fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المفاوضات الروسية – الأوكرانية … ما الذي توحي به الصورة؟!

169

المفاوضات الروسية – الأوكرانية … ما الذي توحي به الصورة؟!

تتجه الأنظار صوب المفاوضات الروسية الأوكرانية للتشبث بنافذة الأمل الوحيدة في ظل التعقيدات الروسية للوضع؛ خاصة وأن الدب الروسي يرفض التدخل الأمريكي بأي وضع من الأوضاع، وتشكل الحرب القائمة حالة من التخوف العالمي من قيام حرب عالمية ثالثة، وتحاول التهدئة من الاوضاع، ولكن لا يعلو صوت إلا صوت الطيران الحربي والمدافع والرشاشات هي التي تقول كلمتها بالقرب من كييف، وبالجلوس على الطاولة نجد أن الجانب الروسي لا يتراجع عن أهدافه المقررة والتي أقام من أجلها الحرب.

كانت بداية المفاوضات خلال محادثة بين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في 27 فبراير 2022، فلقد تم الاتفاق على أن يلتقي وفد أوكراني مع أخر روسي على الحدود البيلاروسية، بالقرب من نهر بريبات، دون شروط مسبقة.

وقد بدأت بالفعل المفاوضات وسط ترقب عالمي على الرغم من علمهم التام بأن الدب الروسي لن يتراجع عن شروطه المقررة؛ خاصة وأن الاتحاد الأوروبي أقرَّ العديد من العقوبات التي تزيد من تعنت الجانب الروسي تجاه هذه المفاوضات أو غيرها من المفاوضات المقترحة، فعلى سبيل المثال: هناك العديد مِن الوسطاء الذين اقترحوا مفاوضات مع الجانب الأمريكي لاحتواء الأزمة؛ إلا أن الجانب الروسي رفض تمامًا كل هذه المطالب.

المفاوضات وجولاتها:

الجولة الأولى:

بدأت الجولة الأولى من المحادثات في 28 فبراير، بالقرب من الحدود البيلاروسية، وقال مكتب الرئيس الأوكراني: إن الأهداف الرئيسية كانت الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات الروسية من أوكرانيا؛ إلا أن هذه الجولة اختتمت دون اتفاقات فورية.

الجولة الثانية:

في 3 مارس بدأت الجولة الثانية من محادثات السلام، واتفق الجانبان على فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين، وكانت مطالب روسيا هي اعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا، واستقلال لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين، و”نزع السلاح” و”نزع النازية”.

وقتها صرح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أنه بينما كانت بلاده مستعدة لاستئناف المحادثات، فإن مطالب روسيا لم تتغير. 

الجولة الثالثة:

وقد بدأت جولة ثالثة من المفاوضات في 7 مارس، وسط استمرار القتال والقصف، على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق بعد، غرد المفاوض الأوكراني ومستشار الرئيس ميخايلو بودولياك قائلًا: “كانت هناك بعض التحولات الإيجابية الصغيرة فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية للممرات الإنسانية”.

منتدى أنطاليا الدبلوماسي:

التقى وزيرا الخارجية سيرغي لافروف ودميترو كوليبا لإجراء محادثات في أنطاليا بتركيا مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كوسيط في أول اتصال رفيع المستوى بين الجانبين منذ بداية الغزو.

وحاولت أوكرانيا التفاوض على وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة لتقديم المساعدة وإجلاء المدنيين، لا سيما في ماريوبول؛ إلا أنه وبعد ساعتين من المحادثات، لم يتم التوصل إلى اتفاق، واستمرت الضربات الجوية على المدينة الساحلية.

الجولة الرابعة:

بدأت جولة رابعة من المفاوضات في 14 مارس عبر الفيديو كونفرس، واستغرقت المحادثات بضع ساعات وانتهت دون تحقيق نتائج.

واستأنف الجانبان المحادثات في 15 مارس، وبعد ذلك وصف فولوديمير زيلينسكي المحادثات بأنها بداية “تبدو أكثر واقعية”، ولكن يبقى الوضع على ما هو عليه ولم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن(1).

