fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الاتفاق البريطاني التركي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

187

الاتفاق البريطاني التركي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 

فقد لقي الفوز الحاسم الذي حققه بوريس جونسون في الانتخابات العامة بالمملكة المتحدة استقبالًا طيبًا من الأسواق المالية.

ومن المرجَّح أيضًا أن يكون المناخ المواتي الذي قد توفِّره حكومة ذات أغلبية من المحافظين للشركات الكبرى ذا أثرٍ إيجابي على التجارة بين تركيا والمملكة المتحدة؛ خصوصًا في مجالاتٍ مثل الدفاع، تلعب فيها الاعتبارات السياسية دورًا.

وفي الحادي عشر من شهر ديسمبر الجاري 2019، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لقناة (إيه خبر) التركية: إن جونسون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقشا في الآونة الأخيرة تسريع وتيرة العمل على مشروع الطائرات المقاتلة المشترك (تي.إف-إكس). وقد يعني تزايد مشاركة بريطانيا في العقود الدفاعية التركية أيضًا زيادة دعم المملكة المتحدة لأهداف السياسة الخارجية التركية في منطقتها.

وقد رحَّب أردوغان بنفسه بنبأ فوز جونسون، قائلًا: إن “هناك قدرًا مِن النزعة التركية لدى بوريس جونسون”. كما تطلعت صحيفة (ديلي صباح) الموالية للحكومة إلى عهد جديد من التجارة بين تركيا والمملكة المتحدة في حقبة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وذلك في مقابلة يوم الحادي عشر من ديسمبر مع النائب البرلماني السابق عن حزب المحافظين البريطاني نيك دي بوا. وإذا سارت الأمور على النحو المتوقع، فإن المملكة المتحدة ستخرج رسميًّا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020، وستبدأ محادثات التجارة بين بريطانيا وتركيا على الفور، في حين تأمل المملكة المتحدة في استكمال أكبر عددٍ من اتفاقيات التجارة في أسرع وقت ممكن. وبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، ليس مسموحًا للمملكة المتحدة أن تبدأ مناقشة أي اتفاقيات منفصلة للتجارة الحرة مع دول أخرى، وهي لا تزال عضوًا في الاتحاد.

يأتي الموقف الإيجابي للحكومة التركية تجاه جونسون على الرغم من تأليف وزير الخارجية البريطاني السابق قصيدة فظة عن أردوغان في العام 2016؛ ولعل ذلك يرجع في جزءٍ منه إلى أن جونسون كان خيارًا أفضل من منافسه المنتمي لحزب العمال جيريمي كوربين؛ الذي طالما كان داعمًا لحقوق الأكراد وتقرير مصيرهم؛ إذ كان مِن المستبعد أن تربطه علاقة طيبة مع الحكومة التركية. وربما تعتقد الدولة التركية أن أي حكومة يشكِّلها جونسون ستعطي أولوية لإقامة علاقات اقتصادية جيدة مع تركيا، وستحد من انتقاد تدخلاتها العسكرية وسجنها للصحفيين، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في المنطقة الجنوبية الشرقية الكردية من البلاد.

إن حاجة المملكة المتحدة الماسة إلى تعويض التجارة المفقودة من الاتحاد الأوروبي باتفاقيات تجارية جديدة تثير سؤالًا عما إذا ذلك سيضع بريطانيا في موقف ضعيف يمكن فيه لدول مثل تركيا أن تنتزع منها تنازلات قيمة مقابل وضع إطار زمني سريع لمحادثات التجارة؛ فهل يعني هذا إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات دخول المملكة المتحدة؟ أو من ناحية أخرى: هل ستتوخى تركيا الحذر مِن زيادة هجرة العقول التي قد تنتج عن تحرير التأشيرة؟

وهل ستحصل تركيا -على سبيل المثال- على الدعم البريطاني لطموحاتها في منطقة شرق المتوسط؟

ففي الآونة الأخيرة، أبرمت تركيا اتفاقًا مع ليبيا لإعادة ترسيم الحدود البحرية، مما قد يعطي تركيا مجالًا أكبر للوصول إلى الموارد الطبيعية الكامنة تحت البحر، مثل: الغاز الطبيعي. وكما تطرقت في مقال سابق عن مستشار الحكومة البريطانية والنائب البرلماني السابق عن حزب العمال جون وودكوك، فإن الحكومة التركية ربما تهدف أيضًا إلى حمل الحكومة البريطانية على تصنيف وحدات حماية الشعب الكردية السورية كمنظمة “إرهابية”.

