fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أحوال الطبقة المتوسطة في ظل برامج الإصلاح الاقتصادي

227

 

في عام 2016م أعلنت الحكومة عن برنامج للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون مع صندوق النقد، كان هدفه تصويب مسار الاقتصاد المصري، وعلاج اختلالات هيكلية ومشاكل مزمنة تمثَّلت في عجزٍ شديدٍ في الميزانية، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة العجز في الميزان التجاري، والانخفاض المتتالي لمستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي في ظل وجود سعرين للصرف وقتها، وهو ما دفع الحكومة والبنك المركزي للإعلان عن برنامج إصلاح اقتصادي ومالي بتحرير سعر الصرف وتبني برنامج بالشراكة مع صندوق النقد لتحصل مصر بمقتضاه على 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

وتوازى معها إصلاحات تشريعية وهيكلية ومؤسسية، وتم استهداف الدعم واتخاذ إجراءات لرفع أسعار الطاقة عدة مرات بهدف الوصول إلى أسعارها الحقيقية، وتوازى مع ذلك برنامج شامل للعدالة الاجتماعية، كان هدفه الوصول إلى الطبقات الأكثر احتياجًا وحمايتها من آثار القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذت، وتم ذلك من خلال حزمة إجراءات شملت إعادة هيكلة الدعم والتحول للدعم النقدي من خلال برامج تكافل وكرامة، وزيادة دعم السلع التموينية وعدد مستحقيها، واستهداف الطبقات الأكثر احتياجًا بتوفير السكن الملائم، وأخيرًا: إطلاق برامج شاملة للصحة والتعليم.

إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر:
وضعت السلطات المصرية حزمة شاملة من الإصلاحات لمساعدة الاقتصاد على التعافي، ومن المتوقع أن ينخفض عجز الميزانية العامة على مدار البرنامج من حوالي 98% من إجمالي الناتج المحلى في 2015/2016م إلى نحو 88% من إجمالي الناتج المحلى في 2018/2019 –عن طريق مراجعة سياسات الإنفاق والضرائب– مع حماية محدودي الدخل.
وتشمل هذه التدابير -على سبيل المثال- تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والنظر بصورةٍ أعمقٍ في دعم الطاقة الذي غالبًا ما ينطوي على تكلفة كبيرة، ويفيد الأثرياء أكثر من الفقراء، وإعادة توجيه هذا النوع من الإنفاق إلى الاحتياجات العاجلة، مثل: التعليم والصحة.
كذلك يهدف برنامج الإصلاح: إلى إضفاء مزيدٍ مِن المرونة على العملة المصرية، وتعزيز قدرة مصر التنافسية، وزيادة توافر النقد الأجنبي، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

إجراءات الحماية الاجتماعية المعتمدة لحماية محدودي الدخل:
هناك برامج مختلفة وضعتها السلطات لمساعدة محدودي الدخل، وكلها يستهدف في الأساس مساعدة الفئات الأكثر احتياجًا، وتشمل هذه البرامج زيادة دعم الغذاء، وإجراء إصلاحات في ميزانية معاشات الضمان الاجتماعي، ومن هذه البرامج:

– زيادة دعم المواد الغذائية عن طريق رفع قيمة الدعم المقدم من خلال بطاقات التموين الذكية من 15 إلى 21 جنيهًا مصريًّا للفرد.
– مد شبكة معاشات التضامن الاجتماعي لتشمل التغطية الطبية.
– التوسع في برنامج “تكافل وكرامة” ليغطي 1.7 مليون أسرة و7.3 مليون مستفيد.
– التوسع في ميزانية معاشات الضمان الاجتماعي لتغطي 1.7 مليون أسرة إضافية، إلى جانب زيادة معاشات التقاعد العامة.
– صرف علاوة استثنائية للموظفين الحكوميين بسبب ارتفاع التضخم.
– تقديم وجبات مدرسية مجانية، وتوصيلات غاز جديدة في الأحياء الفقيرة.
– تقوم الحكومة أيضا بتطبيق برامج أخرى موجهة إلى الشباب بالتحديد، وهو ما يشمل إتاحة المزيد من فرص التدريب المهني.
– تتعاون الحكومة مع القطاع الخاص لوضع برامج مبتكرة تكفل وسائل النقل والمواصلات الآمنة، وخاصة للنساء.
– ستقوم الحكومة بزيادة الدعم على ألبان الرضع وأدوية الأطفال.
– هناك برامج أصغر تستهدف فئات معينة من محدودي الدخل، مثل: البرامج التي تتيح مزيدًا من الوجبات المدرسية المجانية.
– ستُعطى أولوية أيضًا للاستثمار في البنية التحتية العامة.

