fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

عقيدة الوطن الأزرق والدور التركي الصاعد في إفريقيا.. قراءة تحليلية لأبعاد ودوافع نشر تركيا قوات عسكرية في الصومال

52

عقيدة الوطن الأزرق والدور التركي الصاعد في إفريقيا.. قراءة تحليلية لأبعاد ودوافع نشر تركيا قوات عسكرية في الصومال

تشهد منطقة القرن الإفريقي زيادة لافتة في استقطاب العديد من القِوَى الإقليمية والدولية، نظرًا للأهمية الجيوسياسية لتلك المنطقة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي والتجاري، فضلًا عن ما تزخر به تلك الرقعة الجغرافية من موارد وثروات طبيعية هائلة؛ إذ لم يعد التنافس في منطقة القرن الإفريقي مقتصرًا على القِوَى العظمى “الاتحاد الروسي، والصين الشعبية، والولايات المتحدة”، وإنما باتت هناك العديد من القِوَى الإقليمية واللاعبين الجدد الذين دخلوا على الخط، فبعيدًا عن الدول العربية، والتي يجمعها قاسم مشترك مع بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال. 

كان من اللافت دخول تركيا على خط تطورات الأزمة القائمة بين الصومال وإثيوبيا؛ وتوقيع أنقرة اتفاقيات تعاون عسكرية وأمنية واقتصادية مع حكومة الصومال الفيدرالية. وتتسم هذه الاتفاقية بأنها استثنائية وغير مسبوقة لتركيا مع أي دولة، وجاءت موسعة بشكل يُعطي تركيا نفوذًا عسكريًا شبه كامل على الصومال، برًّا وبحرًا وجوًّا، بالتزامن مع خطوات عملية اتخذتها الصومال لتطوير علاقاتها الخارجية إقليميًّا ودوليًّا في ظل تجاهل إثيوبي للتحذيرات الصومالية من انتهاك سيادتها. 

فكيف يمكن قراءة تطورات العلاقات التركية مع دول القرن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة؟ وما تفاصيل التحركات التركية في الأزمة الدائرة بين إثيوبيا والصومال؟ وكيف يمكن قراءة تلك التحركات وعلاقتها بإستراتيجية تركيا البحرية في الشرق الأوسط “عقيدة الوطن الأزرق”؟ وما هي أبعاد ودوافع الوساطة التركية في الأزمة الإثيوبية الصومالية؟ وكيف يمكن قراءة دوافع مقديشو في إبرام اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع أنقرة؟ ماذا عن مستقبل منطقة القرن الإفريقي في ظل الاستقطابات الإقليمية والدولية؟ 

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على الدور التركي في الأزمة الإثيوبية الصومالية ودوافع وأبعاد التحركات التركية في القرن الإفريقي ودوافع الصومال لإبرام اتفاقيات شاملة مع تركيا، وذلك في هذه السطور الآتية. 

الدور التركي في إفريقيا:

تشكل منطقة القرن الإفريقي أهمية بالغة للمصالح التركية، بسبب موقعها الجغرافي ومواردها المعدنية؛ وقد بدأت التحركات التركية في إفريقيا عمومًا العام 1998م، وبحلول عام 2008م أُعلنت تركيا عن شراكتها للاتحاد الإفريقي وفتحت ما لا يقل عن 12 سفارة في جميع أنحاء القارة. 

وعندما قدمت تركيا مشروعها لتصبح عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في عام 2009م، حظيت بدعم 51 دولة إفريقية من أصل 53 دولة، وفي عام 2013م أصبحت تركيا عضوًا في مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، ما يعكس أهمية القارة الإفريقية في السياسة الخارجية التركية. (قراءات إفريقية).

