fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي (قراءة في النتائج و التداعيات)

151

    تمكن الحزب الديمقراطي من الحصول على أغلبية المقاعد في مجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) بعد انتخابات التجديد النصفي التي تمت الثلاثاء 6 نوفمبر الماضي، الأمر الذي سيشكل قيودًا و ضغوطًا جديدة على قدرة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على تمرير القرارات التي يريدها خلال السنتين الباقيتين من فترة رئاسته. غير أن الحزب الجمهوري تمكن من الاحتفاظ بأغلبية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي اعتبره ترامب “نجاحا هائلا” في تغريدة له عقب إعلان نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

    وأبرزت الانتخابات الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي بين من يسكنون في المدن الكبيرة، ويتبنون أفكارًا أكثر ليبرالية، ويصوتون بكثافة لصالح الحزب الديمقراطي، وبين من يسكنون في الولايات التي بها تجمعات من العمال أو المزارعين البيض، خاصة في وسط الولايات المتحدة، والتي صوتت بكثافة لصالح الحزب الجمهوري، ويتمتع فيها ترامب بشعبية واضحة.

     وتعد هذه الانتخابات استفتاء على عامين من ولاية رئيس لم يتوقف عن إثارة الجدل تارة بتصريحات وتارة أخرى بقرارات مست السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة بل قلبت بعضها رأسا على عقب. وتفاديا لسيناريو فوز الديمقراطيين بأغلبية في مجلسي الكونجرس والشيوخ قاد الرئيس ترامب -على غير عادة الرؤساء الأمريكيين- عددا كبيرا من التجمعات الخطابية والمهرجانات الانتخابية استمال خلالها الكثيرين بخطابات حماسية، أثار فيها قضايا خلافية هامة مثل الهجرة واللاجئين. وحذر الناخبين من أن البلاد تتعرض لـ”زحف مجرمين ضمن قافلة مهاجرين قادمة من أمريكا الوسطى“.

    وأضاف أن فوز الديمقراطيين بأغلبية المقاعد في الكونجرس سيتبعه تدمير للاقتصاد الأمريكي وتدفق هائل للمهاجرين وانتشار مريع للجريمة. وشجعت لهجة ترامب المناوئة للأجانب سواء مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين أو لاجئين على حد سواء، على انتشار تغريدات ورسائل نصية وأشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اليمينة المتطرفة تسيئ في مضمونها إلى مواطنين أمريكيين من أصول إفريقية رشحوا أنفسهم لمناصب في الولايات الأمريكية.

ولم يتوان معارضو الرئيس عن انتقاد أسلوب خطابته واتهموه بـ”إشاعة الخوف والعنصرية“. إلا أن أغلب المرشحين الديمقراطيين تفادوا المواجهة المباشرة معه. وتناولت حملاتهم القضايا التي تمس الحياة اليومية للناخبين مثل الرعاية الصحية والمساواة الاقتصادية أملا في أن يؤدي الخطاب المتشدد للرئيس إلى نتيجة عكسية في صناديق الاقتراع.

    وكان الديمقراطيون يرون في استمرار سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونجرس سيناريو مرعبا يخشى أن يؤدي بالرئيس ترامب إلى التمادي في سن سياسات يرون أنها تفرق بين الأمريكيين على أساس عرقي داخليا وبين أمريكا والدول الأخرى خارجيا[1].

وبعد الهزيمة التى تلقاها الجمهوريون فى مجلس النواب وفقدان الأغلبية لصالح الحزب الديمقراطى، اعتبرها البعض بمثابة استفتاء على الرئيس دونالد ترامب نفسه[2].

وقد أوضحت النتائج فوز الديمقراطيين بـ219 من مقاعد مجلس النواب مقابل 193 للحزب الجمهورى مما يشكل تحديًا للأجندة التشريعية لإدارة ترامب، والتى طالما عارضها الديمقراطيون، لكنهم لم يستطيعوا عرقلتها خلال العامين الماضيين بسبب هيمنة الجمهوريين فى الكونجرس[3]. في حين حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم فى مجلس الشيوخ.

