fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مستقبل منظمة حلف الناتو في ظل تحديات داخلية تعصف بالحلف وصعود الصين وروسيا عالميًّا

0 43

مستقبل منظمة حلف الناتو في ظل تحديات داخلية تعصف بالحلف وصعود الصين وروسيا عالميًّا

يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) العديد من التحديات خلال السنوات الأخيرة؛ فالحلف الذي تأسس في 4 من إبريل عام 1949م لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ثم تحول إلى ما يشبه إمبراطورية غربية تمتد من شرق أوروبا وحتى أمريكا الشِّمالية، مع توسعة وضم دول وَسَط وجنوب وشرق أوروبا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي؛ بات اليوم يواجه صعودًا جديدًا للاتحاد الروسي، وجمهورية الصين الشعبية، ما يهدد الهيمنة الغربية التي استمرت طيلة 3 عقود.

كما أن فوز التيارات اليمينية في دول التكتل، وانتهاج بعض قادة الدول الأوروبية لسياسات براغماتية بعيدًا عن السياسة التقليدية لدول الحلف مثل المجر، إلى جانب احتمالية عودة المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض في انتخابات الـ5 من نوفمبر القادم، والذي قد أدت سياساته اتجاه الحلفاء الغربيين إلى وصُف حلف الناتو خلال فترة رئاسة ترامب من قبل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بالميت سريريًّا في ظل استخدام ترامب للحلف كأداة لابتزاز الدول الأوروبية.

جميعها عوامل وتحديات قد دفعت عددًا من المراقبين إلى التحذير مما قد يتعرض له الحلف من تفككك، أو على الأقل ضعف وتراجع للدور والتأثير العالمي خلال السنوات القادمة؛ بالرغم من تحركات الإدارة الأمريكية الحالية وعددًا من قادة الدول الأوروبية، لتوسيع نطاق تأثير الحلف عالميًا وصولًا للقوقاز وشرق آسيا، أو إنشاء حلف ناتو آسيوي يكون أداءه القِوَى الغربية لموازنة النفوذ الصيني والروسي في منطقة شرق آسيا.

فمَا حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ وما أبرز التحديدات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها الحلف؟ وكيف أصبح حلف الناتو أداة محورية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة للهيمنة العالمية؟ وفي ظل التحديات الخارجية والخلافات الداخلية واحتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ظل تصريحاته المثيرة للجدل ما هو مستقبل حلف الناتو؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على مستقبل منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو في ظل تحديات داخلية تعصف بالحلف وصعود الصين وروسيا عالميًّا خلال السنوات الأخيرة في هذه السطور الآتية:

حلف شمال الأطلسي (الناتو) أداة الهيمنة الغربية:

تأسس حلف الناتو في 4 من إبريل عام 1949م، وكان تأسيس الحلف رد فعل على توسع الاتحاد السوفيتي في شرق ووسط أوروبا، والانتشار العسكري للجيش الأحمر أعقاب الحرب العالمية الثانية، ودور موسكو في دعم حركات التحرر والمنظمات والأحزاب الشيوعية والاشتراكية الماركسية في إفريقيا وشرق وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، ومخاوف دول أوروبا الغربية من القِوَى العسكرية للجيش الأحمر السوفيتي في وَسَط أوروبا.

لذلك جاء تأسيس الحلف، كقوة دفاع جماعي للتصدي للخطر الأحمر كما كان يسمى حينها؛ إذ تنص المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية للحلف “أن أي هجوم مسلح ضد إحدى الدول الأعضاء، يعتبر هجومًا ضد جميع الأعضاء، ويجب على الأعضاء الآخرين مساعدة العضو المعتدى عليه حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة المسلحة”، وبعد أن كان عدد أعضاء الحلف 12 دولة عام 1949م بات العدد اليوم 32 دولة. (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).