السبب وراء قيام البنك المركزي بتشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة، ومدى تأثير ذلك على النمو:
القرار الذي اتخذه البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة يتسق مع هدف السلطات المتمثل في تخفيض التضخم لحماية المستويات المعيشية للشعب المصري، ويهدف البنك المركزي إلى تخفيض معدل التضخم الأساسي إلى رقم أحادي على المدى المتوسط.
وبينما يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة سلبًا على الاستثمار، يجب أن نتذكر أن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، الذي يمثِّل التضخم المنخفض عنصرًا أساسيًّا فيه، له نفس الأهمية في دعم الاستثمار والنمو، وكما أوضح البنك المركزي في بيانه، فإنه مستعد لتخفيض أسعار الفائدة مع انحسار الضغوط التضخمية.

مدى مساعدة قرض صندوق النقد الدولي للشعب المصري:
المساعدة المالية من الصندوق يمكن أن تدعم موارد مصر المالية في الوقت الذي تعمل فيه السلطات على تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي بهدف استعادة الاستقرار المالي، وتحقيق نمو قوي وغني بفرص العمل.
وبعبارة أخرى: يمكن أن توفِّر هذه المساعدة هامشًا من الحماية المالية بينما تجري مصر التغييرات اللازمة لمساعدة الاقتصاد على النمو مِن جديدٍ، وتحقيق الرخاء للجميع. ويمكن أيضًا أن تشكِّل هذه المساعدة حافزًا للدعم المالي من شركاء التنمية الآخرين، وتسهل وصول مصر إلى أسواق رأس المال الدولية.
وبشكلٍ عام، فإن قروض الصندوق تساعد البلدان على تحمل مشكلات السيولة الآنية، وهو ما يحدث، مثلًا حين تنقطع السبل أمامها للاستعانة بالأسواق المالية أو تكون استعانتها بهذه الأسواق ممكنة، ولكنها باهظة التكلفة.
وبالإضافة إلى ذلك: يقدِّم الصندوق قروضه بأسعار فائدة أقل بشكل عام من الأسعار المعتادة التي تدفعها الحكومات حين تقترض من الأسواق المالية المحلية أو الدولية.

وتجدر الإشارة إلى أن كثرة الاقتراض الحكومي من المصادر المحلية يقلِّص الموارد المالية المتاحة للقطاع الخاص؛ ولذلك فإن قروض الصندوق -كشكل من أشكال الاقتراض الخارجي- لها ميزة إضافية تتمثل في إتاحة مجال أكبر أمام البنوك المحلية لإقراض القطاع الخاص، ولا سيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر عاملًا أساسيًّا لخلق فرص العمل وتشجيع النمو الاحتوائي.

موقف برنامج الإصلاح الاقتصادي من الطبقة المتوسطة بعد تركيزه على الأقل دخلًا:
الإصلاحات التي قامت بها الحكومة في الشهور الأخيرة -أي: استحداث ضريبة القيمة المضافة وتعويم الجنيه المصري وتخفيض دعم الوقود- سيحصد ثمارها كل المصريين على المدى الطويل، وستساعد هذه الإصلاحات كلًّا من الطبقة المتوسطة والفئات الأقل دخلًا عن طريق زيادة النمو وخلق فرص العمل، ولكن هناك تكاليف على المدى القصير أيضًا.

مدى كون سعر الصرف المرن أفضل للاقتصاد المصري:
كان وضع مصر الخارجي غير قابل للاستمرار في ظل نظام الصرف السابق، فقد تسبب في نقص العملة الأجنبية على نحو يعوق سير الأعمال ويكبح النمو، كما أدى إلى ضعف القدرة التنافسية لمصر في مقابل بقية أنحاء العالم وخسارة الاحتياطيات لدى البنك المركزي، أما نظام سعر الصرف المرن الذي يتحدد فيه سعر الصرف تبعًا لقوى السوق؛ فسوف يحسِّن تنافسية مصر الخارجية، ويدعم الصادرات والسياحة، ويجذب الاستثمار الأجنبي، وسيساعد كل هذا في دعم النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجي.

