fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

النظام الجمركي وتأثيره السلبي على أسعار السوق والاقتصاد المصري

54

يعد النظام الجمركي واحدًا من أهم الأنظمة التي تؤثِّر في اقتصاد الدول بشكل مباشر؛ خاصة تلك الدول التي يعتمد ميزانها التجاري على الواردات أكثر من الصادرات -كما الحال في مصر-؛ لذلك يجب أن يتم الارتقاء بعمل المنظومة الجمركية وإزالة كافة العراقيل التي يمكن أن تؤدي إلى تراكم السلع والمنتجات في الموانئ والجمارك المختلفة.

وبالنسبة للنظام الجمركي في مصر؛ فإنه يعاني من عدة مشكلات -نستعرضها في السطور التالية-، لكن المشكلة الأبرز التي تواجهه في المرحلة الحالية هي عدم القدرة على توفير السيولة الدولارية بشكل فعال؛ مما أدَّى إلى احتجاز العديد من السلع في الجمارك.

ولذلك أعلنت الحكومة المصرية عن بذل كافة جهودها لتوفير كميات كبيرة من الدولار وتخصيصها للإفراج الجمركي عن هذه السلع، حيث أعلنت أنها نجحت في تخصيص ما يزيد عن 8.5 مليار دولار -بحسب ما أعلنه مجلس الوزاء يوم الخميس الموافق الثاني عشر من شهر يناير الماضي- من أجل الإفراج عن السلع المحجوزة في الموانئ، فضلًا عن أنشهر يناير -من العام الجاري- وحده شهد تخصيص ما يزيد عن 1.5 مليار دولار من أجل الإفراج عن سلع مختلفة تم استيرادها من الخارج(1).

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن أسعار السلع لم تشهد انخفاضًا كما كان متوقعًا، وكما أعلن الخبراء من قبل، حيث قالوا: إن الإفراجات الجمركية سوف تساهم في خفض أسعار السلع، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع، فما السر في ذلك؟(2).

في السطور التالية مركز “رواق” للأبحاث يرصد جوانب الأزمة، وهل أزمة الدولار وحدها هي السبب وراء احتجاز السلع في الجمارك أم أن النظام الجمركي ككل جزء من الأزمة، كما نسلط الضوء على تأثير احتجاز السلع في الجمارك على الاقتصاد المصري ككل، وعلى أسعار السوق المحلي على وجه التحديد، ولماذا لم تؤثر الإفراجات الجمركية على ضبط الأسعار؟ وفي الأخير نضع حلولًا مقترحة لحل مشكلة احتجاز السلع في الجمارك، كما نعرج على الآليات التي يمكن من خلالها تحسين النظام الجمركي.

تأثير الدولار وأزمة سعر الصرف على احتجاز السلع في الجمارك:

ترتبط أزمة الصرف وأزمة الدولار في مصر بشكل وثيق بمشكلة احتجاز السلع في الجمارك، حيث تؤثر هاتان الأزمتان على عمليات الاستيراد والتصدير في البلاد؛ ففي الوقت الحالي تعاني مصر من نقص في الدولار الأمريكي الذي يعتبر العملة الرئيسية المستخدمة في عمليات الاستيراد والتصدير، ويؤدي هذا النقص إلى صعوبة في تأمين الدولار اللازم لسداد الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى المتعلقة بعمليات الاستيراد؛ مما يتسبب في تأخير إخراج السلع من الجمارك، وبالتالي فإن نقص الدولار وارتفاع سعر الصرف يؤديان إلى تزايد تكاليف الاستيراد وتأخير إخراج البضائع المحتجزة في الجمارك، مما يؤثر على الأعمال التجارية ويزيد من الخسائر المالية للشركات والمستوردين.

وتواجه مصر منذ مدة طويلة مشكلة في توفير الدولار، حيث تعتمد البلاد على استيراد الكثير من السلع والمواد الخام، وتحتاج إلى دولارات لدفع قيمة الفواتير، ولكن بسبب تراجع إيرادات السياحة والاستثمار، وتراجع أسعار النفط والمواد الخام التي تصدرها مصر؛ انخفضت الدولارات المتوفرة في البلاد.

