fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نظرة على صراعات الداخل الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من البلاد

74

نظرة على صراعات الداخل الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من البلاد

مرَّ ما يقارب العامين على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومنذ لك الوقت تولت حركة طالبان الحكم، وهي لا تزال الحاكمة للبلاد؛ إلا أنها تعيش في حالة تأهب دائمًا لحروب الشوارع التي تسيطر على معظم مناطق أفغانستان في معظم الأحيان، ولعله من أبرز الجماعات هناك ما يطلقون على أنفسهم تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، و”لواء فاطميون”، وغيرهم، فيتبادر إلى ذهن المتابع أنه لماذا لا يزال أفغانستان يعيش في حالة الحرب؟

وهنا تستعرض “رواق” أبرز الأسباب المؤدية إلى حالة الاقتتال والنزاعات، خاصة أنه وبعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من البلاد، تدهورت أوضاع الأفغان بشكل أكبر، فعلى الرغم من حلِّ الأزمة إلا أن الوضع يزداد سوءًا فإليكم التفاصيل:

أفغانستان وجذور الصراع:

تُمثل أفغانستان ممرًا بين الغرب والشرق وتحظى بأهمية جيوسياسية كبيرة، وكانت في فترة الحرب الباردة الدولة المحايدة الوحيدة بين القوى الشيوعية في الشمال والشرق وبين القوى الرأسمالية في الجنوب والغرب.

وبعد سيطرة الشيوعيين عليها، ارتفعت مكانة أفغانستان الإستراتيجية، واتسم تاريخ البلاد منذ ذلك الحين بصراعات تغذي الصراعات التي تليها، حارب الأفغان بعضهم من أجل السلطة السياسية.

_ غزا السوفييت البلاد ودكوها دكًّا من الناحية العملية، لكن السوفييت رحلوا بنهاية المطاف وعاد الأفغان لقتال بعضهم.

_ استمر ذلك حتى جاء الغزو الأمريكي وما أعقبه من احتلال.

_ رجع الأفغان إلى عادتهم القديمة بعد سحب الأمريكيين لقواتهم عام 2021.

_ سيطرت حركة طالبان على البلاد سريعًا.

_ بدأ الأفغان في الاقتتال الداخلي مرةً أخرى.

وبقيت آخر معاقل المعارضة في شمال البلاد، لكن طالبان أخضعتها وأعادت تسمية الدولة لتصبح إمارة أفغانستان الإسلامية(1).

التشكيلات العرقية والحزبية في أفغانستان:

على الرغم من تنوع أشكال التعبير عن تنظيمات ما يسمى بالحركات الإسلامية، ورغم تنوع مواقفها في المجال السياسي وتنوع قاعدتها الاجتماعية ودوافعها وأساليب عملها؛ إلا أنها تشترك كافة في أنها تطلق على نفسها وصف ”الجماعات الجهادية”، وأنها تدعو للوصول إلى الدولة الإسلامية بمنظورها، والتي تكون ”الشريعة الإسلامية” هي دستورها الأساسي ومصدر تشريعاتها وقوانينها بفكرهم الخاص، وأنها تنظم نفسها من أجل تحقيق هذا الهدف؛ إلا أن هذه الانقسامات منذ البداية كانت هي السبب في ظهور الجماعات الجهادية، وفي ظل هذه الفوضى ظهرت حركة طالبان التي انتشرت بشكل كبير في مناطق الجنوب الغربي، واستطاعت أن تجذب المتطوعين وتحصل على السلاح وتسيطر على كابول.

وتتعدد الجماعات العرقية والإثنية في أفغانستان، فهناك: الباشتون والطاجيك والحزارا والأوزبك، والأيمك والتركمان والبالوش، ويعتبر الباشتون مكونين من خمس جماعات رئيسية: المسلمين السنة، والغازليين، والدوارنيين، والصرب الكوشيين، كما أن الباشتون هم الفصائل الأكثر تأثيرًا في أفغانستان، وكانوا يشغلون وظيفة الرعي التقليدية إلى جانب الزراعة لتزويد أنفسهم بمتطلبات الحياة من مأكل ومشرب.

وقد توزعت نسب هذه الجماعات وفقا لتقديرات عام 2010 بحيث بلغت نسبة الباشتون (%42,6)، والطاجيك (40,89)، والحزارا (7,68)، وألوزبك (4,05) أخرى جماعات و(4,68)، وقد كان انقسام المجتمع الأفغاني سببًا في منع وجود الوحدة القومية للشعب الأفغاني، وإعاقة استكمال الهوية الأفغانية إضافة إلى الاختلافات الأثنية داخل المجتمع الأفغاني(2).

