مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
السياسة التركية الخارجية في الشرق الأوسط وإفريقيا.. من صراع وتنافس محتدم مع دول المنطقة إلى تصفير المشكلات وتقارب لافت
السياسة التركية الخارجية في الشرق الأوسط وإفريقيا.. من صراع وتنافس محتدم مع دول المنطقة إلى تصفير المشكلات وتقارب لافت
خلال العقدين الأخيرين، شهدت السياسة التركية الخارجية تغيرات لافتة؛ فمن سياسة صفر مشاكل وتعزيز وتنويع العلاقات مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا مطلع القرن الحالي، إلى تدهور وتأزم واسع في علاقات تركيا الخارجية مع معظم دول المنطقة والاتحاد الأوروبي، وقد بلغت علاقات تركيا الخارجية نقاطًا حرجة مع الدول العربية، خصوصًا مع تدخلات تركيا العسكرية في سوريا والعراق وليبيا، إلى جانب ما شهدته العلاقات التركية الأوروبية إذ وصلت حد فرض عقوبات على مسؤولين أتراك بعد تحركات تركيا الأحادية في شرق المتوسط.
وبدءًا من العام 2021م، أخذت السياسة التركية بالتغيير من جديد إلى التقارب مع دول المنطقة، بدءًا بالسعودية والإمارات، ووصولًا إلى مصر وأوروبا؛ وكان ذلك نتيجة لفشل سياسة الصراع مع دول المنطقة في تحقيق أي مكاسب متوقعة، وخلال الأسابيع الأخيرة برز الاهتمام التركي بالتقارب مع دمشق نتيجة للقلق التركي المتزايد من قوات قسد ومستقبل الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.
فكيف يمكن قراءة السياسة التركية خلال العقود الأخيرة؟ وما الدوافع المختلفة لأنقرة لانتهاج سياسات تصعيدية تجاه دول الشرق الأوسط وأوروبا؟ وكيف فشلت سياسات التصعيد التركية؟ وما أسباب التقارب التركي مع دول المنطقة؟ وما حسابات تركيا تجاه الأكراد في السياسة الخارجية التركية؟ وما مستقبل السياسة التركية الخارجية في ظل الانفراجة الحالية؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على تطورات السياسة التركية الخارجية مع دول المنطقة والاتحاد الأوروبي وأبعاد التصعيد والتهدئة إزاء قضايا المنطقة خلال السنوات الأخيرة؛ في هذه السطور الآتية.
السياسة التركية الخارجية خلال العقدين الأخيرين:
منذ انتهاء الحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة مطلع تسعينيات القرن الماضي، أخذت أنقرة باتباع سياسات أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة والقوى الغربية، فعلى الرغم من تجدد الخلافات ما بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهة أخرى بين حين وآخر، إلا أن التركيز على تعزيز التعاون مع دول حلف الناتو ظل النقطة الأهم في السياسة التركية الخارجية.
غير أن الأمور بدأت بالتغيير التدريجي منذ التسعينيات؛ إذ انتهجت تركيا سياسة جديدة لتعزيز تعاونها مع الدول العربية والاتحاد الأوروبي وإفريقيا، بالتركيز أكثر على علاقات حسن الجوار، وعلى استخدام القوة الناعمة لتنفيذ سياساتها في المنطقة، وتبلورت ملامح ظهور تركيا كلاعب إقليمي مؤثر، وبدأت الإدارة التركية بالعمل الدؤوب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، ودخلت تركيا بشكل مباشر في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وباتت هناك رؤية جديدة لصانع القرار السياسي الخارجي التركي للمتغيرات الدولية والإقليمية (نيوز 24).
والمراقب للتحركات التركية خلال العقد الأول من القرن الحالي، يجد أنها تندرج في إطار البعد الجيوبولتيكي والامتداد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي، إلى جانب تعزيز مركزية الدور التركي الإقليمي والدولي والتوجه نحو الشرق، فضلًا عن تصفير المشكلات مع دول الجوار؛ وقد أثمرت تلك المحددات في علاقات خارجية بناءة مع العديد من الدول المختلفة.
