fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

سياسة إدارة بايدن وتأثيرها على دور الولايات المتحدة والحزب الديموقراطي والتحولات في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية

60

سياسة إدارة بايدن وتأثيرها على دور الولايات المتحدة والحزب الديموقراطي والتحولات في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية

خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة؛ واجهت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” العديد من القضايا والملفات الشائكة داخليًّا وخارجيًّا؛ أبرزها: جائحة فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية، وأزمة الهجرة، فضلًا عن أزمة التضخم والبطالة وتحولات الاقتصاد العالمي ولجوء عدة دول ومنظمات لتجنب التعامل بالدولار الأمريكي؛ هذا إلى جانب الصراعات الدولية المحتدمة والمشتعلة في أكثر من منطقة، والتي كان لها هي الأخرى تداعياتها على مكانه الولايات المتحدة عالميًّا والداخل الأمريكي.

وتشكل تلك القضايا ركائز البرنامَج الانتخابي الذي طرحة “جو بايدن” العام 2020م، وأيديولوجية الحزب الديموقراطي في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، وكان تعامل إدارة بايدن السلبي مع تلك الملفات، سببًا مباشرًا في خسارة الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية في 5 من نوفمبر الماضي، وعودة الرئيس “دونالد ترامب” من جديد، لا سيما على مستوى القضايا الداخلية؛ ولذلك فإن الهزيمة التي تلقتها “كامالا هاريس”، ستدفع نحو إعادة ترتيب أوراق وأولويات الحزب الديموقراطي من جديد، لا سيما على مستوى الملفات الداخلية.

فكيف تعاملت إدارة الرئيس الديموقراطي “جو بايدن” مع أزمات الولايات المتحدة داخليًّا وخارجيًّا؟ وكيف يمكن قراءة أبعاد سياسة بايدن اتجاه قضايا الداخل والخارج؟ وما تأثير خسارة الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية على سياسة الحزب ككل؟ ماذا عن مستقبل السياسة الأمريكية داخليًّا وخارجيًّا خلال السنوات القادمة في ظل إرث بايدن الثقيل على الإدارة المقبلة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على سياسة إدارة بايدن وتأثيرها على دور الولايات المتحدة والحزب الديموقراطي في ظل استياء في الداخل الأمريكي وتحولات لافتة في مشهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في هذه السطور الآتية:

إدارة بايدن والقضايا الداخلية:

بدأت رئاسة بايدن في الـ20 من يناير عام 2021م، ليواجه أولى التحديات الداخلية المتمثلة بجائحة فيروس كورونا، وسريعًا ما اتخذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الجائحة، حيث وقع بايدن أمرًا تنفيذيًّا أوقف انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وجعل الدكتور “أنثوني فوتشي” رئيس البَعثة إلى منظمة الصحة العالمية.

كما أصدرت الإدارة الأمريكية وثيقة من 200 صفحة بعنوان (الإستراتيجية الوطنية للاستجابة لكوفيد – 19 والتأهب للجائحة)، ووضع بايدن قانون الإنتاج الدفاعي موضع التنفيذ وذلك لتسريع عملية التلقيح والتأكد من توفر القوارير الزجاجية والحقن ومستلزمات اللِّقاح الأخرى على المستوى الفيدرالي؛ وقال بايدن مبررًا استخدامه للقانون “وعندما أقول زمن الحرب، ينظر الناس إلي مستغربين كأنهم يقولون زمن الحرب، حسنًا مثلما قلت لقد مات 400 ألف أمريكي هذا أكبر من عدد الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية هذا إجراء يتخذ في زمن الحرب”. (بي بي سي عربي).

علاوة على ذلك: أسس بايدن فريق البيت الأبيض للاستجابة لكوفيد – 19، وهو مكتب في البيت الأبيض مخصص لتنسيق استجابة موحدة للحكومة الفيدرالية؛ ووقع الرئيس الأمريكي عدة أوامر تنفيذية تتعلق بجائحة كوفيد – 19 منها أمرًا تنفيذيًّا بزيادة الإمدادات اللازمة، وذلك من أجل تحقيق هدفه بإعطاء 100 مليون لِقاح في أول 100 يوم له في المنصب.