وتؤثر مشكلة توفير الدولار على مختلف القطاعات الاقتصادية، وبشكل خاص على المستوردين والصناعات الكبرى التي تعتمد على الاستيراد لتصنيع منتجاتها؛ فعندما تواجه البلاد صعوبات في توفير الدولار يكون من الصعب على المستوردين دفع قيمة الفواتير بالدولار؛ مما يؤدي إلى تأخير وصول السلع إلى الجمارك، وبسبب تأخير وصول السلع يضطر المستوردون إلى ترك السلع في المخازن والمستودعات لمدة أطول، وبالتالي تزيد التكلفة الإجمالية وتتكبد الشركات خسائر كبيرة في عمليات الإنتاج والتصنيع.

كما أن أزمة الدولار وأزمة الصرف في مصر تعد من أبرز المشكلات الاقتصادية التي تواجه البلاد في الوقت الحالي، إذ يعاني الاقتصاد المصري من نقص حاد في الدولار الأمريكي الذي يعد العملة الرئيسية المستخدمة في عمليات الاستيراد والتصدير، وتزداد هذه المشكلة تعقيدًا في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، حيث يؤدي هذا الارتفاع إلى تزايد التكاليف الجمركية واللوجستية للشركات والمستوردين، كما يزيد من الصعوبة في تأمين الدولار اللازم لسداد تلك التكاليف، وبالتالي يؤدي هذا التأخير في إخراج السلع من الجمارك إلى زيادة التكاليف الإجمالية للشركات والمستوردين، وتأثير سلبي على الأعمال التجارية في البلاد(3).

تأثير مشكلة احتجاز السلع في الجمارك على الاقتصاد المصري ككل:

يمكن أن تؤثر مشكلة الاحتجاز الجمركي للسلع على الاستثمار في البلاد والثقة بالاقتصاد، فعندما يتعرَّض المستوردون لمشاكل في استلام سلعهم، يمكن أن يفقدوا الثقة في النظام الجمركي، مما يؤثر على الاستثمار في البلاد ويضعف الاقتصاد المصري، كما يمكن أن يؤثر هذا على الثقة بين الشركات والأطراف المختلفة في العمليات التجارية في مصر، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الثقة بالاقتصاد(4).

كما يمكن أن تؤثر مشكلة احتجاز السلع في الجمارك بشكل سلبي على الاقتصاد المصري على عدة جوانب، بما في ذلك:

تأثير على سلسلة التوريد: إذا كانت السلع محتجزة في الجمارك لمدة طويلة، فسيتم تأخير وصولها إلى المستهلكين والشركات، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على سلسلة التوريد والإمدادات، وربما يؤدي إلى نقص في السلع المتاحة.

زيادة التكاليف: يتطلب احتجاز السلع في الجمارك دفع رسوم تخزين وغيرها من الرسوم، مما يزيد من التكاليف الإجمالية للمستوردين والشركات، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المتاحة.

تأثير على الشركات: يمكن أن يؤثر احتجاز السلع في الجمارك بشكل كبير على أداء الشركات، حيث يمكن أن يتسبب في تأخير تسليم السلع للعملاء وتأثير سلبي على سمعة الشركة.

تأثير على الاستثمار: إذا كان هناك مشكلة مستمرة في احتجاز السلع في الجمارك، فقد يتردد المستثمرون في الاستثمار في البلاد، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على الاقتصاد المصري بشكل عام.

تأثير مشكلة الاحتجاز الجمركي على أسعار السوق:

يمكن أن تؤثر مشكلة الاحتجاز الجمركي للسلع على الأسعار في السوق المصري بشكل مباشر عندما تؤدي إلى نقص في المعروض من المنتجات الاستهلاكية والتي يتم استيرادها عادةً من الخارج، فعندما يواجه المستهلكون ندرة في المنتجات؛ يتزايد الطلب عليها، ويمكن للتجار رفع الأسعار بشكل أكبر؛ نظرًا للندرة التي يواجهونها، وبالتالي يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الأسعار بشكل كبير، وبالتالي يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين.

كما تؤثر مشكلة احتجاز السلع في الجمارك ومشكلة توفير الدولار على السلع وأسعارها بشكل مباشر وغير مباشر، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها:

انخفاض المعروض: عندما يتعذر على المستوردين استلام السلع، يقل المعروض في السوق المحلي، مما يزيد من الطلب عليها ويؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

تراجع القدرة التنافسية: عندما يرتفع سعر السلع في السوق المحلي بسبب تكاليف الاستيراد والتخليص الجمركي، تصبح السلع المحلية التي تنافسها غير جذابة اقتصاديًّا، ويزيد ذلك من تراجع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

تراجع القدرة الشرائية: عندما ترتفع أسعار السلع يتعذر على الأفراد شرائها بسبب ارتفاع التكاليف، مما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وهذا يزيد من تراجع النمو الاقتصادي(5).