فالتحركات التركية نحو تعزيز العلاقات والتعاون مع إفريقيا، وتحديدًا دول منطقة القرن الإفريقي، قد بدأت منذ التسعينيات، إذ تبنت تركيا نهجًا متعدد الأوجه في سياستها الخارجية، بهدف تعزيز بناء السلام والوساطة في إفريقيا، من خلال توسيع شبكاتها الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية؛ وتعتبر إفريقيا ميدانًا حيويًا لتطبيق السياسة الخارجية التركية متعددة الأوجه. 

فقد أعلنت أنقرة عام 2005م (عام إفريقيا)، مما أطلق سلسلة من المبادرات السريعة لإقامة شراكات تجارية وتنفيذ مشاريع للسلام والأمن بالدول الإفريقية؛ وبحلول عام 2008م نالت تركيا لقب الشريك الاستراتيجي للاتحاد الإفريقي، حيث نجحت في تحقيق التوازن بين تعزيز الأمن وبناء المؤسسات ودعم السلام من خلال مساعداتها وتوسعاتها التجارية، بالإضافة إلى جهود الوساطة التي تبذلها. 

العلاقات التركية الصومالية خلال السنوات الأخيرة:

وتجلى الدور التركي في القرن الإفريقي بشكل خاص منذ عام 2011م، حيث انخرطت في جهود متعددة الأبعاد في الصومال، حيث تُعتبر أنقرة من أكبر الداعمين للمعونات الإنسانية بالصومال؛ كما بدأت منذ عام 2013م بتقديم جهود وساطة بين مقديشو وإقليم أرض الصومال، مما يعكس قدرة أنقرة على التأثير في تحقيق الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق تحديًا في العالم. 

وخلال الفترة من عام 2000م وحتى 2011م، أُعيد التمثيل الدبلوماسي بين تركيا والصومال بعدما كانت تركيا قد أغلقت سفارتها في مقديشو عام 1991م مع بداية الحرب الأهلية في الصومال، ولكن العلاقات في هذه المرحلة اقتصرت على التركيز في مجال المساعدات الإنسانية التركية للتخفيف من المجاعات والأزمات الاقتصادية التي كانت تضرب الصومال من حين لآخر، وشهدت هذه المرحلة زيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

وفي هذه المرحلة، ظلت العلاقات بين الصومال وتركيا محدودة نسبيًّا، ولذلك لم يزد حجم الصادرات التركية للصومال عام 2010م عن 5.1 مليون دولار فقط، ثم شهدت العلاقات التركية الصومالية خطوات عملية لتعزيز التعاون بين البلدين، إذ افتتحت تركيا أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو في عام 2011م، وردت الصومال بالمثل بافتتاح سفارة في أنقرة. 

وزادت تركيا بشكل كبير مساعداتها للصومال، بما في ذلك في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وبناء المستشفيات والمدارس ومشاريع البنية التحتية؛ وبدأت الخطوط الجوية التركية رحلات مباشرة إلى مقديشو مما عزز العلاقات الاقتصادية. وبلغت العلاقات التركية الصومالية مرحلة الشراكة الاستراتيجية مع حلول العام 2024م. 

إذ وقعت أنقرة ومقديشو اتفاقية تعاون دفاعي وأمني شامل عام 2024م، ووصف بعض المراقبين هذه الاتفاقية بأنها استثنائية وغير مسبوقة لتركيا مع أي دولة، وجاءت موسعة بشكل يعطي تركيا نفوذًا عسكريًّا شبه كامل على الصومال، برًّا وبحرًا وجوًّا. وأكدت وزارة الدفاع التركية أن هذه الاتفاقية جاءت بطلب من حكومة مقديشو، وتهدف لدعم الصومال ومساعدته في الحماية من التهديدات الخارجية، والإرهاب، والقرصنة، والصيد البحري غير القانوني. (مركز المسارات للدراسات الإنسانية).

وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: “إن الاتفاقية تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين، وإن هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية وستستثمر في موارد الصومال البحرية لمدة عشر سنوات. هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة”.    

