fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

كيف أضرَّت سياسات صندوق النقد الدولي باقتصادات الدول التي يتدخل بها؟

915

كيف أضرَّت سياسات صندوق النقد الدولي باقتصادات الدول التي يتدخل بها؟

أثبتت الدراسات والتجارب العملية: أن قروض صندوق الدولي تأتي وبالًا على الدول المقترضة، وزيادة تعثرها وأزماتها، وهناك العديد من النماذج لبعض الدول التي ذهبت إلى الصندوق من أجل تقوية اقتصادها وحل عثرتها، لكن العكس ما حدث تمامًا، فالقروض بمثابة تدخل دول وقوى أخرى كبيرة ومهيمنة على شئون الدول المقترضة وفي سياساتها الداخلية.

وبدلًا من أن يقوم صندوق النقد الدولي في تحقيق النمو ودفع عجلة الإنتاج للدول الأعضاء التي تبلغ نحو 190 دولة، ودعم السياسات الاقتصادية والمالية التي تعزز الاستقرار المالي بها؛ إلا أنه قد تحول لمؤسسة تخدم أجندة الدول التي تهيمن على حصص كبيرة بالصندوق، نتيجة لتدخلاته الفجّة في السياسة المالية للدولة المقترضة ومنها زيادة الضرائب وتقليل الدعم عن الطبقات الكادحة.

إن المشكلة الأكبر لسياسات مسئولي الصندوق ليست فقط في وضع السياسات المالية؛ بل أثبتت وبالأدلة القاطعة أنها إجراءات فاشلة تُعد إخفاقًا صريحًا للصندوق مع تلك الدول التي حصلت على القرض، كما أن خططه تسلط الضوء فقط على أوجه القصور الصارخة للغاية في نهج وسياسات الصندوق الحالية؛ سواء في التخطيط الاقتصادي أو المالي للدول المقترضة منه.

وفي تقديري: أن صندوق النقد بات متهمًا أساسيًّا بالتسبب في إفلاس دول وضرب اقتصادات أخرى في مقتل، كما أنه يُعد أداة مُسلطة للسيطرة على السياسات الاقتصادية والمالية للدول النامية لتحقيق أهدافه، وهناك نماذج لدول كانت أوضاعها الاقتصادية أفضل بكثير قبل أن تذهب إلى الصندوق، ومنها: فنزويلا، الصومال، لبنان، السودان المكسيك، مصر، العراق، المغرب، وغيرها من البلدان الأخرى.

وفي هذا التقرير يُجيب مركز “رواق” للأبحاث والدراسات عن عدة أسئلة مهمة، هي:

ما هو صندوق النقد الدولي؟ وما سياساته؟

هل حقق نجاحات فِعلية على الأرض مع الدول المتعثرة؟

حقًّا هل هو طوق نجاة أم أداة للهيمنة الدولية على بعض الاقتصادات النامية؟

ما شروط الاقتراض المُجحفة من صندوق النقد الدولي؟

لماذا يتدخل في وضع السياسات المالية والموازنة العامة والدعم؟

ما الآثار السلبية والاقتصادية الناجمة عن برامج الصندوق؟

ما الدول التي وقعت في فخ صندوق النقد ودفعت أثمانًا باهظة؟

يرى خبراء إنه منذ أن طرأت فكرة إنشاء صندوق النقد الدولي في عام 1944 والذي كان يهدف إلى إعادة هندسة المنظومة الاقتصادية والمالية الدولية سعيًا لتفادي المزيد من الكوارث الاقتصادية كتلك التي عصفت بالعالم على مدى النصف الأول من القرن العشرين، والتي من شأنها قد خلقت مناخًا خصبًا للحروب الشاملة والكارثية على الدول.

وقد تحول بعد ذلك إلى سلطة تسيطر وتتحكم كما تشاء في السياسات الاقتصادية والمالية للكثير من الدول، لا سيما في الدول ذات الاقتصادات الناشئة والنامية، لافتًا إلى أنه وبدلًا من أن تؤدي سياسات وبرامج الصندوق إلى تنمية وازدهار الدول النامية، فشلت هذه السياسات فشلًا ذريعًا في إخراج شعوب هذه الدول من التخلف الاقتصادي والبؤس الاجتماعي وأدخلتها في أزمات طاحنة وأغرقتها في مشكلات الديون نتيجة القروض الكارثية ذات الشروط الهدامة “على حد قوله” “أكاديمية أي بي إس”.