وبالرغم من ذلك؛ إلا أن طبيعة العلاقات التركية العربية تحديدًا لم تكن دائمًا على توافق دائم، فتكمن العديد من النقاط الخلافية القديمة، والتي نشأت مع تأسيس تركيا الحديثة؛ أبرزها: منطقة لواء إسكندرون السورية والتي ضمتها تركيا رسميًّا إلى أراضيها العام 1939م، إلى جانب اصطفاف تركيا مع الغرب خلال سنوات الحروب العربية الإسرائيلية، وقد نتج عن هذه النقاط الخلافية علاقات محدودة ما بين الدول العربية وتركيا على مدار عقود.
وتُعد قلة المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة ما بين الدول العربية وتركيا باستثناء سوريا والعراق عاملًا آخر في ضعف العلاقات التركية العربية؛ هذا إلى جانب انشغال الدولة التركية بتحدياتها السياسية الداخلية منذ تأسيسها؛ مثل: الصراع مع المكون الكردي، والأقليات الأخرى في الداخل التركي “الأرمن، العرب، اليونانيون”، والانقلابات العسكرية لا سيما في الأعوام 1960م و1971م و1980م و1997م وحتى مؤخرًا في عام 2016م، جميعها عوامل دفعت الدولة التركية إلى التركيز على قضايا الشأن الداخلي وتجاهل تطوير العلاقات العربية التركية إلى حد كبير.
أبعاد ودوافع السياسات التركية التصعيدية تجاه دول الإقليم:
مع صعود حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم عام 2002م، وانطلاق ثورات الربيع العربي في المنطقة، دخلت تركيا منعطفًا تاريخيًّا جديدًا، إذ عملت على إعادة تعريف مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية مع انتهاج حزب العدالة والتنمية لرؤية جديدة للدولة، تقوم على تحويلها لدولة مركزية بعمق إستراتيجي جديد يتيح لها هيمنة إقليمية وصعود دولي ناجح (آراء حول الخليج).
فخلال ثورات الربيع العربي اختارت أنقرة الوقوف إلى جانب جماعات تطرفت وحملت السلاح وأخرجت ثورات الربيع العربي من كونها ثورات إصلاحية تطالب بتغييرات حقيقية ملموسة وسياسات اقتصادية وإدارية جديدة، إلى ساحة للحرب والمواجهة العسكرية الشاملة في المدن العربية؛ فبدلًا من لعب دور إيجابي انطلاقًا من العامل الديني المشترك الذي يجمع دول الإقليم وتركيا للتهدئة، كانت السياسة التركية تجاه دول الإقليم تصعيدية وعدائية.
ويمكن استنتاج أن السياسة التركية العدائية خلال العقد الأخير، كانت نتيجة لاندفاع الساسة وصانعي القرار التركي نحو تحويل تركيا من مجرد جسر أو همزة وصل ما بين الشرق والغرب، إلى دولة إقليمية كبرى تتمتع بإمكانية رسم سياسات مستقلة والتأثير في دول الإقليم، وغني عن التعريف: أن التحول السريع والمفاجئ للسياسة التركية على هذا النحو، يتطلب بنية فكرية جديدة تؤسس لإستراتيجيات فاعلة وسياسات نشطة.
حيث إن تركيا تُعد من “البلدان الناهضة”؛ وهو: مصطلح استخدمه الخبير الاقتصادي “جيم أونيل” لوصف البلدان الإقليمية متوسطة القوى، والتي يتوقع لها أن تحتل مكانة كبرى في الاقتصاد العالمي خلال عقدين على الأكثر، ورغم أن هذا المفهوم قد ولد في عالم الاقتصاد؛ إلا أنه سرعان ما انتقل إلى المجال السياسي وتحديدًا مجالي العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية (مجلة العلوم السياسية).
فمع انتهاء الحرب الباردة مطلع العام 1990م، برز جيل جديد من القوى الصاعدة في أقاليم مختلفة حول العالم، عمل على إثبات ذاته، وحاول جاهدًا أن يجد موضع قدم في النظام الوليد، وأطلق على هذه القوى “القوى الناهضة المتوسطة”، ووصفها البعض بأنها دول تطمح إلى أن تكون قوى عظمى، ووصفها البعض الآخر بأنها دول وسيطة بين القوى الصغرى والقوى العظمى؛ وبغض الطرف عن إشكاليات هذا المفهوم، وتداخله مع مفاهيم أخرى شبيهة كالقوة المتوسطة التقليدية وغيرها؛ إلا أنه يختلف عنها في توقيت وكيفية وصول هذه القوى إلى وضع الدول المتوسطة.