قرض الصندوق والحوكمة الرشيدة وزيادة الشفافية في مصر:
يشجع الصندوق الحوكمة الرشيدة والشفافية عند إقراض أي بلد عضو لدعم برنامجه الاقتصادي، ونظرًا لأن ضعف الحوكمة قد يضر بالنشاط والرخاء الاقتصاديين، كذلك يتم التركيز على تحسين الحوكمة في عددٍ كبيرٍ مِن الإصلاحات الهيكلية ضمن البرامج التي يدعمها الصندوق، وهو ما يتحقق بطرق منها تحسين مراقبة مصروفات المالية العامة، ونشر الحسابات المدققة للأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة، وترشيد إدارة الإيرادات والحد مما تسببه من تشوهات، وتحسين إنفاذ الرقابة المصرفية.
وبالإضافة إلى ذلك: يشجع الصندوق الحوكمة الرشيدة من خلال تعزيز الشفافية في نشر الوثائق، بما في ذلك نشر كافة التقارير التي يعدها خبراؤه، فضلًا عن الالتزام بمعايير الشفافية الدولية، ويقوم الصندوق أيضًا بتقييم أطر الحوكمة والشفافية في البنوك المركزية للبلدان التي يقدم لها القروض.
وفى حالة مصر: سيتم تعزيز الإدارة المالية، وشفافية المالية العامة لتحسين الحوكمة، وتقديم الخدمات العامة، وتعزيز المساءلة في صنع السياسات، ومكافحة الفساد.

آراء بعض خبراء اقتصاد:
أجمع خبراء اقتصاد على تراجع الطبقة المتوسطة في مصر بعد سلسلة الزيادة في رفع الأسعار، وأكدوا أن نسبة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل 60% من الشعب المصري انزلقوا إلى طبقة الفقراء، وبالرغم من أن بعض الخبراء يرون أن القرارات الاقتصادية الأخيرة ورفع دعم الوقود كانت أمرًا حتميًّا، لكنهم لا يبررون أن يؤدي ذلك إلى تآكل الطبقة المتوسطة التي تعد العمود الفقري لأي مجتمع سوي.

وأوضحت الدكتورة “علياء المهدي” -عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سابقًا-: أن السنوات الست الأخيرة شهدت زيادة في الأسعار جعلت الأسر المتوسطة تتراجع لأقل من 40%، بعد أن انزلقت أسر كثيرة منها لمستوى الأسر الفقيرة، مؤكدة أن هذا يعد مؤشرا خطيرًا جدًّا على أي مجتمع، مضيفة: “الطبقة المتوسطة هي دائمًا ما تكون نبض المجتمع؛ لما تحصل عليه مِن قدرٍ كافٍ من التعليم والثقافة، تقدر من خلاله التعبير عن نفسها، وتوازن به المجتمع، ومن الملاحظ: أن كافة الثورات الأخيرة قامت بها الأسر المتوسطة مع الأغنياء، وأبرزها: ثورة 25 يناير، فلم تكن ثورة للفقراء“.
وأكدت أن المستوى المعيشي للأسر المتوسطة يعنى حياة آدمية مع قدرٍ كافٍ مِن الادخار، يمنحهم الأمان، وأن أي زيادة في الأسعار خاصة عندما تكون متتالية مثلما حدث مؤخرًا تؤدي إلى تراجع المقاييس المعيشية، وبالتالي تنازل أسر كثيرة عن بند الترفيه وإلغائه من جدولها، وتراجع مستوى الرعاية الصحية، ليصبح شغلهم الشاغل هو التعليم والمأكل والمشرب والمسكن، كضروريات للحياة، في ظل دخلهم الثابت.
كما أنه لتراجع الطبقة المتوسطة مردوده الاقتصادي والاجتماعي الذي يظهر في الكساد التضخمي، وهي أسوأ درجة قد يصل إليها الاقتصاد، فالكساد راجع لتراجع حركة البيع والشراء، بعد ارتفاع الأسعار، يقابله زيادة لا تنقص في أسعار السلع، وعلى المستوى الاجتماعي: تسود حالة من القلق في العلاقات، خاصة إذا كانت الأسرة المتوسطة خارج منظومة الدعم، بمعنى ألا تكون لديها -على سبيل المثال- بطاقة تموين، فيكون حالها أشد وطأة، وكان يجب على واضعي برنامج الإصلاح الاقتصادي إيجاد وسيلة لعلاج كل تلك السلبيات قبل تفعيل البرنامج.

ومن جانبه أوضح الدكتور “محمد عبد الحليم” -الأستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة الأزهر-: أن الأسر المتوسطة، والتي تمثِّل الأغلبية العظمى من شرائح المجتمعات السوية تصل نسبتها 60% من إجمالي سكانه، وأن الأثرياء جدًّا تصل نسبتهم 10% والأغنياء 10% والفقراء 20% على الأكثر، مشيرًا إلى أن تلك هي التقسيمة التي تجعل أي مجتمع يعيش في تكافؤ.
وأضاف: “الأسر المتوسطة في تقدير عدد الأفراد تتراوح بين 4 و5 أفراد، ويصل متوسط دخلهم 3000 جنيه، وهو الحد الأدنى في ظل الأحوال الاقتصادية الراهنة لتلبية الاحتياجات الأساسية جدًّا لحياتهم“.