كما وأعاد بايدن حظر سفر كان قد فرضه الرئيس السابق ترامب إلى البرازيل والمملكة المتحدة وإيرلندا وجنوب إفريقيا و26 دولة أوروبية أخرى، ويحظر منع السفر لغير الأمريكيين القاطنين في البلدان المحتملة من الدخول إلى الولايات المتحدة؛ إضافة إلى تطبيق بايدن شرط ارتداء كِمامة الوجه تقريبًا على جميع أنواع وسائل النقل وداخل مراكز النقل. (سي إن إن عربي).

وسابقًا قد أوصى مركز التحكم بالأمراض والوقاية منها بسن مثل هذه السياسة، لكن إدارة ترامب حظرتها، وبموجبها أصدر مركز السيطرة على الأمراض توصيات قوية وإن لم تكن ملزمة، باستخدام الكِمامة في هذه الحالات؛ وقد أسفرت استراتيجية الرئيس بايدن في التعامل مع أزمة كورونا، في الحد من أعداد الوَفِيَّات بشكل ملحوظ، واحتواء متحورات جديدة من الفيروس مثل أوميكرون، ولاقت تأييدًا شعبيًّا بحسب استطلاعات الرأي.

لكن إلقاء الاتهامات على إدارة ترامب السابقة في التعامل مع الأزمة منذ البداية ظل حاضرًا، ويرى بعض المراقبين أن تراجع أعداد الوَفِيَّات والإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة خلال العام الأول من إدارة بايدن 2021م، إنما يأتي في إطار تجاوز العالم لذروة انتشار الوباء العام 2020م.

وكان من نتائج سياسة إدارة بايدن في التعامل مع الجائحة، أن أخذت عدة ولايات أمريكية في التعافي الاقتصادي التدريجي جراء تداعيات الجائحة، مع عودة النشاط الصناعي في عدة مناطق؛ ولاقت استراتيجية إدارة بايدن قبولًا واسعًا في الشارع الأمريكي.

المِلَفّ الاقتصادي وأداء الاقتصاد الكلي الأمريكي:

غير أن الاقتصاد الأمريكي والذي ظل يعاني من تداعيات الجائحة، لم يشهد تحسنًا مماثلًا على مستوى الاقتصاد الكلي ككل، ولم يكن على نفس المنوال رغم تحسن أداء بعض القطاعات؛ فخطة إدارة بايدن الاقتصادية والتي سعت لتحقيق أهداف متمثلة بزيادة الحد الأدنى للأجور الوطنية وتوسيع مجالات تدريب العمال وتضييق فجوة التفاوت في الدخل، والاستثمار بالطاقة المستدامة والبنى التحتية، وزيادة فرص الحصول على الرعاية الصحة المناسبة بأسعار معقولة، وإعفاء الطلاب من ديون القروض الطلابية قد واجهتها عدة تحديات.

حيث ورث الرئيس الأمريكي “جو بايدن” من خَلَفِه “دونالد ترامب” وضعًا اقتصاديًّا وماليًّا صعبًا، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أزمة جائحة كوفيد 19 التي استمرت؛ وبحلول شهر ديسمبر من عام 2020م، تراجع مستوى التوظيف بنسبة (6%) عن ذروة بدايات عام 2020م بما يعادل 10 ملايين وظيفة تقريبًا، وارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة ليلامس 6.7% كما ووصلت مستويات العجز للسنة المالية 2020م لمستويات قياسية بلغت 3.1 تريليون دولار، ما يعادل 14.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعكس تلك البيانات تعقد مشهد الاقتصاد الأمريكي في ظل جائحة كورونا. (سكاي نيوز عربية).

لذلك أتت خِطَّة بايدن لتغطي كافة جوانب الاقتصاد الأمريكي؛ حيث مثل إصدار خِطَّة الإنقاذ الأمريكية في شهر مارس 2021م بهدف تسريع عملية تعافي الولايات المتحدة من الآثار الاقتصادية والصحية الناجمة عن جائحة كوفيد 19، الخطوة الرئيسية الأولى في تنفيذ السياسة الاقتصادية “لجو بايدن” على أرض الواقع.