التحركات التركية ودوافع أنقرة لحل الأزمة الصومالية الإثيوبية:

سريعًا ما دخلت تركيا على خط الأزمة بين إثيوبيا والصومالية؛ إذ استقبل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في مايو الماضي رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” وطلب آنذاك من أنقرة التوسط بين البلدين لحل الخلاف، وقد شرعت تركيا في محادثات وساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق حول ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن، الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي.

وفي مطلع يوليو الماضي؛ استضاف وزير الخارجية التركي نظيريه الإثيوبي والصومالي، ووقعوا على بيان مشترك بعد محادثات وصفت بالصريحة والودية فيمَا يتعلق بحل الخلافات بين البلدين؛ وخاض البلدان جولاتان من المفاوضات برعاية أنقرة. (روسيا اليوم).

ولكن مع استمرار الخلافات بين الأطراف، بدأت الآمال في تحقيق تقدم في الجولة الثالثة تتضاءل؛ وتسعى أنقرة لاستثمار علاقاتها الجيدة مع كل من مقديشو وأديس أبابا للعب دور الوسيط بينهما، حيث تحظى بثقة الطرفين ما سيعزز الدور التركي في منطقة القرن الإفريقي وتُعد خطوة إيجابية في العلاقات التركية الإفريقية ككل.

وتعكس الزيارات المتبادلة بين أنقرة وأديس أبابا ومقديشو محاولات تهيئة بيئة ملائمة لنجاح المحادثات؛ كما أن الوساطة التركية لا تقتصر فوائدها على الصومال وإثيوبيا فقط، بل تمتد أيضًا لتعزز من حضور تركيا في منطقة القرن الإفريقي. ورغم الشراكة الإستراتيجية التي تجمع تركيا بالصومال، فإن أنقرة تُولي اهتمامًا بالغًا للحفاظ على علاقتها مع إثيوبيا وتطويرها في مختلف المجالات. 

وبالنظر إلى كون إثيوبيا تُعد قوة إقليمية صاعدة في منطقة القرن الإفريقي، فإن من شأن بناء شراكة معها أن يساعد تركيا في تعزيز وجودها في القارة الإفريقية بشكل أكبر. وبالتالي، سيكون على أنقرة إيجاد توازن بين تعزيز حضورها في القرن الإفريقي وتحقيق مصالح كل من الصومال وإثيوبيا. 

كما أن إستراتيجية تركيا في إفريقيا تقوم على بناء شراكات متنوعة مع مختلف دول القارة، ولا سيما الفاعلة منها مع تجنب الانخراط في النزاعات فيما بينها على غرار الأزمة الليبية، والتي أوصلت علاقات تركيا الخارجية مع عدد من الدول العربية إلى نقطة حرجة. 

وقد أظهرت أنقرة حتى الآن قدرتها على تجنب الانخراط السلبي في أي صراعات إفريقية أخرى للحفاظ على إستراتيجيتها الرامية إلى بناء شراكات متعددة؛ إلا أن الأزمة بين الصومال وإثيوبيا تمثل تحديًا صعبًا أمام تركيا، وتضعها أمام اختبار حقيقي لقدرتها في الحفاظ على توازن استراتيجيتها وتحقيق أهدافها في المنطقة. 

تفاصيل الاتفاقية الأمنية بين أنقرة ومقديشو:

وتُعد الاتفاقية الأمنية التركية الصومالية خطوة نحو تعزيز الوجود التركي طويل الأمد في منطقة القرن الإفريقي؛ إذ وبحسب ما كشف عنه، فإن بنود الاتفاقية تتضمن إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية بين تركيا والصومال، وتصنيع تركيا سفنًا عسكرية وبيعها للصومال، وإعطاء القوات البحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة. (مركز الإمارات للسياسات).

