fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الروبل الرقمي… لماذا أطلقته روسيا؟ وكيف تستفيد منه؟

1٬081

الروبل الرقمي… لماذا أطلقته روسيا؟ وكيف تستفيد منه؟

بدايةً بات يتوفر في عالمنا اليوم عملات أخرى بجانب العملات الورقية أو الذهب كوسيلة للدفع وإتمام المعاملات المادية والتجارية بين الناس، ومن هذه العملات الافتراضية والرقمية الروبل الرقمي الذي تم إطلاقه بداية أغسطس الجاري، ولم يعد يتوقف الأمر على النقود الورقية للمبادلات والمعاملات بين الناس، ويعود تاريخ إطلاق أول عملة رقمية إلى عام 1998، وكانت تسمى: B-Money، ولكن لم يتم تطبيقها، ثم جاءت عملة Bit Gold في عام 2005، وهي عملة رقمية مشفرة تستخدم نظام العقود الذكية لإنشاء معدن ذهبي رقمي.

وفي عام 2009، تم إطلاق العملة الرقمية الأولى بنجاح، وهي البيتكوين، ولم يكن الاعتراف بتلك العملات يسيرًا أو التبادل من خلالها سهلًا، ولكن اليوم بات التبادل المالي الرقمي يمثل جزءًا غير قليل من المعاملات التجارية والمالية، وأضحى التعامل بالعملة الرقمية مقبولًا لدى كثير من الحكومات والأفراد.

ما العملة الرقمية؟

العملة الافتراضية أو الرقمية هي عملة غير مرئية وغير ملموسة، مثل: النقود الورقية، ولكنها موجودة عبر الإنترنت والحواسيب، ولا يوجد وسيط للدفع بها، مثل: البنوك أو وسائل الدفع المعروفة، وهي عملات مؤمنة عبر التشفير، ويكون التعامل فيها من شخص لشخص دون وسطاء، والأموال الرقمية تكون مخزنة عبر سلسلة “البلوكشين”، ويتم الوصول لسلسلة البلوكشين لكل فرد عبر مفاتيح خاصة تكون مخزنة على محافظ أو منصات تداول مميزة للعملات الرقمية، والبلوكشين هي سلسلة من السجلات أو البيانات تتم إدارتها بحواسيب غير مملوكة لأي كيان واحد -مجموعة من الشركات والأفراد-، ويتم تأمين البيانات باستخدام التشفير، والبلوكشين شبكة مستقلة، ولا تخضع لأي سلطة مركزية، والمعلومات الموجودة فيها مفتوحة ومتاحة لأي شخص لكي يطّلع عليها، كما أن المعاملات على البلوكشين مجانية وليست لها تكلفة مباشرة، وأبرز العملات الرقمية اليوم البتكوين والإيثيريوم.

مميزات العملات الرقمية:

– المعاملات فيها فورية لا تنتظر أيام ليتم تحويل الأموال، بل تصل خلال لحظات.

– المعاملات تكون مجانية بالكامل، ولا يتكلف المُرسل أو المستقبل أي رسوم على تحويل الأموال أو استقبالها.

– لا يوجد وسيط لإتمام التحويلات، والمعاملات تكون من شخص لآخر، أو من جهة حكومية أو خاصة لأخرى، أو من جهة لفرد والعكس صحيح.

– المعاملات الرقمية أمنة وشفافة وتقوم على التأكد من الجهات والأفراد بأكثر من خطة للمصادقة والتثبت بين الطرفين.

– تحافظ المعاملات الرقمية على الخصوصية، ولا يتعرف أي طرف على التحويلات التي تمت سوى أصحاب التحويلات.

– توفر الثقة والسرعة في المعاملات المالية.

– عابرة للحدود ويسهل تحويل العملات الرقمية وتداولها من وإلى جميع أنحاء العالم.

– مخزون محدد مسبقًا من العملات.

روسيا والعقوبات:

بعد سيل العقوبات التي فرضتها واشنطن بجانب الاتحاد الأوروبي بعد بداية الحرب الروسية في 24 فبراير 2024 على الأراضي الأوكرانية، كانت القرارات الروسية التي تخص الروبل الروسي والمعاملات التجارية والسحب من البنوك إحدى الخيارات التي انتهجتها موسكو لمواجهة العقوبات وعدم تأثر الاعملة بالسلب، وكان منها إطلاق الروبل الرقمي كخيار يعول على أن يخفف من حدة أثر العقوبات الغربية ووسيلة للمدفوعات والتحويلات، وشكل إضافي للعملة الوطنية بجانب الروبل النقدي والافتراضي.