إذ قدم بايدن خطة سياسة اقتصادية حملت اسم: “خطة إعادة البناء على نحو أفضل” أثناء ترشحه للرئاسة في شهر يوليو 2020م، وبحلول شهر مارس 2021م، بدأت الإدارة في إعداد حُزْمَة تشريعية تقدر تكلفتها بنحو 3 تريليونات دولار على مدى عشر سنوات، مع تحديث البنية التحتية باعتبارها حجر الأساس في الحُزْمَة، ليتم تمويل هذه الخِطَّة بشكل أساسي من خلال إضافة شريحة ضريبية بنسبة 39.6% على أولئك الذين يكسبون أكثر من 400 ألف دولار سنويًّا، وزيادة معدلات الضريبة على الشركات إلى 28%، وذلك بعد أن خفض سلفه ترامب النسبة من 35% إلى 21%.

وكان من شأن هذا الاقتراح أيضًا، أن يفرض ضريبة على أرباح رأس المال طويلة الأجل، باعتبارها دخلًا عاديًّا للأسر التي تكسب أكثر من مليون دولار سنويًّا؛ وكان من نتائج إستراتيجية بايدن الاقتصادية أن شهدت الولايات المتحدة نموًا اقتصاديًّا أقوى بشكل ملحوظ خلال فترة رئاسة “جو بايدن” مقارنة بفترة “دونالد ترمب”، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي قدره 3.1% منذ الربع الأول لرئاسة بايدن، مقارنة بـ2.1% في عهد ترمب.

هذه حقيقة جلية لا جدال فيها، وإن كانت قابلة للتغيير مع المراجعات المستمرة التي يجريها مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي على بيانات الدخل القومي والحسابات الإنتاجية؛ فبعد نشر عدة تقارير عن أداء الاقتصاد الأمريكي، انتشرت الردود التي تشير إلى ضرورة مقارنة مقدار التحفيز الذي تلقاه الاقتصاد من السياسات المالية أو النقدية أو كليهما في عهد الرئيس بايدن والرئيس ترامب، لإظهار مدى فعالية خِطَّة بايدن الاقتصادية.

وكانت الفكرة الأساسية وراء هذه الاقتراحات، هي: أن النمو في عهد بايدن قد يكون مجرد نتيجة لتحفيز مالي كبير، فبمقارنة أداء الاقتصاد الأمريكي والسياسات المالية والنقدية في عهد الرئيسين بايدن وترامب؛ يكون من الواضح أن الاقتصاد الأمريكي استفاد من دفعة أكبر بكثير من السياسات المالية والنقدية في عهد ترمب مقارنة بما حصل عليه حتى الآن في عهد بايدن.

حيث جاءت معظم هذه التحفيزات لمواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة؛ وعند مقارنة فترة ما قبل الجائحة في عهد ترمب مع الاتجاهات الاقتصادية الحالية في عهد بايدن، فإن الصورة تصبح أكثر تعقيدًا، لكن يمكن القول إن خِطَّة الرئيس “جو بايدن” وسياساته المالية والنقدية قد ساهمت بشكل كبير في تحسن مؤشرات الأوضاع الاقتصادية، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة رغم العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن وتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا، والتصعيد مع الصين حول تايوان.

ملف الهجرة واللاجئين:

يُعد ملف الهجرة ملفًا شائكًا في الداخل الأمريكي في ظل كون الولايات المتحدة مجتمعًا متنوع ومتعدد الأعراق بشكل كبير؛ ووفقًا لدراسة جديدة أجراها مركز دراسات الهجرة الأمريكية، فإن 3.7 مليون مهاجر دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني منذ تولي بايدن منصبه في يناير 2021م، وتعتبر ولاية تكساس معقل أزمة المهاجرين غير الشرعيين، ويعمل كل من الديمقراطيين والجمهوريين في طريق مختلف بالنسبة لأزمة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك.

ومع اشتداد أزمة المهاجرين والخلافات التي طفت على السطح بين الرئيس بايدن وحاكم ولاية تكساس “جريج أبوت” في مارس الماضي؛ صرح ترامب بأنه يخطط لإعادة وتوسيع سياسات الهجرة التي اتبعها في فترته الرئاسية الأولى، بما في ذلك إنهاء الجدار الحدودي وإحياء “البقاء في المكسيك” وقيود اللجوء، كما وعد “بتنفيذ أكبر عملية ترحيل محلي في التاريخ الأمريكي.