وفي ظل وجود عدة قِوَى أخرى ناهضة في الإقليم؛ مثل: الدولة المصرية، والمملكة العربية السُّعُودية، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، وهذه الدول تلعب دورًا محوريًّا في وضع ورسم السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل وحتى تُعد لاعبًا محوريًّا في منظمة التعاون الإسلامي، وتعارض مصالح تلك القوى مع الرؤية التركية وتطلعاتها المختلفة في الإقليم؛ فقد برز صراع غير مباشر (بالوكالة) ما بين تلك الدول وتركيا بدًا من العام 2013م وحتى الآن، وعلى الرغم من سياسات تركيا التقاربية مع دول الإقليم خلال الفترة الأخيرة، إلا أن الخلافات الجوهرية لا تزال عالقة حتى اللحظة.
هذا على مستوى الإقليم، أما عن مستوى العلاقات التركية الخارجية عالميًا، فإعادة ضبط بوصلة السياسة الخارجية التركية نحو الشرق، في ظل بَدْء حرب باردة جديدة مع ضم الاتحاد الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية العام 2014م، والحرب التجارية والعقوبات الاقتصادية المتبادلة ما بين الولايات المتحدة والصين منذ وصول الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض العام 2017م، قد أحدث فجوة في العلاقات ما بين تركيا وحلفائها التقليديين الغربيين.
وبرز الشد والجذب ما بين الجانبين في عدة محاور؛ أبرزها: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إذ تسعى تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عقود، وتوقفت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016م، أثر اتهم الاتحاد الأوروبي تركيا بانتهاك حقوق الإنسان وانتقدها عقب محاولة الانقلاب التي تمت في ذات العام؛ بالإضافة إلى انتقاد جوانب القصور في سيادة القانون في البلاد؛ ففي عام 2017م، تحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن انتهاك السياسات التركية المخطط لها لمعايير كوبنهاغن المؤهِّلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. (الجزيرة).
وفي 26 يونيو عام 2018م، صرح مجلس الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي “بأن المجلس يلاحظ تحرك تركيا بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى طريق مسدود، ولا يمكن النظر في فتح أي فصول أخرى من الفصول اللازمة لإكمال عملية الانضمام إلى الاتحاد أو حتى إغلاق أي منها، ومن غير المتوقع بذل المزيد من الجهود الخاصة بتجديد اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”.
التقارب التركي مع دول الإقليم:
نتيجة لما أحدثته السياسة التركية التصعيدية من علاقات متوترة مع دول الإقليم، أثرت سلبًا على التعاون المشترك في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي، مع إقصاء تركيا عن المشاركة في منتدى غاز شرق المتوسط، فيمكن القول: إن السياسات التركية العدائية لم تنجح في تحقيق أي مكاسب تذكر للدولة التركية، ما دفع أنقرة إلى إصلاح علاقاتها من جديد مع الدول الإقليمية.
فعقب فشل الإستراتيجية العسكرية التركية في السيطرة على ليبيَا وإنشاء قواعد عسكرية على الساحل الليبي، مع تدخل الدولة المصرية سياسيًا والتلويح بالعمل العسكري أواسط عام 2020م، اعتمدت تركيا سياسة بناء الجسور في أرجاء الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، بالتناغم مع الاتجاهات السائدة على صعيد المنطقة. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).
وتشمل الدوافع الرئيسية وراء توجه تركيا الجديد؛ الضرورات الاقتصادية وانحسار الحضور الأمريكي في المنطقة ووصول بايدن إلى سدة الرئاسة وفكرة أن المنطقة تدخل في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وكذلك وصول صراعات إقليمية إلى طريق مسدود مثل الصراع في ليبيَا وسوريا، وإلى جانب هذه العوامل تكمن دوافع أخرى خاصة بالدولة التركية، دفعت إلى تفعيل عملية إعادة ضبط إقليمية على صعيد أوسع.
فعلى الصعيد الجيوسياسي، يشكل إنهاء التحالف المناهض لتركيا في شرق المتوسط وتشكيل ثقل موازن للنفوذ الإيراني المسارين الأبرزين للسياسة الخارجية التركية الراهنة وعلى الصعيد الداخلي، وفي ظل وضع اقتصادي مترد تسعى تركيا إلى معالجة التدهور الاقتصادي عبر إعادة ضبط للسياسة الخارجية وتعزيز علاقات الشراكة الاقتصادية والتجارية مع القِوَى الإقليمية، فيمَا تشكل التهدئة الاتجاه السائد في العلاقات بين تركيا من جهة ومنطقة الشرق الأوسط والقوى الإقليمية من جهة أخرى.
