مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
كوريا الشمالية وإيران وأسباب الدعم المقدم لروسيا في حربها على أوكرانيا.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات
كوريا الشمالية وإيران وأسباب الدعم المقدم لروسيا في حربها على أوكرانيا.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات
منذ بَدْء الحرب الروسية الأوكرانية في الـ24 من فبراير 2022م، وما تبعها من تداعيات وتطورات لم تكن في حسابات أي من أطراف الصراع، فقد تحولت الحرب إلى أداة لاستنزاف قدرات الأطراف المتحاربة والداعمين لهم؛ إذ إن الدعم الهائل المقدم لأوكرانيا من قبل حلفائها الغربيين قد مكن أوكرانيا من الصمود طيلة عامين، رغم ذلك فقد استنزفت الحرب الكثير من الأسلحة والذخائر الغربية والروسية، وأجبرت جميع الأطراف على إنتاج المزيد من الأسلحة والذخائر والبحث عن تعويضًا للنقص الحاد في المستودعات.
وسريعًا ما دخلت إيران وكوريا الشمالية على خط الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ كشفت سيول عن أن كوريا الشمالية قد زودت روسيا بنحو 7 آلاف حاوية أسلحة منذ يوليو 2023م لدعم عملياتها العسكرية في أوكرانيا، إلى جانب أكثر من مليون قذيفة مدفعية؛ وقدمت طِهران لموسكو بحسب تقارير إعلامية غريبة مسيرات وصواريخ كان لها دور في ميدان القتال في أوكرانيا، ورغم نفي روسيا وإيران وكوريا الشمالية للاتهامات الغربية؛ إلا أن وسائل الإعلام الأوكرانية قد بثت مشاهد لتدمير مسيرات شاهد على خطوط المواجهة مع القوات الروسية في أوكرانيا، إلى جانب تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن دور السلاح الكوري الشمالي في أوكرانيا
فمَا الدول التي قدمت دعم لروسيا في حربها مع أوكرانيا؟ وما أسباب ودوافع ذلك الدعم المقدم؟ وكيف استفادت كوريا الشمالية وإيران من دعم روسيا في صراعها مع الغرب؟ وفي ظل حزم العقوبات الغربية المنهمرة على روسيا وحلفائها، كيف ستكون تداعيات الدعم الإيراني والكوري الشمالي لروسيا على البلدين؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على الصراع الروسي الأوكراني والدعم الكوري الشمالي والإيراني المقدم لروسيا، وتداعياته على اقتصادات البلدين في ظل ما تعانيه الدولتان من أزمات اقتصادية في هذه السطور الآتية:
الدعم العسكري للاتحاد الروسي في ظل حربة مع أوكرانيا:
بالنظر إلى كون روسيا قِوَى ذات تأثير واسع النطاق في العديد من القضايا والملفات الدولية الحساسة، إلى جانب دور الكرملين الحاسم في العديد من النزاعات والصراعات على مدار القرن الماضي؛ فإن العديد من القِوَى تنظر إلى روسيا كحليف وداعم لقضاياها سواء على مستوى المحافل الدولية، أو على مستوي الردع العسكري.
إذ إن روسيا قد لعبت دورًا محوريًّا في حماية إيران وكوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي من مشاريع القرارات الغربية، والتي من شأنها أن تلحق أضرارًا كارثية بالعلاقات الاقتصادية الدولية لكلا الدولتين، عبر استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن؛ كما أن الدور الروسي في سوريَا والمتمثل في الانتشار العسكري ونشر أنظمة الصواريخ والعتاد الحربي المتطور، إلى جانب تسليح القوات السورية بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة، قد مكن نظام “بشار الأسد” من الصمود بعد أن كان مصيره المحتم السقوط خلال الأعوام الأولى من الأزمة السورية.