في المقابل: كان بايدن معارضًا صريحًا لقانون حظر السفر المثير للجدل الذي فرضه الرئيس “دونالد ترامب”، والذي فرض قيودًا على هجرة مواطني البلدان ذات الأغلبية المسلمة والدول التي يغلب عليها الطابع الأفريقي، وفي أول أيامه في البيت الأبيض، أصدر بايدن إعلانًا رئاسي تم بموجبه إلغاء حظر سفر مواطني البلدان ذات الغالبية المسلمة.

ويعمل بايدن وفريقه الديمقراطي خلال فترة رئاسته على زيادة قَبُول اللاجئين ودعم مسار الحصول على الجنسية لعمال المزارع دون تصريح للوجود في البلاد؛ إلا أنه خلال الفترة الأخيرة نفذ البيت الأبيض إجراءات جديدة لإبعاد المهاجرين الذين لم يطلبوا اللجوء في بلد سافروا عبره في طريقهم إلى أمريكا.

وينقسم الشارع الأمريكي بين من يرفض وبقوة السماح بالهجرة إلى الولايات المتحدة، وبين من يرى أن إدارة الرئيس بايدن قد تعاملت مع ذلك المِلَفّ بشكل جيد؛ فبحسب استطلاع لوكالة أسوشيتد برس والمركز الوطني للأبحاث، كشف أن 68% من البالغين الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا وأكثر في جميع أنحاء الولايات المتحدة لا يوافقون على سياسة الهجرة التي يتبعها بايدن، بحسب مجلة “نيوزويك” الأمريكية. (مركز الإمارات للسياسات).

وذلك في مقابل 31% فقط يوافقون على ذلك، كما يعتقد 65% من الديمقراطيين، أن الرئيس تعامل مع القضية بشكل جيد؛ وقد عمل ترامب والجمهوريين على توظيف مِلَفّ الهجرة والأزمة المتصاعدة مع المكسيك بشكل جديد، ولا يمكن القول بقدرة مِلَفّ الهجرة على حسم أي انتخابات رئاسية أمريكية، في ظل استمرار انقسام المجتمع الأمريكي طيلة عقود ماضية حول ذلك المِلَفّ.

القضايا الخارجية وتداعياتها على الولايات المتحدة:

كان من اللافت تعقد مشهد العلاقات الدولية بشكل كبير، مع تصعيد خطير بين روسيا والغرب، وفي الشرق الأوسط وشرق آسيا خلال سنوات إدارة بايدن؛ فمع وصول بايدن إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير 2021م، سارع بإعادة العلاقات الأمريكية مع حلفاء الولايات المتحدة إلى أوضاعها الطبيعية، معززًا للعلاقات التي تجمع الولايات المتحدة عبر الأطلسي.

وتعتبر الحرب الروسية الأوكرانية، من أبرز التحديات الجيوسياسية التي واجهتها إدارة بايدن، رغم خبرته الواسعة في السياسة الخارجية ومجموعة المستشارين المحنكين الذين أحاط نفسه بهم، فقد تعرضت استراتيجيته لانتقادات حادة في الداخل الأمريكي، فخلال سنوات الحرب تمكنت كييف من إظهار قدرات عسكرية في الحرب الروسية الأوكرانية رغم تأخر إدارة بايدن في تقديم الدعم الضروري، حيث وافق بايدن على تسليح أوكرانيا بأسلحة ذات مدى محدود بعد وقوع خسائر ميدانية.

وعلى الرغم من تعهد بايدن بدعم أوكرانيا حتى النهاية؛ إلا أن الخوف من التصعيد النووي الروسي كان له تأثير واضح على قرارات البيت الأبيض، هذا الحذر أدى إلى تبني نهج دفاعي بحت من جانب الإدارة الأمريكية، عبر تسليح كييف بقدرات دفاعية مثل صواريخ جافلين وستينغر، في الوقت الذي عمقت فيه روسيا علاقاتها مع دول مثل الصين وكوريا الشِّمالية وغيرها، في حين كانت إدارة بايدن تتوقع انتصارًا روسيًّا سريعًا، في حين برهنت أوكرانيا على مرونة وقدرة على الصمود في الحرب الروسية الأوكرانية.

