fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

كوريا الشمالية والأزمة الأوكرانية … التشخيص والتداعيات!

109

كوريا الشمالية والأزمة الأوكرانية … التشخيص والتداعيات!

ألقت الحرب “الروسية – الأوكرانية” بظلالها على العَالَم بأسره؛ فلا نجد هناك قطرًا من أقطار الدنيا إلا ويتحدث عن الحرب؛ خاصة وأن العالم يتخوف مِن نشوب حرب عالمية ثالثة، مع الاعتراف التام بأن الحرب هذه المرة ستحصد العديد من الأرواح جرَّاء الآثار المدمرة للأسلحة، ولقوة الترسانة النووية على الصعيدين: الأوروبي والروسي، كما أن هناك تخوفات شديدة من عقد تحالف صيني كوري روسي، وبهذا سيتأزم الوضع أمام الاتحاد الأوروبي، وبهذا سيكون الاتحاد مكتمل الأركان، فالقوة العسكرية في روسيا، والقوة الاقتصادية في الصين، وكذلك القوة الإستراتيجية في كوريا الشمالية.

هذه التخوفات تثير العديد من الأسئلة والتكهنات، وتزيد من حِدَّة القلق لدى المسئولين والمتابعين؛ خاصة وأن التنسيق الروسي والكوري كبير جدًّا، ومن زاوية أخرى: التنسيق الروسي الصيني أيضًا ممتاز، وبالتالي تظهر المخاوف الأمريكية من هذا الملف بالتحديد؛ خاصة وأن النقاشات لا تتوقف؛ لأن العداءات بين هذه الدول وبين أمريكا موجودة مسبقًا قبل الحرب الروسية – الأوكرانية؛ فعلى سبيل المثال: فرضت أمريكا العديد من العقوبات على كوريا الشمالية، وكذلك الحروب الناعمة والباردة مشتعلة بين الطرفين الصيني والأمريكي.

وقد سجلت كوريا الشمالية موقفها مما يحدث بعد ما أحبطت روسيا اتخاذ قرار في مجلس الأمن، وقد صوتت كوريا الشمالية ضد قرار الجمعية العامة الذي اعتمد في 2 مارس الجاري (2022) وأدان بــ”أشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا” وطالب “روسيا بالكف فورًا، عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو”، كما طالبها بـ”السحب الفوري والكامل وغير المشروط لجميع قواتها العسكرية من أراضي أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها دوليًّا”، لتنضم إلى أربع دول فقط إلى جانب روسيا اتخذت موقف الرفض.

هذا الموقف الواضح والصريح يحمل دلالات كثيرة، ومؤشر على أن الوضع الحالي للحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، ليست بالوضع السهل لتدخل أمريكا في مواجهة مع الجانب الروسي، بل إن ما حدث مؤشر واضح على أن الدب الروسي ليس وحده في الصف أمام الاتحاد الأوروبي، بل هناك العديد من العوامل الخفية التي من المتوقع ظهورها.

مدى التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية:

حافظ الاتحاد السوفيتي سابقًا على روابط عسكرية وتجارية وثيقة مع حليفه الكوري الشمالي، لأسبابٍ أيديولوجية وإستراتيجية.

وتقلَّصت الروابط التجارية بين الجانبين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وانحازت كوريا الشمالية إلى الصين كحليف رئيسي لها.

وانتعشت روسيا اقتصاديًّا في عهد بوتين؛ فألغى في عام 2014 معظم ديون كوريا الشمالية في الحقبة السوفيتية في بادرة حسن نية.

ويمكننا القول: إن كوريا الشمالية لا تزال تعتبر روسيا واحدة من أكثر الدول تقاربًا معها(1).

أول تصريح لـ”بيونج يانج”:

اتهمت بيونغ يانغ واشنطن بممارسة الغطرسة التي أدَّت إلى اندلاع الأزمة في أوكرانيا، وتجاهلها مطالب روسيا المشروعة باحترام أمنها.

وجاء في بيان نُشِر على موقع وزارة خارجية كوريا الشمالية: أن “السبب الجذري للأزمة الأوكرانية يكمن في إرادة الولايات المتحدة وغطرستها، التي ظلت متمسكة بالعقوبات والضغط أحادي الجانب، وتسعى فقط إلى الهيمنة العالمية والتفوق العسكري، متجاهلة مطالب روسيا المشروعة باحترام أمنها”.

ويعتبر هذا أول تعليق على الأزمة الأوكرانية لكوريا الشمالية(2).

التعبئة العامة في كوريا:

طالب الحزب الحاكم في كوريا الشمالية جميع المسؤولين، بالاستعداد للتعبئة وحتى للحرب، عقب تدهور العلاقات بين روسيا والدول الغربية على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية نقلًا عن إذاعة “آسيا الحرة” عن مسؤولين حكوميين في بيونغ يانغ، قولهم: إن السلطات الكورية الشمالية انتظرت أيامًا لتخبر المواطنين بشأن العملية العسكرية في أوكرانيا، التي تهدف إلى نزع سلاح كييف ودرء تهديداتها.