لماذا لم تساعد الإفراجات الجمركية الأخيرة في خفض أسعار السلع؟

يمكن أن تساعد الإفراجات الجمركية الأخيرة في تحسين إمدادات السلع وتوفيرها بشكل أسرع في الأسواق، مما يؤدي إلى زيادة المعروض من هذه السلع وتخفيض الأسعار، ومع ذلك، لا يمكن أن تكون هذه الإفراجات الجمركية الوحيدة السبب في خفض الأسعار بشكل كبير، حيث تؤثر عدة عوامل أخرى على أسعار السلع، مثل: العرض والطلب، وتكلفة الإنتاج، والنقل، وغيرها.

لذلك، يجب أن يتم تحسين النظام الجمركي بشكل شامل؛ بالإضافة إلى تحسين اللوجستيات والبنية التحتية وتطوير الاستثمارات وتنمية الصادرات، من أجل خفض تكلفة الإنتاج وزيادة الإنتاجية والتنافسية، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي وتقليل الضغط على الأسعار(6).

مشاكل النظام الجمركي بعيدًا عن الدولار:

وبعيدًا عن أزمة الدولار وأزمة سعر الصرف، تواجه مصر مشكلة مع احتجاز السلع في الجمارك بسبب الإجراءات التي فرضتها الحكومة لمكافحة التهرب الضريبي وتحقيق إيرادات أعلى من الرسوم الجمركية، وتتسبب هذه الإجراءات في تأخير إخراج البضائع المحتجزة في الجمارك، مما يؤثر على الأعمال التجارية ويزيد من التكاليف والخسائر المالية للشركات والمستوردين، وقد أعرب بعض المهتمين والجهات المعنية في مصر عن قلقهم بشأن هذه المشكلة، ودعوا إلى اتخاذ إجراءات لتخفيف الأعباء عن الشركات، وتسهيل عمليات استيراد البضائع.

وتهدف الإجراءات التي فرضتها الحكومة المصرية إلى زيادة الإيرادات الضريبية وتحقيق عدالة في توزيع الأعباء الضريبية، ومن بين هذه الإجراءات تشديد الرقابة على استيراد البضائع وفرض ضرائب عالية على بعض السلع، وذلك لضمان أن يتم دفع الرسوم الجمركية المستحقة وتجنب التهرب الضريبي.

ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات تؤدي إلى تأخير إخراج البضائع المحتجزة في الجمارك، وتتسبب في زيادة تكاليف الشحن والتخزين والتأمين والإيجار، مما يؤثر سلبًا على الأعمال التجارية، ويسبب خسائر مالية للشركات والمستوردين(7).

وقد أعربت بعض الجهات المعنية في مصر عن قلقها من هذه المشكلة، ودعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لتخفيف الأعباء عن الشركات وتسهيل عمليات استيراد البضائع.

كيف يمكن تحسين النظام الجمركي في مصر؟

يمكن تحسين النظام الجمركي في مصر عن طريق اتخاذ عدة إجراءات، منها:

تبسيط الإجراءات الجمركية: يمكن تبسيط الإجراءات الجمركية وتقليل البيروقراطية، وتسهيل الإجراءات الإدارية والإلكترونية، وتحسين الخدمات اللوجستية في الموانئ، والحدود البرية والجوية.

تحسين التدريب والتعليم: يمكن تحسين التدريب والتعليم في مجال الجمارك والتجارة الدولية، وتقديم الدورات التدريبية والورش العملية للموظفين الجمركيين لتحسين كفاءتهم وتطوير مهاراتهم.

تحسين الرقابة والمراقبة: يمكن تحسين الرقابة والمراقبة على السلع المستوردة والمصدرة، وضمان جودتها والتحقق من المعايير الفنية والصحية والبيئية، والحد من التهريب والتزوير والمخالفات الجمركية.

تطوير النظام الإلكتروني: يمكن تطوير النظام الإلكتروني للجمارك، وتوفير بيئة رقمية آمنة وفعالة لتسهيل التداول التجاري، وتقليل الاحتكاكات، وتحسين الشفافية والمصداقية.

تعزيز التعاون الدولي: يمكن تعزيز التعاون الدولي في مجال الجمارك، وتوقيع الاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى، والمشاركة في المنظمات الدولية المختصة بالتجارة والجمارك والتعاون الإقليمي.