وبدا أن الإدارة الأمريكية كانت تتجنب أي تحركات قد تثير غضب موسكو في بداية الحرب، بعدما لوح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” باستخدام السلاح النووي إذا استدعى الأمر، وهذا القلق الأمريكي دفع واشنطن لتتردد في دعمها لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة في بداية الحرب، حيث ترددت إدارة “جو بايدن” في منح كييف القدرة على استهداف الأصول الروسية هناك، ما ترك للروس مساحة آمنة للتعافي وإعادة الإمداد.

لتتحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد امتدت منذ 24 من فبراير 2024م وحتى الآن، ولا تزال مستمرة؛ ورغم نجاح البيت الأبيض في استخدام الحرب الروسية الأوكرانية، لتدمير العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية وملئ الفراغ الاقتصادي الطاقي لروسيا في أوروبا؛ إلا أن التداعيات الاقتصادية للصراع بين الغرب وروسيا قد طالت عدة جوانب في الاقتصاد الأمريكي مثل الأسمدة الزراعية.

لتأتي الحرب في الشرق الأوسط وينتهج البيت الأبيض سياسة تقديم الدعم المطلق للكيان المحتل، ما أثار غضب الشارع الأمريكي الذي رفض جرائم الكيان المحتل في الشعب الفلسطيني؛ حيث عملت إدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر 2023م، على دعم الكيان المحتل، سياسيًّا ودبلوماسيًّا وعسكريًّا؛ وسارع الرئيس بايدن شخصيًّا إلى زيارة الكيان المحتل عقب السابع من أكتوبر، وإرسال وزير خارجيته إلى إسرائيل والمنطقة عدة مرات خلال العام الماضي.

لتصبح الولايات المتحدة بذلك مشارك فعلي في الحرب على شعوب المنطقة في غزة والضفة الغربية ولبنان، في ظل مجازر ترتكب بلا توقف؛ ما أثار غضب الشارع الأمريكي، إذ انطلقت موجات احتجاجية في الجامعات الأمريكية رفضًا للدعم الأمريكي قوبلت بعنف السلطات.

وفي غضون ذلك صادق البيت الأبيض على أكثر من 100 حُزْمَة مبيعات من الأسلحة إلى إسرائيل، إضافة إلى توفير الغطاء الدبلوماسي للحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على غزة في مجلس الأمن الدَّوْليّ من خلال استخدام حق النقض ضد عدد من مشاريع القرارات التي كانت تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ وعدت الحرب في الشرق الأوسط بين القضايا التي أثرت على قرار الناخبين الأمريكيين في الـ5 من نوفمبر الماضي.

أبعاد ودوافع مواقف إدارة بايدن الداخلية والخارجية:

بالنظر إلى سياسة الحزب الديموقراطي، وانتماء بايدن إلى تيار الديموقراطيين التقليديين داخل الحزب الذين تُعد طروحاتهم السياسية بالحزب الديموقراطي امتدادًا للنهج السياسي الذي أسسه الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” في التعامل مع قضايا الداخل والخارج.

فإن بعض تحركات ومواقف بايدن، تندرج ضمن سياسات الحزب الديموقراطي ككل وضمن السياسات الأمريكية بشكل عام، والتي تتأثر إلى حدٍّ كبير باللوبيات ومنظمات الضغط في الداخل الأمريكي، فالدعم الأمريكي الهائل الذي قدم للكيان المحتل في ظل الحرب الدائرة على قطاع غزة، يندرج ضمن سياسة الولايات المتحدة واستراتيجيتها الخارجية في الشرق الأوسط بشكل عام، ولا تتوقف على وجود رئيس ديموقراطي أم جمهوري.

فجماعات الضغط الصهيونية تلعب دورًا محوريًّا في رسم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد بدا ذلك واضحًا في مساعي تل أبيب في تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط رغم الاستراتيجية الأمريكية المغايرة الساعية إلى الابتعاد عن المنطقة والتركيز على شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي.

كما أن الحرب الروسية الأوكرانية وتأجيج الولايات المتحدة للصراع، قد أظهر بشكل كبير دور (المجمع الصناعي العسكري) في التأثير على السياسة الأمريكية؛ حيث أثيرت المخاطر المحتملة من المجمع الصناعي العسكري في خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس “دوايت أيزنهاور” في عام 1961م “في مجالس الحكومة، يجب علينا أن نحذر من اكتساب نفوذ لا مبرر له، سواء كان مطلوبًا أو غير مطلوب، من قبل المجمع الصناعي العسكري والنظر في إمكانات الصعود الكارثي للقوة في غير محلها”. (اندبندنت عربية).