ولا يخفى على أحدٍ: أن القروض التي يمنحها الصندوق تعتبر هي أهم الوسائل في انتهاك سيادة الدول التي تقترض منه، حيث تعتبر الديون المثقلة بشروط قاسية تحت مُسمى: “التعديل البنيوي” أداةً للهيمنة الإمبريالية، ووسيلة خفية لوضع اليد على السياسات الاقتصادية والخارجية في البلدان النامية.

سياسة الصندوق في الدول العربية:

وفي الوقت نفسه يرى اقتصاديون: أن العديد من الدول المقترضة من الصندوق أصبحت بمثابة استثمار اقتصادي، وسياسي أيضًا من قِبَل الدول الكبرى؛ لاسيما في تطبيق تلك السياسات على الدول العربية التي أصبحت ساحة للصراعات الدولية والإقليمية.

ويرى مراقبون: أن هناك استمرارية واضحة ما بين السياسات التاريخية لقوى الاستعمار وممارسات المؤسسات المالية الدولية الحديثة، آخذين تجربة مصر في القرن التاسع عشر كمثال ذي دلالة على ذلك؛ فقد أدت استدانة الدولة المصرية من الدول الأوروبية في ذلك الحين إلى تسليم القرارات المتعلقة بخزينتها إلى هذه القوى بعد تخلّف الدولة عن سداد الديون، ومِن ثَمَّ إلى “الإعفاء من الديون” مقابل التنازل عن حق التحكم بقناة السويس، وانتهاءً بعد ذلك بالاحتلال العسكري بحجة الحفاظ على الممتلكات الأوروبية.

لذلك يمكن القول بأن الاقتراض من أي دولة يلعب دورًا أساسيًّا في تقييد الخيارات السياسية والاقتصادية لدولٍ سيادية، كما أنه يمهِّد لإخضاعها لمنظومة مالية واقتصادية دولية تابعة لمصالح الدول الكبرى التي أنشأت هذه المنظومة والتربح على حساب الدول ذات الاقتصادات الضعيفة.

الرقابة المباشرة على السياسة العامة للدولة:

كما أصبح صندوق النقد الدولي مؤثرًا وبقوة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عدد من البلدان العربية، حيث يبرز بشكل كبير للغاية في طابعها التقشفي، مع ما يصاحبه من تداعيات سلبية على المسألة الاجتماعية بصفة عامة، والحماية الاجتماعية ودعم المواد الأساسية بصفة خاصة.

من هذا المنطلق: نجد أن صندوق النقد يمارس رقابة مباشرة على السياسات العامة العريضة للدول وللحكومات أيضًا؛ حتى أصبح الصندوق بمثابة مؤسسة فوق قومية مهيمنة على الكثير من الدول؛ خاصة تلك التي سقطت في فخ المديونية “أكاديمية أي بي إس”.

وبالتالي، فإن لتدخلات صندوق النقد الدولي في المنطقة العربية طابعًا خاصًّا باعتبار تشابك الشق الاقتصادي مع الجانب السياسي، حيث تدل الدراسات التجريبية على أن مِنَح القروض والإعانات، يخضع لمحددات اقتصادية تتأثر بشكل كبير مع المصالح السياسية والإستراتيجية، مثل: درجة القرب والصداقة من الدول الغربية.

صاحبة حق الفيتو بالصندوق:

ويجب أن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي وحدها صاحبة حق الفيتو، حيث إن عمليات التوزيع العامة لمخصصات حقوق السحب الخاصة تتطلب موافقة مجلس المحافظين بأغلبية 85% من مجموع القوة التصويتية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لها 16.5% من مجمل التصويت في مجلس الإدارة؛ الأمر الذي يضمن قدرتها على التحكم بالنهج العام الذي يتبعه الصندوق.

لذا فقد أدَّت تلك السياسات إلى عواقب سلبية على مستوى التنمية البشرية في العديد من البلدان العربية التي تشكو من نقص كبير في الطاقات البشرية المتوفرة من مدرسين، وأطباء، وممرضين، وعاملين في الحقل الاجتماعي.