وبعد الموجة الأخيرة في زيادة الأسعار التي تعاقبت بعد رفع أسعار البنزين يرى عبد الحليم أن الأسر المتوسطة الآن ذابت في المجتمع، ولم تعد تزيد نسبتها على 30%، أي بمقدار نصف المعدل الطبيعي، وهي دائمًا تتجه للأسوأ، ودائمًا ما تنحدر بها الأوضاع الاقتصادية لمستوى الأسر الفقيرة.
إن كل مَن تحدد دخله في تلك التغيرات الاقتصادية هو الأكثر عرضة للتأثر بها؛ لأن أصحاب الأعمال الحرة يبادرون على الفور بزيادة قيمة خدماتهم فور زيادة الأسعار، وبالتالي يعوض من خلال خدماته عبء الزيادة في الأسعار، ولا يشعر بها، ليظل ذوو الدخل الثابت في صراع مواجهة الغلاء سواء كانوا موظفين حاليين أو سابقين أو ملاك عقارات لها قيمة إيجارية ثابتة.
وترجع الأزمة في تآكل الطبقة المتوسطة إلى تراجع القيم والأخلاق في المجتمع؛ لأنها ميزان كافة المبادئ التي يحيا بها أي مجتمع، لكونهم لب المجتمع وأغلبيته، لكن غلاء المعيشة جعل هؤلاء يلهثون في السعي لإيجاد مصادر أخرى للدخل، فتجد المدرس أهمل العملية التعليمية للتفرغ للدروس، وباع ضميره ببيع نسخة الامتحان، والموظف الذي يسعى للانصراف مبكرًا للعمل على تاكسي يحقق له ربحًا، أو الطبيب الذي بحث عن عيادة في حي شعبي تحسن دخله، أو الفني الذى لا يتقن عمله لينتهي من أكثر من طلبية في اليوم الواحد، وهكذا تضيع كل القيم، وتتلاشى أمام أعيننا، بل تتعلمها الأجيال القادمة؛ لأن المجتمع دائرة تتصل ببعضها البعض لا مجال فيها للعزلة، وبعد انتشار الفساد والسلبيات يبدأ الناس يشعرون فيما بينهم بالغربة، فتكثر الجريمة.

وأكد: “المخرج الوحيد من تلك الأزمة هو العمل والإنتاج، والتحول من مجتمع تجاري إلى صناعي وزراعي، فالمعادلة السوية للمجتمع تؤكِّد أن نسبة الزراعة والصناعة 80% مقابل 20 تجارة وخدمات، اليوم نجد أن التجارة والخدمات تمثل 60% من المجتمع، وأصبح التاجر يكسب أكثر من المنتج؛ لأنهم يتلاعبون بالأسعار، وأصبحت التجارة الوسيلة الأسهل للربح، وهو ما يبرر نشاط تجارة الأجهزة التي يتم استيراد أجزائها لتجميعها وبيعها بدلًا من صناعتها“.

وعبرت فكرية عبد العظيم -رئيس جمعية التحرر الاقتصادي- عن حال المواطنين في تلك المرحلة قائلة: “كان الله في عونهم؛ لأنهم أمام وضع مفروض عليهم، حيث من المفترض أن يكون في مقابل رفع الدعم توفير خدمات للطبقة المتوسطة فهم الأغلبية، خاصة أننا في وضع عدم سيطرة على التجار لإحكام أسعار السلع”.
وترى أن خطوة زيادة الأسعار كان يجب أن يسبقها توافر عدد أكبر من الجمعيات الاستهلاكية، في كافة المناطق بلا استثناء، خاصة القرى والنجوع، دون الاعتماد فقط على منافذ القوات المسلحة المتنقلة، والتي قد لا تصل لعددٍ كبيرٍ من المواطنين، خاصة في الأحياء الراقية التي أصبح مواطنوها هي الأخرى غير قادرين على العيش بنفس المستوى المعيشي الذي اعتادوا عليه.
وتضيف: “موجة الغلاء لم تطل فئة بعينها، والسلعة الواحدة تباع بأكثر من ثمن، فأنا كمسئول أعي أن الزيادة في مصلحة البلد، لكن لابد أن تكون هناك رؤية مسبقة لزيادة الأسعار حتى لا تدع المواطن يواجه الموجة وحده؛ لابد أن يكون المواطن مع الدولة في الصورة، وأن يعرف ما العائد المنتظر، فمَن لم يهمه تلك الزيادات هم شريحة أقلية جدًّا، والواقع يقر بأن ثلثي الشعب في وضع الضحايا الآن“.