وقال المسؤولون: إن السلطات أخبرت أعضاء حزب “العمال” الكوري الحاكم فقط في البداية، خلال اجتماعات خاصة، ثم نشرت المعلومات لاحقًا عبر الأعضاء الذين عادة يكونون من العسكريين والشخصيات البارزة.

روسيا الحليف الأقوى لكوريا الشمالية:

وأوضح المسئولون أن اللجان أخبرت الأعضاء بأن “حليفنا القوي روسيا، في حالة حرب”، مضيفًا: “العلاقات الدولية متوترة مع روسيا التي في حالة حرب؛ لذلك طالب الحزب بأن يكون الجميع جاهزين للتعبئة في جميع الأوقات” .

لم يفاجأ أعضاء الحزب، لكنهم ما زالوا يتساءلون عن سبب إبقاء السلطات على سرية الأخبار، وقال المصدر: “أعضاء الحزب، بالطبع يعرفون من معارفهم الصينيين أن الحرب بدأت، لكنهم كانوا مهتمين أكثر بما دفع روسيا للعملية”.

بعد نقل الخبر إلى أعضاء الحزب في مقاطعة هامغيونغ الشمالية الشرقية، بدأ ينتشر بسرعة بين الجمهور، حسبما قال أحد السكان لإذاعة “آسيا الحرة”.

وذكر مسؤول آخر للإذاعة: “لم يصرِّحوا فقط بأن روسيا في حالة حرب، بل أمرونا أيضًا أن نكون مستعدين للدخول في حرب على الفور تحت أي ظرف من الظروف”(3).

كوريا الشمالية تطلق صاروخًا بالستيًّا:

أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا بالستيًّا حسبما أعلنت سيول، في وقت يركِّز العالم على الأزمة الأوكرانية الروسية، وأجرت بيونغ يانغ سبع تجارب على أسلحة بالستية في يناير، بينهم أقوى صاروخ لها منذ 2017، والتجربة التي أجرتها بيونغ يانغ أثناء الحرب الروسية الأوكرانية هي الثامنة لها هذا العام 2022.

ورغم العقوبات الدولية القاسية، ضاعفت بيونغ يانغ جهودها في التطوير العسكري وحذّرت الشهر الماضي من أنها قد تتخلى عن تعليقها الاختياري منذ 2017 لتجارب الأسلحة النووية والأسلحة البعيدة المدى.

ويبلغ مدى الصاروخ البالستي الأخير نحو 300 كيلومتر، وحلق على ارتفاع 620 كيلومترًا تقريبًا، موضحًا أن: “هناك تفاصيل أخرى خاضعة لتحليل دقيق من قِبَل الاستخبارات الكورية الجنوبية والولايات المتحدة”(4).

تحليل الوضع الكوري:

إذا كانت الأزمة الأوكرانية قد مثَّلت تصعيدًا حادًّا في الساحة الدولية؛ فإنها قد كشفت عن أنماط من العلاقات الدولية بعضها راسخ ومتواصل، وبعضها آخذ في التشكل، وقد كان ذلك جليًّا في شبه الجزيرة الكورية، التي يمكن القول: إن الأزمة الأوكرانية قد أكَّدت على النوع الأول من العلاقات.

ومرد ذلك: أن العوامل الهيكلية التي تحكم معادلات تلك العلاقات لم تتغير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإن كانت قد تعرضت لبعض الاهتزازات؛ خاصة في الفترة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، والتي أدت لبعض التليين في مواقف الأطراف.

بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن الأزمة الأوكرانية لا تقبل الإمساك بالعصا من المنتصف، فلا يمكنها أن تعترض على ما تقوم به روسيا، صراحةً أو ضمنًا، شكلاً أو موضوعًا، فالصين مثلًا سلكت في مجلس الأمن مسلك الامتناع عن التصويت، وهو ما حدث في الجمعية العامة أيضًا.

أما كوريا الشمالية فإنها أعلنتها صراحة أنها ستصوت بالرفض، وقد فعلت، الموقف الكوري الشمالي هذا وإن كان يرضي روسيا؛ إلا أنه يتعارض مع بعض القضايا المبدئية التي دائمًا ما تتحدث عنها بيونج يانج.

الأزمة الأوكرانية من شأنها إبقاء القناعات الكورية الشمالية على حالها بخصوص قدراتها العسكرية تقليدية وغير تقليدية، ومِن ثَمَّ فإن فرص السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية تظل بعيدة في ظل الموقف الأمريكي الرافض قطعًا الاعتراف ببيونج يانج كقوة نووية.

وفي كل الحالات ومِن دروس التطورات التاريخية، يظل هناك هامش لتطورات دراماتيكية غير منظورة عوامل الدفع باتجاهها؛ مما يجعل الباب مفتوحًا دائمًا على سيناريوهات قد لا تكون وردت في هذا التحليل، وإن ظل هامش حدوثها قليلًا جدًّا، لكنه يظل قائمًا(5).

1_ بي بي سي

2_ روسيا اليوم

3_الغد

4_ يورو نيوز

5_مركز الأهرام

 

التعليقات مغلقة.