وبالنظر إلى طبيعة الصراع الروسي الأوكراني المحتدم، والدعم الغربي المقدم لكييف؛ فإن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد تحولت إلى أداه لاستنزاف أطراف الصراع المتحاربين والداعمين لهم؛ فالقوى الغربية قد تعاونت فيمَا بينها لتوفير الأسلحة والذخائر المطلوبة اللازمة لصمود أوكرانيا.
كما أن المجمع الصناعي الروسي العسكري يعمل منذ بَدْء الحرب الروسية الأوكرانية بكامل طاقته الإنتاجية، لتوفير ما يلزم من أسلحة وذخائر للقوات الروسية؛ غير أن دخول إيران وكوريا الشمالية على خط الأزمة الأوكرانية لتقديم الدعم للاتحاد الروسي، يعكس احتياج القوات الروسية لمزيد من الأسلحة والذخائر مع دخول الحرب عامها الثالث.
الدعم الإيراني المقدم للاتحاد الروسي:
حيث أفادت التقارير التي خرجت مؤخرًا إلى وسائل إعلام عن مصادر غربية إلى استمرار تقديم إيران دعمًا عسكريًّا لروسيا في ظل الحرب الدائرة مع أوكرانيا، وهذه المرة من خلال تزويدها بالصواريخ الباليستية، ونشرت شبكة “سي إن إن” وصحيفة “وول ستريت جورنال”، أوائل شهر سبتمبر الجاري، تقارير نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، تفيد بأن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا.
وقالت وول ستريت جورنال: “إن الشحنة تشمل بضع مئات من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى”، وفقًا لمسؤولين غربيين؛ كما أكد الاتحاد الأوروبي أن حلفاءه تبادلوا معلومات استخباراتية تفيد بأن إيران زودت روسيا بصواريخ باليستية، وحذر من فرض عقوبات جديدة على طهران، إذا تأكدت عمليات التسليم.
وتأتي أخبار نقل إيران الصواريخ قصيرة المدى إلى روسيا، في أعقاب انتخاب رئيس إيراني جديد خاض حملته الانتخابية على أساس مزيد من الانفتاح مع الغرب، والتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات، بغية دعم الاقتصاد الإيراني المتردي.
في ظل مطالبة وزير الخارجية أيضًا بعودة مفاوضات إحياء الاتفاق وحصول الحكومة على ضوء أخضر من المرشد الإيراني باستكمال المحادثات؛ ويرى مراقبون أن الدعم الإيراني لروسيا يمس الأمن الأوروبي، ما سيؤثر على أي محاولة إيرانية للتباحث مع الغرب بشأن تخفيف العقوبات عن اقتصادها المتأزم.
دوافع وأبعاد الدعم الإيراني للاتحاد الروسي في حربة مع أوكرانيا:
أثارت تقارير وسائل الإعلام الغربية وتصريحات المسئولين الأمريكيين عن الدعم الإيراني المقدم لروسيا، حفيظة القوى الغربية؛ نظرًا لتعلق الأمر بالأمن الأوروبي بحسب مراقبين؛ حيث إن التعاون العسكري بين موسكو وطهران يزداد أكثر في ظل علاقاتهم المتأزمة مع القوى الغربية.
وبرزت المخاوف الأوروبية من التعاون العسكري الروسي الإيراني مع بدايات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أمدت فيها إيران روسيا بصواريخ باليستية، بل أحيانًا مستشارين عسكريين في القرم من أجل المسيرات الإيرانية، وعلى الرغم من خفوت هذا المِلَفّ منذ فترة، إلا أنه عاد مرة أخرى إلى الواجهة، مع استنكار أمريكي وأوروبي دفعهما إلى فرض عقوبات على الطيران الجوي الإيراني، في توقيت تسعى إيران إلى التفاوض عبر حكومة إصلاحية.