ويُعد حلف الناتو أحد أدوات ما يسمى بالغرب الجماعي (الولايات المتحدة وحلفائها) في رسم السياسة الغربية الليبرالية عالميًّا، بل وفرضها على العديد من الدول والشعوب حول العالم، بالرغم من اعتراف الليبرالية الغربية بتعدد الثقافات واختلاف السكان من منطقة إلى أخرى، ويرى عدد من المراقبين الروس: أن حلف الناتو ونظرًا لدورة في السياسة الغربية في العديد من المناطق حول العالم، يُعد أشبه بإمبراطورية غربية توسعية تسعى للهيمنة على غرار إمبراطوريات التاريخ السابقة.

ومن المفارقة أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت أبرز عامل عزز من وحدة الحلف، وتركيز وجوده في دول شرق أوروبا، بعد أن أصابه الوهن والضعف وعصفت الخلافات بين أعضائه، إلى الحدِّ الذي دفع الرئيس الفرنسي “ماكرون” لوصفه بأنه في حالة موت سريري وعلى الرغم من ذلك فإن الحرب الروسية الأوكرانية، لم تعزز بشكل كامل من وحدة دول الحلف إلى الحد الذي كانت تأمله دول شرق أوروبا القريبة من روسيا، فالحرب الروسية الأوكرانية من بين أبرز الخلافات بين الدول الأعضاء بالحلف؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الأوروبية لتسريع ضم أوكرانيا إلى الحلف، تقف كلٌّ من الولايات المتحدة وفرنسا، وألمانيا بالرفض في الوقت الحالي.

كما أن مسألة مساهمة الحلفاء في ميزانية الحلف مسألة شائكة، ونقطة خلافات متجددة بين حين وأخر خاصة بعد أن هدد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بالتخلي عن حماية الدول التي لا تحترم التزاماتها المالية، ورفع نسبة موازنتها الدفاعية حال فوزة في السباق الانتخابي القادم؛ وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة للحصول على دعم أوروبا حيال موقفها في المحيط الهادئ، يتنصل الأوروبيون من هذه المسألة قائلين إن هذه ليست مهمة الحلف.

وبالنظر إلى سياسة ترامب الخارجية في ابتزاز الحلفاء الغربيين، كما حدث مع كوريا الجنوبية واليابان ودول الشرق الأوسط، فإن ترامب يسعى للضغط على الحلفاء الغربيين لزيادة مساهماتهم الدفاعية في حلف الناتو، فمن جهة يحقق ترامب شعبية داخل الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى: يزداد الطلب الغربي على السلاح الأمريكي، ما يعزز من النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، وهي سياسة يقابلها الحلفاء الغربيون بتقارب اقتصادي “محدود” مع الصين كأحد طرق الضغط على الولايات المتحدة.

حلف الناتو وأبرز التحديات الداخلية والخارجية:

أدى نمو القدرات المختلفة للاتحاد الروسي خلال العقدين الأخيرين إلى تجدد مخاوف الدول الأوروبية من الصعود الروسي الجديد، وعلى الرغم من أن الاتحاد الروسي يختلف جذريًّا عن الاتحاد السوفيتي السابق، من حيث الأهداف والتطلعات الخارجية والأيديولوجيا الحاكمة للدولة الروسية؛ إلا أن التعارض ما بين الرؤية الروسية والغربية إزاء النظام الدولي، واصطدام روسيا بتوسع حلف الناتو اتجاه شرق أوروبا والقوقاز؛ قد خلق نِقَاط خلافية تفاقمت خلال العقدين الأخيرين، وبلغت حد المواجهة العسكرية على الأراضي الأوكرانية، (وإن كانت بالوكالة) ضمن ما يعرف حاليًا بالحرب الباردة الجديدة، ما دفع الدول الأوروبية وتحديدًا الشرقية القريبة من روسيا، إلى التوجس من التحركات الروسية الجديدة في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا.

غير أن الخلافات الأمريكية الأوروبية، حول كون الصين التهديد الأكبر والأخطر للنظام الدولي قد خلق فجوة ما بين الحلفاء الغربيين، مع نجاح الولايات المتحدة في استقطاب بريطانيا إلى رؤيتها إزاء الصين، وتأسيس حلف (أوكوس) الجديد في شرق آسيا على غرار الناتو؛ وبالنظر إلى كون التحركات الأمريكية ضد الصين تأتي ضمن رغبه الولايات المتحدة في الحفاظ على هيمنة النظام الليبرالي، والذي يتوافق مع الرؤية الأوروبية، إلى جانب التأثير الأمريكي واسع النطاق في كافة مجالات الاتحاد الأوروبي؛ مثل: الصناعة والخدمات والتجارة، وغيرها.