ويري بعض المراقبين: أن المجمع الصناعي العسكري يلعب دورًا محوريًّا في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، والمساهمة في إشعال الحروب والصراعات المختلفة؛ وفيما يتعلق بسياسات بايدن حصرًا فلا يمكن القول؛ بأن القضايا الخارجية كانت سببًا في فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، بل إن قضايا داخلية محورية للناخبين الأمريكيين، مثل: الهجرة وحقوق الإجهاض وعدم الرضا عن أداء الاقتصاد رغم التحسن اللافت، قد لعبت الدور الحاسم في فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، ومثل هذه القضايا تختلف من رئيس أمريكي إلى آخر.

ويبدو أن قضايا وملفات خارجية، مثل: الحرب في الشرق الأوسط وضمان تفوق إسرائيل على دول المنطقة، إلى جانب استمرار الصراع في أوكرانيا، مع تغير بسيط متمثلًا في زيادة تمويل الدول الأوروبية لحزم الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، فضلًا عن تصاعد الصراع مع الصين وتعقد مشهد العلاقات الاقتصادية الأمريكية الصينية؛ جميعها قضايا وملفات لن تشهد تغيير كبيرًا مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، كونها لا تتعلق بشخص الرئيس الأمريكي، وإنما بسياسات الولايات المتحدة الخارجية ككل، بغض النظر عن الرئيس وانتمائه الحزبي.

تأثير خسارة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية على سياسة الحزب:

أثارت الخسارة التي تلقتها “كامالا هاريس” نائبة الرئيس الأمريكي في الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق “دونالد ترامب”، موجة من الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي، ليطالب الاستراتيجيين والمتخصصين بإعادة هيكلة شاملة للحزب، وتغيير إستراتيجياته بشكل جذري.

حيث إن أبرز النقاط التي تم انتقادها في الحملة الديمقراطية هي الرسائل التي استخدمها الحزب للتواصل مع الناخبين، إذ أشار مراقبون إلى أن رسائل الحملة كانت تركز بشكل مفرط على قضايا نخبوية، ما جعلها بعيدة عن اهتمامات المواطنين العاديين، وأشار مراقبين في الحزب الديمقراطي إلى أن هذا النوع من الحملات لا يناسب واقع الناخبين في 2024م، الذين أصبحوا يتطلعون إلى سياسات تُعنى بهمومهم اليومية وتلبي احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل ملموس.

وكان السيناتور “بيرني ساندرز” الذي يُعد من أبرز الشخصيات الليبرالية في الحزب من بين الذين انتقدوا الحزب بعد الهزيمة، وقال في بيان نشره على وسائل التواصل الاجتماعي “من غير المفاجئ أن الحزب الديمقراطي الذي تخلى عن الطبقات العاملة يجد نفسه في نهاية المطاف مهزومًا في مواجهة ترامب”. (العربية).

وفي تقديري: أن الحزب الديمقراطي، بعد الهزيمة المدوية أمام ترامب؛ بحاجة إلى أن يعود إلى جذوره ويمثل طبقات العمال والفئات المهمشة بشكل أفضل، بدلًا من التركيز على القضايا التي لا تمس بشكل مباشر اهتمامات هؤلاء الناخبين؛ لكن القول بأن تنظيم الحملة الانتخابية التي قادتها هاريس كانت سببًا مباشرًا في الهزيمة مستبعدًا، ففي رأيي أن الحملة التي قادتها هاريس لم تكن مشكلة في حد ذاتها، بل كان التوقيت الصعب وتحديات إدارة بايدن من وراء الحملة هما العاملان الرئيسيان اللذين ساهما في الهزيمة.

