fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نظرية دوجين (عقل بوتين).. وأثرها في روسيا المعاصرة ونظرتها تجاه العالم العربي والإسلامي

0 63

نظرية دوجين (عقل بوتين).. وأثرها في روسيا المعاصرة ونظرتها تجاه العالم العربي والإسلامي

خلال السنوات الأخيرة؛ برز اسم المفكر الروسي “ألكسندر دوغين” على الساحة الإعلامية بوصفة عقل الكرملين، في ظل ما يحمله دوغين من تصورات سياسية للدولة الروسية المعاصرة ما بعد الاتحاد السوفيتي؛ إذ وجدت روسيا نفسها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في وضع لا تحسد عليه، فإلى جانب خسارة مناطق النفوذ والتأثير العالمي، كانت الخسارة الأكبر تحول 25 مليون روسي موالين لروسيا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى أقليات مضطهده في مولدافيا وأوكرانيا وجورجيا وغيرها، على حد وصف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

وبدًا من أواسط التسعينيات، أخذت مؤلفات دوغين وأطروحاته السياسية الجديدة حول روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، تلقى إعجابًا واسعًا في دوائر صنع القرار الروسي، ولا تقتصر أطروحات دوغين على روسيا فقط؛ بل تتعدى ذلك لتشمل أوروبا وشرق آسيا والهند والعالم العربي والإسلامي، فيمَا اسماه دوغين بالنظرية السياسية الرابعة لإقامة عالم متعدد الأقطاب؛ ومن اللافت للنظر أن معظم التحركات الروسية الخارجية خلال العقود الأخيرة، كانت تتوافق مع تصورات وأطروحات دوغين عن روسيا المعاصرة.

فمَا النظرية السياسية الرابعة لألكسندر دوغين؟ وكيف أثر دوغين على الدولة الروسية المعاصرة؟ وكيف يمكن قراءة التحركات الروسية المستقبلية انطلاقًا من تصورات دوغين؟ وما أبرز النِّقَاط الإيجابية في النظرية السياسية الرابعة اتجاه العالم العربي والإسلامي؟ وكيف يمكن الاستفادة منها في تعزيز القوة السياسية والاقتصادية للدول العربية والإسلامية؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، الضوء على أطروحات الفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين والنظرية السياسية الرابعة ودورها في السياسية الروسية ما بعد الاتحاد السوفيتي في هذه السطور الآتية:

ألكسندر دوغين والنظرية السياسية الرابعة:

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي أوائل تسعينيات القرن الماضي، وبعد فشل الأيديولوجية السوفيتية التي ظلت قائمة معظم القرن العشرين (الماركسية اللينينية)، أخذت روسيا المعاصرة بالبحث عن دور لها في ظل انفراد الولايات المتحدة والقوى الغربية بقيادة العالم، وسيادة الأيديولوجية الليبرالية عالميًّا وامتدادها على نقاط جغرافية واسعة.

فمن أمريكا الشِّمالية إلى شرق آسيا مرورًا بأوروبا، تبرز الليبرالية الغربية في العديد من دول العالم، بما تحمله من إيجابيات وسلبيات تتعارض مع طبيعة التنوع البشري الديني والثقافي والاجتماعي؛ وفي ظل فرض القِوَى الغربية لعقيدتها الليبرالية عالميًّا، تارَة عبر الضغوطات السياسية والاقتصادية، وتارة عبر التدخل العسكري المباشر لإسقاط أنظمة الحكم التي لا تتوافق مع التطلعات الأمريكية.

برزت النظرية السياسية الرابعة كمنافس جديد، والتي طرحها المفكر والفيلسوف الروسي “ألكسندر دوغين” والمعروف إعلاميًّا “بعقل بوتين”، والذي يشغل منصب المستشار السياسي والعسكري للكرملين، إلى جانب كونه أستاذ علم الاجتماع في جامعة موسكو. (بي بي سي عربية).