فيمكن القول: إن الدول الأوروبية ستسير خلف الإرادة الأمريكية في التصعيد مع الصين، بالتزامن مع الصدام الأوروبي الروسي في شرق أوروبا، وبالتالي فإن التهديدات الخارجية التي يتعرض لها حلف الناتو في الوقت الحالي بحسب رؤية الولايات المتحدة تتمثل في الصين بالمقام الأول والاتحاد الروسي ثانيًا.

وقد أسفرت الفجوة ما بين الولايات المتحدة ذات التأثير المحوري في حلف الناتو والدول الأوروبية، عن صعود التيارات اليمينية إلى السلطة في عدد من الدول الغربية، مثل: “دونالد ترامب” في الولايات المتحدة عام 2017م صاحب الميول التصعيدية اتجاه الصين، و”فيكتور أوربان” في المجر صاحب الرؤية البراغماتية في حل الخلافات الأوروبية الروسية وغيرهم من اليمينيين والبراغماتيين في الدول الغربية؛ والذين انتهجوا سياسات براغماتية يرى فيها مراقبون قد أضعفت من حلف الناتو.

وتأتي تهديدات ترامب بتشجيع روسيا على مهاجمة دول الناتو التي لا تفي بالتزاماتها المالية تجاه الحلف، إلى جانب زيارة “فيكتور أوربان” رئيس الوزراء المجري إلى موسكو ولقاءه بسيد الكرملين؛ لتضيف مزيدًا من الضعف للحلف، ومزيدًا من القلق على مستقبل حلف الناتو ككل، ولتخلق أزمة داخلية لدول الحلف تدفع إلى إعادة تسلح واسع النطاق في عدد من دول الحلف. (إنترريجونال للدراسات والتحليلات).

فبالنظر إلى قرار ألمانيا الأخير بإعادة تسليح جيش البلاد، وتخصيص نحو 100 مليار يورو؛ فيأتي ذلك ضمن توقعات الساسة الألمان والأوروبيين عامة، بأن ثمة تحولًا جذريًّا في التوجه الإستراتيجي لواشنطن، نحو التركيز التام على احتواء الصين مقابل تهميش شبه تام لمناطق التركيز الإستراتيجي التقليدية لواشنطن التي تضم أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط؛ ما سيزيد من اتساع الفجوة ما بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وتفاقمت صحة تلك التوقعات عقب نجاح بوتين في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014م، وَسَط ما يراه أوروبيون تخاذل أمريكي واضح، وتأكدت تمامًا صحة تلك التوقعات مع الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة حتى الآن دون تحرك أمريكي فعَّال لمواجهتها، بحسب الساسة الأوروبيين وتركيز أعضاء الحزب الجمهوري على الخطر الصيني.

وبناءً على ما سبق: يبدو أن حلف الناتو ونتيجة لتوسعة خلال العقود الأخيرة، وتطور النظام الدَّوْليّ من نظام القطبية الثنائية إلى الأحادية القطبية ثم تعدد الأقطاب، واختلاف الرؤى والتصورات والآراء إزاء العالم المعاصر؛ قد دخل في دوامة في الخلافات الداخلية والتحديات الخارجية، ستؤثر على فعالية الحلف على الصعيد العالمي خلال السنوات القادمة.

الهيمنة الأمريكية على حلف الناتو:

تُعد الولايات المتحدة القِوَى المحورية الرئيسة في حلف الناتو، ويتجاوز دورها داخل الحلف دور معظم أعضائه، كونها تملك الترسانة النووية الأكبر في الحلف، والأساطيل الحربية التي تجوب البحار والمحيطات، والقواعد العسكرية المنتشرة حول العالم.