واتفق العديد من المراقبين: على أن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية؛ إذ قال روشا “إذا استمررنا في القيام بنفس الشيء مرارًا وتكرارًا، ثم توقعنا نتائج مختلفة، فذلك هو تعريف الجنون”، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن ينفصل الحزب عن أساليب التواصل القديمة ويعيد التركيز على التنظيم الشعبي الأساسي. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

وتعكس الهزيمة الحالية التي تلقاها الحزب الديموقراطي؛ حاجة الحزب إلى التركيز الحقيقي على البنية التحتية الحقيقية للمشاركة الشعبية في جميع الولايات، وليس فقط في الولايات المتأرجحة، مع تبني أسلوب جديد في تنظيم الحملات الانتخابية، وألا يقتصر العمل على أشهر قليلة قبل الانتخابات، بل يكون مستمرًا طوال العام.

ترامب وإرث بايدن داخليًّا وخارجيًّا:

شكَّل أداء الاقتصاد الأمريكي خلال فترة رئاسة بايدن، المعضلة الأصعب أمام الديموقراطيين؛ إذ إن الاستياء العام من التضخم قد ألقى بظلاله على حملة هاريس الانتخابية، وعلى شعبيه الحزب الديموقراطي في الولايات المتأرجحة، كما وأثر التضخم على استراتيجية بايدن الاقتصادية طيلة الأربع سنوات الماضية، ما مهد الطريق لترامب لتحقيق الفوز بالسباق الانتخابي.

ويبدو أن الرئيس بايدن، كان يهدف إلى أن يكون قائدًا لتحولات كبيرة في الاقتصاد الأمريكي، من خلال الدفع بتشريعات مهمة بشأن البنية التحتية وتصنيع أشباه الموصلات والطاقة الخضراء؛ وتشمل الإنجازات البارزة خِطَّة الإنقاذ بقيمة 1.9 تريليون دولار، وقانون البنية التحتية والاستثمار وقانون الرقائق والعلوم، وقانون الحد من التضخم؛ لكن هذه النجاحات، قد طغى عليها التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له في البلاد منذ 40 عامًا في 2022م قبل أن يتراجع من جديد.

وواجهت إدارة بايدن انتقادات بسبب خِطَّة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار، والتي على الرغم من طموحها كان يُنظر إليها على أنها مبالغ فيها، وبالتالي فإن الاقتصاد الأمريكي ومستويات التضخم والبطالة وغيرها، ستشكل الأساس والمحور الرئيس في الـ100 يوم الأولى لرئاسة ترامب، وفقًا لصحيفة نيوزويك الأمريكية؛ إذ إن وسائل الإعلام الأمريكية تسلط المقدار الأكبر من الضوء على أداء الاقتصاد الأمريكي.

كما أن ملف الهجرة، سيُعد هو الأخر إرثًا ثقيلًا أمام ترامب، في ظل دخول أكثر من 3.7 مليون مهاجر إلى الأراضي الأمريكية خلال السنوات الأربع الماضية؛ ويبدو أن ترامب سيكون أكثر حزمًا إزاء ذلك المِلَفّ، كما أشارت لذلك تصريحاته ونقده اللاذع لسياسات بايدن في التعامل مع مِلَفّ الهجرة.

وفيما يتعلق بالقضايا الخارجية، لا شك أن الولايات المتحدة ستنتهج سياسات مختلفة نسبيًّا إزاء بعض الملفات مع بَدْء ولاية ترامب الجديدة؛ منها وضع منطقة شرق آسيا في دائرة الاهتمام الأمريكي، فتلك قضية تتعلق بمكانة الولايات المتحدة عالميًّا في ظل صراعها مع الصين، إلى جانب أن الصراع الروسي الأوكراني قد يشهد جمودًا مؤقتًا.

لكن لا يمكن القول بانقطاع الدعم الأمريكي عن أوكرانيا، لما سيسفر عنه ذلك من نصر روسي محتم وتحرك أوروبي بعيدًا عن الولايات المتحدة، وعزوف دول شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي عن التحالف مع الولايات المتحدة؛ إذ يبدو الصراع الروسي الأوكراني أكثر تعقيدًا ويرتبط بعدة قضايا وملفات دولية أخرى وبدور الولايات المتحدة عالميًّا، في ظل ارتباطه بالحرب الباردة الجديدة والصراع ما بين روسيا والصين وكوريا الشِّمالية من جهة، والولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في شرق آسيا من جهة أخرى.

وعن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فإن تعزيز التفوق الإسرائيلي على دول المنطقة يُعد محور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولا يتوقف على شخص الرئيس الأمريكي، لكن الرئيس ترامب سيُعقد مشهد الصراع أكثر في المنطقة مع تهديداته بتعقيد الصراع.

