fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

كشمير… أرض الماء والدماء

414

إنها القصة المتكررة تطل برأسها مِن جديدٍ؛ احتلال غاشم يعقبه تفتيت للدول، ونزاع بين الطرفين، يستهلك الموارد ويضمن للمستعمرين السابقين دوام السيطرة من خلف الستار؛ إنها كشمير، واحدة من جنان الله في الأرض حيث ينسال من أوديتها عدة أنهار حيوية منحتها طبيعة خلابة سرعان ما تشوهت بفعل الصراع الدامي بين الجارتين النوويتين: “الهند وباكستان”، لكن ترى كيف بدأ الأمر؟

عقب 173 سنة من احتلال بريطانيا لشبه الجزيرة الهندية، أُجبرت على النزوح عنها وإجلاء جنودها بعد أن خارت قواها في الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1944م؛ لتنعم شبه الجزيرة الهندية بالاستقلال، لكن دولة بحجم وإمكانيات وموارد تلك الأمة قادرة على تغيير ميزان القوى العالمية؛ لا سيما وقد كان للمسلمين فيها كلمة نافذة وإرادة قوية، إذًا فما الحل؟!

كالمعتاد، قررت بريطانيا تقسيم الهند على أساسٍ ديني، فكلفت المحامي سيريل راد كليف بتقسيم شبه الجزيرة الهندية، وقد كان ذلك في أغسطس عام 1947م، فنشأت الهند للهندوس، وباكستان للمسلمين، ونشب صراع دامٍ بين الطرفين وقع ضحيته قرابة المليون قتيل واثنتي عشرة مليون مشرد، وكانت إمارة كشمير في منأى عن ذلك التقسيم.

ظلت إمارة كشمير حائرة بين الهند وباكستان؛ فالشعب غالبيته العظمى مسلمون، راغبون في الانضمام لباكستان، والحاكم المهراجا هاري سينغ -المدعوم من بريطانيا- هندوسي الديانة، يبغض باكستان ويرفض تمامًا فكرة الانضواء تحت لوائها، لكن الضغوط الشعبية تتزايد وطأتها عليه للانضمام لباكستان، فقرر أن يستعين ببني ديانته، الهند، فانطلق إليهم طالبًا العون، وكانت فرصة ذهبية اقتنصها الهنود بانتهازية بالغة فوافقوا على دعمه في مقابل انضمام كشمير للهند، ولقد وافق على ذلك كعادة أي طاغية لا يبحث إلا عن نفسه، وفي أكتوبر عام 1947م وقَّع المهراجا اتفاقية ضم كشمير للهند، وغزت الهند كشمير فتصدى لها الشعب الكشميري مدعومًا بقوات باكستانية وأسفرت المواجهة غير المتكافئة عن احتلال الهند لثلثي كشمير بعد تدخل الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق نار مشابه لما حدث في العام التالي على أرض فلسطين، وبذلك انتهت الحرب الأولى بين الهند وباكستان.

وبعد انتهاء الحرب الأولى بقرابة الخمس عشرة عامًا، رأت الصين أن كشمير أرض مستباحة؛ فلماذا لا يكون لها نصيب من الكعكة؟!

فاشتعلت حرب قصيرة بين الصين والهند نشبت عام 1962م، أسفرت عن احتلال الصين لجزءٍ مِن كشمير يقدر بنحو 48 كيلومتر مربع؛ ولأن الصين هي الأقوى فلقد غضت الهند الطرف عما حدث وابتلعت الهزيمة، ثم حاولت التخلص من آثارها عبر حرب مع العدو الباكستاني الأضعف كثيرًا عام 1965م، ودخلت الدولتان عقب ذلك في مفاوضات شاقة أفضت إلى هدنة عام 1972م.