والتعاون والتنسيق بين البلدين في مجال الملاحة البحرية والتجارة، وتأسيس تركيا لقوات خفر سواحل صومالية، ومساعدة تركيا للصومال على استخراج الموارد البترولية والغازية من مياهه الإقليمية، وإنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في الصومال جوية وبحرية وبرية، ومساعدة تركيا للصومال على حماية البيئة البحرية ومنع التلوث. 

هذا فضلًا عن أن جميع هذه المنشآت والصناعات ستتولاها الشركات التركية، أو سيحصل الصومال على إذن أنقرة للتعاون مع شركات أخرى؛ بالإضافة إلى فتح الأجواء الصومالية بالكامل للاستخدام المدني والعسكري التركي، على أن يتبع اتفاقية الإطار هذه اتفاقيات فرعية تنظم عمل بنود الاتفاقية لاحقًا. 

هذه البنود أضافت إليها بعض وسائل الإعلام بندًا آخر؛ يتمثل في أن تركيا ستستخرج البترول والغاز من المياه الإقليمية الصومالية لمدة عشر سنوات، على أن تكون نسبة 30 بالمائة من مدخول هذا الإنتاج لصالح تركيا، لتمويل المشاريع والصناعات التي ستقوم بها في الصومال، لكن وزير النفط والثروة المعدنية الصومالي “عبد الرزاق عمر محمد” نفى أن يكون الاتفاق الإطاري متضمنًا لهذا البند. (الجزيرة).

دوافع الصومال لإبرام اتفاقية أمنية مع تركيا:

هذه الاتفاقيات المتسارعة بين تركيا والصومال كانت مفاجئة للعديد من المراقبين، فبالنظر إلى دوافع مقديشو فيمكن القول إنها كانت الطرف الأكثر احتياجًا لهذه الاتفاقيات التي تعطي تركيا الكثير من الامتيازات، وهذا ما أكدته وسائل إعلام تركية، والتي أشارت إلى أن الحكومة الصومالية هي التي طلبت توقيع الاتفاقية الإطارية. 

وأن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قد أعطى تعليمات بإعداد الاتفاقية، حيث أصدر توجيهات لوزارتي الدفاع والخارجية بضرورة توقيع اتفاقية عاجلة للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع الصومال والمنطقة، لتجنب حدوث حالة فوضى وتدهور الوضع الحالي، وقد أُعدت الاتفاقية في غضون 10 أيام فقط وتم توقيعها بعد ذلك. 

ويمكن إرجاع السبب الرئيسي الذي دفع الصومال لإحضار الجيش التركي إلى أراضيها، إلى الاتفاقية التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال غير المعترف بها في يناير الماضي؛ فقد نص الاتفاق على أن الأخيرة ستستأجر أكثر من 12 ميلًا من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، مع إمكانية التمديد للاستغلال العسكري والتجاري؛ هذا في مقابل اعتراف إثيوبيا رسميًا بأرض الصومال كدولة مستقلة، وحصولها على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة. 

فهذه الاتفاقية تضر بالدولة الصومالية من ناحيتين، الأولى أن إقليم أرض الصومال منذ أن أعلن استقلاله الأحادي الجانب عن الصومال العام 1991م، وهو يسعى إلى الحصول على الاعتراف الدولي به كإقليم مستقل عن الجمهورية المركزية، والثانية أن هذا الاتفاق خطوة أولى مهمة في مسار حصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي، وهو ما قد يفتح المجال لاعتراف دول أخرى بالإقليم، الأمر الذي يعزز موقفه التفاوضي مع المجتمع الدولي عمومًا، وموقفه مقابل جمهورية الصومال المركزية. 

