fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تقارب حذر بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي.. الأسباب والدوافع

88

تقارب حذر بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي.. الأسباب والدوافع

لا شك أن التفاعلات التي تجري بين روسيا ودول الخليج العربي، والزيارات الرفيعة المستوى بين الجانبين تشغل بال الكثيرين من المتابعين؛ حيث شهدت تلك الزيارات نقاشات متعددة بين دول الخليج العربي وموسكو فيما يخص الاقتصاد بشكل أساسي، وكذلك أبعاد عودة روسيا للشرق الأوسط، ودورها في بعض ملفات المنطقة، وتحديدًا سوريا وليبيا.

فعلى الرغم من حالة الزخم التي شهدتها العلاقات الروسية الخليجية في السنوات الأخيرة؛ إلا أنه لم يكن هناك الكثير من التفاصيل عن دور الجمهوريات الروسية، خاصةً التي تتشارك الهوية الإسلامية مع دول الخليج، ودورها على مدار العقود الماضية.

ومنذ أن انطلق الحوار الروسي الخليجي وخيم عليه لغة المصالح المتبادلة، وسعي الطرفين للوقوف على إمكانية النجاح في مثل هذه المساعي، والتحديات التي واجهت نجاح مثل هذا المشروع المهم “إستراتيجيًّا”، رغم مساحة التوافقات والتطابقات العميقة على المستوى الخليجي، وأكثر من 40 عامًا من التنسيق والتعاون الجمعي الخليجي، ومع هذا نجد أن مساحة التناقضات “خليجيًّا” لا تزال واسعة في سياق التعاون الجمعي مع طرف خارجي (روسيا أو أميركا).

وفي خضم ملفات أمنية وسياسية واقتصادية مهمة في المحيط الخليجي، نجد خلالها دائرة الاجتماعات بين الجانبين الروسي والخليجي قد تم الاتفاق فيها على استمرار التعاون في مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

5 اجتماعات وزارية مشتركة للحوار الإستراتيجي:

فبحسب الموقع الرسمي للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تم عقد 5 اجتماعات وزارية مشتركة للحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون وروسيا الاتحادية:

الأول بمدينة أبو ظبي في الأول من نوفمبر 2011، تم فيه التوقيع على مذكرة تفاهم تنظم آليات الحوار الإستراتيجي بينهما، شملت ما يلي:

الحوار الإستراتيجي والتنسيق السياسي.

التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.

الطاقة والتعليم والبحث العلمي والبيئة والصحة.

وكلّف الوزراءُ كبار المسؤولين من الجانبين لوضع خطة عمل مشتركة للأعوام 2013-2015 تتضمن التعاون والتشاور في المجالات السياسية والأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والمجالات التجارية والاستثمارية والسياحية، والطاقة المستدامة، والبيئة، والصحة، والثقافة، والرياضة، والتعليم، والبحث العلمي.

وعقد الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وروسيا الاتحادية في موسكو يوم 26 مايو 2016، كما تم عقد الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الإستراتيجي خلال العام 2017(1).

توظيف الإسلام في السياسة الخارجية الروسية:

تحاول روسيا في الفترة الأخيرة اللعب على مصالحها أينما كانت وأينما وجدت، وتحت أي ظرف يحين لها، وقد اتخذت من توظيف الإسلام في العلاقات الخارجية لها بالأخص مع مجلس التعاون الخليجي محرك رئيسي، وبنيت علاقاتها مع دول الخليج العربي بالجمهوريات الروسية المسلمة، مثل: الشيشان وأنجوشيتيا وداغستان وباشكورتستان(2).

فهناك وجود علاقات مباشرة بين رئيس الشيشان ودول الخليج العربي، فإن علاقات الشيشان مع العالم الخارجي تتم بشكل مركزي من خلال رأس السلطة “رمضان قديروف”؛ خاصة وأن والده كان رجل دين، ولديه الكثير من العلاقات في العالم الإسلامي، وهو ما ساعد الرئيس الشيشاني على بناء علاقات مع دول الخليج العربي.

كما تم تركيز العلاقات بين داغستان ودول الخليج العربي على الشتات، فعلى الرغم من أن هناك قنوات رسمية لتعزيز التعاون الثنائي، فإنها ليست عملية مثل تجمعات الشتات، المنتشرة في داغستان ومتواجدة بها الأنشطة الخليجية.

وتظهر درجة عالية من المؤسسية في العلاقات الثنائية بين باشكورتستان ودول الخليج العربي على غرار ما هو حاصل مع تتارستان، وهو ما يعيد إرث “كريم حكيموف” أول سفير للاتحاد السوفييتي إلى المملكة العربية السعودية، ومكانته القوية في قلوب السعوديين خاصة والخليجيين عامة، وهذا الرجل ما زال له دوره المؤثر والقوي(3).

أوجه العلاقات المشتركة للتعاون:

1– إقامة تعاون اقتصادي:

بروز دول مجلس التعاون الخليجي بوصفه قوة اقتصادية، بدأ الكرملين يدرك هذا الدور المتنامي للخليج العربي بشكل خلق تفاعلات جديدة بين الجانبين، كما بدأت تتارستان تعزز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج العربي في تلك الفترة.

