fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تهديدات التسليح الإسرائيلي بين الضعف المحلي والإمداد الأمريكي اللا محدود

0 46

تهديدات التسليح الإسرائيلي بين الضعف المحلي والإمداد الأمريكي اللا محدود

تدخل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها العاشر، حيث مرَّت عمليات الجيش الإسرائيلي بمراحل متعددة من المناورة؛ بدءًا بحملة قصف جوي مكثف تلتها حرب برية شملت مختلف محافظات القطاع. ويعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على الولايات المتحدة في تسليحه، خصوصًا في مجال الذخائر.

أزمة الذخائر:

الكثافة النارية الهائلة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي والتوتر المتصاعد على الحدود مع لبنان دفعا الجيش إلى التحذير من إمكانية نشوء أزمة في توفير الذخائر الكافية لعملياته على الجبهات المختلفة. تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الولايات المتحدة في توفير احتياجاتها من الذخائر، خاصة القنابل الذكية المستخدمة في القصف الجوي، والتي أعلن الرئيس الأمريكي بايدن في مايو 2024 وقف توريد جزء منها.

يُعد منع واشنطن المساعدات العسكرية عن إسرائيل، أو التهديد بذلك، نقطة مهمة في الحرب الجارية بقطاع غزة منذ أكثر من 7 أشهر، مع تعرض بايدن لضغوط كبيرة بسبب دعمه السخي لإسرائيل رغم الخسائر البشرية الهائلة في صفوف الفلسطينيين.

دفع هذا الإجراء وزارة الدفاع والجيش الإسرائيليين إلى البدء في إنتاج هذه الأنواع من الذخائر محليًّا. وليست هذه المرة الأولى، ففي عام 1982 فرض الرئيس آنذاك رونالد ريغان حظرًا لمدة 6 أعوام على مبيعات الأسلحة العنقودية إلى إسرائيل. وجاء قرار ريغان بعد أن خلص تحقيق أجراه الكونغرس إلى أنها استخدمت هذه الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان، خلال غزوها لبنان عام 1982.

كما خضع استخدام إسرائيل للقنابل العنقودية أميركية الصنع للمراجعة في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، بسبب مخاوف من استخدامها خلال حرب عام 2006 مع حزب الله في لبنان. تعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، كما سرعت عمليات تزويدها بالأسلحة بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، الذي أعقبه الهجوم الإسرائيلي على غزة.

وقال بايدن: إن إمدادات الأسلحة التي تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها، مثل نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، ستستمر(1).

الاقتصاد في السلاح:

استهلك الجيش الإسرائيلي كمًّا كبيرًا من الذخائر في المراحل الأولى من حربه على غزة، حيث قصف سلاح الجو الإسرائيلي نحو 31 ألف هدف، معظمها في القطاع؛ صاحب هذا الكم الهائل من الغارات الجوية استخدام واسع للقذائف المدفعية. وقد دفع الاستخدام الواسع والكثيف للذخائر الجيش إلى تبني إجراءات “الاقتصاد في الذخيرة”، حيث أشار إليعازر توليدانو، رئيس قسم الإستراتيجية والدائرة الثالثة في الجيش، إلى ضرورة “الاقتصاد في التسليح”؛ نظرًا لطول أمد الحرب.

وأوضح مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية: أن الشراكة العسكرية القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتلقى مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار سنويًّا من واشنطن، ساهمت في حدوث “طفرة فورية” في شحنات الأسلحة بعد هجوم السابع من أكتوبر. وفي الوقت الراهن، يوجد 600 طلب جاري لعمليات نقل أو مبيعات عسكرية محتملة تزيد قيمتها عن 23 مليار دولار بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال مسؤولون أميركيون: إن الأسلحة التي وردتها الولايات المتحدة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة تشمل ما لا يقل عن 23 ألف سلاح دقيق التوجيه، من بينها صواريخ “هيلفاير” جو – أرض، وطائرات مسيرة، ومجموعات ذخائر هجوم مباشر مشترك، تحول القنابل غير الموجهة إلى قنابل “ذكية”، إلى جانب أسلحة أخرى مماثلة. وأضاف المسؤولون: إن إسرائيل استلمت أيضًا 58 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم، وذخائر لمنظومة الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”.