تبرز النِّقَاط الخلافية الواضحة في أفق العلاقات التركية السورية والتركية اليونانية والتركية المصرية، وللمحافظة على إعادة الضبط الإقليمية الجارية، ولدعم التقارب الإقليمي الهش بين تركيا وخصومها الإقليميين السابقين، وفي الوقت نفسه لمنع تصعيد محتمل في التوترات الإقليمية بين تركيا واليونان وتركيا والدول العربية.
من الضروري إدخال تركيا في منتدى غاز شرق المتوسط وتعزيز المنصات الإقليمية المعنية بالحوار وإدارة الخلافات، وتفادي صراع جديد بين تركيا والقوى الإقليمية؛ وتسعى أنقرة إلى تحقيق عدة أهداف في الوقت الراهن؛ أبرزها: إعادة علاقاتها الدبلوماسية وشراكاتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة مثل المملكة العربية السُّعُودية والإمارات العربية المتحدة والدولة المصرية، وهو ما نجحت أنقرة في تحقيقه بشكل جزئي.
التقارب التركي السوري والحسابات التركية تجاه الأكراد في المنطقة:
في خطوة مفاجئة؛ أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في 8 يوليو 2024م، عن رغبته في دعوة الرئيس السوري “بشار الأسد” لزيارة تركيا في أي وقت، معربًا عن عزمه المضي قدمًا في مسار تطبيع العلاقات التركية السورية والعمل على إعادتها إلى “ما كانت عليه في الماضي” وفقًا لتعبيره، وأتبع هذا التصريح بتصريح آخر في 12 يوليو الجاري، قال فيه أنه وجه وزير الخارجية “هاكان فيدان” لاتخاذ ما يلزم في سبيل التسريع بعملية عودة العلاقات مع دمشق في أقرب وقت ممكن. (مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية).
يأتي ذلك بعد سنوات من العداء ما بين الجانبين، وتدخل تركيا عسكريًّا في سوريَا، واستهداف مواقع للجيش السوري في إدلب وغيرها من المناطق بين حين وأخر خلال سنوات الصراع؛ ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التحول المفاجئ في الموقف التركي تجاه الدولة السورية، ويمكن القول: إن هناك العديد من الدوافع التي تقف وراء هذا التحول أبرزها.
أنها تندرج ضمن سياسات تركيا الجديدة الساعية إلى إصلاح علاقاتها الخارجية بدول المنطقة، إلى جانب سعي تركيا إلى العودة الأمنة والطوعية لما يقرب من الـ3 ملايين سوري الموجودين على أراضيها كلاجئين؛ نظرًا لما يفرضه هذا الوجود من ضغوط كبيرة على مستوى الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، أدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع قياسي في مستوى التضخم.
إلى جانب تراجع التصنيف الائتماني، وذلك قبل ارتفاعه مرة أخرى منتصف يوليو 2024م الجاري من قبل بعض وكالات التصنيفات الائتمانية، وذلك للمرة الأولى منذ عشرة سنوات؛ فضلًا عن التأثيرات التي فرضها وجود اللاجئين على المستوى الاجتماعي والتفاعل مع طبقات المجتمع التركي المختلفة، الذي بات ينظر إلى قضية اللاجئين السوريين باعتبارها سببًا مباشرًا في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تركيا خلال السنوات الماضية. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).
مما ينذر بتهديدات مباشرة لحالة الأمن والسلم الاجتماعي، لا سيما بعد الأحداث التي شهدتها بعض المناطق التي يسكنها السوريون في تركيا؛ مثل: منطقة قيصري، وبالتالي فإن تطبيعًا للعلاقات مع النظام السوري من شأنه التمهيد على الأرض لإعادة اللاجئين السوريين طوعًا إلى داخل الأراضي السورية، سواء لمناطقهم، أو لبعض المناطق في المنطقة الآمنة التي أقامتها تركيا بالقوة العسكرية في الشمال السوري، وهي مناطق عملياتها الثلاثة درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون.
إلى جانب ذلك: تأتي القضية الكردية والصراع ما بين تركيا والأكراد في شمال شرق سوريا؛ إذ يمكن ملاحظة أن الدولة التركية تسعى جاهدة إلى تقويض منطقة الإدارة الذاتية الكردية في الشمال السوري، والتي تراها أنقرة كيانًا إرهابيًّا، وفي ظل دعم الولايات المتحدة للجماعات الكردية في المنطقة؛ تسعى تركيا إلى البحث عن حلول لصراعها مع الأكراد بعيدًا عن الولايات المتحدة.