أبعاد نشر تركيا قوات عسكرية في الصومال وعلاقتها بعقيدة الوطن الأزرق:

على الجانب الآخر، فإن دخول تركيا على خط الأزمة الصومالية الإثيوبية يمثل إمكانات كبيرة لأنقرة لتوسيع النفوذ والفوائد الأمنية والاقتصادية للتعاون بين تركيا والصومال، إذ تسعى تركيا منذ سنوات لتوسيع نفوذها في القرن الإفريقي من خلال إقامة علاقات أقوى مع الصومال وإثيوبيا وجيبوتي، ولدى أنقرة قاعدة عسكرية في الصومال تستخدمها حاليًا فقط لأغراض التدريب دون أي نشاط عسكري فعلي للقوات التركية فيها. 

وجاءت أزمة البحر الأحمر بعد استهداف الحوثيين في اليمن للسفن التجارية فيه بحجة دعم غزة، لتزيد من الوجود العسكري الدولي في تلك المنطقة، ما يعني بالنسبة لأنقرة زيادة التنافس على النفوذ في تلك المنطقة الحيوية؛ لذا فقد وجدت تركيا في طلب الصومال للدعم العسكري فرصة مهمة لزيادة نفوذها العسكري في المنطقة، دون الحاجة للانضمام إلى التحالف الأمريكي البريطاني، واستعداء الحوثيين هناك.

كما أن الدور العسكري لتركيا في سواحل الصومال، قد يقود مستقبلًا لزيادة التعاون والتقارب بين تركيا وكل من واشنطن وحلف الناتو، فأنقرة تدرك أن الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة قد لا يكون دائمًا، وأن واشنطن باتت تفضل الاعتماد على حلفائها في الشرق الأوسط لتأمين الاستقرار، لانشغالها بمواجهة الصين في الشرق.

وبالتالي، فإنه في حال حصول تقارب مع واشنطن فإن الوجود العسكري التركي في الساحل الصومالي قد يكون ورقة مفيدة للتعاون بين أنقرة وواشنطن، من خلال مصلحة مشتركة تقوم على تأمين حرية الملاحة هناك، ومحاربة الإرهاب والقرصنة؛ إذ وقعت الولايات المتحدة في 14 فبراير الماضي مع الصومال اتفاقية لإنشاء 5 قواعد عسكرية هناك، لكن مع وجود قوات تركية بصلاحيات أوسع على الأرض الصومالية، فإن ذلك قد يخفف العبء على واشنطن هناك، أو يُعطي تركيا ورقة ضغط تنافسية مع واشنطن في حال تراجعت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.

وبذلك، فإن الوجود العسكري الكبير في الصومال يمكن أن يكون ورقة مهمة بيد أنقرة في أي مفاوضات مستقبلًا مع واشنطن، لتحديد مدى التعاون أو الخلاف بين الطرفين في الشرق الأوسط؛ كما أن توسيع النفوذ التركي في الصومال سيقوي موقف أنقرة في منافسة الصين لها في القرن الإفريقي.

هذا إلى جانب أن التوسع التركي في البحر الأحمر يندرج ضمن إستراتيجية تركيا المسماة “بعقيدة الوطن الأزرق” والتي برزت كإستراتيجية دفاعية عن حقوق تركيا البحرية وصاغتها المؤسسة البحرية التركية العام 2006م، لتؤكد على حق تركيا في المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لها في المتوسط، وعلى ضرورة فرض سيطرتها العسكرية في البحرين المتوسط والأسود، وبحر إيجه، وكذلك مناطق النفوذ السابقة للدولة العثمانية. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

باعتبار عقيدة “الوطن الأزرق” نهجًا عسكريًّا شاملًا يضمن الحفاظ على حقوق ومصالح تركيا، من خلال إقامة منشآت عسكرية ونشر قوات عسكرية برية وبحرية، لتعزيز وتنشيط النفوذ التركي في العديد من الدول والأقاليم الساحلية حول العالم؛ ولذلك ترى أنقرة في الاتفاقية الأمنية مع مقديشو خطوة لدعم طموحاتها المتزايدة في الممرات والمضائق البحرية ومياه الشرق الأوسط وفرصة لرسم خريطة تحالفاتها العسكرية، بما يضمن حماية مصالحها الاقتصادية من التهديدات الأمنية المُنتشرة في المنطقة.