وأشار المسؤولون إلى أن معظم الأسلحة والأنظمة خرجت من المخزون الأميركي في الأيام الأولى للحرب، لكن تدفق السلاح انخفض في الأشهر الأخيرة مع نفاد الذخيرة التي يمكن لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” توريدها لإسرائيل بسرعة، مع تلبية احتياجات أوكرانيا والحفاظ على مخزونات أميركية كافية. وقال مسؤولو عسكريون أميركيون: إن الولايات المتحدة قدمت 1000 ذخيرة دقيقة التوجيه، وقذائف مدفعية، الشهر الماضي(2).

تحديات الإنتاج المحلي:

واجه الجيش نقصًا في قطع الغيار للدبابات والجرافات والمركبات المدرعة والذخيرة البرية الخفيفة؛ هذا النقص أكد على الاعتماد الكبير على الإمدادات الأمريكية. ذكر موقع “كالكاليست” الإسرائيلي أن موردي الأسلحة الأوروبيين توقفوا عن الرد على الإسرائيليين، كما أن دولًا أجنبية كانت تصدر الأسلحة إلى إسرائيل ترفض تزويدها بالمواد الخام لتصنيع الذخيرة.

وفي هذا السياق، قال بعض الخبراء: إن اعتراف الجيش الإسرائيلي لأول مرة خلال الحرب على قطاع غزة بنقص عدد الدبابات “يحمل دلالات وانعكاسات كبيرة، ومن المتوقع أن يؤثر على المشهد الميداني”؛ جاء ذلك في تعليق على ما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بأن الجيش اعترف لأول مرة بفقد العديد من الدبابات بسبب تضررها ونقص الذخيرة، مشيرة إلى أن هذا الأمر، إلى جانب نقص المدربين بسبب إصابتهم أو مقتلهم، “أجّل قرار دمج المجندات في سلاح المدرعات”.

وأوضح الخبراء خلال تحليلهم المشهد العسكري في غزة أن هذا الاعتراف يشكل ضربة كبيرة لدبابة “ميركافا” التي وصفتها بدرة تاج السلاح الإسرائيلي، وروجت لها تل أبيب على أنها الدبابة الأولى في العالم من حيث التقدم التكنولوجي والتدريع والاستخدام التعبوي. وبين هؤلاء الخبراء أن هذه الدبابة لم تجرب سوى بحرب لبنان في العام 2006، ولكن تجربتها لم تكن بهذا المستوى الكبير بقطاع غزة، مشيرين إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية دمرت بأسلحة بدائية هذه الدبابة العملاقة.

واستدلوا بمشاهد الدبابات المدمرة في حي الشجاعية (شرقي مدينة غزة) وحي تل السلطان (غربي رفح، جنوبي القطاع)، منبهين إلى أن كل هذا يعطي دلالة على ضراوة المعارك وله تأثيرات على أداء الجيش الإسرائيلي واستمرار المعركة في غزة.

وأشار محللون عسكريون إلى أن جيش الاحتلال قتل هذه الدبابات عندما دفع بها إلى المناطق السكنية -وهي نقطة ضعف واضحة- مما أتاح لفصائل المقاومة فرصة اصطيادها في مختلف محاور القتال، مستدركين بالقول إن الجيش لم تكن لديه خيارات سوى ذلك. كما تساءلوا قائلين: “كيف يتحدث جيش الاحتلال عن فتح جبهة في الشمال مع حزب الله والاجتياح البري لجنوب لبنان في ظل نقص المعدات والآليات وخاصة دبابات ميركافا؟”، وخلصوا إلى أن هذا الاعتراف “سيؤثر بشكل كبير على الأداء القتالي لجيش الاحتلال وقد يواجه الأخير فترة شديدة ومؤلمة خاصة أن عمليات المقاومة أخذت في الأسابيع المقبلة طابعًا نوعيًّا”(3).

إدمان المساعدات الأمريكية:

علق الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك على الاعتماد الكبير على الأمريكيين في جميع أنواع الذخيرة والمعدات العسكرية الأخرى، مشيرًا إلى أن العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية قد تشهد تقلبات تؤثر على الأمن الإسرائيلي. 