وعلى الرغم من هذه الجولات من المفاوضات الي لم يستقر أحد من الطرفين على قرار، فإن هناك صورة توحي بالعديد من المعاني التي لا بد من تحليلها، وهي الصورة التي جمعت الوفدين الروسي والأوكراني في الجولة الثانية من المفاوضات التي أُجريت على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، في 3 مارس الجاري، حيث وجَّهت رسائل عديدة إلى الأطراف المعنية بما يجري من محادثات بين موسكو وكييف تتوازى مع استمرار التصعيد الميداني بين الطرفين.

تحليل صورة وهيئة الوفدين:

أول انطباع ظهر في الصورة التي نُشرت للمفاوضات تعلق بالزي الذي ارتداه وفدا التفاوض، فقد ارتدى أعضاء الوفد الروسي أزياءً رسمية (بدل وربطات عنق)، في حين ارتدى أعضاء الوفد الأوكراني زيًّا عسكريًّا؛ رغم أنه ضم مسئولين ذوي خلفية سياسية، ويطرح ذلك دلالتين رئيسيتين:

الأولى: أن هناك أجندات مختلفة من جانب الطرفين؛ إذ بدا المسئولون الأوكرانيون حريصين عبر ذلك على تأكيد استعدادهم للانخراط في الميدان، والاستمرار في مقاومة العمليات العسكرية الروسية، في حين بدا الروس أكثر حرصاً على الفصل بين الخيار الدبلوماسي والتصعيد الميداني، حيث ضم الوفد الروسي كلًّا من مستشار الرئيس، ونائب وزير الخارجية، ورئيس لجنة الشئون الخارجية بالدوما، والسفير الروسي لدى بيلاروسيا، في حين ضم الوفد الأوكراني كلًّا من وزير الدفاع، ومستشار الرئيس، ورئيس الحزب الحاكم.

الثانية: أن الهدف الأساسي الذي سعى إليه الوفد الأوكراني كان هدفًا عسكريًّا، تمثل في وقف إطلاق النار، وسحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، في حين كان الهدف الأساسي للوفد الروسي أكثر اتساعًا وتعددًا، حيث تراوح ما بين السياسي والعسكري، لكن في النهاية لم تنتهِ الجولة بنتيجة تتوافق بشكل كبير مع حسابات الطرفين، حيث تم الاتفاق على إنشاء ممرات إنسانية في المناطق الأكثر تضررًا مع وقف إطلاق النار فيها مؤقتًا.

وكان لافتًا في هذا السياق: أن مستشار مكتب الرئاسة الأوكراني، ميخائيل بودولياك، أكد بعد اختتام الجولة الثانية أن “الوفد الأوكراني لم يحقق النتيجة التي كان يأمل بها”.

ربما كان ذلك منطقيًّا إلى حدٍّ بعيدٍ؛ فالمعارك العسكرية ما زالت في بداياتها، ولا يُتوقع أن تنتهي قريبًا.

 وبالتالي: فإن العناوين الكبيرة التي تبدأ بها المفاوضات، على غرار وقف العمليات العسكرية ونزع السلاح، سرعان ما تتراجع لصالح عناوين فرعية، مثل الممرات الإنسانية وإدخال المساعدات.

وبمعنى آخر: فإن الظروف التي يمكن أن توفر المجال أمام إنجاح المفاوضات، وتزيد من احتمال الوصول إلى توافق حول هذه العناوين الكبيرة ربما لم تنضج بعد(2).

 

الموقف الروسي ومطالبه:

كان لافتًا أيضًا في الصورة التي التقطت لمفاوضات الجولة الثانية أن الأوراق الموضوعة أمام الوفد الروسي كانت تتضمن نقاطًا عدة مكتوبة، في حين كانت الأوراق الموضوعة أمام الوفد الأوكراني بيضاء.

وقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن روسيا أبلغت الجانب الأوكراني بأنّه يمكنها إنهاء العملية العسكرية “في أي لحظة” إذا قبلت كييف الشروط الروسية.

وقال بيسكوف في مقابلة مع وكالة “رويترز”: “قلنا لهم: إن كل هذا قد يتوقف في لحظة واحدة”.

وبحسب المتحدث باسم الكرملين، يتعيّن على أوكرانيا تعديل الدستور والتخلي عن مطالبات الانضمام إلى “أي تكتل”.

كما يتوجب على أوكرانيا بحسب بيسكوف الاعتراف بشبه جزيرة القرم على أنها روسية، وكذلك باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين.