ومن أوضح الأمثلة على فشل سياسات الصندوق ما حدث في تجربة دول شرق آسيا في أواخر التسعينيات، حيث عصفت بها أزمة مالية في العام 1997؛ مما يؤكد أنه دليل واضح على مخاطر اللجوء إلى الصندوق، وهناك العديد من النماذج نسلِّط الضوء عليها، كالآتي. “أكاديمية أي بي إس”.

النموذج اللبناني:

كما نشاهد حاليًا النموذج اللبناني الشقيق الذي استمر بعد انتهاء الحرب الأهلية الدامية باتباع نفس سياسته الاقتصادية الليبرالية، فقد قفزت ديونه من عام 1993 حتى اليوم من نحو 7 مليار دولار إلى 89 مليار دولار، حيث تمحورت جميع شروط صندوق النقد في لبنان وغيرها من الدول العربية على الخصخصة، وبالتالي تقليص دور القطاع العام.

كذلك أدت تلك السياسات الهدامة إلى تخفيض الإنفاق الحكومي، وكف يد الدولة على صعيد وظيفتها في رعاية المجتمع وتأمين حقوق جميع فئاته لصالح تكريس مصالح القطاع الخاص التي أدت إلى انهيار منظومة الأمان الاجتماعي، وهذا النهج نراه يتكرر في العديد من الدول العربية التي لجأت واقترضت من الصندوق.

التجربة المصرية:

فعلى الرغم من الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة المصرية تلك التي لاقت النجاح في تحسين نسبي في النمو الاقتصادي؛ إلا أنها عجزت في معالجة المسائل المتعلقة بالفقر والبطالة، كذلك في عدم المساواة والفساد نتيجة سياسات الصندوق وتدخلاته، وفي 11 نوفمبر 2016، وقعت مصر مع صندوق النقد اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار بهدف معالجة نقاط الضعف في الاقتصاد الكلي وتعزيز النمو الشامل وتكوين فرص العمل، حيث شملت النقاط الأساسية في البرنامج الذي قدمه الصندوق: تحرير نظام سعر الصرف، أي: تعويم الجنيه وضبط أوضاع المالية العامة لخفض نفقات الموازنة، وزيادة الضرائب، وإجراء إصلاحات هيكلية عميقة، وإلغاء تنظيمات مرتبطة بشركات الأعمال لتحفيز النمو الاقتصادي “أكاديمية أي بي إس”.

ولكن نتج عن هذه الخطوات أن انخفض الجنيه بشكل كبير أكثر مما توقعه صندوق النقد الدولي نفسه؛ مما ترتَّب على ذلك رفع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية وأسعار الأدوية، كما قامت الحكومة بتقليص نفقات القطاع العام بموجب اتفاقيتها مع صندوق النقد الدولي في أغسطس 2016، ونتيجة لإصلاحات كلفة الأجور، شهد إجمالي أجور القطاع العام انخفاضًا بشكل مستمر من 8.1% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014/2015 إلى 5.3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2017/2018.

ونتيجة أيضًا لشروط الصندوق، فقد فرضت الحكومة ضريبة على القيمة المضافة ورسومًا جديدة، وباعت أراضي وتراخيص لقطاع الاتصالات، حيث بلغت الضريبة على القيمة المضافة 14% على معظم السلع والخدمات في 2018، وبالطبع تتجاهل سياسات الصندوق من هذا النوع معاناة الطبقة الفقيرة في مصر.

زيادة الضريبة على القيمة المضافة:

وأشارت بعض الدراسات إلى زيادة سياسة الضريبة على القيمة المضافة، نسبة السكان الفقراء في مصر الذين يعيشون بأقل من 26 دولارًا في الشهر من 27.8% خلال 2015 إلى أكثر 35% على الأقل، واللافت: أن مصر قد وضعت هذه السياسة بعد أن قامت بتخفيض قيمة الضريبة المفروضة على فئة السكان ذات الدخل الأعلى من 25% إلى 22.5% في العام 2015، وقد اعتُبر هذا التخفيض كتخفيف من الأعباء الضريبية على الأثرياء “أكاديمية أي بي إس”.

وبالتالي فإن هذه السياسات المُجحفة كلها مؤقتة ومشروطة ومرتبطة بمصالح أمريكا والدول الكبرى، كما أنها تضيف قروضًا وأعباءً جديدة ليس إلا، وستبقى سياسات الصندوق كما هي مِن حيث الهيمنة، وأن الديون وفوائدها سوف تؤجل بعض الوقت فقط، وفي الحقيقة أن إجراءات الصندوق لم ترقَ إلى مستوى الواجبات التي كان ينبغي على الصندوق الالتزام بها؛ لا سيما تجاه الدول الفقيرة والضعيفة. “أكاديمية أي بي إس”.