إذ قال وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”: إن روسيا تلقت صواريخ باليستية قصيرة المدى من إيران، ومن المتوقع أن تستخدمها في أوكرانيا، مضيفًا: أن الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته قالا مرارًا وتكرارًا: إنهما يريدان استعادة المشاركة مع أوروبا ويريدان الحصول على تخفيف للعقوبات، إن مثل هذه الإجراءات المزعزعة للاستقرار ستحقق العكس تمامًا. (اندبندنت عربية).
وبالنظر إلى تأثير التعاون الإيراني الروسي في ميدان الحرب الأوكرانية؛ فيمكن القول إنه يُمكن روسيا من استخدام ترسانتها لأهداف بعيدة وقريبة المدى، بما يهدد أمن أوروبا، ولم تتحرك واشنطن والقوى الغربية لفرض أي عقوبات جديدة على إيران جراء سلوكها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، خلال الفترة الأخيرة، لكن عندما امتد تأثير سلوكها إلى أوروبا استلزم تحركًا غربيًا.
ومنذ الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022م، زودت طِهران موسكو بآلاف الطائرات من دون طيار، في المقابل سعت طِهران للحصول على مُعِدَّات عسكرية متقدمة وفق مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية؛ ولم تكشف أي من التقارير الأخيرة نوعية الصواريخ المقدمة من طهران لموسكو، وتمتلك إيران أنواع عدة من الصواريخ يصل مدى بعضها إلى حوالي 800 كيلومتر. (الجزيرة).
وتطمح إيران من خلال تقديمها دعم عسكري لروسيا إلى استقطاب دعم روسيًا سياسيًّا تجاه مشروعها التوسعي في الشرق الأوسط؛ إذ إن العلاقات الإيرانية الخارجية باتت محصورة في دائرة (كوريا الشمالية وروسيا والصين) رغم محاولات لا تبدوا ناجحة في تأسيس علاقات مع دول آسيا الوسطى.
وبالتالي فإن الخطوة الإيرانية، تأتي لتعزز من العلاقات الثانية التي تجمع البلدين؛ إذ تنظر طِهران إلى تقاربها مع موسكو خطوة للتأثير على علاقات الأخيرة بتل أبيب، حيث أقامت روسيا علاقات متوازنة مع إسرائيل منذ انتهاء الحرب الباردة السابقة، ومنحت إسرائيل قدرًا كبيرًا من حرية العمل في السماء السورية لتقويض التخندق الإيراني العميق على الأراضي السورية.
عبر إنشاء آلية إسرائيلية روسية لفض النزاع منعت بشكل فعال حالات النيران الصديقة، وذلك رغم علاقتها الإستراتيجية بإيران والإيجابية بوكلائها الإقليميين، مثل: حزب الله وحماس والحوثيين؛ ومع فتور العلاقات الإسرائيلية الروسية، وشبه الانقطاع في العلاقات الروسية الغربية، تطمح إيران إلى تعزيز تقاربها من روسيا لتهدئة النِّقَاط الخلافية والقضايا العالقة بين طِهران وموسكو في الشرق الأوسط خاصة في سوريَا.
الدعم الكوري الشمالي المقدم لروسيا:
خلال السنوات الأخيرة، نمت العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ بشكل ملحوظ، واستضاف الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون” الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” خلال شهر يونيو الماضي، ووقَّع الطرفان اتفاقية دفاع مشترك في خطوة تعكس تطور العلاقات ما بين البلدين.
وتتصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية مع انزعاج كوريا الجنوبية من احتضان موسكو لجارتها الشمالية التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها؛ وتزعم واشنطن منذ فترة طويلة: أن روسيا تفقد مُعِدَّات ثقيلة في أوكرانيا، ما يُجبر الكرملين على اللجوء إلى مجموعة صغيرة من حلفائه، بمن فيهم كوريا الشمالية، للحصول على الدعم. (سكاي نيوز عربية).