وقد شهدت هذه الانتخابات للتجديد النصفي نسبة مشاركة عالية بكل المقاييس – نحو 115 مليون أمريكى صوتوا فى الانتخابات بينهم 16% صوتوا لأول مرة، و قد أظهرت النتائج حصول الديمقراطيين على غالبية أصوات الشباب، بالإضافة إلى الشريحة الأكبر من النساء البيض من سكان الضواحي.

و بالنظر إلى نتائج الانتخابات وتأثيراتها على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فإنها قد وضعته في وضع معقد وخيارات صعبة على المدى القصير وعلى المدى الطويل.

  • فعلى المدى القصير، تعلو على السطح التحقيقات التي تولاها المحقق الخاص روبرت موللر الذى ينظر فى اتهامات التواطؤ المحتمل بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا وسجله الضريبى وشئونه المالية.

فبعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ولجانه الفرعية، لديهم كل الأدوات اللازمة لمراقبة وفحص أداء السلطة التنفيذية ويمكن إذا أرادوا أن يُخضعوا ترامب لتحقيقات إضافية؛ وهو التهديد الذى رد عليه ترامب بعد ساعات من إعلان النتائج، بإقالة وزير العدل جيف سيشنز، وتعيين ماثيو وايتيكر المعروف بعدائه لتحقيقات موللر. ومن المتوقع أن يسعى، بوصفه وزيرًا مؤقتًا للعدل، لتقييد تمويل تحقيقات موللر ورفض توسيع نطاقها. وسواء نجح أو فشل، ستظل حقيقة سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بمنزلة سيف معلق على رقبة ترامب.

  • أما على المدى الطويل، فتشكل نتائج الانتخابات مصدر قلق أمام ترامب وفريقه بسبب ما أظهرته من خسارته فئات ديموجرافية مهمة من التى صوتت له فى الانتخابات الرئاسية 2016، على رأسها فئة النساء البيض من المنتمين للطبقة الوسطى وسكان الضواحى والمدن الكبيرة عمومًا. فالسباق للانتخابات الرئاسية 2020 بدأ مع انتخابات التجديد النصفى للكونجرس.

وبرغم أن الحزب الجمهورى فاز فى الولايات المحافظة المعروفة بولائها للجمهوريين – أو الولايات الحمراء – مثل تكساس وجورجيا وآيوا وأريزونا، فإن مرشحى الحزب الديمقراطى خسروا بفوارق ضئيلة فيها، مما يجعل هذه الولايات أشبه بالولايات المتأرجحة مثل أوهايو التى فاز بها الجمهوريون أيضًا بفارق ضيق. وإضافة إلى تقارب السباق فى هذه الولايات، هناك علامات أخرى تدعو للتفاؤل فى معسكر الديمقراطيين مثل انتخاب حكام ديمقراطيين جدد فى ولايات ميشيجان وويسكونسن، وإعادة انتخاب توم وولف حاكمًا فى بنسلفانيا.

وبرغم الحديث المتزايد للحزبين الكبيرين عن توسيع قواعدهم الشعبية، فإن انتخابات التجديد النصفي للكونجرس أوضحت أن ما سيحسم الانتخابات الرئاسية هو الولايات الست أو السبع نفسها المتأرجحة. فمنذ عام 2000 وحتى اليوم صوتت 40 ولاية من أصل الولايات الأمريكية الخمسين أمريكية لصالح نفس الحزب، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد أن هذا سيتغير 2020.

فتاريخيًا ولايات مثل فيرجينيا وفلوريدا وميشيجان وبنسلفينيا وويسكونسن وكولورادو وجورجيا وأريزونا ونيفادا هى التى تحسم نتائج الانتخابات الأمريكية، وبعض هذه الولايات أعطى للديمقراطيين إشارات إيجابية يمكن البناء عليها للانتخابات الرئاسية. فولاية جورجيا وهى ولاية «حمراء» بامتياز، أى تميل غالبًا للتصويت للجمهوريين، كان التنافس عليها مشتعلًا فى انتخابات التجديد النصفي، ويعود هذا إلى التحولات الديموجرافية فيها، وقد خسرتها المرشحة الديمقراطية لمنصب حاكم الولاية ستايسى أبرامز أمام منافسها الجمهورى بأقل من نقطتين.