وتقوم النظرية السياسية الرابعة؛ على اعتبار أن النظريات السياسية الثلاث السابقة (الليبرالية، والشيوعية، والفاشية) انتهت ولم تعد تصلح، فالفاشية قد هزمت في الحرب العالمية الثانية، والشيوعية انهارت مع الاتحاد السوفيتي، بينما الليبرالية وإن بدت مسيطرة على العالم فكريًّا وسياسيًّا في الوقت الحالي؛ إلا أنها باتت مهددة في ظل النمو المتسارع لا سيما الاقتصادي للدول الأوراسية، الصين وروسيا والهند، والتي بات لها تأثير واضح في السياسة العالمية.

وبالتالي فإن أطروحة دوغين تقوم على تقديم نموذج جديد خارج النظريات السياسية الثلاث السابقة (الفاشية، والشيوعية، والليبرالية) بما يتوافق مع التصورات الذاتية الإنسانية، بعيدًا عن الفرد كما في الليبرالية، أو العرق والقومية كما في الفاشية، أو البروليتاريا والصراع الطبقي كما في الشيوعية، لذا فإنّ أطروحة دوغين تتعارض مع التصورات المادية للوجود الإنساني التي ظلت سائدة طيلة قرون.

تأثير أطروحات وكتابات دوغين على الدولة الروسية المعاصرة:

وعلى مستوى الأمة الروسية، وكما يتحدث دوغين في أطروحته؛ فإن النظرية السياسية الرابعة تركز على سامية الحضارة الروسية، ونقد المفاهيم الغربية لنظام المجتمع والأسرة والحرية التي تتعارض مع الطبيعة الإنسانية مثل المثلية، إلى جانب معاداه الرأسمالية وإنهاء الاستعمار الحديث في صورته التبعية. (روسيا اليوم).

وكما تضع نظرية دوغين القيم الثقافية والتقاليد الوطنية محورًا رئيسًا لأي أمة، إلى جانب التكامل السياسي بين الأمم والشعوب التي تحمل ثقافات دينية أو اجتماعية أو تاريخية مشتركة؛ لذا تركز النظرية على ضرورة توحيد الأمة الروسية في الجمهوريات السوفيتية السابقة فيمَا يسمي الاتحاد الأوراسي، وكان دوغين من أشد الداعمين لضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، إلى جانب الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير عام 2022م.

ومنذ عام 2000م، ومع صعود الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى الحكم في روسيا، ظهر تأثير أطروحات دوغين في السياسة الروسية الخارجية؛ فكتابه المعروف عالميًّا “المستقبل الجيوسياسي لروسيا” قد لاقى إعجاب الكثيرين، وكان له تأثير بارز وسط الروس، وتحديدًا في الجيش والشرطة ودوائر صنع القرار؛ إذ استُخدم ليكون ضمن دراسات أكاديمية هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، وصرح الجنرال “نيكولاي كلوكوتوف” من أكاديمية هيئة الأركان “أن كتابات دوغين ستكون بمثابة أساس أيديولوجي قوي لإعداد قيادة عسكرية روسية جديدة”. (الشرق الأوسط).

واهتمت العديد من الشخصيات الروسية البارزة بكتابات دوغين منذ بداية القرن الحالي؛ ومع الاجتياح الروسي لجورجية عام 2008م، وضعت مراكز البحث والدراسات المختلفة الغربية “دوغين” ضمن محور دراساتها وتحليلاتها، في ظل التوافق ما بين التحركات الروسية الخارجية، وكتابات الفيلسوف الروسي دوغين.

