fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تشاد ما بين الأطماع الفرنسية والوساطة القطرية… فهل ستخرج من الأزمة؟!

163

تشاد ما بين الأطماع الفرنسية والوساطة القطرية… فهل ستخرج من الأزمة؟!

تعتبر الدولة التشادية من أكثر الدول الإفريقية فقرًا؛ خاصة وأنها تشتعل من الأحداث المتلاحقة بين الأطراف السياسية في الداخل، فبعد أن قرر المجلس العسكري فترة انتقالية لإنهاء حالة الانقسام والوصول إلى بيان موحَّد يجمع كل الأطراف المتنازعة؛ إلا أن هناك العديد من الأصوات المعترضة على طريقة الحوار الكائنة بين جميع الأطراف التشادية.

ولا يخفى على الكثيرين أن دولة قطر تلعب دورًا محوريًّا ورئيسيًّا في إنهاء الانقسام الحاصل، وذلك عن طريق الجلوس مع جميع الأطراف وتمهيد طاولة موحدة تجمع الفرقاء التشاديين، وبعد عقد الحوار التمهيدي في الدوحة العاصمة القطرية، وذلك لاستكمال الحوار في نجامينا العاصمة التشادية؛ إلا أن هناك فصائل رئيسية معارضة رفضت الجلوس والاعتراف بهذه الحوارات التي تعقد.

الأوضاع في تشاد:

تعيش تشاد صراعًا على السلطة بين المجلس العسكري برئاسة محمد ديبي المدعوم من فرنسا، وفصائل معارضة مسلحة ومدنية، ترى في حكم ديبي استمرارًا للاستعمار الفرنسي للبلاد، فشهدت العديد من المدن التشادية مظاهرات تندد بالوجود الفرنسي في البلاد؛ ذلك في ظلِّ استمرار دعم فرنسا لنظام الحكم العسكري التشادي، وموجة الاحتجاجات الواسعة رافضة للنفوذ الفرنسي في البلاد.

وهذه المظاهرات استجابة لدعوات كان قد عممها ائتلاف “وقيت تما” (حان الوقت) المعارض، للخروج بغرض استنكار مساندة فرنسا للمجلس العسكري الانتقالي الذي تقلد السلطة بعد اغتيال الرئيس إدريس ديبي على يد متمردين في إبريل / نيسان عام 2021.

وقمعت قوات الأمن التشادية المظاهرات بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، فيما أحرق المحتجون الأعلام الفرنسية، وهاجموا فروع محطات الوقود التابعة لشركة توتال الفرنسية معتبرين أنها رمز لاستمرار الاستعمار الفرنسي.

وهاجم محتجون قاعدة عسكرية للقوات الفرنسية في أبشي، أقصى شرق البلاد، وحطموا نصبًا تذكاريًّا كان بداخلها(1).

الدور القطري في الوساطة بين الفرقاء:

أجرت الخارجية القطرية جهودًا دبلوماسية مع السياسيين بالعاصمة التشادية نجامينا، وقد قامت بمحادثات تهدف إلى إطلاق “حوار وطني شامل” يمهد الطريق للانتخابات.

ويرجع دور الوساطة القطرية في تشاد التي تعاني من كثرة النزاعات إلى عام 2009؛ خاصة بعد توقيع “اتفاق الدوحة” برعاية مشتركة مع ليبيا، المعروف أيضًا باسم: “اتفاق دارفور”، بين الخرطوم ونجامينا، وسط توترات بين الجانبين على إثر الاتهامات المتبادلة بدعم الجماعات المتمردة وهجمات المتمردين داخل أراضيهم.

وبهذه الخطوة تسعى قطر من خلال وساطاتها في تشاد إلى زيادة تحسين العلاقات بين الدوحة ونجامينا؛ خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية وسط أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017.

وتبحث قطر عن امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي لتحصين نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، عبر الوساطة الجديدة في الملف التشادي على غرار تجارب سابقة، مثل: نجاح وساطاتها في الملف الأفغاني؛ خاصة في ظلِّ المعادلات الجديدة.