ويؤكد بعض الباحثين الإسرائيليين أن إسرائيل أصبحت معتادة على الاعتماد على الذخيرة الأمريكية، مما أدى إلى خفض قدراتها الإنتاجية المستقلة. 

وكان مجلس النواب قد أقر حزمة المساعدات في شكل 4 مشاريع قوانين منفصلة، السبت، وهو تشريع سينتقل إلى مكتب الرئيس جو بايدن لتوقيعه. 

وتبلغ المساعدات المقدمة لأوكرانيا وإسرائيل ومنطقة المحيط الهادئ والهندي نحو 95 مليار دولار، بلغ نصيب إسرائيل منها أكثر من الربع. 

أما تفاصيل المساعدات الأمريكية لإسرائيل فهي كالتالي: 

– إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 26.4 مليار دولار. 

– 4 مليارات تذهب إلى نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، وكذلك “مقلاع داوود”. 

 1.2 مليار دولار إلى نظام الدفاع “الشعاع الحديدي” الذي يتصدى للصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون. 

– 4.4 مليار دولار لتجديد المواد والخدمات الدفاعية المقدمة لإسرائيل. 

– 3.5 مليار دولار لشراء أسلحة متقدمة وعناصر أخرى ضمن برنامج التمويل العسكري الأجنبي. 

– 9.2 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء في حالات الطوارئ والمأوى والخدمات الأساسية. 

وبالمقارنة، كان مشروع قانون مجلس الشيوخ السابق سيوفر 14.1 مليار دولار مساعدة لإسرائيل، بما في ذلك أموال لأنظمة الدفاع الصاروخي والتمويل العسكري الأجنبي لمساعدة إسرائيل على ما وصف بأنه “إعادة إرساء الأمن الإقليمي والردع”، و9.2 مليار دولار كمساعدات إنسانية(4). 

خطة الاستقلال الإسرائيلية:

بدأت إسرائيل في العمل على تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال الذخائر الجوية. 

وأعدت وزارة الدفاع خطة باسم “برنامج الاستقلال” لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير القنابل الجوية. 

وتشرف مديرة المشتريات في وزارة الدفاع على البرنامج الذي يمتد أيضًا إلى المواد الخام المطلوبة لصناعة القنابل. 

وضع “برنامج الاستقلال” حلًّا أمام هذه المقاطعة التي يواجهها من بعض دول الغرب، وهي تتمثل بتنويع الموردين، والشراء المسبق لمخزون من المواد الخام التي ستستخدم في المستقبل لصنع القنابل، وخلق احتياطيات ضخمة من المواد الخام في إسرائيل. 

إن تعامل الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع مع هذه القضية بشكل مباشر أمر غير معتاد، ففي الماضي كانت الصناعات الدفاعية تهتم بتزويد نفسها بالمواد الخام دون التدخل العسكري والسياسي المباشر. 

أما الحل الأساسي الذي تروج له المؤسسة الأمنية فيما يتعلق بنقص الذخيرة، فهو تعزيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على استيراد القذائف والذخيرة من الدول الأجنبية، ومن المتوقع أن يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي على صناعة الدفاع الإسرائيلية، إنما سيكون لها أيضًا عواقب اقتصادية سلبية أيضًا. 

إن الذخيرة المنتجة في إسرائيل تعتبر أغلى مما يمكن استيراده من الخارج، كما أنه من المتوقع أن تؤدي هذه الحاجة إلى تأجيل إخلاء مجمع في رمات هشارون، للسماح لشركة “إلبيت” بالاستمرار في إنتاج الذخيرة هناك، وفقاً لما تم نشره قبل شهر ونصف في صحيفة كالكاليست. 

وعلى الرغم من المحاولة المطلوبة لتعزيز الصناعة المحلية وبالتالي تقليل الاعتماد على العالم، فإن الاعتقاد بأن إسرائيل سوف تكون قادرة على إنتاج كل الذخيرة التي تحتاجها لنفسها ضرب من الوهم. 

أولًا: إن الولايات المتحدة بعينها تجد صعوبة هذه الأيام في تزويد نفسها وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل وأوكرانيا، بكل القذائف التي تحتاجها. 