التحركات الروسية المستقبلية انطلاقًا من تصورات دوغين:

وبالنظر إلى آرائه حول تعدد العوالم يرى دوغين أن روسيا تنتمي ثقافيًّا ودينيًّا إلى العالم الشرقي، وينبغي على روسيا المعاصرة أن تقف في وجهة الأحادية الغربية ونزعتها المادية، ويدافع دوغين باستمرار عن الحضارات الشرقية كالصينية والإسلامية والهندية، إضافة إلى كونه يطمح إلى عالم متعدد الأقطاب يضم الأمة الروسية في الاتحاد الأوراسي، والصين والهند والعالم الإسلامي.

وتُبني العلاقات في عالم متعدد الأقطاب على أساس التشاركية ما بين الأمم والشعوب، وتُبنى العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وفقًا للحقوق المدنية، وعلى أساس أقسام من نموذج الليبرالية والقومية وتكون سياسة مستقلة عن العولمة والعالم الأحادي القطبية والقومية والإمبريالية الاستعمارية والليبرالية. (الموسوعة السياسية).

ويعتبر ألكسندر دوغين أن النظرية السياسية الرابعة، هي بمثابة معركة من أجل عالم ما بعد الحرب الباردة السابقة وصراع الإيديولوجيات؛ إذ ينظر إليها على أنها تتحدى الليبرالية كما فعلت الأيديولوجيات السابقة، ولكن ضمن ظروف الواقع المعاصر الجديدة؛ فخلال مرحلة ما بعد الحداثة منذ عام 1945م انتصرت الليبرالية على الفاشية والشيوعية، ولكن الآن بدأت مرحلة ما بعد الحرب الباردة السابقة.

فيُشير دوغين إلى ضرورة فهم عالم ما بعد الحرب الباردة والوضع الجديد ومحاولة اختراق النظام الليبرالي، وبالتالي يمكن استنتاج أن روسيا المعاصرة لن تنغلق وتنعزل كما كان الاتحاد السوفيتي شبه منغلق ومكتفي ذاتيًّا؛ بل إن صراع العالم المعاصر يتطلب من روسيا المعاصرة أن تتحرك على مساحة أكبر من العلاقات الدولية الخارجية.

وهذا ما يمكن ملاحظته الآن في التكتلات الروسية مع قِوَى الشرق مثل حلف الأمن الجماعي ومنظمة البريكس ومنظمة شنغهاي، إلى جانب علاقات روسيا الصاعدة بشكل كبير مع دول الشرق الأوسط مثل، مصر وتركيا والإمارات والسعودية وإيران والجزائر، كما ويبرز الدور الروسي الكبير في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، والتقارب الروسي معا العالم الإسلامي.

ويمكن القول: إن روسيا ستعزز من علاقاتها الخارجية والدولية وشراكاتها الاقتصادية خلال السنوات القادمة، في إطار صراعها مع العقيدة الغربية؛ إذ يرى دوغين أن جمود الاتحاد السوفيتي في مقابل علاقات التعاون الواسع بين الدول الليبرالية، كان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولذلك تضع النظرية السياسية الرابعة تجارِب الماضي كمحور أساسي لأي أمة.

لذا فإنّ التحركات الروسية الخارجية، والتي تستهدف توسيع وتنويع العلاقات وتعزيز التحالفات والاستقطابات انطلاقًا من أيديولوجية روسيا المعاصرة، والتي يمكن تسميتها بالبوتينية؛ ستُعقد وتزيد من حدة الصراع أكثر مع القوى الغربية، ولا بد من الإشارة إلى أن الحرب الباردة الجديدة، تختلف تمامًا عن طبيعة الحرب الباردة السابقة ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والتي كانت تقوم في الأساس على صراع أيديولوجي ما بين قوتين تتقاسمان القوة والنفوذ عالميًّا (الشيوعية – والليبرالية).

أما الحرب الباردة الجديدة؛ فهي صراع أوسع يشمل العديد من القِوَى واللاعبين الجدد، ولا يقتصر الصراع على روسيا والولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا الصين والهند والاتحاد الأوروبي واليابان، إلى جانب تكتلات وأحلاف مثل الناتو ومجموعة السبع وتكتل البريكس ومنظمة شنغهاي.