وكشف “جونا ليف” المدير التنفيذي لمركز أبحاث التسلح في النزاعات، الذي يتتبع استخدام الأسلحة في الحرب، لمجلس الأمن إن المركز وجد أدلة على استخدام صواريخ باليستية كورية شِمالية في أوكرانيا، في انتهاك للعقوبات؛ وذكر أن “فريق تحقيق ميداني تابعًا لمركز أبحاث التسلح قد وثق ماديًا بقايا صاروخ باليستي ضرب خاركيف في 2 يناير 2024م”، قائلًا: “إن المحققين خلصوا إلى أنه من صنع كوريا الشمالية وذلك استنادًا إلى سمات عدة”، وأشار ليف؛ إلى أن صواريخ مماثلة ضربت أيضًا كييف وزابوريجيا في وقت سابق من هذا العام. (العربية).
وتجمع كوريا الشمالية والاتحاد الروسي علاقات ثنائية محورية لكلا الجانبين؛ إذ أقُيمت أولى العلاقات الدبلوماسية بين بيونغ يانغ وموسكو في 12 أكتوبر من عام 1948م، بعد إعلان قيام جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية؛ وخلال الحرب الكورية، تلقى الجيش الشعبي الكوري الدعم من قبل القوات العسكرية السوفييتية، واعتبرت كوريا الشمالية جزءًا من المعسكر الشيوعي وتلقت دعمًا روسيًا كبيرًا.
وتنافست الصين والاتحاد السوفييتي على اكتساب نفوذ في كوريا الشمالية خلال النزاع الصيني السوفييتي في الستينيات من القرن العشرين، مع محاولة كوريا الشمالية الحفاظ على علاقات ودية بكلا البلدين؛ ومع التطورات التي شهدتها فترة التسعينيات، من تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية.
استطاعت كوريا الشمالية الحفاظ على نظامها السياسي الاقتصادي المبني على الأيديولوجية الماركسية اللينينية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وبناء ترسانة نووية لردع الولايات المتحدة والقوى الغربية، ما حول كوريا الشمالية إلى دولة معزولة عن العالم، وتنظر بيونغ يانغ إلى بعض الدول كحلفاء لها في مواجهة العزلة التي فرضها الغرب عليها، مثل روسيا والصين وإيران.
وجاءت الحرب في أوكرانيا لتزيد من التقارب بين موسكو وبيونج يانج، حيث تبنت الأخيرة الرواية الروسية بحذافيرها، وسايرت موسكو في كل ما تقوم به سواء من حيث شن الحرب وما رافقها من الاعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك، ثم ضمهما رفقة مقاطعتي خيرسون وزابروجيا؛ ومن الطبيعي والأمر كذلك أن تكون كوريا الشمالية ضمن دول قليلة اعترضت على كل القرارات الدولية التي تدين روسيا وترفض كل ما تقوم به في أوكرانيا.
ولعل في الكلمات التي استخدمها الزعيم الكوري الشمالي في لقائه مع الرئيس الروسي خلال القمة التي جمعت الزعيمان في سبتمبر 2023م تلخيصًا لكل ذلك، حيث اعتبر أن روسيا تخوض حربًا “مقدسة” ضد قِوَى “الشر”، وأن بلاده مع روسيا في حربها تلك ضد “الإمبريالية”، معربًا عن ثقته في تحقيقها النصر، وتأييده لكل القرارات الروسية على هذا الصعيد. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).
أبعاد ودوافع الدعم الكوري الشمالي المقدم لروسيا:
وفي المقابل يأتي الدعم الروسي لكوريا الشمالية في المحافل الدولية في ظل تصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن؛ حيث إن موسكو ومعها بكين لم تعودًا لمجاراة واشنطن في فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية عبر قرارات جديدة لمجلس الأمن مع احتدام الحرب الباردة الجديدة بينهما.