لكن هناك أيضا ولايات «حمراء» ظلت عصية على الديمقراطيين من بينها تكساس. فبرغم تحفيزه عشرات الآلاف من الشباب، فشل المرشح الديمقراطى بيتو أورورك، في الإطاحة بالمرشح الجمهورى السيناتور تيد كروز. أما الحاكم الجمهورى الحالى للولاية، جريج أبوت، فقد أعيد انتخابه بسهولة، إذ حصل على أكثر من 13 نقطة مئوية أعلى من منافسه الديمقراطي.

الانتخابات النصفية أكدت حقيقة ستثير ارتياح الحزب الديمقراطى وهى أن ترامب «يمكن هزيمته» بسبب استمرار اعتماده على «قاعدته الشعبية الضيقة». وإن أظهرت الأرقام عدم تراجع تلك الشعبية بسبب خطابه القومى المنغلق والحمائى ضد المهاجرين والمنافسة الخارجية والصين، لكن نتائج الانتخابات النصفية أشارت إلى أن قاعدته الشعبية «لم تتسع أيضًا».

فقد خسر ترامب ولاية مينسوتا بنسبة 1.5 نقطة مئوية في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وقال قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس إنه سيكون «من السهل» بالنسبة له الفوز مينسوتا فى عام 2020. لكن الديمقراطيين فازوا بمنصب حاكم الولاية وأربعة مقاعد فى مجلسى النواب والشيوخ، كما اكتسح الديمقراطيون ولاية كولورادو. أما فى نيفادا التى توجه إليها ترامب لدعم الحملة الانتخابية لحاكمها الجمهورى دين هيلير، فقد خسرها لمصلحة المرشحة الديمقراطية جاكلين روزن[4].

بعبارة أخرى، كما أخفق الديمقراطيون فى اختراق تكساس وجورجيا، أخفق الجمهوريون فى اختراق نيفادا ومينسوتا، وهذا يعنى أن الانتخابات الرئاسية 2020 ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات. وخلال العامين المقبلين سيكون ترامب «رئيسا تحت المراقبة» من مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية.

ويمكن التنبؤ بعلاقة عاصفة والكثير من الخلافات بين البيت الأبيض والكونجرس، وسيكون لذلك أثره على منطقة الشرق الأوسط، مثل باقى مناطق العالم. ومن المرجح أن تظهر أول تأثيرات تغيير موازين القوى فى واشنطن فى ملف الأزمة اليمنية والتي بدت بشائره من خلال الضغط على التحالف العربي لوقف التقدم في محافظة الحديدة الاستراتيجية التى يسيطر عليها الحوثيون، وهو ما ينسجم مع عدد كبير من الديمقراطيين، ومن الجمهوريين أيضا، الذين يريدون من الإدارة أن تتخذ مواقف أكثر حزما من استمرار الحرب فى اليمن.

ومن الملفات الأخرى المعقدة التي ستنال قدرًا من التغيير أو عدم التوافق ما يطلق عليه «صفقة القرن»، فالظروف الإقليمية ووضع الإدارة الحالي لن تساعد ترامب فى تحريك هذا الملف فى أى اتجاه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما فى الملف الإيراني، فبإمكان مجلس النواب نظريًا رفض إعادة فرض العقوبات على طهران، إذا وجد أن هذا لم يخدم الأمن القومى الأمريكي. وكل هذا يعنى عامين من الجحيم لترامب، فالشيء المؤكد أن الحزب الديمقراطى لن يدخر وسعا لتعطيل خططه وتقييد سلطاته.

[1] BBC

[2] واشنطن بوست

[3] اليوم السابع

[4] الأهرام

التعليقات مغلقة.