سياسات مشروطة:

وبالأخير، فإن برامج الصندوق المشروطة وفق سياساته هو، لا سياسات الدول المقترضة تفضي في نهاية المطاف إلى انتهاك سيادتها من نواحٍ عديدة، وأنه سينفذ فقط ساسة الدول الكبرى؛ لا سيما في ظل الفيتو الأمريكي ونفوذ المؤسسات المالية الكبرى فيه، لذلك فالصندوق في جميع الأحوال لن يؤدي دور المنقذ الأعلى الذي يعتقده البعض، والحل يكمن فقط في المضي على درب الإصلاح الجذري الداخلي في الدول العربية بدل الضياع في أمنيات الصندوق الواهية والمُضللـة “أكاديمية أي بي إس”.

متى تأسس صندوق النقد؟

تأسس صندوق النقد الدولي في يوليو عام 1944 من قِبل 44 دولة في مؤتمر حول القضايا النقدية والمالية، عقد في غابات بريتون وودز بولاية نيوهامبشير بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه المؤسسة أهم لبنة في أساس نظام بريتون وودز المالي، المصمم لضمان أولوية الولايات المتحدة المالية والاقتصادية، وبالتالي السياسية المهيمنة على العالم “أرتي”.

وكان نظام بريتون وودز الخاص بسعر الصرف الثابت، قد حل بدلًا عن معيار الذهب في عام 1944، حيث أصبح الدولار الأمريكي عملة تسوية دولية، وكان سعر صرفه مرتبطًا بالذهب، وبأسعار العملات العالمية الأخرى مقابله.

كما يشار إلى أن نظام بريتون وودز حلَّت مكانه في عام 1976 اتفاقيات جامايكا، حيث لم تعد العملات -بما في ذلك الدولار- مرتبطة بالذهب، ولا يتم استبدالها بهذا المعدن الثمين، وتحولت العديد من البلدان إلى سعر صرف عائم، يتم تحديده بناءً على العرض والطلب في السوق.

الفرق بين صندوق النقد والبنك الدولي:

وبالعودة إلى تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تبدو وظائفهما للوهلة الأولى متشابهة، حيث يتعاملان رسميًّا مع المشاكل الاقتصادية وتركزان على تنمية وتعزيز اقتصادات الدول الأعضاء.

يعتبر البنك الدولي، المصدر الرئيس للمساعدات المالية والتقنية للبلدان النامية، وفي العشرين عامًا الأولى بعد تأسيسه، أصدر قروضًا للدول الأوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أنجز مهمته في استعادة البنية التحتية هناك، التفت إلى الدول النامية.

وتتكون مجموعة البنك الدولي من خمس مؤسسات، هي: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمؤسسة الإنمائية الدولية، والمنظمة المالية الدولية، ووكالة ضمان الاستثمار المتعددة الأطراف، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وعلى العكس من صندوق النقد الدولي، فالبنك لا يزال مؤسسة دولية مسؤولة في المقام الأول عن التنمية.

في حين أن صندوق النقد الدولي قد صُمم لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وأسعار الصرف والتسويات الدولية، وعمليًّا يشرف الصندوق على السياسة النقدية والمالية للبلدان، وهو ليس مؤسسة ائتمانية بشكل كامل.

بالمقابل: يقدِّم البنك الدولي قروضًا بفائدة منخفضة، وقروضًا بدون فوائد، ومنحًا للبلدان النامية لمشاريع كبرى أو إصلاحات هيكلية لصناعات بأكملها، وغالبًا يتم ذلك بموجب ضمانات حكومية، كما تقدم هذه المؤسسة المشورة للبلدان الفقيرة بشأن قضايا التنمية الإستراتيجية.

وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، يشار إلى أن الولايات المتحدة، باعتبارها المبادر الرئيس بإنشائه وصاحبة الحصة المسيطرة في مجلس إدارة هذه المؤسسة الائتمانية، احتفظت لنفسها بسلطة لا ينازعها فيها أحد.