ما الروبل الرقمي؟

تم إطلاقه كعملة روسية إضافية للدفع والمعاملات، والتحويلات المالية في الأول من أغسطس 2023، ووقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القانون وإطلاق منصة إلكترونية خاصة به، في 24 أغسطس الجاري، على أن يكون البنك المركزي المشغل الرئيسي للروبل الرقمي وينفذ الأطر التنظيمية والتشغيلية للمعاملات المرتبطة به، التي تم تحديدها في القانون الذي وقعه بوتين.

والروبل الرقمي هو رمز خاص يتم تخزينه بمحافظ إلكترونية يتم إنشاؤها عبر المنصة الخاصة التي أطلقها ويديرها البنك المركزي الروسي، ويعد وسيلة دفع إضافية، لكن لا يُمكن أن يتم استخدام الروبل الرقمي في فتح ودائع أو الحصول على عوائد أو فوائد على الأرصدة الموجود في المحافظ الرقمية، أو الحصول على قرض، وتُتاح العمليات والتحويلات باستخدام الروبل الرقمي مجانًا للمواطنين الروس، ويُفرض رسوم نسبتها 0.3 بالمائة (من قيمة المدفوعات أو التحويلات) على الأعمال التجارية.

مزايا الروبل الرقمي:

كما أوضحنا في البداية أن مزايا العملات الرقمية سرعة إتمام التحويلات دون وسيط، وبالتالي ستتم المعاملات التجارية بين روسيا وغيرها من الحكومات والأفراد دون الحاجة للبنوك، أو الخضوع للعقوبات، وحتى إن لم تستخدم العملات الرقمية على مدى واسع فسيظل خيارًا يوفر بيئة غير خاضعة لمراقبة أو عقوبات الغرب، كما تُعول روسيا على الروبل الرقمي لرفع معدلات الشفافية والتصدي للعمليات المالية غير القانونية والمساهمة في مواجهة الفساد والعمليات غير الرسمية، ويقول مازن سلهب، كبير إستراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، إن إطلاق الروبل الرقمي قرار سياسي بالدرجة الأولى، تحاول من خلاله موسكو تجنب تبعات العقوبات المفروضة عليها في التجارة والتحويلات العالمية وبناء صفقات أو عمليات عابرة للحدود”.

ويؤكد مازن سلهب: أن روسيا تسعى إلى رفع قوة الروبل، بعد تراجعه أمام الدولار منذ بداية العام الجاري 2023″، موضحًا: أن العمل على الروبل الرقمي تحت سيطرة المركزي الروسي تستطيع روسيا من خلال ذلك ضبط إيقاع التداول، وبالتالي تخفيف حجم الخسائر التي مُنيت بها مؤسسات ووزارة العمل الروسية في 2023.

مضيفًا: إن الروبل الرقمي يأتي بالكامل تحت إشراف المركزي الروسي، مما يضبط عمليات التداول والتحويلات داخل روسيا وبناء المحافظ الرقمية، وإتاحة العمليات أمام الأفراد مجانًا، بينما على الشركات نسبة 0.3 بالمائة كرسوم على التحويلات، كما أنه لن يتم استعمال الروبل الرقمي في عمليات استثمار، بل حصراً في عمليات البيع والشراء والتحويلات المختلفة، مبررًا ذلك بقوله: “يقصد الروس من خلال هذا الأمر ضبط إيقاع التداول حتى يتجنبوا خسارة المزيد من قيمة العملة في المرحلة المقبلة”.

ونوه إلى أنه في الوقت الحالي يتم التعامل بالروبل الرقمي داخل روسيا، ولاحقًا مع دول أخرى تتوافق مع روسيا بهذا الشأن، على رأسها: الصين والهند، مشيرًا إلى الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقًا بالتعامل بالعملات الوطنية، مما يعني توسيع قاعدة التبادل البيني مع الدول التي تتوافق مع موسكو في تلك الخطوة، علاوة على رفع قيمة التداولات بالروبل في الأسواق العالمية، والهروب من العقوبات، وكذلك الهروب من هيمنة الدولار الأميريكي.

وقال الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي: إن الروبل الرقمي يأتي ضمن مساعٍ روسية من أجل الحد من الاعتماد على المنظومة المالية الغربية، بعد فصل عدد من المصارف الروسية الحكومية والخاصة الكبرى عن منظومة سويفت العالمية للتحويلات المالية، وبالتالي أنشأت روسيا منصة رقمية خاصة بها يقوم بتشغيلها المصرف المركزي، لا تتأثر بالعقوبات أو أي إجراءات غربية”. موضحًا أن “الروبل الرقمي” ليس عملة مشفرة، بل عملة رسمية تصدر من البنك المركزي الروسي، مما يساعدها في أن تحل محل نظام سويفت في المعاملات المالية الخارجية.