وأشارت العديد من التقارير إلى سعي قطري عبر وساطتها في تشاد لتصبح الدوحة محورًا في التوجهات الدولية الساعية لعودة الحركات المتمردة التشادية إلى بلادها، والبحث عن توقيع اتفاق مماثل لما وقَّعته حركات مسلحة سودانية في “جوبا” مع الخرطوم برعاية دولة جنوب السودان(2).

التحول من دعم المعارضة للعب دور الوسيط:

وجدت قطر في مساعي السلطة الانتقالية في تشاد فرصة مناسبة للانتقال من خانة دعم المعارضة إلى الدخول كوسيط بين الأطراف المتناحرة، ما يعزز حضورها في تشاد عَبْر لعبها على محاور متعارضة تضمن استمرار نفوذها حال حدوث تغيرات سياسية مفاجئة، وحدوث تحولات كبيرة في الأوضاع مستقبلًا.

ورغم أن الدوحة سبق وأن تورطت بشكل مباشر في دعم قوى معارضة لنظام الرئيس ديبي الأب، وتوترت علاقتها مع نظامه؛ إلا أنها حرصت على إقامة علاقات مع المجلس العسكري الذي يتولى زمام الأمور في البلاد.

وتعددت الزيارات الدبلوماسية بين المسؤولين في البلدين الأشهر الماضية، وسعت الدوحة إلى الظهور بدور الداعم لأمن واستقرار تشاد، وإدانة كل أعمال العنف التي من شأنها عرقلة خارطة الطريق التي أعلن عنها ديبي الابن(3).

طاولة الدوحة تجمع أكثر من 40 مجموعة:

أمضت أكثر من 40 مجموعة متمردة في تشاد اتفاقًا مع زعيم المجلس العسكري الحاكم محمد إدريس ديبي إيتنو، يفضي إلى تنظيم حوار وطني بعاصمة البلاد نجامينا، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الاتفاق الذي يفترض أن يفتح الطريق أمام عودة سلطة مدنية، بأنه “لحظة أساسية للشعب التشادي”، لكنه شَدَّد على ضرورة أن يكون الحوار “جامعًا” لكلِّ الأطراف لضمان نجاحه(4).

الحركات الموقعة على اتفاق السلام في تشاد:

وقَّع على الاتفاق أكثر من 40 حركة سياسية وعسكرية، منهم: زعيم اتحاد قوى الجمهورية محمد عبد الكريم حنو، ونائب رئيس تجمع وحدة أبناء تشاد للتنمية محمد عثمان طاهر راكب، والمتحدث باسم حركة اتحاد القوى للتغيير الديمقراطي محمد أحمد كبير، ورئيس الحركة التشادية للتغيير عمر محمد الدقي، والمستشار التنفيذي للجبهة الشعبية لتحرير جنوب تشاد، كابي بامينغار.

كما وقَّع على الاتفاق رئيس الجبهة الوطنية من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد عبد الله شيدي جوركودي، ورئيس المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية قاسم شريف، ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي الشعبي، بشر أسد محمد عقيد، ورئيس التحالف الجديد من أجل استعادة الجمهورية علي نناي محمد طاهر.

الحركات الرافضة:

في المقابل كانت حركة جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، “فاكت”، قد أعلنت رفضها التام لاتفاق السلام في تشاد الذي وُقع في الدوحة، ولعله من أبرز الحركات التي غابت عن التوقيع على اتفاق السلام أيضًا المنسقية الوطنية من أجل التغيير والإصلاح بزعامة بشير الخليل حمدي، وحركة المجلس الوطني للمقاومة من أجل الديمقراطية بزعامة أبكر توليمي، وحركة المجلس الوطني لنهضة تشاد بزعامة بشارة إدريس حقار، والحركة الديمقراطية التصحيحية بزعامة محمد بشير خليل.

وأعلنت 18 حركة سياسية وعسكرية تشادية معارضة، والتي رفضت التوقيع عن رغبتها في البقاء “موحدة”، وتشكيل “إطار دائم للتشاور والتفكير”، وذلك لـ”استكشاف السبل والوسائل لتحقيق سلام نهائي” في تشاد”.

واعتبرت أن محادثات الدوحة انتهت بـ”فشل ذريع”، محملة المجلس العسكري الانتقالي في تشاد المسؤولية في ذلك(5).