كان هناك تعاون اقتصادي محدود بين تتارستان ودول الخليج العربي في التسعينيات؛ بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور الحاجة الملحة لضمان نجاة تتارستان اقتصادياً، وظهر تأكيد الطرفين على ضرورة التعاون في إنقاذ البلاد اقتصاديًّا.

2– تعاون ديني متعدد الأوجه:

بدأ التعاون الديني يظهر بعدها من خلال الحج والعمرة، كما تأسست جمعيات وأكاديميات دينية في مطلع الألفينيات، وتبادل علمي مع دول الخليج العربي.

فإن هناك أيضًا تفاعلات على مستوى المنظمات الدينية، مشيرةً إلى أن تتارستان لديها رجال إفتاء خاصون بها، وفي روسيا لا يوجد مُفْتٍ واحد، بل عدة رجال إفتاء؛ ما يعني أن كل شخص منهم يستطيع أن يبني علاقات تعاون وروابط مع دول مختلفة، ولا توجد سياسة موحدة لذلك.

3– تطوير علاقات الجانبين عبر “الدبلوماسية الموازية”:

 توجد آلية كانت مهمة للغاية في الدبلوماسية الموازية لتتارستان، وهي دور مجموعة الرؤية الإستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”؛ فعندما تأسست هذه المجموعة، تم تعيين رئيس تتارستان في ذلك الوقت رئيسًا مشاركًا للمجموعة، لكن بعد عام 2014 تم تعيين الرئيس الحالي رستم مينيخانوف رئيسًا للمجموعة؛ حيث يلعب فيها دورًا مهمًّا.

وكذلك فإن قمة قازان كانت واحدة من المبادرات المثيرة؛ حيث كانت أول قمة اقتصادية بين روسيا ودول الخليج العربي في 2019، وقد تم توقيع اتفاقيات خلال هذه القمة، وتطور مستوى التعاون بين دول الخليج العربي وتتارستان في مجال التمويل الإسلامي والقطاع المصرفي الإسلامي(4).

تعاون قلق وحذر وأسبابه:

هناك إرادة عليا وجادة، ولكن يخيم عليها الخمول التنفيذي، وفق الرؤية التالية:

1_ وجود قوى انجذاب وتأثير “لدى الجانبين” خارج الدائرة “الخليجية الروسية” أقوى من دوافع الانجذاب للعمق الثنائي بينهما، التكوين البنيوي “الخليجي” للإدارات الاستشارية والتنفيذية، ذات وعي معرفي وتنظيمي “غربي” باعتبار التعلم وملفات العلاقات والمصالح “الخليجية الغربية” الواسعة “موضوعيًّا وزمنيًّا”؛ مما يضعف من مساحة الفهم والتفاعل “الخليجي الروسي”، تبرز بسببه صعوبات “حقيقية أو مضخمة” في مجال التواصل والإقناع تجاه بعضهما.

2_ انعزال المؤسسات التنفيذية “في وزارات خارجية دول المجلس، والأمانة العامة للمجلس” عن استخدام الأدوات والقوى الناعمة المساندة لقرارات المصالح الخليجية في الفضاء الروسي؛ إذ لا يزال عدد من “صنَّاع القرار الخليجي” ينظرون إلى روسيا من الزاوية الغربية، باعتبار تأثير التدفق الإعلامي الغربي المباشر، أو من خلال وسائل إعلام خليجية ذات رؤى ومصادر غربية، مما يفوت الكثير من إدراك المساحة المشتركة “خليجيًّا وروسيًّا” لتكون خطًا موازيًا لاتجاهات عمل مصالحنا الدولية الإستراتيجية.

3_ غياب “مراكز البحوث والدراسات” الخليجية عن الاجتماعات التحضيرية وحتى التشاورية بين الجانبين، مما يقصر العمل على “الموظفين الرسميين”، وهنا يتم تعطيل عقول استشارية “مؤسسية وفردية خليجية” قد تكون فاعلة وداعمة.

4_ النظرة التقليدية لدى النخب الروسية بأن دول الخليج تابعة للمعسكر الغربي ومقيدة بمجموعة من الالتزامات الإستراتيجية، التي تحدُّ من التفاعل مع روسيا، ولعل “الموقف الخليجي من أزمة أوكرانيا” قد فكك جوانب من هذه النظرة غير الدقيقة.

5_ غياب النخب الروسية “المستعربة” ذات الوعي المعرفي العربي العميق، وخلو الساحة الروسية “إلى حد كبير” من تلك القيادات العلمية المؤثرة، حيث فقدت الساحة الروسية يفجيني بريماكوف، مرورا بفلاديمير دنتسوف، وانتهاء بجريجوري كوساتش وغيرهم كثير، ودخل الاستعراب الروسي مرحلة “الشيخوخة”، إذ توقفت العجلة الاستعرابية الروسية العريقة عن إنتاج القيادات العلمية المؤثرة “مع التقدير لجهود معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم الروسية بقيادة المخضرم فيتالي ناؤومكين”، فالمرحلة الروسية العربية تستلزم إعادة “استنبات النخب الروسية المستعربة”(5).