ويشرح أحمد معطي المدير التنفيذي في شركة VI Markets ، الاختلافات بين العملات الرقمية التي تصدرها الحكومات والعملات المشفرة، بأن العملات الرقمية مثل الروبل الرقمي عملات تصدرها البنوك المركزية، وتعمل مثل فكرة العملات المشفرة، لكن البنوك المركزية تديرها، على عكس العملات المشفرة لا تصدرها الدول، إنما تصدرها شركات أو أفراد، ولا توجد رقابة عليها عكس العملات التي تصدرها الدول تراقبها وتتبعها البنوك المركزية، ما يعني أن العملات الرقمية للدول مثل الروبل الرقمي أكثر أمانًا، ولا يتم التداول والمضاربة عليها مثل العملات المشفرة القائمة على هذا الأساس، ويضيف أن العملات الرقمية للدول يكون لها غطاء من الذهب، بخلاف العملات المشفرة التي لا تتمتع بغطاء.

 الروبل الرقمي والمعاملات المالية الدولية:

إنشاء العملات الرقمية لأي دولة يتم عبر بنكها المركزي الذي يقوم بإنشاء عملات رقمية وحسابات تحت ضمان الحكومة المحلية، وتسمح العملات الرقمية للبلدان بالاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة دون فقدان السيطرة على النظام المالي، وتتوقف قدرة موسكو على إجراء مدفوعات دولية بالروبل الرقمي على استعداد الدول لقبول عملتها دون تحويلها إلى الدولار، أي: موافقة دول مثل: الصين أو الهند أو إيران على إنشاء عملات رقمية مثل موسكو عبر بنوكها المركزية، واستقبال الروبل الرقمي كبديل للدولار النقدي في التجارة البينية، وفي حال الموافقة على ذلك تكون هذه الدول ومعها روسيا تجاوزت جميع الحواجز التي فرضها الغرب في الأسواق التقليدية.

دول تستخدم العملات الرقمية:

روسيا ليست أول دولة تستخدم العملات المشفرة، فجزر البهاما، أنشأت عملتها الرقمية عام 2020، ونيجيريا طورت عام 2021 عملتها الرقمية، وتخطط جامايكا لإطلاق عملتها الرقمية هذا العام، وفي أوروبا بدأ البنك المركزي الأوروبي مشروعًا تجريبيًّا لمدة عامين لإطلاق اليورو الرقمي، كما تختبر السويد الكرونا الإلكترونية، وتخطط الهند لإطلاق الروبية الرقمية، كما أجرت الصين تجارب على اليوان الرقمي خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين لعام 2022، وتشير تقارير الحكومة الروسية، إلى أن روسيا تمتلك أكثر من 200 مليار يورو من العملات الرقمية.

الخلاصة:

اتخذت روسيا قرارات سياسية وعسكرية واقتصادية عديدة لتجنب آثار العقوبات الغربية بعد الحرب، ومن تلك القرارات إنشاء الروبل الرقمي، ووفقًا للواقع الذي يشير إلى أن الروبل الروسي-النقدي-كان متماسكًا طوال عام 2022 ولم يتأثر بالعقوبات، بل نجح في تخطي الدولار في 2022 قبل أن يتأثر بالسلب مع بداية عام 2023، فإن موسكو نجحت بالفعل في الحد من الآثار الاقتصادية والمالية لعقوبات الغرب بشكل قوي طوال عام 2022، وبشكل أقل تماسكًا العام الحالي؛ ولذا فإن قرار إطلاق الروبل الرقمي في حال لاقى قبولًا للتعامل به من الدول المتوافقة مع موسكو، مثل: دول بريكس، وغيرها من دول أسيا وشرق أوروبا، فسيكون قرارًا إيجابيًّا لصالح روسيا في الحرب الاقتصادية الدائرة حاليًا تزامنًا مع الحرب العسكرية في أوكرانيا، وسيحد بشكل كبير من قيمة العقوبات الغربية على موسكو حتى إن تنتهي حرب أوكرانيا.

مصادر:

سكاي نيوز- “الروبل الرقمي”… لماذا أطلقته روسيا وما أهميته لها؟-11 أغسطس 2023

باي نانس أكاديمي- ما العملة الرقمية؟- 3 إبريل 2023

بي بي سي-العملات الرقمية: ما عملة “البيتكوين”؟- 16 نوفمبر 2016

مستقل-كل ما تريد أن تعرفه عن البلوكشين Blockchain

رويترز- روسيا… بوتين يوقع على قانون الروبل الرقمي- 24 يوليو 2023

الميادين- روسيا: “الروبل الرقمي”… الشكل الثالث للعملة الوطنية- 19 يوليو 2023

العين الإخبارية- الروبل الرقمي.. سلاح روسيا لمواجهة عقوبات أوروبية- 1 مايو 2021

التعليقات مغلقة.