إذ قال ترامب: “إنه إذا لم يتم إطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة قبل تنصيبه في 20 يناير المقبل، فسيكون هناك مشكلة خطيرة في الشرق الأوسط”، مضيفًا “سيتلقى المسؤولون ضربات أشد من أي ضربات تلقاها شخص في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الطويل والحافل”، ما ينذر بدور أمريكي أكبر وزيادة المشهد تعقيدًا؛ ويتجاهل ترامب كجميع الرؤساء الأمريكيين المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط، والمتمثلة بالاحتلال الإسرائيلي الذي يتعاض مع جميع القوانين الدولية.

الاستنتاجات:

تشهد الولايات المتحدة انقسامًا داخليًّا حادًا، عكسته مشهد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ إذ إن الفجوة الأيديولوجية بين الحزبان الرئيسان في الولايات المتحدة قد اتسعت بشكل لافت خلال العقود الأخيرة، لتزداد اتساعًا مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض العام 2017م.

فلكلا الحزبين الجمهوري والديموقراطيين توجهات سياسية واقتصادية متعارضة فيمَا يتعلق بالشأن الداخلي للولايات المتحدة؛ وقد عكست سياسات بايدن الاقتصادية محاولاته الرامية لإحداث تغيير جذري في قطاعات الاقتصاد الأمريكي، غير أن عراقيل داخلية وتداعيات خارجية قد حالت بينه وبين تحقيق ذلك الهدف، لتنعكس بدورها على حملة هاريس الانتخابية، وتؤثر بشكل لافت على الحزب الديموقراطي ككل.

أما عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ فإن تغير السياسة الأمريكية الخارجية بتغيير الرؤساء يكون نسبيًّا فقط؛ إذ تبُني السياسة الخارجية الأمريكية على عدة قواعد ثابته، مثل: إضعاف الاتحاد الروسي، والحد من الصعود الصيني، وتعزيز الدور الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وضمان التفوق الأمريكي على جميع دول العالم.

ولتحقيق تلك الأهداف؛ تنتهج واشنطن سياسة الفوضى الخلاقة، وهو ما عكسته الأحداث الأخيرة في دول الاتحاد السوفيتي السابق، من ثورات ملونه في أوكرانيا وبيلاروسيا وجورجيا وكازخستان وغيرها؛ ومحاولات واشنطن تأجيج صراعات ونزاعات بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.

فضلًا عن دورها الواضح في إخراج ثورات الربيع العربي عن مسارها الصحيح ودعم المنظمات والجماعات الإرهابية، إلى جانب العقوبات الأمريكية غير المبررة على العديد من دول العالم، لا سيما دول أمريكا الجنوبية؛ ولذلك فإن السبيل لإحداث تغيير حقيقي جذري في السياسة الدولية، يتمثل في تحقيق التعددية القطبية للوصول لتوازن في العلاقات الدولية كافة، وليس بتغيير الرؤساء الأمريكيين.

الخلاصة:

أظهرت الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أزمات حقيقية يعاني منها الحزب الديموقراطي؛ فهزيمة “كامالا هاريس” لا تتعلق بأداء الحملة الانتخابية فقط، وإنما على أداء الديموقراطيين السياسي خلال الأعوام الأخيرة، مع تعقد مشهد الاقتصاد الأمريكي وزيادة التضخم، وعدم تحقيق الأهداف المرجوة من استراتيجية الرئيس بايدن الاقتصادية؛ لذلك فإن الولايات المتحدة تتجه نحو تغيير حقيقي في السياسة الداخلية، مع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير المقبل، وانتهاج سياسات أكثر تصعيدية إزاء القضايا الاقتصادية مع الصين؛ كما وأن منطقة الشرق الأوسط ستكون مقبلة على تحولات جديدة خلال فترة ولاية ترامب الثانية، في ظل الحرب الدائرة حاليًّا على شعوب المنطقة، ومساعي الكيان المحتل لفرض وقائع إقليمية جديدة، ودعم ترامب الواسع لتل أبيب.

المصادر:

بي بي سي عربي

سي إن إن عربي

سكاي نيوز عربية

مركز الإمارات للسياسات

إندبندنت عربية

العربية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

التعليقات مغلقة.