أدركت باكستان أن حربًا مباشرة مع الهند المدعومة غربيًّا وصاحبة التعداد السكاني الهائل، والموارد الضخمة لن تكون في صالحها؛ لذا لجأت لدعم جماعات الاستقلال التي يعج بها إقليم كشمير، فالشعب الكشميري مبغض للهندوس ولما يقومون به من قمع متواصل؛ لذا فمَن السهل أن يقبل العون من باكستان المسلمة لمواجهة الهند الباطشة، ومِن حينها اتخذ الصراع الهندي الباكستاني منحنى مغايرًا؛ فتكونت العديد من الجماعات المسلحة، وتزايدت العمليات الموجعة ضد الجيش الهندي؛ أملًا في الاستقلال، بينما زادت الهند من قبضتها الأمنية، وعمليات الإبادة والتطهير العرقي؛ طمعًا في حسم الصراع؛ إلا أن صلابة الشعب الكشميري ظلت عصية على المحتل الهندي.

وبالإضافة للبعد الديني للصراع، فهناك بعد آخر، ألا وهو: “حرب المياه”.

إن كشمير بالنسبة لباكستان مصدر لعدة أنهار حيوية للغاية لأمنها القومي؛ لذا فلقد حرصت على توقيع اتفاقيات أممية تضمن عدم منع الهند لسريان تلك الأنهار، منها: اتفاقية نهر السند عام 1960م، وعلى الرغم من ذلك فبين الحين والآخر تهدد الهند باكستان بإقامة العديد من السدود، بل لقد هدد رئيس الوزراء الهندي -عقب إحدى عمليات المقاومة المسلحة- قائلًا:

إما أن يتدفق الماء أو يتدفق الدم!”.

أي: أن العمليات العسكرية التي تقوم بها حركات الاستقلال المدعومة من باكستان ضد الجيش الهندي، ستؤدي لتوقف تدفق الماء من نهر السند وروافده إلى باكستان.

وفي عام 1999م تجددت الحرب من جديد بين باكستان والهند فيما عرفت بحرب كارجيل، ومنيت باكستان بهزيمة جديدة، وعلى الرغم من ذلك ما زال الصراع محتدمًا بين الطرفين؛ صراع تجدد منذ عدة شهور عندما أعلنت الهند إلغاء الحكم الذاتي في الشطر الخاضع لها من كشمير، وقطعت الاتصالات وفرضت حظرًا للتجول، خطوة اعتبرتها باكستان تعديًا صريحًا وخرقًا جديدًا لاتفاقيات الأمم المتحدة، هددت باكستان وتوعدت ثم فرضت الهند إرادتها عبر تعذيب وتشريد ومحاصرة الشعب الكشميري الأسير تحت قبضتها، ويبدو أن الصراع بين باكستان الداعمة لمواطني كشمير من جانب، والهند المحتلة لأرض وثروات الإقليم من جانب آخر، سيدوم لعقودٍ طويلةٍ.

تمثِّل كشمير للهند سلاحًا قويًّا في خاصرة العدو الباكستاني، ومنطقة أمان أمام الخصم الصيني المتربص على الحدود، كما أن أي موافقة بما قررته الأمم المتحدة من حق الشعب الكشميري في تقرير المصير سميثل بداية لانفراط عقد الهند التي ضمت قسرًا العديد من الأقاليم غير المنتمية لها للاستفادة من ثرواتها المختلفة؛ لذا فمِن المستبعد أن توافق الهند على التخلي عن كشمير بأي وسيلة سلمية، وأيضًا: مِن المستحيل أن تجبر الأمم المتحدة الهند على إجراء استفتاء يمنح الشعب الكشميري حق تقرير المصير كما حدث مع جنوب السودان، فالهند الهندوسية صاحبة القوة والنفوذ والدعم الغربي تختلف تمامًا عن السودان المسلمة المنهكة، والمحاصرة منذ عقود؛ لذا فما حدث هناك على أرض السودان لن يحدث مثله على أرض كشمير مهما كانت ما ترتكبه الهند من جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات فجة ضد الشعب الكشميري الأعزل.

التعليقات مغلقة.