وتستخدم الولايات المتحدة حلف الناتو في تنفيذ مشاريعها وتطلعاتها الجيوسياسية والإستراتيجية، وعملياتها الحربية في العديد من الدول حول العالم للإطاحة بالأنظمة أو التهديد باستخدام القوة والانتشار العسكري الإقليمي؛ فقد استخدمت الولايات المتحدة الحلف في عملياتها العسكرية في البوسنة والهرسك، والتدخل العسكري في كوسوفو، وحرب الكويت عام 1991م، وحرب أفغانستان.

وأدت هجمات 11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة، إلى تفعيل الحلف للمادة الـ5 من ميثاق الناتو لأول مرة في تاريخها، وأطلق عملياته العسكرية حول العالم فيمَا سمي “بالحرب على الإرهاب” والتي كان لها تداعياتها الكارثية على العديد من الدول والشعوب المسالمة، في العراق وأفغانستان والصومال وليبيَا. (مركز روابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

ويُعد الحلف محوريًّا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ إذ استفادة واشنطن من موقع القيادة الإستراتيجية بالحلف، فعلى الرغم من البُعد الجغرافي والمحيط الفاصل ما بين الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الطريقة التي يعمل بها الحلف في الدفاع الجماعي وصفقات التسلح البينية، والتي تهيمن عليها الولايات المتحدة بطبيعة الحال كما هو واضح في الممارسة العملية، تأتي في صالح الولايات المتحدة والاقتصاد الأمريكي.

ورغم أن الضمانة الأمنية الأمريكية للحلفاء في الناتو كانت في قلب الإطار السياسي العسكري للحلف، مع إنفاق واشنطن نتيجة لذلك مبالغ كبيرة للحفاظ على قدراته الدفاعية؛ فقد منحت هذه العلاقات الولايات المتحدة موقع القيادة الإستراتيجية داخل الحلف، ونتيجة لهذا الدور المركزي في العلاقات عبر الأطلسي، تمتع الأمريكيون بازدهار اقتصادي كبير؛ ذلك أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة منُحت وضعًا متميزًا عندما تطرقت إلى قضايا تشمل الشراكات التجارية فقد تجاوز حلف الناتو مفهومه “بحسب الرؤية الأمريكية” كمنظمة دفاعية جماعية، وبات مشروعًا لتعزيز الصفقات العسكرية لإنعاش المجمع الصناعي الدفاعي الأمريكي، والذي يؤدي دورًا محوريًّا في الاقتصاد الأمريكي ككل.

ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الدور الضخم الذي تلعبه الولايات المتحدة في حلف الناتو، وشعار: “الدفاع عن الحلفاء”، كما لم تكن الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على مواردها الكبيرة من المبيعات العسكرية الخارجية وأنشطة التعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع، دون الأساس الإستراتيجي الذي أسسه دورها بوصفها ضامنًا رئيسًا لأمن دول الحلف على مدى السبعة عقود الماضية؛ إلى جانب ذلك فإن الدور القيادي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي يسمح لها أيضًا بوضع أجندة الأمن الدولي بطرق سياسية وعملية، فعلى سبيل المثال: لم يكن بمقدور واشنطن القيام بعمليات الاستطلاع وعمليات مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وإفريقيا لولا القواعد والمعدات الموجودة مسبقًا، والتي تمكنت من إرسائها وصيانتها على أراضي الحلفاء في أوروبا.

كما لم تكن عمليات التحالف لتُحقيق الاستقرار في البلقان، أو القيام بمهام مكافحة القرصنة قبالة القرن الأفريقي ممكنة دون اتفاقيات توحيد التشغيل البيني، أو التدريبات المتعددة الجنسيات أو الأركان العسكرية الدولية التي يمكن للحلفاء من خلالها التخطيط الجماعي لعملياتهم العسكرية ودمجها؛ كما أن الولايات المتحدة وفي ظل التطور التكنولوجي العالمي واسع النطاق للدول العظمي (الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند) ترى في حلف الناتو حماية للعمق الإستراتيجي الممتد للولايات المتحدة، الذي لم يعد قاصرًا عند أراضي الأمريكيتين كما كان الحال خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وبالتالي يمكن القول: إن حلف الناتو يُعد محوريًّا للولايات المتحدة في كافة المجالات، ويصب في صُلْب المصالح الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة وتعزيز دورها على الساحة العالمية؛ ولذلك تطمح الولايات المتحدة إلى إنشاء ناتو جديد في شرق آسيا بعد نجاح تجرِبة الناتو الأطلسي لتعزيز النفوذ في المنطقة ومواجهة الصين وكوريا الشمالية والتحركات الروسية.