ثانيًا: لكي تتمكن الصناعات الدفاعية الإسرائيلية من إنتاج مواد أسلحة بكميات كبيرة، هناك حاجة إلى المواد الخام التي يمكن صناعة القنابل منها ولا يمكن استخراجها في إسرائيل، وبالتالي يجب أن تأتي هذه المواد أيضًا في النهاية من دول أجنبية(5). 

التحديات البنيوية:

هذه الخطوات تواجه مجموعة من التحديات البنيوية التي تصعّب نجاحها، وهو ما سلّط موقع “كالكاليست” الضوء عليه، موضحاً أن هذه الخطة تواجه عدة تحديات، أولها التكلفة الاقتصادية لعملية الإنتاج المتوقع أن تكون كلفتها أكثر بعشرات المرات من التي تُستورد من الخارج، بالإضافة إلى صيانة المصانع المنتجة للذخيرة، التي تعد مكلّفة للغاية. 

أما التحدي الثاني فيرتبط بالقدرة على الإنتاج الواسع وتلبية الاحتياجات الإسرائيلية منها، بخاصة أن دولاً أكبر كالولايات المتحدة الأمريكية تواجه صعوبات في تأمين إنتاج واسع من الذخائر، وهو ما ظهر بوضوح في الحرب الروسية – الأوكرانية والمصاعب التي واجهت الدول الغربية في توفير احتياجات أوكرانيا من القذائف. 

وسبق أن وقّعَت وزارة الدفاع الإسرائيلية في شهر يوليو / تموز 2023 عقدًا مع شركة “إلبيت سيستمز” لإنتاج قذائف مدفعية بقطر 155 مم، لكن موقع “israel defense” أشار إلى أن معدل إنتاج الشركة من القذائف قد يصل إلى 3000 قذيفة في الشهر، وهو نصف معدَّل الاستخدام اليومي للجيش الإسرائيلي في حرب 2006 مع لبنان، التي أطلق خلالها الجيش ما يقرب من 200 ألف قذيفة مدفعية بمعدل 6000 قذيفة في اليوم. 

كما يشير “كالكاليست” إلى أن الإنتاج الواسع من الذخائر يرافقه استهلاك كبير للمواد الخام المستخدمة في تصنيع هذا النوع من القذائف، وهو ما لا يمكن تحصيله من الإنتاج المحلي بالتالي تظل الحاجة إلى الاستيراد من الخارج قائمة(6). 

الخلاصة:

1. التحالف الإستراتيجي: الولايات المتحدة وإسرائيل تجمعهما علاقة تحالف إستراتيجي قوية منذ عقود، تشمل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي. 

2. المساعدات العسكرية: تتلقى إسرائيل مساعدات عسكرية سنوية كبيرة من الولايات المتحدة، حيث تعتبر هذه المساعدات جزءًا من اتفاقيات الدفاع المشترك. 

3. اللوبي المؤيد لإسرائيل: اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، له تأثير كبير على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. 

4. الأمن القومي: تعتبر الولايات المتحدة إسرائيل حليفًا أساسيًّا في الشرق الأوسط، وتدعمها لضمان استقرار المنطقة ومواجهة التهديدات المشتركة. 

5. الالتزامات القانونية: هناك اتفاقيات ومعاهدات ملزمة بين البلدين تتطلب من الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل. 

6. الضغط الدولي: من غير المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن تسليح إسرائيل بسبب الضغط الدولي، خاصة من حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا. 

7. التكنولوجيا العسكرية: إسرائيل تعتبر شريكًا رئيسيًّا في تطوير التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، مما يجعل التخلي عن تسليحها غير منطقي من الناحية الإستراتيجية. 

8. السياسة الداخلية: الدعم لإسرائيل يعتبر قضية داخلية مهمة في السياسة الأمريكية، حيث يتفق على أهميته كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. 

بناءً على هذه النقاط، من غير المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن تسليح إسرائيل في المستقبل القريب، ولا أن تتخلى إسرائيل عن الدعم الأمريكي.

المصادر والمراجع:

1_ سكاي نيوز

2_ الشرق

3_ الجزيرة

4_ بي بي سي

5_ يورو نيوز

6_T.R.T

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.