الاقتصاد المحرك الأساسي للعلاقات:

يمكن القول: إن أهم ما جذب الاهتمام لضرورة التعاون الخليجي الروسي في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو حيوية دور الطرفين في معادلة الطاقة الدولية، وأزمة الطاقة التي فرضتها الحرب على العالم وخاصة الدول الأوروبية.

وظهر هذا التعاون بين الجانبين بشكل جلي في تنسيقهما المشترك عالي المستوى في إطار مجموعة “أوبك بلس” التي تبنت قرارات بخفض الإنتاج، وذلك للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة.

ويُعد منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي جانبًا آخر من جوانب الاهتمام بالجوانب الاقتصادية للعلاقات بين الجانبين، ولا سيما مع اختيار روسيا دولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف للنسخة الأخيرة من المنتدى؛ فضلًا عن انعقاد قمة قازان “روسيا والعالم الإسلامي”؛ انطلاقًا من رغبة روسيا في توسيع شراكاتها الاقتصادية والتجارية لتخفيف الضغوط الواقعة عليها واستبدال هؤلاء الحلفاء الجدد بمن أدت إلى الحرب إلى توقف العلاقات الاقتصادية معهم وفي مقدمتهم الدول الأوروبية.

فقد تجاوز إجمالي التجارة بين روسيا ودول الخليج 11 مليار دولار في عام 2022، ارتفاعًا من 3.7 مليار دولار في عام 2011، وهو أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى عدم تأثر الاقتصاد الروسي بشكل كبير جراء العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

ولهذا كله، عكس البيان الختامي للحوار الإستراتيجي الخليجي الروسي الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بالاتفاق على تهيئة بيئة ملائمة لزيادة التبادل التجاري والاستثمار وتطوير سلاسل إمدادات الطاقة، واستخدام جميع الفرص والاحتياطيات المتاحة لتحقيق ذلك(6).

مستقبل العلاقات الروسية الخليجية:

استنادًا إلى ذلك، فإن مستقبل العلاقات الروسية الخليجية واعد بقوة، إذا استطاع الطرفان التغلب على حالة القلق والتخوف، حيث لدى الجانبين مصلحة مشتركة في تعزيز الاستقرار في المنطقة، وسيتعين على الولايات المتحدة والغرب التكيف مع المتغيرات الجديدة في منطقة شرق المتوسط.

لهذا، نجد اليوم في صفوف المحللين الغربيين من يؤكد أن المنظومة الغربية سوف تحتاج إلى إيجاد طرق جديدة للتعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وسوف تحتاج إلى أن تكون أكثر استجابة لمخاوف هذه الدول.

وهو الأمر الذي لا تقوى معظم القوى الغربية على القيام به؛ لأن هذه الاستجابة ستعني التخلي عن جزء من المكاسب التي اعتاد الغرب اغتنامها دون عناء، وهذا التخلي غير ممكن اليوم في ظل حالة الارتباك الشديد التي تعيشها هذه الدول، ولا سيما دول أوروبا التي تدفع فعلياً فاتورة الحرب الأمريكية في أوكرانيا اليوم(7).

الخلاصة:

هناك رغبة مشتركة من كلا الطرفين لتعزيز التشاور بينهما إزاء مختلف قضايا التعاون الثنائي من جهة، والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك من جانب آخر، وذلك لما يحققه هذا الحوار من أهداف لكلا الجانبين.

كذلك فرضت الحرب الروسية الأوكرانية مجموعة من الضغوط واسعة النطاق على موسكو جراء العقوبات الغربية المتنامية من جانب، والإدانات الدولية التي وجهت إليها لقيامها بشن عملية عسكرية ضد أوكرانيا بالشكل الذي عبرت عنه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيرهما.

بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تهيئ دول الخليج مناخًا ملائمًا لروسيا لأداء دور في بعض قضايا المنطقة، بدليل تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأنه أبلغ الوزراء الخليجيين بمبادرة روسية لعقد اجتماع تشاوري في العام السابق 2023 يتضمن روسيا وجامعة الدول العربية ومجموعة من الدول الإقليمية المشاركة بنشاط في الشرق الأوسط لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.

كذلك من المرجح تعزيز أوجه التعاون الثنائي على مختلف المستويات، انطلاقًا من إدراك الطرفين الأهمية الإستراتيجية لكل منهما للآخر في معادلة موازين القوة الدولية المتغيرة، وفي إطار رغبة كلا الطرفين الواضحة في أن يسلك العالم مسارًا مغايرًا نحو التعددية القطبية.

1_ الحوار الإستراتيجي مع روسيا

2_ مركز الملك فيصل للدراسات

3_ إنتريجورنال

4_ مركز المعلومات

5_ الجزيرة

6_ مركز المستقبل

7_ حزب الإرادة الشعبية

التعليقات مغلقة.