مستقبل حلف الناتو في ظل المتغيرات العالمية:

تعكس تصريحات الأمين العام للحلف، بأهمية العِلاقة ما بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، غياب الثقة بين أعضاء الحلف ومخاوف صعود تيار أمريكا أولًا الداعي إلى تقليص دور الولايات المتحدة في عدة ملفات من بينها أوروبا، والتركيز على الشأن الداخلي للولايات المتحدة؛ حيث إنه ومنذ تأسيس الحلف كان هناك تعاون وثيق بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث ضفتي الأطلسي، وهو أمر مهم لا يمكن تجاوزه، بالرغم من تغيير الرؤساء الأمريكيين وتعاقب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على البيت الأبيض.

إلا أن التهديد الذي كان قائمًا خلال سنوات الحرب الباردة السابقة، والصراع متعدد المجالات ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قد تغير تمامًا في ظل الحرب الباردة الجديدة؛ فلم يعد العالم ثنائي القطبية أو أحادي، بل باتت الآن العديد من القِوَى الصاعدة والساعية إلى الصعود مثل الصين والتي تري فيها الولايات المتحدة تهديدًا لا يقل عن التهديد الروسي أو ربما يتجاوزه بحسب رؤية الحزب الجمهوري.

وبالرغم من ذلك يبقى حلف شمال الأطلسي الناتو محوريًّا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في ظل ما حققته الولايات المتحدة من هيمنة عالمية؛ ولذلك يمكن القول: إن السنوات القادمة ستشهد استمرار دور منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في السياسة الأمريكية إزاء أوروبا ودول المتوسط والشرق الأوسط رغم الخلافات الداخلية التي باتت واضحة أكثر من أي وقت مضى.

مع تعزيز تحالفات الولايات المتحدة في شرق آسيا، وتطوير ناتو آسيوي جديد على غرار الأطلسي، لما تراه الولايات المتحدة في التحالفات العسكرية من دور محوري لتعزيز النفوذ والهيمنة الإقليمية، إلى جانب توسيع صفقات التسلح لإنعاش الاقتصاد الأمريكي كما ظهر من خلال صفقة الغواصات النووية الأمريكية لأستراليا.

الخلاصة:

– يُبنى النظام العالمي المعاصر على التحالفات والتكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعاون واسع النطاق والممتد لعدة مجالات، والذي تلعب دورًا محوريًّا في سياسات القِوَى العظمي على الساحة العالمية؛ فالولايات المتحدة ترى في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أداة لتعزيز النفوذ والهيمنة العالمية على الساحة الدولية، إلى جانب توسيع صفقات التسلح وإبرام الاتفاقيات في إطار الحلف لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، بما يتجاوز دور الحلف التقليدي كمنظمة دفاع جماعي.

– يبدو أن مرونة حلف الناتو، في التأقلم مع المتغيرات العالمية من الثنائية القطبية إلى الأحادية، والتكييف مع المستجدات؛ ستؤدي في النهاية إلى التوصل لنقاط تفاهم ما بين الأعضاء التداخليين للحلف، وتجاوز الإشكالات العالقة؛ في ظل رغبة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في تقويض دور ونفوذ الحلف في أوروبا، الذي يمثل حافزًا لدول الحلف عمومًا، وللولايات المتحدة على نحو خاص، على التمسك به وتوسيع دوره في مواجهة التحديات الروسية.

المصادر:

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

إنترريجونال للدراسات والتحليلات.

مركز الروابط للبحوث والدراسات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.