وعن تقيميها لوضع الطبقة المتوسطة الآن تقول: “وضعها مأساوي، وتكاد تكون تلاشت، وأبناؤها لم يعد بمقدورهم إيجاد منهج جديد يعيشون من خلاله، فقد ألقت بهم الدولة في موجة الغلاء، دون أن تمنحهم رؤية لتقنين وضعهم، وهم طبقة رغم محدودية دخلها لم تعتد على المعاناة أو البهدلة أو الإهانة في المصالح المجانية، وهم في ذات الوقت الأكثر كدحًا في العطاء للدولة، سواء كانوا أصحاب المعاشات، الذين أمضوا عمرهم في خدمة الدولة، أو الموظفين الذين يخرجون من بيوتهم كل يوم للعطاء والعمل”.
وتعود للحديث عن منافذ بيع السلع الأساسية والمحدد سعرها، قائلة: “ستكون الأكثر أمانًا للمواطن؛ لأنها تخضع لإشراف الدولة دون أن تلقي بهم في مصيدة التجار بائعي ضمائرهم ممَن يغشون السلع واللحوم والوجبات؛ لتحقيق المكسب السريع، واستغلال المواطن في هذا الوضع البائس، الذي فاقت فيه أعباء المواطن الحدود، وتجاوزت حدود الكرامة المواطنين”.

أما الدكتور محمد عبد الغفار -رئيس المجلس الاقتصادي الأفريقي- فيرى: أن عملية التحول الاقتصادي التي يقودها الرئيس حاليًا ليست بجديدة، وتم تأجيلها لعقود دون أن يجرؤ أي رئيس سابق على اتخاذ القرار في البدء بها، وتأتي تواكبًا مع ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية، دون اتخاذ إجراءات مماثلة في الاقتصاد المصري.
وقال: “تحول العالم من النظام الاشتراكي في فترة الخمسينيات إلى العولمة الاقتصادية، وتحرير الإدارة البينية بين الدول بحيث تكون كل دول العالم مفتوحة للمنتجات وللمنافسة؛ دمَّر الصناعات المحلية، وبالتبعية استبعدت منظمة التجارة العالمية اقتصاديات دول العالم النامي، ووضعتها تحت آليات السوق دون مراعاة لظروف الدول الأكثر فقرًا والدول النامية”.

وأكدت الدكتورة سعاد الديب -رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك-: أن الوضع الاجتماعي أصبح سيئًا جدًّا الآن، حيث فاقت قدراته احتمالات المواطنين.
وتطرقت لتوقيت فرض الزيادات قائلة: “إنها لم تراعِ احتياجات الناس، فزيادة البنزين الأخيرة جاءت مع موسم الدراسة القادم، بما انعكس سلبًا على الخدمات، ومنها على أضيق الوصف: الانتقالات، ومركبات التوصيل، وأضافت عبئًا جديدًا على الأهالي، خاصة الذين يجدون في تعليم أولادهم ثروتهم الحقيقية”.
ولم تتوقف الزيادة عند حد البنزين، بل ألقت بصداها على كل الخدمات الحرفية، وغير الحرفية المرتبطة بزيادات الكهرباء، والمياه، وغيرها، وأصبحنا أمام دوامة تشمل الجميع دون أي مجالٍ للبدائل.
وأضافت: “على مستوى حماية المستهلك نحن نلمس هموم الناس الذين يعانون طيلة الوقت من عدم تنظيم القرارات، خاصة في ظل عدم وجود رقابة حتى الخدمات الحكومية التي لم تزد سعرها، أصبح هناك ضغط عليها بشكلٍ جعلها غير آدمية، وبالتالي أصبحت تعاني تراجعًا في مستوى الخدمة“.

وقالت كريستين لاغارد -المدير العام لصندوق النقد الدولي-: “إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية بالتعاون مع الصندوق، قد ترك آثارًا على شرائح الشعب المصري “وخاصة الطبقة المتوسطة”؛ لذلك فإن هذا الأمر يتطلب من الحكومة المصرية التركيز خلال الفترة القادمة على إطلاق طاقات الاقتصاد لصالح تلك الطبقات“، بحسب بيان نشره الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للإعلام في مصر.

التعليقات مغلقة.