بل إن موسكو باتت تطالب بضرورة تخفيف العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، خاصة في ظل الانفراجة التي حدثت ليس فقط بين بيونج يانج وسيئول، وإنما بين الأولى وواشنطن؛ عندما حدثت لقاءات القمة على المسارين الكوري الجنوبي – الكوري الشمالي، والكوري الشمالي – الأمريكي؛ وحتى بعد ما عادت الأجواء إلى التوتر حيث لم تفضي لقاءات ترامب وكيم إلى شيء يذكر.
فإن موسكو ومعها بكين أيضًا أصرتا على الحيلولة دون صدور قرارات جديدة ضد بيونج يانج، التي صعدت من عمليات إطلاق الصواريخ بمعدلات غير مسبوقة، ومن بين ما يطرح لتبرير هذا الرفض أن الطرف المقابل يتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية عن التوتر في شبه الجزيرة الكورية، عبر ما يقوم به من إجراءات استفزازية على رأسها المناورات العسكرية التي عادت لتتوسع بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ناهيك عن التذكير الدائم بشق مهم في القرارات الدولية إضافة إلى الإجراءات القسرية ممثلة في العقوبات ألا وهو الحث على المفاوضات.
وبلغت العلاقات ما بين موسكو وبيونغ يانع حد توقيع الجانبين اتفاقية تعاون إستراتيجي شاملة، شملت جوانب أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية، وتهدف لتعزيز علاقات البلدين ومساعدتهما على مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات الأمريكية؛ ويُعد توقيع هذه الاتفاقية تطورًا مهمًّا وغير مسبوق لجهة تضمينها بندًا يتحدث عن “الدفاع العسكري المشترك” في وجه أي عدوان قد تتعرض له إحدى الدولتين، بما يتماشى مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقوانين الدولتين. (بي بي سي عربية).
وذلك على غرار اتفاق مماثل تم التوصل إليه في عام 1961م بين الاتحاد السوفيتي السابق وكوريا الشمالية خلال فترة الحرب الباردة السابقة؛ إلا أنه انقضى في عام 1996م بعد ما أقام الاتحاد الروسي علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، وتأتي هذه الاتفاقية لتعزز بشدة مكانة موسكو وبيونغ يانغ اللتان تحاربان “هيمنة الولايات المتحدة”، على حد وصف الرئيس الروسي.
وتُعد هذه الحرب مفهومة ومنطقية في ظل المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة التي تجمع الرئيسين بوتين وكيم، وفي مقدمتها: تقويض أنظمة العقوبات الأمريكية، وضمان تلبية احتياجاتهم الأمنية في ضوء سياسة العقوبات القاسية والعزلة الشديدة التي تفرضها واشنطن وحلفاؤها في أوروبا وشرق آسيا على الدولتين؛ بسبب شن موسكو حربها في أوكرانيا وإصرار بيونغ يانغ على تطوير برامجها النووية والصاروخية.
كما جاءت الاتفاقية أيضًا بعد أسبوع واحد فقط من تأكيد وزراء خارجية دول “مجموعة السبع” تضامنهم مع أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وأيضًا في الوقت الذي تعترض فيه كوريا الشمالية بشدة على تنامي التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة وحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان، ويمكن اعتبار أن الاتفاقية تأتي أيضًا في إطار الرد الروسي على انضمام فنلندا والسويد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو.
تداعيات الدعم الإيراني والكوري الشمالي المقدم لروسيا على الدولتين:
بالنظر إلى عزلة كوريا الشمالية الطويلة منذ الحرب الكورية أوائل خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب تحقيق بيونغ يانغ اكتفاء ذاتي بشكل كبير بفضل الدعم السوفيتي الهائل لبناء بنية صناعية وزراعية هائلة، فضلًا قربها الجغرافي من روسيا والصين؛ فإن العلاقات الاقتصادية التي تجمع كوريا الشمالية بالقوى الغربية تكاد تكون غير موجودة.