حركة طالبان وتكوين جماعات جهادية:

قد يكون من الضروري العودة قليلًا إلى الوراء لفهم ما كان يحدث على الساحة الأفغانية قبل أحداث 11سبتمبر، وتحديدًا إلى فترة الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، ذلك الغزو الذي كان سببًا مباشرًا في ظهور ما عرف بمجموعات المجاهدين.

وخلال تلك الفترة تشكلت العديد من الأحزاب والتنظيمات الجهادية التي قادت حركة المقاومة (قدرت بنحو 80 جماعة)، واتخذت تلك الأحزاب والجماعات من منطقة بيشاور الباكستانية نقطة تمركز وانطلاق لعملياتها.

ويمكن ذكر أبرز الجماعات الجهادية في أفغانستان إلى مجموعتين السنة والشيعة، ويمكن إبرازهم في الآتي:

الجماعات السنية:

قد تم دمج الجماعات الجهادية في سبع مجموعات سنية رئيسية عام 1982م، وهم:

1_ الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكيمتار، وكان أقواها وأكثرها تنظيمًا.

2_ الجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني.

3_ الاتحاد الإسلامي بزعامة ”عبد الرسول سياف”.

4_ الجبهة الإسلامية الوطنية بزعامة ”أحمد جيلاني”.

5_ جبهة التحرير الوطني بزعامة ”صبغة الله مجددي”.

6_ حركة الثورة الإسلامية بزعامة “محمد نبي محمدي”.

7_ جبهة الحزب الإسلامي التي شكلها ”يونس خالص” بعد انشقاقه عن الحزب الإسلامي بقيادة حكيمتار.

الجماعات الشيعية:

كذلك وجدت تنظيمات سياسية شيعية في أفغانستان، وهي ضمن التنظيمات السياسية ذات التوجه الإسلامي، وتتمثل في:

1_ جماعة النصر لأفغانستان.

2_ الحركة الإسلامية لأفغانستان.

3_ حزب الرعد الإسلامي لأفغانستان.

4_ منظمة القوة الإسلامية لأفغانستان.

5_ حزب الله الأفغاني.

6_ مجلس الائتلاف الإسلامي لأفغانستان.

7_ حزب الوحدة الإسلامية لأفغانستان(3).

الصراع على “خراسان”:

أثار تقاعس طالبان عن الجهاد أثار غضب جماعات متشددة أخرى تُدعى ولاية خراسـان أو داعش – خراسان، حيث ترى تلك الجماعة أن طالبان ليست صالحة ولا يحق لها الحكم بقدر الأمريكيين، ويتمحور الخلاف بين طالبان وبين ولاية خراسـان حول “خراسـان” تحديدًا.

يُشير مصطلح خراسان تاريخيًّا إلى منطقةٍ شاسعة تحتل شمال شرق إيران، ومناطق جنوب آسيا الوسطى، وغرب أفغانستان

كانت خراسـان مكانًا مزدهرًا خلال العصور الوسطى.

شكَّلت مركزًا للتجارة والثقافة والتعلم.

لم تكن خراسان دولةً بالمفهوم المعاصر، بل كانت لها هوية فضفاضة يُمكن وصفها باللامركزية ومتعددة العرقيات.

وربما ابتلعت الدول القومية المجاورة أراضي خراسـان شيئًا فشيئًا بعدها، لكننا نستطيع القول: إن نسلها الثقافي يتمثل في أوزبكستان وأفغانستان، ومع ذلك، مرَّت أوزبكستان بعملية علمنة وتأميم صارمة وواسعة النطاق.

لهذا سنجد أن الأفغان، وخاصة ذوي الخلفيات المحافظة هم الوحيدون الذين يحافظون على بقاء ذكرى خراسـان؛ أي: إن طالبان راضية بإبقاء سلطتها داخل حدود أفغانستـان ومتابعة أعمالها، بينما تسعى ولاية خراسـان إلى إحياء ذكرى خراسان الغابرة، وهذا يعني أن ولاية خراسان تريد استغلال الموارد الأفغانية لإشعال مرحلةٍ ثانية من الفتوحات، وهي مرحلة تستهدف إيران وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، وربما باكستان(4).

من وراء حالة الإرهاب بالبلاد:

استبقت واشنطن انسحابها الفاشل من أفغانستان، بنقل آلاف الدواعش الذين كانت ترعاهم في سوريا والعراق الى هذا البلد، وكان ذلك ضمن مخططها لما بعد الانسحاب على ما يبدو، مخطط زعزعة الأمن في البلاد لإظهار عجز الأفغان عن السيطرة على بلادهم دون مساعدة الأمريكان.