تعليق الحوار الوطني في تشاد:

بعد أن اتفقت معظم الأطراف في الدوحة على استكمال المفاوضات والحوار الوطني، تراجعت بعض القوى عن هذا الاتفاق، وتم تعليق الحوار، و هذا التعليق له حيثيات وتداعيات، ومِن أهمها: إعلان السلطات التشادية أن هناك البعض من فصائل المعارضة تدعو لمقاطعة الحوار، وتتحدث عن قمع الحكومة للتجمعات المُعارِضة وتصفه بالعنيف، وكما أنه معلوم أنه في 20-08-2022 افتتح رئيس المجلس العسكري في نجامينا الحوار الذي تم الترتيب له منذ 13 مارس لـ2022، وعمليًّا أرجئت أعمال المنتدى الحواري عدة مرات.

كذلك أعلن رئيس هيئة رئاسة المنتدى “غالي نغوتيغاتا” أنّ المسألة تتعلَّق بمنح مزيد من الوقت للجنة مسؤولة عن محاولة اجتذاب المقاطعين إلى الحوار، ومعلوم أن يوم التعليق كان اليوم الثالث من الحصار الأمني لمقر حزب “التغييريين” (وقد وصفت المعارضة ما جيري تجاه بعض فصائلها أنه قمع عنيف لكل محاولات التجمّع)، كما أعلن التجمّع الرئيسي في المعارضة “واكيت تاما” إلى جانب إحدى المجموعتين الرئيسيتين من المتمردين المسلّحين “جبهة التناوب والتوافق” (فاكت) أنهما لن يشاركا أبدًا في المنتدى بسبب القمع، وأنهما لن يلتحقا به في ظل المعطيات الحالية، وكانت الشرطة التشادية قد فرقت الخميس قبل الماضي بقنابل غاز مسيّل للدموع، مجموعة من مناصري حزب “التغييريين” الذي كان يدعو سكان العاصمة إلى حضور تجمّع كان سيرأسه قائدهم “سوكسيه مارسا” بعد يومين (كان الاجتماع مقررًا للسبت 03 سبتمبر 2022)، ثمّ حاصرت السلطات لاحقًا مبنى الحزب، واعتقلت 84 ناشطًا شابًا، كما فرقت قوات الأمن الجمعة (02-09-2022) تجمّعات الحزب.

وأكّد “ماسرا” أنّ 164 من مناصريه مسجونون حاليًا، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، بعد ظهر السبت 03 سبتمبر الجاري على عشرات من “التغييريين” كانوا يحاولون الوصول إلى مقرّ الحزب، وأوقفت البعض منهم (حسبما قال صحافي من وكالة فرانس برس في المكان)(6).

بعد خروج الاستعمار الفرنسي الذي بدأ في تشاد كجزءٍ من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية من عام 1900 إلى حين استقلالها في 1960، بدأ الوجود الفرنسي اللاحق يأخذ بُعدًا آخر يترجم الظاهرة الاستعمارية باعتبارها أحد العوامل المؤسسة والموجهة للسلوك السياسي المترسخ من فترة الاستعمار.

أما فيما يخص الجانب الاقتصادي، فإن فرنسا قد أحكمت قبضتها على الاقتصاد التشادي بشكل شبه كامل من خلال إجبارها تشاد -مثل 13بلدًا إفريقيا آخر- على العمل بالعملة الاستعمارية (Franc CFA) عشية الاستقلال لتبقى فرنسا هي المتحكم في الاقتصاد التشادي من كل الجوانب(10).

ففي مجلس الإدارة المسئول عن تسيير العملية الاقتصادية والنقدية في دول “المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا” (CEMAC) والذي يضم أعضاء من كل من دول هذه المجموعة البالغ عددها ست دول، وهي: تشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكاميرون، والكونغو، والغابون، وغينيا الاستوائية، وهنالك فرنسيان في هذا المجلس الحساس.

 والمؤسف أن هذين الفرنسيين هما وحدهما يتمتعان بحق النقض “(11)”Droit de veto؛ مما يعني أنه لا يمكن لهذا المجلس أن يتخذ أو يمرر أي قرار من دون موافقة هذين الفرنسيين.