فضلًا عن العديد من الدول التي توصف بالمحايدة، والتي يسعى كلا الطرفين إلى استقطابها مثل، السُّعُودية ومصر والبرازيل وغيرها؛ ويمتد التنافس والصراع في ظل الحرب الباردة الجديدة ما بين قِوَى الشرق والغرب إلى كافة المجالات، الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية، لتصبح معادلة الصراع الجديد (التعددية القطبية – الليبرالية).

دوغين والعالم الإسلامي:

ضمن النظرية السياسية الرابعة، يقسم الفيلسوف والمفكر الروسي “ألكسندر دوغين” العالم إلى عدة حضارات؛ فبدلًا من التقسيم المتعارف عليه “الحضارة الغربية الحديثة بقيادة الولايات المتحدة”، اعتبر دوغين أن الدول التي لا تتبع للحضارة الغربية الحديثة بإمكانها التطور والازدهار بمعزل عن الولايات المتحدة والقوى الغربية، ودائمًا ما يشير دوغين إلى الصين وروسيا والهند باعتبارهم نماذج. (المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية).

ويرى دوغين أن دولًا وتيارات عدة في العالم، مهتمة بتطبيق نظريته السياسية الرابعة؛ فهي في الجانب الأهم منها تعني أنه “كل التيارات السياسية المتحررة من الثقافة الغربية جميعها تندرج تحت إطارها، من دون أن تطلق حتى هذا المسمى في حد ذاته. هذا نهج براغماتي وسلاح عقائدي من أجل أن نحرر أذهاننا من الهيمنة الغربية”. (المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية).

وبالتالي وبحسب دوغين؛ فإن روسيا والصين والعالم الإسلامي والهند وغيرها، تُعد حضارات جديدة خارج النظام الليبرالي الغربي، وعند النظر إلى العالم الإسلامي على سبيل المثال، فقد عانت العديد من الدول العربية والإسلامية من سياسة الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط والعقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري الشامل.

لذا ضمن حسابات دوغين، وانطلاقًا من دراسة تجارِب الماضي للأمة الإسلامية؛ بإمكان الدول الإسلامية التكامل فيمَا بينها وتأسيس قطب عالمي إسلامي جديد؛ غير أنه يعاب على خطابات دوغين اتجاه العالم الإسلامي، أنها لا تأخذ في عين الاعتبار ضعف الوعي السياسي لدي العديد من الدول الإسلامية، فلا توجد أحزاب سياسية كبرى في الدول الإسلامية بإمكانها البناء الإيجابي على أطروحات دوغين.

ما سيمكن التيارات والجماعات الإرهابية المتطرفة، والتي أضرت بالعديد من الدول العربية والإسلامية بهجماتها المتتالية على مدار العقود الأربع الأخيرة، من احتمالية توظيف خطابات دوغين في مشروعها الإرهابي الأممي؛ كما تفعل إيران حاليًّا، بحديث طِهران المتكرر عن استقلال العالم الإسلامي ووحدة المسلمين في وجهة القِوَى الغربية كجزء من شعاراتها السياسية.

بالتزامن مع التدخل الإيراني واسع النطاق في العالم العربي والإسلامي وتمزيقه إلى طوائف وجماعات وميلشيات متناحرة؛ فهذا يعود في الأساس إلى ضعف الوعي السياسي والأحزاب في العالم الإسلامي من جهة، واستغلال المصطلحات السياسية الحديثة والعداء مع الغرب نتيجة لتدخلاته في العالم الإسلامي لإنشاء مناطق نفوذ من جهة أخرى.

النظرية السياسية الرابعة والتكامل الإسلامي:

ولذلك على صانعي القرار في الدول العربية والإسلامية، إلى جانب النخب الفكرية والثقافية، التعاون انطلاقًا من أسس علمية سياسية واقتصادية واجتماعية سليمة، تُعزيز التكامل العربي والإسلامي وسد أي ثغرات قد تستغلها منظمات وجماعات ودول لتحقيق أهداف خبيثة في العالم الإسلامي.