تحسين الخدمات الجمركية: يمكن تحسين الخدمات الجمركية المقدمة للمستوردين والمصدرين، وتقليل الوقت اللازم للإفراج عن البضائع، وتقديم الخدمات المميزة للمستوردين والمصدرين، مثل: توفير الخدمات الإلكترونية لتبسيط الإجراءات الجمركية، وتسهيل تنفيذ العمليات التجارية.

 كما يمكن تقديم خدمات متخصصة، مثل: خدمات التخليص السريع للبضائع ذات الأولوية، وتوفير الاستشارات الجمركية والتوجيه للمستوردين والمصدرين حول القواعد واللوائح الجمركية، كذلك يمكن توفير خدمات النقل والتخزين، والتأمين على البضائع لتحسين خدمات اللوجستية في الموانئ والحدود البرية والجوية (8).

حل مشكلة احتجاز السلع في الجمارك:

استعرضنا في السطور السابقة بعض الحلول والمقترحات لتحسين النظام الجمركي بوجه عام، والآن نستعرض الحلول والمقترحات التي يمكنها الحد من مشكلة احتجاز السلع في الجمارك.

وهناك عدة طرق لحل مشكلة احتجاز السلع في الجمارك والقضاء عليها، نستعرض منها ما يلي:

زيادة الكفاءة في الجمارك: يمكن تحسين الكفاءة في الجمارك من خلال تطبيق تقنيات حديثة وتطوير البنية التحتية، وتدريب الموظفين على الإجراءات الجمركية والإجراءات اللوجستية اللازمة.

تبسيط الإجراءات الجمركية: يمكن تبسيط الإجراءات الجمركية للسلع غير المحظورة والتي لا تتطلب فحصًا دقيقًا؛ مما يسهل ويسرع إخراج السلع من الجمارك، ويحد من مشكلة الاحتجاز.

تطوير البنية التحتية: يمكن تطوير البنية التحتية في الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية، مما يساعد على تسريع وتسهيل إجراءات الجمارك، وتقليل مشكلة الاحتجاز.

الحلول الرقمية: يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة، والحلول الرقمية لتسهيل إجراءات الجمارك، وتحسين الرصد والتحكم في حركة السلع، وتقليل فرص الاحتجاز.

الحوار مع المستوردين والمصدرين: يمكن التعاون مع المستوردين والمصدرين لتحديد أفضل الحلول للحد من مشكلة الاحتجاز، مثل: تحديد المواعيد المناسبة لإخراج السلع وتنسيق عملية الاستيراد والتصدير.

الخلاصة:

تعد مشكلة احتجاز السلع في الجمارك أزمة كبرى تهدد الاقتصادي المصري، وتؤثر سلبًا على أسعار السلع والمنتجات، وترتبط أحيانًا هذه المشكلة بأزمة الدولار وسعر الصرف، لكنها ترتبط في أحيان كثيرة بطبيعة النظام الجمركي في مصر.

وإذا كانت مشكلة احتجاز السلع في الجمارك مرتبطة بالسبب الأول أو الثاني، فإن هناك العديد من الخطوات التي يمكن اتخاذها لحل مشكلة احتجاز السلع في الجمارك، نستعرض منها ما يلي:

زيادة إنتاجية الصادرات؛ بالإضافة إلى تحسين مناخ الاستثمار، حيث يمكن تحسين مناخ الاستثمار في مصر عن طريق تسهيل الإجراءات الحكومية وتقليل البيروقراطية والتحفيز على الاستثمار.

زيادة التعاون الاقتصادي الإقليمي: يمكن تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر ودول الجوار والتعاون الاقتصادي في المنطقة.

تطوير الصناعات المحلية: يمكن تطوير الصناعات المحلية في مصر وزيادة إنتاجها وتنويعها، وذلك يمكن أن يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويساعد على تحسين التوازن التجاري للبلاد.

تحسين إجراءات التخليص الجمركي: يمكن تحسين إجراءات التخليص الجمركي في مصر وتبسيطها وتحسين النظام الجمركي.

تحسين سياسات توفير الدولار؛ بالإضافة إلى تحسين السياسات الاقتصادية والتشريعية.

مصادر تم الاستعانة بها:

  1. المصري اليوم:
  2. النبأ
  3. إندبندنت عربية
  4. المصري اليوم
  5. أخبار اليوم
  6. الشروق
  7. عالم المال
  8. العربية

التعليقات مغلقة.