أما التشاديون والكاميرونيون وغيرهم من أعضاء هذا المجلس، فهم مجرد موظفين عاديين لا يحرِّكون ساكنًا فيما يفترض أن يكونوا فيه هم أصحاب القرار الفعلي في مثل هذا الشأن الذي يعنيهم ويعني بلدانهم وشعوبهم في الوقت الذي نتحدث فيه عن 60 عامًا من الاستقلال.

 والأسوأ في الأمر كله هو: أن فرنسا حينما أجبرت تشاد على العمل بعملة الفرنك سيفا الاستعمارية هذه، تحتَّم على تشاد أن تدفع %100 من نقدها الأجنبي كالدولار وما شاكله إلى الخزينة الفرنسية منذ 1960 وحتى عام 1973 حيث خفضت هذه النسبة إلى 65% ثم إلى %50 في عام 2005.

 ولا تزال تشاد مجبرة على دفع هذه النسبة المئوية من نقدها الأجنبي إلى الخزينة الفرنسية حتى يومنا هذا(12)، أي: أن نصف دخل تشاد من الدولار واليورو، وغير ذلك من العملات الصعبة يتوجب على تشاد أن تدفعه لفرنسا وَفْق قيود وشروط مذلة للغاية، ومكبلة بالفعل للاقتصاد التشادي الذي لا يمكن له النهوض أبدًا بهذه الطريقة الاستعمارية.

والنتيجة الحتمية هي الحكم على الشعب التشادي بالفقر والجوع والمرض وعدم اللحاق بركب التنمية والتقدم. وكان واضحًا أن كل محاولات التنمية وتنفيذ المشاريع الحيوية كالمطارات، والسكك الحديدية، وغير ذلك من المشاريع الضرورية لتقدم تشاد باءت بالفشل؛ لأن “الشوال الفارغ لا يستقيم” كما في المثل الذي يردده التشاديون كثيرًا؛ انطلاقًا من أوضاعهم الاقتصادية البائسة التي جعلت المجتمع التشادي يعيش في دوامة من اليأس والهجرة العشوائية من الريف إلى المدن، ثم من المدن والريف معًا إلى خارج الحدود بحثًا عن حلٍّ لهذه الأوضاع المزرية في رحلة لا تخلو من المخاطر عند ما نتحدث عن العصابات والفصائل المسلحة، وما يدور في ليبيا مثال واضح(٧).

الملخص:

بالنظر في الأحداث الجارية في تشاد، نجد أنفسنا أمام ثلاثة سيناريوهات من المتوقع حدوثها؛ خاصة وأن الدولة التشادية تعاني من فقر شديد، وصراع متواصل بين 58 فصيلًا معارضًا والمجلس العسكري الحاكم، هذا كله بجانب تداخل ملفات التشاد الإقليمية مع كلٍّ من السودان ومالي والنيجر، فنحن أمام أحداث متوقعة، من أهمها:

إنجاح الحوار الوطني المزمع، مع تحديد الشروط الموضوعية، بل وفي رسم خارطة الطريق، ومِن ثَمَّ يتم في النهاية إمضاء اتفاق نهائي، والوصول إلى خارطة طريق للانتقال الديمقراطي في التشاد.

كذلك من الممكن أن ينجح الحوار الحالي، ولكن مع تحفظات كثيرة؛ بالإضافة إلى تراجع البعض مع الاستمرار في معارضته للاتفاق، ومن هناك سيكون هناك ثلاث فرق، بحيث يكون هناك طرف أول ينحاز للحكومة، وثانٍ يزداد راديكالية ويكفر بالمفاوضات والحوارات، وطرف ثالث سيلتجأ الى وسائل للضغط بأشكال مختلفة على الطرف الحكومي وإعادته لمربع المفوضات.

هذا بالإضافة إلى سيناريو إنجاح الحوار، ولكن بعد مدة تمتد إلى ما بعد 2023، لتجفيف الدولة العميقة، ليحدث بعض الانقسامات في الحاكم العميق والمتغلغل في المؤسسة العسكرية التي تحاول السيطرة على الأوضاع التشادية.

1_ الهدف

2_ رؤيا

3_ العرب

4_ فرانس24

5_ العربي الجديد

6_ إفريقيا 2050

٧_ المعرفة الإفريقي

التعليقات مغلقة.