مستقبل منطقة القرن الإفريقي في ظل التطورات الأخيرة:

في ظل ما تشهده منطقة القرن الإفريقي، من تدافع دولي وتكثيف للانتشار العسكري بزرائع مختلفة، إلى جانب إنشاء التحالفات وإبرام الاتفاقيات بهدف التأسيس لوجود طويل الأمد في المنطقة؛ فضلًا عن التطورات التي يشهدها النظام العالمي ككل في اتجاه انتهاء عصر القطبية الأحادية، ووجود عالم متعدد الأقطاب.

فإن تلك التطورات قد تفتح الباب في منطقة القرن الإفريقي أمام إحدى احتمالين: الأول: استفادة دول الإقليم والقارة الإفريقية من تنويع الشراكات والاتفاقيات والتنافس الدولي على المنطقة، عبر الأخذ بخطوات عملية لتنمية منطقة القرن الإفريقي واستغلال مواردها وثرواتها الطبيعية والمعدنية للنهوض باقتصادات صناعية متطورة في الإقليم على غرار الاقتصادات الغربية، ما سيحقق التنمية المستدامة لشعوب القارة والإقليم، ويساهم في دمج المنطقة في الاقتصاد العالمي والنظام الدَّوْليّ بشكل أكبر.

أما الاحتمال الثاني: فإن عملية الاستقطاب الدائرة والحشود العسكرية في المنطقة، لا سيما في البحر الأحمر وجيبوتي إلى جانب الصومال؛ قد تدفع نحو تجدد العنف في الإقليم، مدفوعًا بتداعيات الحرب الباردة الجديدة على غرار الحروب الإثيوبية الصومالية، ونزاعات القرن الإفريقي خلال القرن الماضي، وتبقى الإرادة السياسية لحكومات منطقة القرن الإفريقي للأخذ بخطوات عملية لتحقيق التنمية المستدامة والشراكة الإقليمية والخارجية، هي الفيصل في التحركات الإقليمية والدولية الحالية.

الخلاصة:

– كشفت الاندفاعة التركية الصومالية الأخيرة، في إبرام الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية، عن علاقات بنَّاءة تجمع بين أنقرة ومقديشو منذ تسعينيات القرن الماضي؛ فالاتفاقيات الأخيرة بين تركيا والصومال تبدو طموحة للغاية، وقد تكون أكبر من قدرات تركيا على تنفيذها، وقد تكون خطوة لا يكتب لها أن تكتمل، أو ستبقى جزئية، لتحقق أهدافًا سياسية عاجلة أهمها وقف محاولة انفصال إقليم أرض الصومال عن الصومال، ويبقى الباب مفتوحًا على تنفيذ بنود هذه الاتفاقية بشكل فعال، لكنه رهن بقدرات تركيا الاقتصادية والعسكرية.

– على الرغم من التحديات التي قد تواجه الحضور التركي في القرن الإفريقي؛ إلا أن المتوقع أن تظل هذه المنطقة متصدرة لأولويات السياسة الخارجية التركية، كونها تندرج ضمن ما تراه المؤسسة البحرية التركية “عقيدة الوطن الأزرق” لتوسيع دائرة النفوذ التركي في البحار والمضائق والممرات المائية في الشرق الأوسط، ومع تزايد التعاون في المجال الأمني والعسكري ولجوء المزيد من الدول الإفريقية إلى المُعَدَّات والخبرات الدفاعية التركية؛ فمن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات لسعي أنقرة لنفوذ أكبر في دول أخرى بالقرن الإفريقي.

المصادر:

قراءات إفريقية.

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

مركز المسار للدراسات الإنسانية.

روسيا اليوم.

مركز الإمارات للسياسات.

الجزيرة.

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

التعليقات مغلقة.