عبر التفاهم مع روسيا ذات التأثير الكبير في المشهد السوري حول مناطق الأكراد من جهة، والتطبيع مع دمشق والذي من شأنه أن يفتح الباب أمام حل للمنطقة الكردية في الشمال السوري بما يحقق لتركيا البعد الأمني من جهة أخرى، لا سيما بعد أن بدأت الإدارة الذاتية الكردية في الإعداد لانتخابات المجالس المحلية؛ وبالتالي ترغب أنقرة في تأطير حل لهذه الإشكالية عبر النظام السوري استباقًا للانتخابات الأمريكية المقبلة.
مستقبل العلاقات التركية الخارجية في ظل التطورات الأخيرة:
أدرك الساسة وصانعوا القرار التركي حقيقة ما وصلت إليه علاقات تركيا الخارجية من جراء السياسات التصعيدية والعدائية اتجاه العديد من الدول، سواء في منطقة الشرق الأوسط، أو الاتحاد الأوروبي، أو شرق المتوسط، فلم تتمكن الدولة التركية من تحقيق أي إنجاز حقيقي يذكر جراء تلك السياسات.
وبالتالي وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالدولة التركية، والتي كان بعضها نتيجة للتحركات السياسية التركية، وعقب فوز الرئيس التركي أردوغان بالانتخابات الرئاسية العام الماضي؛ فيمكن القول: إن تركيا أخذت بانتهاج سياسة خارجية جديدة للحد من التنافس والصراع مع دول الإقليم.
ويبدو أن تلك السياسة التركية الجديدة قد بدأت تؤتي ثمارها في ظل التقارب اللافت بين مصر وتركيا والسعودية وتركيا وسوريا وغيرها؛ ورغم أنه لا تزال هناك نِقَاط خلافية عالقة، إلا أن الديناميكية التدريجية والتطور اللافت التي شهدتها العلاقات ما بين دول الإقليم وتركيا قد تنجح أيضًا في حل تلك النِّقَاط، في ظل الاهتمام التركي في تصفير مشكلاتها الخارجية والتركيز على عالم عربي ما بعد الربيع العربي.
الخلاصة:
– نتيجة لسياسات تركيا العدائية اتجاه دول الإقليم، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي وما تلاها من دعم وتحالف تركي مع الجماعات الإرهابية والمنظمات المتطرفة، والتي أدت إلى انحراف ثورات الربيع العربي وفقد مغزاها، كجزء من المشروع التركي الساعي للهيمنة الإقليمية على المنطقة؛ خسرت تركيا كل تحالفاتها ولم يبقَ لها إلا إيران وقطر، فعداء تركيا مع الدول الفاعلة في الإقليم؛ مثل مصر والسعودية والإمارات وغيرها، قد أثر سلبًا على الدولة التركية.
– فرضت المستجدات الدولية والإقليمية والمحلية الراهنة، إلى جانب تدهور علاقات تركيا الخارجية بدول الإقليم، والتداعيات الاقتصادية السلبية لهذا التدهور على أنقرة إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو نهج متعدد المحاور، وأكثر براغماتية وهدوءًا، يعطي مساحة أكبر لصالح التفاهمات الدبلوماسية والسياسية؛ مقابل تراجع سياسة المواجهة وتقليل التدخلات الأمنية، بهدف بناء علاقات إيجابية مع دول إقليم الشرق الأوسط، واستعادة موقعها كشريك لدول المنطقة، وتقليل التوترات مع الاتحاد الأوروبي دون قطع العلاقات المتميزة والصعبة مع روسيا.
– يشكل مِلَفّ اللاجئين ومنطقة الإدارة الكردية الذاتية في الشمال السوري، المعضلة الأكبر للدولة التركية؛ وبالتالي فإن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، قد يحقق لها مصالح أمنية مهمة في الشمال السوري، ويمهد للعودة الطوعية للاجئين السوريين، ويخفف من وطأة الأعباء الاقتصادية على أنقرة، ويحد من الامتعاض الداخلي للشارع التركي من اللاجئين، والذي يبلغ تعدادهم نحو الـ3 ملايين لاجئ.
المصادر:
المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية