسواق موازية للسوق الأوروبي، كما يجب على مصر ألا تتوقف عن محاولاتها في تأمين احتياجاتها؛ نظرًا لطبيعة اقتصادها، وقد تكون السوق الأسيوية هي الأقرب لتكون سوقًا بديلًا، أو موازية للسوق الأوروبي، كما يجب على مصر تعظيم الاستثمار في القطاع الزراعي، وتأمين حاجتها حتى لو كانت تكلفة الزراعة أعلى من تكلفة الاستيراد حاليًا.

مصادر تم الاستعانة بها:

روسيا اليوم

مصراوي
القاهرة 24:

اليوم السابع

الأهرام

المصري اليوم

إندبندنت عربية
الموقع الرسمي لجهاز التعبئة والإحصاء

التعليقات مغلقة.