وكانت قد توجَّهت العديد من أصابع الاتهام نحو أمريكا بنقل مجرمي داعش الى أفغانستان تمهيدًا لما تحضره لهذا البلد، ففي وقت سابق وقبل الانسحاب الأمريكي، أكدت وزارة الخارجية الروسية وجود معلومات كافية تشير إلى تعاون الولايات المتحدة مع تنظيم “داعش” الإرهابي في شمال أفغانستان.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا: “أثارت لدينا تحليقات مروحيات لم تحمل أي علامات تسجيل وتم رصدها منذ العام 2017 داخل مناطق أنشطة مسلحي داعش، خاصة شمال أفغانستان أسئلة كثيرة”.

وتابعت: “بحسب مصادر أفغانية، جرى من خلال هذه الطائرات تزويد تشكيلات داعش بتعزيزات بالقوة الحية والأسلحة والذخائر، كما تم بواسطتها نقل القتلى والجرحى بين الإرهابيين من ميادين القتال” .

وأشارت زاخاروفا إلى أن هذه المعلومات تم كشفها مرارًا، وهي تتطلب اهتمامًا من قِبَل المؤسسات الدولية، موضحة: “لم يكن ممكنًا القيام بمثل هذه الأنشطة دون علم الولايات المتحدة والناتو اللذين يسيطران بشكل كامل على المجال الجوي لأفغانستان”.

روسيا تتهم وأمريكا داخل القفص:

ولم تكتفِ روسيا بتوجيه هذا الاتهام، وإنما أكدت دعم أمريكا المطلق للتنظيم الإرهابي؛ لا سيما في الحرب التي خاضها ضد طالبان الرافضة لتواجد داعش على أراضيها، حيث ذكرت الخارجية الروسية في وقت سابق إلى أنه تم تسجيل “ضربات دقيقة من قبل القوات الجوية الأمريكية إلى مواقع عناصر طالبان الذين خاضوا معارك مع داعش”.

جملة هذه التطورات لا تشير سوى الى أمر واحد، وهو: أن أمريكا بقيادة بايدن هي المسؤول الأول عما يمرُّ به الشعب الأفغاني من مآسي وويلات في جميع الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية(5).

الخلاصة:

في النهاية يمكن القول: إن الوضع على الأرض في أفغانستان حاليًا لا يشير إلى أن عملية السلام قد تستقر أو تنتهي بنتائج إيجابية، لا سيما مع المكاسب التي تحققت لحركة “طالبان”؛ إلا أن أكبر الهواجس والمخاوف أن تصبح أفغانستان لتصبح مرة أخرى ساحة للجماعات الإرهابية.

كما أنه من المهم أن نتذكر أن طالبان ليست قوة مركزية وموحدة، وقد يرغب بعض القادة في إرضاء الغرب وضمان صمته من خلال عدم إثارة المشاكل، لكن هناك البعض من الجماعات الموجودون هناك قد يحجمون عن قطع الروابط مع القاعدة.

كما أن مدى قوة القاعدة وقدرتها على إعادة بناء شبكتها العالمية أمر يلفه الغموض، ثم هناك الفرع الإقليمي لتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان) والذي تعارضه حركة طالبان، وقد يستغل فترة الصراعات ويعلن انقلابًا على طالبان وتأسيس دولة موازية، على الرغم من أن عدد مقاتلي التنظيم يتراوح بين بضع مئات إلى 2000 مقاتل فقط، لكنهم قد يحاولون كسب موطئ قدم في كازاخستان وقيرغيزستان، وأجزاء من طاجيكستان، مما قد يشكل مصدر قلق وتهديدًا حقيقيًّا في المنطقة.

الشاهد ان التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها الساحة الأفغانية عبارة عن حلبة مصارعة، على نحو يوحي بأن أفغانستان تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة؛ خاصة أنها ربما تتحول مرة أخرى، إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية المؤدلجة لصالح الدول العظمى والتي تعمل لحسابها العابر للحدود.

ولا شك أن النظرة المستقبلية للأوضاع في أفغانستان محفوفة بالمخاطر والمشاكل، فسيكون هناك العديد من الهجمات العدائية، ومن الممكن أن تشهد انقسامات وتحالفات، وهذا كله سيعاني منه المواطن الافغاني.

1_ أسباب

2_ المركز الديموقراطي العربي

3_ ويكبديا+ المركز الديموقراطي العربي

4_ عربي بوست

5_ نورنيوز

التعليقات مغلقة.