وبالنظر إلى أبرز النِّقَاط الإيجابية في النظرية السياسية الرابعة “لألكسندر دوغين” والتي يمكن اعتبارها منطلقًا لسياسات إسلامية في عالم الحرب الباردة الجديدة؛ فيمكن تسليط الضوء على (دراسة تجارِب الماضي كمحور أساس لأي أمة) و(التكامل بين الأمم والشعوب التي تجمعها عوامل مشتركة)، فطالمَا كانت المنطقة العربية والإسلامية وحدة واحدة، حتى التدخل الاستعماري للقوى الغربية في المنقطة بدًا من القرن التاسع عشر، وازدياده مع الحرب العالمية الأولى.

كما أن العلاقات العربية الإسلامية مع القِوَى الغربية خلال العقود الثلاث الأخيرة، كانت غير متكافئة؛ ولذلك يجب التركيز على مراجعة السياسات المختلفة للدول الإسلامية، وإصلاح المنظمات الدولية الإسلامية؛ مثل: جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتنويع الشراكات والعلاقات الدولية ما بين الدول الإسلامية وبقية دول العالم.

وانطلاقًا من كون التطور الاقتصادي بقطاعاته المختلفة محورًا أساسيًّا لأي أمة؛ فإن انضمام عددًا من الدول الإسلامية إلى تكتل البريكس الاقتصادي مطلع العام الحالي، يُعد خطوة إيجابية للحد من الهيمنة الاقتصادية والمالية للقوى الغربية على النظام الدَّوْليّ.

فبالنظر إلى التركيبة الجديدة لمنظمة البريكس، والتي تضم العديد من الدول المتنوعة اقتصاديًّا (صناعيًّا وخدميًّا وتكنولوجيًّا) إلى جانب تطلعات المنظمة للحد من سطوة الدولار على النظام النقدي الدولي؛ فيمكن القول إن انضمام عددًا من الدول الإسلامية، يُعد خطوة إيجابية في تطوير اقتصاداتها الصاعدة، في ظل كون القِوَى الغربية الآن، لا تواجهه بلدًا متباينًا ومجزًأ ومليئًا بالتناقضات الداخلية والخارجية، بل يواجه قِوَى اقتصادية موحدة ومتنوعة تتألف من أغلبية بشرية عازمة على بناء عالم متعدد الأقطاب؛ وبالتالي فإن رؤية عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتنجتون حول تعدد الحضارات مستقبلًا باتت واقعية.

وبالنظر إلى الحرب الباردة السابقة، وما حققته الصين من نهضة اقتصادية وصناعية، بدًا من أوائل السبعينيات جراء التنافس ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة؛ فبإمكان الدول العربية والإسلامية انتهاج نفس السياسات الصينية في التركيز على المصالح الوطنية لتحقيق نهضة شاملة.

الانتقادات الموجهة لكتابات دوغين والنظرية السياسية الرابعة:

كغيرها من النظريات السياسية، واجهت النظرية السياسية الرابعة “لألكسندر دوغين” انتقادات عدة؛ فمن المبالغة في الطرح، إلى عدم التمايز ما بين البعدين الأيديولوجي والثقافي، فبالنظر إلى النظريات السياسية الثلاث السابقة، فقد وضعت على أسس فكرية وبنوية وفلسفية وقوامها يرتكز على البنية السياسية المتمثلة بالنظام السياسي والدستور والبنية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، كما اشتملت على نظم اقتصادية وتفاعلات اجتماعية. (سكاي نيوز عربية).

في حين أن النظرية السياسية الرابعة، تعرض نفسها كبديل عن النظريات الثلاث وهي ترتكز على البعد السياسي والجغرافي التعاضدي الاتحادي، ولم تطرح رؤاها للبنية السياسية داخل الدولة، وكذلك رؤيتها للبنية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصًا مع صعود الذكاء الاصطناعي والهيمنة التكنولوجية في المجتمعات البشرية.

إضافة إلى ذلك؛ فإن دوغين يعتبر أن الليبرالية شر كامل، ولا يأخذ في عين الاعتبار ما حققته كل نظرية من نِقَاط إيجابية في التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الإنساني، وبحسب مراقبين غربيين؛ فإن نظرية دوغين تشجع على الديكتاتورية، والتطرف، والسلطة المطلقة، وأنها تتعارض مع حقيقة ما حققته روسيا خلال الحِقْبَة السوفيتية انطلاقًا من النزعة المادية من تطور تكنولوجي وعلمي في كافة المجالات. (شفق نيوز).

فمن مجتمع زراعي يعاني المجاعات بين حين وأخر مطلع القرن العشرين، إلى قِوَى عظمي صناعية تنافس العالم الغربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي؛ والنقطة الأهم: أن رؤية دوغين عن التكامل ما بين الشعوب التي تجمعها عوامل مشتركة، يجب أن تتم على غرار التكامل بين الشعوب والدول الأوروبية، وليس الضم العسكري للأراضي والمدن كما يحدث حاليًّا في أوكرانيا وفقا للآراء الغربية.

الخلاصة:

– منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة السابقة بهزيمة الشيوعية، وانفراد الولايات المتحدة والقوى الغربية بالعالم المعاصر، انطلاقًا من عقيدة ليبرالية مادية، واستياء العديد من المجتمعات والشعوب حول العالم من السياسات الغربية؛ ونظرًا للإرث الثقافي والتاريخي للدولة الروسية، فقد طرح الكاتب والفيلسوف الروسي “ألكسندر دوغين” نظرية سياسية جديدة، تكون بديلًا عن الفاشية والشيوعية والليبرالية، وتضع أساسًا جديدًا لنظام عالمي متعدد الأقطاب، يكون القرار الدَّوْليّ فيه غير مرتكزًا في يد الغرب.

– تقوم نظرية دوغين السياسية الجديدة، على تحدي الليبرالية المادية والهيمنة الغربية، واعتبار روسيا أقرب إلى الحضارات الشرقية، وقد بدا ذلك واضحًا في التقارب الروسي مع قِوَى الشرق (الصين والهند) والتحرك الروسي الواسع لتطوير وتوسيع العلاقات الخارجية مع دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية؛ كما وأن التدخل الروسي العسكري في جورجية عام 2008م، وضم شبه جزيرة القرم عام 2014م، ومن ثم الاجتياح الشامل لأوكرانيا عام 2022م، جميعها تحركات تتوافق مع رؤية المفكر الروسي دوغين عن تكامل الأمة الروسية، ما وضع روسيا في صراع مفتوح في كافة المجالات مع القِوَى الغربية، فيمَا يعرف بالحرب الباردة الجديدة.

– إن تاريخ الفكر البشري مليء بالتطورات والتغييرات المستمرة، وهو ما يؤدي إلى بروز نظريات وأيديولوجيات جديدة بين حين وأخر؛ فالنظرية السياسية الرابعة، هي نظرية حديثة أتت بأفكار متميزة عن غيرها، وتضم نُقَاط إيجابية عدة، فمن خلالها وفي ظل الحرب الباردة الجديدة، بإمكان الدول العربية والإسلامية والتي عانت من الأحادية القطبية التكامل فيمَا بينها، وتحقيق نهضة شاملة في كافة المجالات للحد من الهيمنة الأمريكية والغربية على النظام العالمي.

المصادر:

بي بي سي عربية

روسيا اليوم

الشرق الأوسط

الموسوعة السياسية

المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

سكاي نيوز عربية

شفق نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.