كما أن صندوق النقد الدولي لديه عملته الخمسة الخاصة وتتمثَّل فيما يسمى بحقوق السحب الخاصة، وفي واقع الأمر قروض صندوق النقد الدولي تصدر فقط في شكل حقوق سحب خاصة، يمكن للمستلم بعد ذلك استبدالها حصريًا بعملات احتياطي المنظمة، عددها الآن خمس، وهي: الدولار، واليورو، والين، والجنيه الإسترليني، واليوان.

تُعد توصيات صندوق النقد الدولي عند منح القروض كما هي، فيعطي الصندوق تعليمات، مثل: تقليل النفقات بشكل كبير، الأمر الذي يعني التوقف عن دعم الاقتصاد المحلي، وزيادة العبء الضريبي على السكان بالدولة المقترضة، والحد بشكل حاد من الإنفاق الاجتماعي، وخفض تمويل ميزانية الجيش بالدولة، بجانب توصيات أخرى بخصخصة وبيع ممتلكات الدولة للمستثمرين من القطاع الخاص.

 أمثلة عن القروض المميتة:

الصومال أنموذجًا:

ففي عام 1980، خصص صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار لدولة الصومال؛ إلا أن محاولات تطبيق توصيات المنظمة في الحياة الاقتصادية الداخلية للبلاد أدَّت إلى انهيار الاقتصاد نفسه، ثم الدولة بأكملها؛ مما تسبب في حرب أهلية دموية طويلة وانقسمت البلاد نفسها إلى عدة أجزاء متناحرة، وبعد مرور 42 عامًا على هذا “القرض القاتل”، لا تزال الصومال في حالة خراب وفقر، وباتت تعد واحدة من أخطر الأماكن على وجه الأرض “أرتي”.

تجربة السودان:

تعد تجربة دولة السودان أيضًا مع صندوق النقد الدولي هي الأخرى مؤسفة للغاية، حيث حصلت الخرطوم على 260 مليون دولار لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد في عام 1982، ولكن بعد ذلك وصلت الإصلاحات إلى طريق مسدود، وفي نفس الوقت كان لا بد من دفع الديون وفوائدها بملايين الدولارات.

حيث أدى الدمار الاقتصادي في النهاية إلى أزمة سياسية في السودان تفاقمت بسبب الانتفاضة المزمنة في جنوب البلاد، وكان يتوجب على السودان، الذي فقد بالفعل نصفه الجنوبي، سداد هذا الدين الذي تضخم بأنواع متعددة من الغرامات والعقوبات! “أرتي”.

التجربة المكسيكية:

لم تنجُ دولة المكسيك هي الأخرى من سياسات الصندوق، حيث وقعت في فخ صندوق النقد الدولي، حين واجهت أوائل الثمانينيات انخفاضًا خطيرًا في أسعار النفط العالمية، فلجأت البلاد إلى صندوق النقد الدولي الذي قدم ما يسمى بخطة بيكر لإنقاذ الاقتصاد المكسيكي، وحصلت بموجبها على قرض بقيمة 3.4 مليار دولار.

ولكن ترتب على ذلك:

أن تسبب سياسات الصندوق في تدمير الاقتصاد الوطني للمكسيك تمامًا، وحصلت الولايات المتحدة، ممثلة في صندوق النقد الدولي، على السيطرة المالية العامة للمكسيك، ونتج عن ذلك تدفق نحو 45 مليار دولار من البلاد إلى الولايات المتحدة، في حين تسبب الفقر الواسع في حركة هجرة إلى بلدان أخرى؛ ما يعني أن قرض الصندوق خطأ كبير، وليس إصلاحًا حقيقيًّا “أرتي”.

تجربة المغرب:

فقد وافق صندوق النقد الدولي على إمداد دولة المغرب بخط سيولة قيمته 3.47 مليارات دولار بمقتضى اتفاق على عامين، وذلك لدعم المغرب في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز آفاق النمو، والحد من البطالة، وقد أكَّد الصندوق على موقعه الإلكتروني أن المغرب نفَّذ الإصلاحات الأساسية، ومنها: تحرير أسعار المحروقات والتوسع في البرامج الاجتماعية التي تستهدف الفئات الأشد احتياجًا، واعتماد قانون الميزانية الأساسي الجديد؛ بالإضافة إلى قانون مصرفي يشكل ركيزة قوية لأطر سياسة المالية العامة والقطاع المصرفي.

كما أكد أن السلطات تعمل على تنفيذ إصلاح نظام معاشات التقاعد لموظفي الخدمة المدنية وتضع اللمسات الأخيرة على قانون جديد للبنك المركزي يهدف إلى تعزيز استقلاليته وزيادة شفافيته، لكنه لم يجدِ نفعًا ملموسًا على الأرض.

التجربة العراقية:

وفي منتصف يوليو الماضي حصل العراق من الصندوق على قرض بقيمة 5.34 مليارات دولار لدعم الاستقرار الاقتصادي، وقال الصندوق: إن القرض يركز على تنفيذ سياسات اقتصادية ومالية تساعد العراق على مواجهة انخفاض أسعار النفط والحرب ضد داعش، وضمان بقاء الدين في حدود يمكن الاستمرار في تحملها.

وفي ذلك الوقت: أكد خبراء الاقتصاد في العراق أن القرض سيؤدي إلى رفع الدعم الحكومي عن أسعار الوقود والخدمات؛ مما يؤثر على معيشة الطبقات الفقيرة، ويعتمد الخبراء على التجربة السابقة عام 2004 حين فرض الصندوق خصخصة بعض القطاعات، ورفع أسعار الوقود، مؤكدين أن ذلك لم يكن لمصلحة المواطن العراقي الذي عانى من رفع الدعم عن البطاقة التموينية والوقود والرعاية الاجتماعية في وقت زادت عليه الضرائب. “رصيف 22”

سياسات أدَّت إلى نتائج كارثية على الفقراء، وهي:

ارتفاع السلع وإلغاء الدعم:

إذ يشترط صندوق النقد تقليل معدلات الدعم بشكل عام، وتخفيض دعم أسعار السلع الأساسية، مما يؤدي إلى المزيد من عدم قدرة الفقراء والمواطنين المحدودي الدخل على مواجهة متطلبات الحياة اليومية، كما يعتبر صندوق النقد مثل أي دائن يحتاج إلى الاطمئنان على سداد القرض الذي يمنحه، ولكن بشروط مجحفة، ولهذا يتعرف الصندوق على كل كبيرة وصغيرة في اقتصاد الدولة وموازنتها، حيث يطالب بتقليل الدعم وخاصة الطاقة، حتى تتوفر له فوائض لسداد القروض.

زيادة الضرائب:

يقول الدكتور صلاح هاشم أستاذ التنمية والتخطيط في جامعة الفيوم: إن من شروط الصندوق تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ويحدد ما يجب أن تؤمنه هذه الضريبة من مبالغ في السنة الأولى لتطبيقها، وذلك حتى يضمن قدرة الدولة على سداد قيمة القرض والفوائد المترتبة عليه، لافتًا إلى أن هذا القانون من شأنه التأثير على الفقراء؛ لأنه سيرفع ثمن المنتجات والخدمات التي يحصلون عليها في الوقت الذي ترفع الدول الدعم عن هذه الطبقة تدريجيًّا “رصيف 22”.

خفض سعر العملة الوطنية:

كما يشترط الصندوق في تعاملاته مع الدول المقترضة أن تحرر سعر عملاتها، وهو ما يعني مزيدًا من الارتفاع في سعر السلع والمنتجات في الأسواق العربية، كما يعرف أن هذا الارتفاع أو ما يعرف بالتضخم يؤثر وبشكل مباشر على الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل والمتوسطة؛ خاصة أنه مع تراجع قيمة العملة الوطنية، تنخفض القدرة الشرائية للعملة المحلية، وبالتالي يواجه الفقراء صعوبات كبيرة في شراء السلع الأساسية.

التهميش الاجتماعي:

وفي نفس السياق، أوضح د. صلاح هاشم، أستاذ التنمية بجامعة الفيوم: أن السلبيات الناجمة عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي تؤدي إلى التهميش الاجتماعي لفئات واسعة من الشعب، وارتفاع معدلات الفقر والجريمة، وضرب مثلًا بتجربة فنزويلا التي لجأت في التسعينيات من القرن الماضي إلى الاقتراض من الصندوق حتى أصبح حجم ديونها يساوي نصف ناتجها المحلي، وهذا ما تسبب في تدخل الصندوق مجددًا في سياساتها الداخلية، وفرضه إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية للدولة، والتحكم في معدلات الأسعار والضرائب، وأسعار الطاقة والمواد النفطية، وهو ما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر، والجريمة، والتهميش الاجتماعي.

