fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الاتفاق بين ترامب وطالبان.. “الدوافع والأهداف”!

378

الاتفاق بين ترامب وطالبان.. “الدوافع والأهداف”!

 

فتجري مفاوضات السلام بين الأطراف المتصارعة في أحد سياقين:

الأول: هو اضطرار أطراف الصراع للجلوس على مائدة التفاوض للوصول إلى “اتفاق سلام” يتعامل مع المطالب المتبادلة، وفي ظل حالة من التوازن العسكري النسبي فيما بينها، ويحدث ذلك في حالة عدم قدرة أيٍّ من أطراف الصراع على إلحاق هزيمة عسكرية واضحة بالطرف الآخر، ووصول أطراف الصراع إلى قناعة بصعوبة حسم الصراع الجاري باستخدام الأداة العسكرية.

الثاني: أن يحقق أحد أطراف الصراع انتصارًا عسكريًّا واضحًا على الطرف الآخر، حيث يقوم الطرف المنتصر بفرض “سلام” يملي من خلاله شروطه التي تعكس موازين القوى القائمة.

ومشكلة عملية السلام الجارية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أنها لا تندرج بدقةٍ تحت أيٍّ مِن هذين النمطين؛ فعلى الرغم من التفوق العسكري الأمريكي على حركة طالبان -من حيث القدرات العسكرية التقليدية والنظامية-، لكنها لم تستطع بعد مرور ما يقرب من ثمانية عشر عامًا من الوجود العسكري المباشِر على الأرض، والعمليات العسكرية التي تم تنفيذها ضد الحركة، الحديث عن انتصار عسكري محددٍ وواضحٍ على الحركة، كما أن ما تم تحقيقه من نجاحات على الأرض -سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا- لا يتناسب مطلقًا مع حجم التكاليف العسكرية والاقتصادية والبشرية الأمريكية للعمليات العسكرية الجارية منذ أكتوبر 2001 حتى الآن.

على الجانب الآخر، ورغم الخسائر البشرية لحركة طالبان التي لا يمكن تجاهلها -رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حولها، فضلًا عن عدم الاعتبار الذي توليه الحركة لهذا النوع من الخسائر-، لكنها في المقابل تبدو في وضع أقرب إلى وضع “المنتصر”، سواء وفقًا لإدراكها وحساباتها الخاصة أو قياسًا إلى حجم التكاليف المالية والبشرية التي تكبدتها الولايات المتحدة في هذه الحرب (حيث بلغ حجم تكاليف العمليات والأنشطة الأمريكية ذات الصلة بالحرب على الإرهاب في أفغانستان خلال الفترة من عام 2001 إلى 2019 نحو 975 بليون دولار)(1).

فكل المؤشرات الصادرة عن المؤتمر الأمني السنوي في ميونيخ بألمانيا، تشير إلى أن الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية تقتربان من إعلان اتفاق في غضون أيام، قد يمهِّد الطريق لمحادثات سلام بين الأطراف الأفغانية المختلفة، وبالتالي: انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، فهناك طريقان وهو أنه قد تنتهي أطول حروب أمريكا على الإطلاق، وقد يتمكن الرئيس دونالد ترامب الذي يخوض معركة مهمة لإعادة انتخابه، من الوفاء بوعده بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، ولكن المخاطر عالية بالنسبة لإدارة ترامب والولايات المتحدة، ويمكن القول: إن المخاطر أكبر بالنسبة لأفغانستان، والمستقبل السياسي للبلاد على المحك(2).

العلاقة الأمريكية الباكستانية:

هناك العديد من التقرير التي تشير إلى أن أجهزة المخابرات الباكستانية هي الضلع الأساسي في نشأة حركو طالبان، لمساعدتها في حربها مع الهند فيما يتعلق بإقليم كشمير، بيد أن الولايات المتحدة حاولت الضغط على باكستان فيما يتعلق بعلاقاتها مع حركة طالبان؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراجعة المعونات المالية المقدمة لباكستان فيما يتعلق بسياساتها تجاه مواجهة الجماعات المتشددة، وصرَّح بذلك خلال تغريدة له على موقع تويتر أعلن خلالها “أن الولايات المتحدة تأسف على الدعم المالي المقدم لباكستان على مدار 15 عامًا، والذي يقدر بــ 33 مليار دولار”.

وفي نفس الإطار أعلنت الولايات المتحدة تجميد المساعدات المالية التي كانت موجهة لإسلام أباد والتي تقدر بحوالي 255 مليون دولار في سبتمبر 2018، ومن قبل شددت واشنطن في يناير من نفس العام على ضرورة طرد المسلحين التابعين للحركة من أراضيها، وعدم توفير الملاذات الآمنة لعناصر الحركة؛ إلا أن هذه التوترات وإن كانت تعوق جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة، فإن باكستان أعلنت على لسان وزير خارجيتها شاه محمود  قريشي، بأن باكستان تدعم جهود المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان خليل زاد، فيما يتعلق بالجهود الأمريكية بتنسيق الأدوار الإقليمية والدولية لحلحلة الأزمة الأفغانية.

العلاقة بين طالبان والقاعدة:

على الرغم من مبايعة القاعدة لزعيم تنظيم حركة طالبان بصورة دورية إلا أن هناك العديد من الخلافات بين الجماعتين، ولعل أبرز تلك الخلافات تتمحور في النقاط التالية:

1) التمايز الفكري والأيديولوجي: تختلف حركة طالبان مع القاعدة في كونها جماعة محلية تقتصر نشاطها على الداخل، دون أن ينسحب ذلك على باقي الدول، على العكس بشكلٍ كاملٍ مع تنظيم القاعدة؛ فالقاعدة تنظيم عالمي يهدف إلى إقامة خلافة إسلامية عالمية في العديد من الدول دون الارتباط بجغرافيا محددة.

2) الموقف من العمل السياسي: تتبنى حركة طالبان العمل السياسي كأحد أدواتها في بسط نفوذها على الأراضي وتوسيع دائرة سلطاتها، على الجانب الآخر: ترفض القاعدة آليات العمل السياسي، وتحرم التعامل مع الحكومات والأنظمة، بل وتقتصر على محارباتها.

3) الجنسية: من الأمور الخلافية بين التنظيمين؛ حيث تقتصر الجنسية بالنسبة لقيادات حركة طالبان على الجنسية البشتونية، في إشارة إلى البعد المحلي فيما يتعلق بتكوين القيادات، أما القاعدة فليست مثلها، من أن قياداتها لا يرتبطون بمنطقة جغرافية معينة، بل إن القيادة مفتوحة أمام العديد من الأشخاص من الجنسيات المختلفة.

4) البعد العقدي: هناك اختلافات جذرية بين العقيدة الدينية لكلٍّ من التنظيمين؛ فحركة طالبان تعتنق العقيدة الديوبندية التي تعتمد على عقيدة أبي منصور الماتريدي في العقيدة، والفكر الحنفي في الفقه، على الجانب الآخر تعتمد القاعدة على الفكر الجهادي في معتقدها وفكرها الحركي.

5) التوسع: كما ذكرنا فإن حركة طالبان يقتصر نشاطها كحركة محلية على الحدود الجغرافية للدولة، بينما على العكس يقوم فكر القاعدة على توسيع رقعة الانتشار والتوسع الجغرافي في العديد من الدول.

وبعد استعراض أهم نقاط الاختلاف، يبقى الإشارة إلى أن توجه حركة طالبان للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية أو الحكومة الأفغانية إن أمكن، سوف يلقي بتداعياته على مستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة وأن حركة طالبان تقوم بتوفير الملاذات الآمنة لعناصر تنظيم القاعدة، وكذلك معسكرات التدريب، ومِن ثَمَّ فإن هذه الدعوة للمفاوضات ستشكل محورًا أساسيًّا في علاقة التنظيمين، بل إنه قد يمتد إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين(3).

بدايات لمرحلة جديدة:

في خطوة جديدة، أكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، 13 فبراير 2020م أن هناك مفاوضات جرت بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» من أجل بحث اقتراح بخفض العنف لمدة سبعة أيام، وقتها قال «مارك» للصحفيين في مؤتمر صحفي في بروكسل «نقول دائمًا: إن أفضل حل إن لم يكن الحل الوحيد، في أفغانستان هو التوصل لاتفاق سياسي، وجرى إحراز تقدم على هذه الجبهة، وسيكون لدينا المزيد لنعلنه بهذا الخصوص قريبًا»، وهذه الخطوة تأتي عقب استئناف المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان في 7 ديسمبر 2019م، عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، عقب مرور ثلاثة أشهر، من إعلان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وقف الجهود الدبلوماسية التي تهدف لإنهاء الحرب في أفغانستان(4).

وفي أغسطس أعلن مسئولون أمريكيون: أن الولايات المتحدة تخطط لخفض عدد قواتها في أفغانستان من 14 ألف جندي حاليًا إلى ما يقارب 9 آلاف خلال بضعة أشهر، ويعكس هذا الإعلان في رأي الكثير من المراقبين، تفاؤلًا واضحًا لدى الإدارة الأمريكية بقرب التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان الأفغانية، يتوج سلسلة من جولات المفاوضات المباشرة المتواصلة بين الجانبين منذ نحو عام ، وينهي أطول حرب عسكرية أمريكية خارجية، والتي امتدت على مدى نحو 18 عامًا، كما يفتح الباب لوضع حد للحرب الأفغانية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان، وقد وصف مسئولون أمريكيون هذه الجولة من المفاوضات، والتي تعد الثامنة من نوعها بين الجانبين، بأنها المرحلة الأكثر حسمًا في جهود إنهاء الحرب في أفغانستان(5).

وقد أفاد دبلوماسي واشنطن بأن الجانبين وافقا من حيث المبدأ على الاتفاق المشروط بنسبة 95 في المئة، واستدرك قائلًا: إن احتمالية التوصل إلى اتفاق نهائي سوف تصبح أكثر وضوحًا في خلال أسابيع.

وفي المقابل: نسبت الصحيفة الأمريكية إلى مسئول كبير في طالبان مطلع على المفاوضات، القول بأن هناك تحركات إيجابية، لكنه رفض مناقشة التفاصيل؛ نظرًا لاستمرار مداولات طالبان الداخلية حول هذا الشأن.

واختتمت الصحيفة تقريرها بأن تفاصيل أي اتفاق محتمل بين واشنطن وطالبان بما في ذلك الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية مقابل أن تضمن طالبان عدم التخطيط لهجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية لا تزال معلنة(6).

هذه التطورات اللافتة بقدر ما تفتح نافذة أمل في إمكانية وضع حد للحرب الأهلية الطاحنة الدائرة في أفغانستان، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان، فإنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات عديدة بشأن مستقبل الأوضاع في أفغانستان، والترتيبات الأمنية والسياسية التي ستعقب التوصل لأي اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وطالبان.

وفي مقدمة تلك الأسئلة ما يتعلق منها بملامح المشهد السياسي والأمني في البلاد، وشكل العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانية الشرعية في كابل، لاسيما في ظل الدائرة حاليًا بين القوات الحكومية وعناصر طالبان.

إذ إن أي اتفاق سلام بين واشنطن وحركة طالبان، لن يكون له أي انعكاسات إيجابية على صعيد مستقبل الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان، بدون عقد مفاوضات مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية لوضع الترتيبات التي ستتم عقب الانسحاب الأمريكي المرتقب، لكن العقبة أمام عقد تلك المفاوضات، هي أن طالبان لا تعترف -حتى الآن- بالحكومة الأفغانية الحالية، وتعتبرها “غير شرعية”.

لكن “الملا خير الله خير خوا” -وهو أحد قيادات حركة طالبان وعضو وفدها المفاوض مع الولايات المتحدة- قال: إن المحادثات حول المسائل الأخرى، ومنها: حوار الحركة والحكومة الأفغانية، سيتم البدء فيها بعد التوقيع على اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن.

وينقسم الأفغان بين مؤيد ومشكك ومعارض لهذه المفاوضات، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج على مستقبل الوضع في بلادهم؛ فبينما يأمل الكثيرون منهم في أن يؤدي أي اتفاق سلام بين طالبان والولايات المتحدة، إلى تحسين الوضع الأمني والسياسي في بلادهم ووضع حد لحالة الاقتتال التي تعيشها البلاد، ينظر آخرون بعين الشك إلى الأهداف والدوافع الأمريكية وراء ذلك، وما يمكن أن يحققه مثل هذا الاتفاق، لا سيما وأن المفاوضات بين طالبان وواشنطن تتم في غيبة أي ممثلين للحكومة الأفغانية وللشعب الأفغاني، الذي يرون أنه دفع ثمنًا فادحًا لممارسات طالبان ومقاتليها.

الدوافع للاتفاق الأمريكي الطالباني:

في عام 2018 فقط قُتل 4 آلاف مدني على يد حركة طالبان التي نفذت 68 عملية انتحارية ضد المدنيين في العاصمة كابل، وأعلنت مسئوليتها عن هذه العمليات، كما قتل مئات الآلاف من الأفغان منذ عام 2001، بما في ذلك قوات الأمن الأفغانية والمدنيين على حد سواء.

ويعتقد المشككون في نتائج المفاوضات الحالية بين واشنطن وطالبان، أن الجانب الأمريكي ليس مهتمًا بمستقبل أفغانستان، بل يسعى لحل مشاكله الأمنية وسحب قواته الموجودة هناك، بما يحقق إنجازًا انتخابيًّا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكنه الاستفادة منه في معركة إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية العام المقبل، بغض النظر عما يمكن أن يحدث في البلاد عقب هذا الانسحاب.

لكن المؤيدون للمفاوضات يعتقدون أن اتفاق السلام المحتمل بين طالبان والولايات المتحدة، سيفتح الباب للتوصل إلى تسوية سياسية وتقاسم للسلطة بين طالبان والحكومة الأفغانية، ومِن ثَمَّ إنهاء الحرب الأهلية وعودة الأمن إلى البلاد.

ومن بين المشككين في جدوى أي اتفاق بين واشنطن وطالبان، الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي أكَّد إن بلاده هي مَن ستقرر مصيرها وليس الغرباء، في إشارة إلى المفاوضات الحالية بين الحركة وواشنطن.

ويحذر مراقبون من أنه ما لم تكن هناك ضمانات قوية وملزمة لحركة طالبان بشأن ترتيبات ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن البلاد قد تشهد مزيدًا من الفوضى الأمنية والسياسية، والتي ستكون طالبان المستفيد الأكبر منها، فهي لن تحصل فقط -وفقًا للاتفاق المرتقب- على الشرعية والاعتراف مِن قِبَل واشنطن، بل ستكون الطرف الأقوى أمنيًّا على الساحة الأفغانية؛ لا سيما في ظل حالة الضعف الذي تعيشه قوات الأمن النظامية الأفغانية.

فقد أظهر تحليل لأكثر من 2300 قتيل من القوات الحكومية الأفغانية في القتال، جرى تجميعه من الحوادث اليومية والتقارير الصحافية بواسطة صحيفة “نيويورك تايمز” عن السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، وأن أكثر من 87% من الوفيات وقعت خلال هجمات لحركة طالبان على القواعد أو نقاط التفتيش أو مراكز القيادة.

وتشير الأرقام المذكورة إلى أن طالبان نفذت خلال تلك الفترة أكثر من 280 هجومًا، أي بمتوسط هجوم واحد يوميًّا تقريبًا، وتسيطر حركة طالبان حاليًا على مساحات أكبر من أي وقت مضى منذ أطاحت بها الولايات المتحدة من الحكم في 2001م.

ومن المنتظر أن يتضمن اتفاق السلام المرتقب بين واشنطن وطالبان التزامًا من جانب الحركة بعقد محادثات لاقتسام السلطة مع الحكومة؛ إلا أنه من غير المتوقع أن توافق طالبان على هدنة مع الحكومة، وهو ما يثير المخاوف من مواصلة عناصر القتال ضد القوات الحكومية بعد الانسحاب الأمريكي(7).

التحديات والمعوقات للاتفاق الأمريكي الطالباني:

على الرغم من تلك الخطوة؛ إلا أن المفاوضات لا تزال تواجه العديد من العقبات التي قد تؤثر على مساراتها المحتملة، ويتمثل أبرزها في:

1- مطالب “طالبان”: تسعى الحركة إلى تحقيق “انتصار” يتمثل في انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان، ومع أنه تم سحب جزء من هذه القوات بمقدار 2000 جندي من بين 13 ألف تقريبًا، فإن ذلك قد لا يتوافق مع حساباتها وحرصها على تعزيز موقعها قبل أن تصل المفاوضات إلى نهايتها أو تتبلور نتائج واضحة لها، وبالطبع فإن انسحاب تلك القوات سوف يرتبط في الوقت نفسه برؤية واشنطن لتأثير المفاوضات على الترتيبات السياسية والأمنية التي سوف تشهدها أفغانستان خلال المرحلة القادمة.

2- المناورة الإيرانية: تتابع طهران بدقة تطورات المفاوضات بين “طالبان” وواشنطن، على نحو بدا جليًّا في إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 27 نوفمبر الجاري، عن عقد لقاء مع قادة الحركة هو الثاني من نوعه خلال العام الجاري بهدف دفع المفاوضات فيما بينهما والتوصل -وفقًا للرؤية الإيرانية- إلى تأسيس حكومة مشتركة تشارك فيها مختلف القوى السياسية “المؤثرة”، وتنهي التواجد الأجنبي في البلاد في إشارة إلى الوجود العسكري الأمريكي؛ بالإضافة إلى محاولة تطويق تنامي حضور “داعش” في المشهد الأفغاني، لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تعتبر أن الخطوة الإيرانية قد تربك مباحثات الدوحة، بل إن تقارير أمريكية تشير إلى أن الأخيرة ذاتها تُسهِّل حركة قادة “طالبان” بين المكتب السياسي في الدوحة وطهران.

وتكشف تلك التقارير أيضًا: أن إيران لا تزال تدعم الحركة بالأسلحة؛ الأمر الذي يُعقِّد الموقف ميدانيًّا، وهو ما تحاول الحركة باستمرار نفيه، بل إن طهران ترد على ذلك باتهامات مماثلة لواشنطن.

ويعتقد أن كلًّا من الطرفين: -“طالبان” وطهران- يوظفان تلك المباحثات لصالح أجندتهما الخاصة؛ فالحركة تدرك أن ورقة طهران يمكن توظيفها في المباحثات للضغط على واشنطن، والعكس من جانب طهران التي ترى أن عليها أن تمارس دورًا في صياغة المستقبل السياسي في أفغانستان المجاورة، بالإضافة إلى الضغط على واشنطن في ضوء التوترات القائمة بينهما.

3- الاعتراف المتبادل: ثمة تباينات واسعة في هذا السياق بين كافة الأطراف؛ فـ”طالبان” توجه انتقادات قوية للعلاقة بين الحكومة والولايات المتحدة، ولا يمكن، في رؤيتها الاعتراف بها، وهناك غموض في موقفها من هذا السياق في إطار التغير الذي يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الجارية حاليًا، كما أنه ليس واضحًا ما إذا كانت “طالبان” ستقبل بفكرة تداول السلطة في حال وافقت على عملية سياسية وفقًا للمنظور الأمريكي.

وفي المقابل: فإن الحكومة التي دخلت كشريك في صفقة مع الحركة تضع عملية وقف إطلاق النار كشرط للقبول بمخرجات التفاوض في مؤشر على أن الهدف الأساسي لها هو وقف إطلاق النار، وليس العملية السياسية كأولوية في المرحلة الحالية، حيث تعتبر أنها حكومة منتخبة على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح عدم اعتراف الطرفين ببعضهما البعض.

في الأخير: على الرغم من إنجاز صفقة متعددة الأطراف بين واشنطن و”طالبان” والحكومة الأفغانية تمثل نقلة نوعية في المفاوضات الجارية حاليًا؛ إلا أنها لا تزال مجرد تحركات تكتيكية لا تؤكد على فاعلية مسار المفاوضات، فحتى الآن لا تزال حدود التنازلات أقل من المتصور لإنضاج “صفقة التسوية”، وبالتالي من المحتمل أن لا تكون الجولة الحالية هي الأخيرة في العملية، خاصة مع دخول إيران على خط التفاوض، لكن على الجانب الآخر، ربما تكون خطوة طهران الأخيرة دافعًا لواشنطن للإسراع في إتمام تلك الصفقة، وبالتالي فإن السيناريو الأقرب إلى التصور هو أن كافة الأطراف ستعتمد سياسة المناورة في الجولة القادمة لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها(8)

العين

بي بي سي

أخبار الآن

المرجع

الشروق

صوت العرب من أمريكا

الشروق

مركز المستقبل

التعليقات مغلقة.