وأضاف: “نحن في الواقع نكمل عملية نزع السلاح من أوكرانيا وسنكمل ذلك … فعليهم وقف القتال”(3).

الموقف الأوكراني ومطالبه:

قال الرئيس الأوكراني: إن المفاوضات بين وفدي روسيا وأوكرانيا ستعقد من دون شروط مسبقة على حدود بيلاروسيا، كما أعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية: إن شروط روسيا للتفاوض تعجيزية، موضحة أن الوضع مأساوي في البلاد ونسعى لحل سريع.

وأضافت وزارة الخارجية الأوكرانية: نأمل في نتائج إيجابية للمفاوضات مع روسيا، ولكن النقاش صعب(4).

أسباب تعثر المفاوضات:

وتعقيبًا على ذلك، قال المحلل السياسي النمساوي جوستاف سي جريسيل: “لا نقلل من القدرات الروسية، موسكو تحرز تقدمًا على الأرض، ويحاولون خلق وضع يضع الأوكرانيين في موقف صعب خلال المباحثات”.

وأضاف سي جريسيل في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لست متأكدًا مما إذا كان الروس يفكرون في غزو كامل لأوكرانيا أم لا، لكنهم يحاولون السيطرة على جزء كبير على الأرض”.

وأشار إلى أنه “في غياب أي مساعدات عسكرية غربية لأوكرانيا تحسم الوضع على الأرض، سيبقى الوضع كما هو عليه لصالح الروس وسيفرضون شروطهم”.

بدوره قال المحلل السياسي الإيطالي بموقع “ديكود 39” ماسيميليانو بوكوليني: إن السبب الرئيسي وراء فشل كافة الجولات هو تمترس كل طرف وراء موقفه، فكلا الجانبين ينتظران معرفة ما إذا كان هناك أي تقدم على الأرض قبل منح تنازلات.

وأضاف بوكوليني في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”: “إن الخطوة الإيجابية تتم اليوم بمفاوضات بين أميركا والصين في روما، فالأخيرة هي مفتاح حل الأزمة، واشنطن تبحث عن تحييد بكين أو على الأقل تفعيل دورها في الوساطة، فهناك عقوبات قاسية على موسكو، وإذا توقف دعم الصين لن يتقدم الجيش الروس بسرعة، لا بد من ضغط لتراجع موسكو وإنهاء الحرب”.

وأوضح: “أن هناك عقبات كثيرة وراء فشل كافة جولات المفاوضات، أبرزها: محاولة أميركا إدخال روسيا في حرب الحسابات بأوكرانيا لكي تستخدم كل إمكانياتها العسكرية، وفي المقابل دعم المقاومة الأوكرانية، ومِن ثَمَّ إطالة أمد الحرب وجعلها مستنقعا تقع فيه موسكو”.

ولفت إلى أنه “قد يتغير موقف روسيا مع اتخاذ أوروبا خطوات حقيقية للبحث عن بدائل في مجال الطاقة الذي يدر المال على روسيا، ومؤخرًا أعلنت إيطاليا أنه بعد شهرين ستخفض استيرادها من موسكو بنسبة 50 في المائة بعد توفير بدائل في آسيا وإفريقيا”(5).

الخلاصة:

 إن صورة المفاوضات وإن كشفت عن محاولة لـ”التهدئة” في ظل حرص المشاركين على تبادل المصافحة، فإنها في النهاية لم تخلُ مِن معانٍ تشير بدورها إلى أن العملية العسكرية والمفاوضات ليست على قناعة الطرفين، والواضح من الصورة المرسومة للحرب: أن الدب الروسي لا يساوم على مطالبه، وأن الهدف الذي حارب من أجله وحرك أرتاله العسكرية أسمى من المفاوضات، وبالتالي لا يمكن التكهن بمسار المفاوضات إلا بعد تحقيق كامل لشروط رجل المخابرات الروسي فلاديمير بوتين، وبالتالي: أي شروط، وأي مساومات على الشروط الموضوعة يعتبر مضيعة للوقت لحين تحقيق كامل الأهداف الروسية.

1_ويكيبديا

2_مركز الأهرام

3_ الميادين

4_ النهار

5_ سكاي نيوز

التعليقات مغلقة.