وبالتالي فإن كوريا الشمالية لن تتأثر بأي عقوبات اقتصادية غربية جراء دعمها المقدم لروسيا، بل على العكس؛ فإن الدعم الكوري الشمالي المقدم لروسيا سيعود بالنفع على بيونغ يانغ، كون أن كوريا الشمالية تطمح لتطوير علاقاتها مع روسيا والارتقاء بصناعاتها التكنولوجية، خاصة العسكرية.
عبر الاستفادة من الخبرات الروسية؛ فمعلوم التأخر الكوري الشمالي الكبير في معظم التقنيات الحديثة في ظل العقوبات الهائلة المفروضة على البلاد منذ ما يناهز الـ70 عامًا؛ لذا فإن الحرب الروسية الأوكرانية والقطيعة بين روسيا والقوى الغربية، تأتي في صالح كوريا الشمالية؛ حيث دفعت الحرب الروسية الأوكرانية روسيا إلى مزيدًا من التقارب مع كوريا الشمالية.
إلا أن الأمور قد تبدو مختلفة بالنسبة إلى إيران؛ حيث إن اقتصاد البلاد يعتمد على النفط بشكل كبير، ولم تحقق إيران اكتفاءً ذاتيًّا شامل في معظم القطاعات الاقتصادية على غرار كوريا الشمالية وروسيا وكوبا وغيرها من الدول، وبالتالي فإن إيران ليس بمقدورها تحمل عقوبات اقتصادية وتجارية وعزلة شاملة طويلة الأمد في ظل اقتصادها المتردي.
فالتهدئة الإيرانية مع الغرب في بعض الأحيان تهدف إلى تخفيف حدة العقوبات والضغوطات عن البلاد، بما يحقق لإيران استقرارًا داخليًّا يستفيد منه النظام الإيراني من جهة، وتستفيد منه القِوَى الغربية عبر عودة إيران على الساحة لتطلق موجات جديدة من العنف الطائفي في البلاد العربية من جهة أخرى.
ومع اشتداد الضغوطات الغربية على إيران خلال السنوات الأخيرة؛ ينظر في الداخل الإيراني من قِبَل البعض، إلى أن الاتهامات الأمريكية والغربية في شأن نقل الصواريخ، إلى جانب العقوبات الغربية الجديدة ستؤدي إلى تعقيد الخطط المحتملة للحكومة المنتخبة لإعادة التواصل مع القِوَى الأوروبية من أجل الدعم الاقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه.
وأن طِهران ستواجه مزيدًا من القيود والعزلة نتيجة لإلغاء عقود الطيران، ومن ثم عدم تمكن المواطنين من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، أو قد توقف تلك الدول رحلاتها إلى إيران بسبب العقوبات التي أعلنت من قبلها؛ ويبدوا أن إيران ستكون المتضرر الأكبر في مثلث العلاقات (الروسية – الإيرانية – الكورية الشمالية) في ظل افتقارها لاقتصاد قِوَى، أو علاقات حسن جوار بناءة تحقق لها قدرًا من التنمية الاقتصادية.
الخلاصة:
– أدت الحرب الروسية الأوكرانية؛ إلى إعادة ترتيب علاقات روسيا الدولية من جديد، حيث كشفت عن صُلْب العلاقات الروسية الكورية الشمالية، وقدمها وعدم تأثرها بالضغوطات الغربية؛ كما عززت الحرب أيضًا من العلاقات الثنائية التي تجمع بين طِهران وموسكو، فرغم علاقات روسيا الخارجية الواسعة؛ إلا أنه وبحسب مسؤولين غربيين، فإن روسيا تحصل على دعم عسكري من إيران وكوريا الشمالية، ما سيدفع الغرب إلى فرض عقوبات على بيونغ يانغ وطهران؛ غير أن المتضرر الوحيد من سيل العقوبات الغربية على روسيا وحلفائها وداعميها، ستكون إيران، في ظل الفساد الداخلي سواء على المستوى الاقتصادي، أو السياسي، أو الإداري في البلاد.
المصادر: