fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

استقالة المبعوث الأمريكي لأفغانستان تثير العديد من التساؤلات

75

استقالة المبعوث الأمريكي لأفغانستان تثير العديد من التساؤلات

ما زال الملف الأفغاني مطروحا وبقوة على طاولة الصعيد الدولي، والذي يثير العديد من التساؤلات التي تعلق في ذهن المتابعين للأوضاع الدولية، وما أجندة الأمريكان في هذه المنطقة، وكذلك كيف سيتحول الوضع هناك بعد هذا الانسحاب المتعمد، كذلك ظهر على السطح أهداف ما ورائية للحدث في أفغانستان، ولكن ربما تكون الورقة الأقوى المطروحة حاليًا، هي: استقالة المبعوث الأمريكي لأفغانستان.

زالماي خليل زاد:

زلماي خليل زاد (وُلِد 22 مارس 1951) هو دبلوماسي أمريكي سابق ومستشار في مركزالدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، ورئيس شركة غريفون بارتنرز وخليلزاد أسوسياتس، وهي شركة استشارات تجارية دولية مقرها واشنطن العاصمة، من أصول أفغانية، وكان سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.

وقد شارك مع صناع السياسة الأمريكية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون منذ منتصف الثمانينيات، وكان صاحب أعلى منصب بين الأميركيين المسلمين في إدارة الرئيس جورج بوش، وتشمل مهام خليل زاد السابقة في الإدارة منصب السفير الأمريكي في أفغانستان والعراق، وفي عام 2017، فكر الرئيس دونالد ترامب بوضعه في منصب وزير الخارجية الأمريكي.

ولد زلماي خليل زاد في مدينة مزار شريف في أفغانستان، كان والده موظف حكومي في مملكة محمد ظاهر شاه، وهو من قبيلة البشتون النورزي الأفغانية ومسلم الديانة(1).

ابن أمريكا البار:

شغل مجموعة من المناصب في ظل إدارات أميركية عديدة على مر السنوات الماضية، من ضمنها: منصب السفير الأميركي في أفغانستان والعراق، في رسالة الاستقالة التي قدَّمها إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بحسب ما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”: أن “الترتيبات السياسية بين الحكومة الأفغانية وطالبان لم تمضِ قدمًا على النحو الذي كان مخططا لها”.

كما أضاف: أن أسباب هذا التعثر معقدة للغاية، واعدًا بكشف المزيد خلال الأيام المقبلة، فقد كتب موضِّحًا: “سأشارك أفكاري في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد ترك الخدمة الحكومية”.

كما أعرب عن أسفه لما آلت إليه الأمور، لكنه شدَّد في الوقت عينه على أن هذا التعثر أو “ليس حتمًا الفصل الأخير”(2).

تولَّى زاد ملف العلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان عام 2018 بعد ما عينته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مبعوثًا خاصًّا؛ للإشراف على المفاوضات مع حركة طالبان، وهي مفاوضات لم يشرك فيها الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابل(3).

إعلان الاستقالة:

أعلن المبعوث الأمريكي لأفغانستان تنحيه عن منصبه بعد أقل من شهرين من انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.

وقاد زالماي خليل زاد المحادثات الأمريكية مع طالبان، لكنها فشلت في التوصل إلى تسوية تثني الحركة المسلحة عن الاستيلاء على السلطة، واستولت طالبان على الحكم في أغسطس الماضي بعد سقوط العاصمة كابل عقب سقوط الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الحركة.

وقال أنتوني بلينكن -وزير الخارجية الأمريكي-: إن توماس ويست، نائب خليل زاد، سوف يشغل منصب المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان خَلَفًا للمبعوث المستقيل(4).

إقالة أم استقالة؟

وتساءلت “واشنطن بوست” عن الاستقالة التي قدَّمها المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، وقالت: إنها ربما تكون “إقالة”، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والفوضى التي رافقت العملية.

وقالت الصحيفة في تقريرها: إن خليل زاد قدَّم استقالته لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، لكن إدارة بايدن أبقته في منصبه 9 أشهر، وقال في رسالة الاستقالة: “قررت أنه الوقت المناسب، ونحن ندخل مرحلة جديدة في سياستنا في أفغانستان”.

وشددت الصحيفة على أن رحيل خليل زاد، “كان مسألة وقت”، وكان تعرض خليل زاد لانتقادات مكثفة، بمَن فيها الإدارة الحالية؛ لأنه “تنازل عن الكثير مقابل القليل، لكن المبعوث المولود في أفغانستان أكد أن الاتفاق لا غبار عليه مع أنه قاد لسيطرة طالبان على السلطة في آب / أغسطس، ولكن الخطأ هو ضغط الولايات المتحدة، في ظلِّ إدارة ترامب وبايدن للخروج من أفغانستان حسب أشخاص على معرفة بمواقفه”.

وكتب في رسالة استقالته: “التزم الطلاب (طالبان) بعدم السماح للجماعات الإرهابية بمن فيها القاعدة التخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائنا ووافقوا أيضًا على عدم السماح للإرهابيين، بتجنيد وتدريب وجمع الأموال في المناطق التي يسيطرون عليها. ووافقوا أيضًا للتفاوض على تسوية سلمية مع الحكومة الأفغانية الموجودة والتوصل لاتفاق تشارك بالسلطة، ووقف إطلاق النار، شامل ودائم، وكجزءٍ مِن الحزمة وافقنا على سحب قواتنا على مراحل وخلال 14 شهرا لو التزمت طالبان بتعهداتها”.

وكجزءٍ مِن الاتفاق الذي وقعه خليل زاد مع ملا عبد الغني برادار، الذي عين الآن نائبًا للحكومة المؤقتة في كابول، وافقت الجماعة على عدم استهداف القوات الأمريكية لو التزمت بالجدول الزمني وسحب “كل القوات” بحلول الأول من أيار/ مايو 2021، ورغم تمديد بايدن الموعد إلى 11 أيلول / سبتمبر وأنهى الخروج بحلول 31 آب / أغسطس؛ إلا أن الانسحاب هو جزء من الاتفاق.

وكتب خليل زاد: “لم يحدث تقدم على الترتيب السياسي بين الحكومة الأفغانية وطالبان حسب التصور”، مضيفًا: “أن الأسباب معقدة وسأكشف عن أفكاري حول هذا الموضوع في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد مغادرتي الخدمة الحكومية”، وتساءل “عن أهداف الإستراتيجية الأمريكية في المرحلة الجديدة”، وقال: “إنه يخطط للمساهمة في النقاش والجدال ليس حول ما حدث ولكن عما يجب عمله لاحقًا”.

وسواء في حكومة ترامب وبايدن فإنه لم يكن هناك شخص مؤهل للوظيفة ودفع أفغانستان نحو السلام والتفاوض بين طالبان والحكومة الأفغانية أكثر من خليل زاد، فقد وُلِد ونشأ في أفغانستان ودرس في نفس المدرسة مع غني، وسافرا معًا إلى الولايات المتحدة للدراسة.

وبدأت المحادثات بينه وبين برادار في تشرين الثاني / نوفمبر 2018 وأعلن عن الاتفاق بعد 16 شهرًا، وبعد وصول إدارة بايدن فإنها قررت الحفاظ على خليل زاد في مكانه حيث بدأ بمراجعة السياسة تجاه أفغانستان، وظل يحاول دفع طالبان والحكومة في كابول لتوقيع اتفاق دون جدوى.

كما أنه واصل اتصالاته ومفاوضاته بشأن الانسحاب الأمريكي مع الحركة المتشددة والحكومات في المنطقة، وفي جهود غير ناجحة لتأمين مواصلة الولايات المتحدة جهود مكافحة الإرهاب بدون قوات على الأرض، وأبقى خليل زاد على خطوط الاتصال مع مسؤولي طالبان البارزين خلال الفترة المحفوفة بالمخاطر من الانسحاب الأخير(5).

دوافع الاستقالة:

تناقض الرؤى والأهداف:

 يبدو أن اختلاف توجهات ورؤى الإدارة الأمريكية الجديدة مع خليل زاد بشأن العلاقات الأفغانية – الأمريكية، قد بلغ نهاية المطاف؛ إذ يحسب زالماي على المحافظين الجدد، الداعين إلى الاحتفاظ بعلاقات متجانسة مع أفغانستان من خلال حكومة طالبان، على عكس توجهات إدارة بايدن التي ترى ضرورة أن تكون العلاقات مع طالبان محدودة، في الوقت الذي أغلقت فيه السفارة الأمريكية في أفغانستان، ونقلت إلى الدوحة مؤقتًا، وأعادت الخارجية الأمريكية النظر في إجراءات برنامج منح تأشيرات الهجرة الخاص بمنح اللجوء للأفغان وإعادة توطينهم في الولايات المتحدة من خلال لجنة تفتيش خاصة لمراجعة هذه القضايا.

ويشير تحليل نشرته “Associated Press, AP News” بعنوان “US envoy for Afghanistan steps down after withdrawal”   إلى أن خليل زاد قد خطط لترك منصبه في مايو الماضي عقب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن: أن خطة الانسحاب الأمريكي ستكتمل قبيل الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، فيما طُلب منه البقاء في منصبه، واستجاب زاد إلى هذا المطلب وبقي حتى استقال مؤخرًا.

 وبإحكام طالبان قبضتها علي الحكم في أفغانستان في منتصف أغسطس الماضي، رأت الإدارة الأمريكية أنه من الضروري أن يكون هناك تواصل خفي مع طالبان عقب سيطرتها على الحكم، بعيدًا عن المسار الدبلوماسي المستبعد في الوقت الحالي، وقام خليل زاد بهذا الدور مؤقتًا، وبتبلور الرؤية الأمريكية أو بالأحرى وضوحها بشكل أفضل حول شكل التواصل المستقبلي مع حركة طالبان، بدا وكأن الدور الذي يقوم به زاد لم يعد يناسب الإدارة الأمريكية، وبالتالي: تم اختيار توم ويست الذي قاد الجولة الأخيرة من المفاوضات الأمريكية مع طالبان، كما كان لافتًا أن مدير الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز كان له دور في تحديد اتجاهات العلاقات مع طالبان، عقب سيطرتها على الحكم، على نحو بدا جلياً في الزيارة التي قام بها إلى كابول والتقى خلالها مع نائب زعيم الحركة عبد الغني برادر وجهاً لوجه في 24 أغسطس الماضي.

جنوح خليل زاد لتحقيق أجندة شخصية:

وَفْق عدة تقديرات سعى زاد إلى تحقيق مجد شخصي كصانعٍ للسلام في بلده الأم، غير أن تطلعاته الشخصية لإتمام اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان بأسرع وقتٍ قد أسهمت في تكوين مشهد النهاية المتمثل في فوضى الانسحاب من أفغانستان، ودخول الحركة قصر الرئاسة، بعد إجبار الرئيس أشرف غني على الهرب.

وأشارت اتجاهات عديدة إلى أن ثمة شخصنة للمفاوضات قد انتهجها خليل زاد، وذلك باعتماده علي علاقاته الشخصية مع قادة طالبان، معتقدًا أن هذه العلاقات كافية لإلزام حركة طالبان بالاتفاق، دون أخذ ضمانات منها بعدم الاستيلاء على السلطة عقب الانسحاب الأمريكي، والدخول في مفاوضات لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.

وَفْق هذه المعطيات تعرَّض زاد للعديد من الانتقادات في الداخل الأفغاني ومن قِبَل الإدارة الأمريكية الحالية بسبب ما آل إليه الوضع في أفغانستان، ففي عام 2019، وجهت لزاد انتقادات في الداخل الأفغاني، كان أهمها: اتهام مستشار الأمن القومي الأفغاني آنذاك حمد الله محب له بأنه “يسعى لتحقيق مكاسب سياسية شخصية بدلًا من تحقيق السلام”، كما تعرَّض لانتقاد آخر مفاده أنه أخفق في صياغة اتفاق سلام ملائم بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان؛ مما نتج عنه قدرة طالبان على السيطرة على البلاد خلال أشهر قليلة، وذلك من خلال ممارسة زاد ضغوطًا كبيرة على الحكومة الأفغانية لتقديم تنازلات لطالبان، كان مِن بينها الإفراج عن عددٍ كبيرٍ من المحكومين المنتمين للحركة، بلغ عددهم 5000 سجين، حيث تضمن الاتفاق مع طالبان بندًا يخص الموافقة الأمريكية على الإفراج عن عناصر الحركة المحكومين في السجون الأفغانية.

فيما ذهبت انتقادات الداخل الأفغاني لأبعد من ذلك، حيث ساد اتجاه مفاده: أن زاد قد عاد إلى بلده الأم على ظهر الدبابات الأمريكية؛ بهدف إيجاد مخرج لها من أفغانستان، في إشارة إلى أن زاد قد كُلف من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بإيجاد مخرج للقوات الأمريكية من البلاد، ذلك طبقًا لتحليل خبري نشره موقع “cbs news” بعنوان “U.S. envoy to Afghanistan Zalmay Khalilzad resigns negotiator for Afghanistan”.

ومن ناحية أخرى، طالب الجمهوريون بإقالة زاد عقب سيطرة طالبان على الحكم؛ بسبب إخفاقه في إدارة عملية تنفيذ بنود الاتفاق من قِبَل حركة طالبان، وهو ما اعترف به زاد في خطاب تنحيه، حيث أشار إلى أن الاتفاق الذي تفاوض عليه مع حركة طالبان، قد اشترط الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية لدخول طالبان في محادثات سلام جادة مع الحكومة الأفغانية، معلنًا عن أسفه؛ إذ إن تلك المفاوضات لم تسر كما كان مخططًا له، لكنه في الوقت نفسه ألقى باللوم على الحكومة الأفغانية، موضِّحًا أنها تتحمل قدرًا من مسئولية ما حدث؛ لعدم استطاعتها الاستفادة مما قدَّم لها من دعم طوال السنوات الماضية.

ووَفْق تحليل موقع “cbs” السابق الإشارة إليه، كانت علاقة زاد بالرئيس الأفغاني قد توترت بسبب الاتفاق مع طالبان، وتركت الولايات المتحدة الرئيس الأفغاني دون دعم دبلوماسي وسياسي في مواجهة طالبان، وبالتالي لم يستطع خليل زاد لعب هذا الدور، مما أدَّى إلى انكشاف السلطات الأفغانية أمام طالبان وسقوطها سريعًا(6).

الملخص:

على كل الأحوال إقالة أم استقالة؟

أجندات شخصية أو عامة؟

هذا اللغط يخبرنا: أن الوضع به مصالح كبيرة، وأن هناك العديد من الخفايا التي يبقى عليها الأمريكان في صندوقهم الأسود، وأن هناك صفقة عقدت ليكون الوضع كما هو عليه الآن، وأن أمريكا لا يمكن أن تتخذ خطوة بدون الإعداد الجيد لها كما فعلت في العراق؛ لتدميره وتحويله إلى بؤرة للفساد والميليشيات، ومع ذلك فإن طالبان التي صعدت إلى الواجهة هي جزءٌ من الصفقة التي لا نعلم عنها شيئًا.

1_ ويكبيديا

2_ العربية

3_الأخبار

4_ بي بي سي

5_ عربي21

6_ الأهرام للدراسات

التعليقات مغلقة.