ما إيجابيات صندوق النقد الدولي؟

في المقابل: كما لصندوق النقد العديد من السلبيات، يرى خبراء في الوقت نفسه، أن له بعض الإيجابيات التي تساعد في استقرار السياسة المالية؛ إذ يساهم صندوق النقد الدولي في تعزيز التعاون النقدي العالمي ومع الدول المقترضة، وضمان الاستقرار المالي، كذلك تيسير حركة التجارة الدولية، وتشجيع زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي القابل للاستمرار، والحد من الفقر في جميع أنحاء العالم.

ويرى مختصون: أن الهدف لا يمكن قصره فقط على الاقتراض، إنما قد تكون له عوامل وفوائد أخرى، وهي رسالة الصندوق بصورة رئيسية إلى ضمان استقرار النظام النقدي الدولي للدولة، كذلك نظام أسعار الصرف والمدفوعات الدولية الذي يمكن البلدان ومواطنيها من شراء السلع والخدمات من بعضهم البعض.

ويرى الخبراء: أن سياسة الصندوق تكون حسب قوة الاقتصاد للدولة والوضع المالي أو السياسة النقدية؛ ذلك أنه يقوم بتتبع الاقتصاد العالمي واقتصادات البلدان الأعضاء بالصندوق، وتقديم القروض للبلدان التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات، وتقديم المساعدة العملية للبلدان الأعضاء، ومن الممكن بعد ذلك أن يكون ذلك شهادة من الصندوق باستقرار الوضع المالي والاقتصادي، مما يعزز من تدفق الاستثمارات الأجنبية لهذا البلد المقترض.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير: أنه لا توجد دولة قد ذهبت إلى صندوق النقد وتعافى اقتصادها، لكن العكس هو ما يحدث تمامًا، سواء سياسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا.

– أثبتت التجارب العملية وبشكل قاطع: أن صندوق النقد هو خراب لاقتصادات الدول؛ لا سيما الاقتصادات النامية، فهو يخدم اقتصادات الدول الأخرى والكبرى التي لها عضوية وأسهم كبيرة بالصندوق، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية.

– كما أن خطط الإصلاح الحقيقي والجوهري يجب أن تأتي من داخل الدولة نفسها من خلال تقليل النفقات ومكافحة الفساد، وجذب الاستثمارات عبر السهولة والمرونة في التراخيص وغيرها من الأمور الأخرى، كذلك خلق فرص عمل للشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة (سنغافورة نموذجًا).

– إن تدخل الصندوق في وضع السياسات المالية والنفقات بشكل مُجحف للدول المقترضة يهدف فقط إلى إفقار المواطنين؛ لا سيما الفقراء، وذلك لضمان سداد قروضه بجانب الفوائد التي يتحصل عليها لخدمة اقتصادات الدول المانحة بالصندوق.

– تؤدي قروض النقد الدولي إلى زيادة معدلات التضخم وأسعار السلع وارتفاع أسعار المستهلكين، وهو ما حدث في مصر؛ الأمر الذي يسبب تآكلا في الطبقات المتوسطة، والقضاء على الطبقات الفقيرة بالأساس، مما يكون له تبعات سلبية في زيادة معدلات الجريمة نتيجة ارتفاع الفقر المدقع (الصومال – فنزويلا، نموذجان).

– خطة الإصلاح لأى دولة تأتي من التشجيع على العمل والإنتاج وتذليل العقبات أمام الصنّاع والمزارعين والحرفيين والمصدرين، وخلق مناخ استثماري مناسب يسهم في جذب استثمارات خارجية وأجنبية.

المصادر:

– أكاديمية أي بي إس.

– أرتي.

– رصيف 22.

– الكاتب نفسه.

– موقع البنك الدولي.

https://publicservices.international/resources/news/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-?id=12144&lang=ar
https://arabic.rt.com/business/1420700-3-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D8%AE-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D8%A9-%D8%AE%D9%84%D9%81-%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A9/
https://raseef22.net/article/70423-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%86%D8%B9%D9%83%D8%B3-%D9%82%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D8%A8%D8%A7
https://www.albankaldawli.org/ar/about/history/the-world-bank-group-and-the-imf

التعليقات مغلقة.