وفي الوقت الراهن، ثمة الكثير من الرسائل الإيجابية الواردة من الحكومة ووسائل الإعلام التركية بخصوص جونسون، حيث من الواضح أن مؤيدي أردوغان يعتبرونه شعبويًّا محافظًا مقاربًا له في الفكر. هذه الرسالة تشمل أيضًا أنصار حزب العدالة والتنمية من المواطنين العاديين؛ فقد أبلغتني صديقة تركية أنها عندما تحدثت عن فوز جونسون في الانتخابات مع والدها المؤيد لحزب العدالة والتنمية قال لها مازحًا: “لقد فاز رجلنا”.

وتعد المملكة المتحدة ثاني أكبر أسواق التصدير بالنسبة لتركيا بعد ألمانيا، ومِن ثَمَّ فإن إبرام اتفاق تجاري مع بريطانيا قد يعزز بالتأكيد قدرة تركيا على جني العملة الأجنبية. وعلى نفس المنوال المملكة المتحدة تريد توسيع نطاق الصادرات إلى تركيا بحيث لا تقتصر على القطاع العسكري والدفاعي فحسب، بل تمتد إلى “قطاعات الصحة، والبنية التحتية، وتوليد الكهرباء، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الإبداعية”.

تعتبر المملكة المتحدة وتركيا ولأسبابٍ مختلفةٍ دولتين منعزلتين سياسيًّا على جانبي أوروبا. ويبدو أن المقتضيات الاقتصادية لأدوارهما الجيوسياسية وتشابه التوجهات الشعبوية الاستبدادية للحزبين السياسيين اللذين يقودان البلدين يساهمان في توثيق العلاقات بين تركيا وبريطانيا؛ غير أنه لم يتبيَّن بعد إلى أي مدى ستتعمق هذه العلاقة، وما إذا كانت ستواجِه أيَّ عقبات سياسية.

ما من شك أن الاتحاد الأوروبي سيتوخى الحَذَر من تحالف بريطانيا مع الدول الواقعة على حدوده التي ترغب في انحسار قوة الاتحاد، وربما يعمد إلى التلكؤ في محادثات التجارة بخصوص مستقبل علاقته مع المملكة المتحدة كي يحصل على بعض التنازلات.

وفي ديسمبر الماضي حاول كلٌّ مِن: رئيس الوزراء البريطاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يجد في الآخر متنفسًا؛ فجونسون رغم نجاحه في اقتناص اتفاق مع الاتحاد الأوروبي للتجارة ما بعد بريكست لا يزال يعاني من حالة فوضى اقتصادية عمقها ظهور السلالة الجديدة لفيروس كورونا، أما أردوغان فيواجه هو الآخر أزمة مالية خانقة، ورغم التدابير التي تم اتخاذها برفع نسب الفائدة؛ إلا أنه لم يحقق الانفراجة المأمولة.

ويضم الاتفاق بين أنقرة ولندن نفس البنود التجارية القائمة حاليًا، لكن وزيرة التجارة البريطانية ليز تروس قالت: إنها تأمل في إبرام اتفاق تفصيلي بين البلدين في أقرب وقت.

وقالت الوزيرة: “إن الاتفاق الذي نتوقع إبرامه هذا الأسبوع سيبقي على الترتيبات التجارية المعفاة من الرسوم، وسيساعد في دعم شراكتنا التجارية، وسيمنح الثقة للآلاف من العاملين في بريطانيا في قطاعات التصنيع والسيارات والصلب“.

وأضافت: “نتطلع الآن إلى العمل مع تركيا على اتفاقية تجارية مفصلة بين المملكة المتحدة وتركيا في المستقبل القريب“. وبرز تقارب بريطاني تركي من خلال ارتفاع وتيرة التنسيق السياسي والتعاون التجاري بين البلدين، وهو ما أثار حفيظة الدول الأوروبية التي لا تنظر بعين الرضا إلى هذا التقارب؛ نظرًا لسجل أنقرة الممتلئ بالتجاوزات التي زادت وتيرتها مؤخرًا حيال العديد من الملفات على الساحة الدولية.

كما تعرضت بريطانيا باعتبارها بلدًا مدافعًا عن حقوق الإنسان لانتقاداتٍ شديدةٍ لتقاربها مع النظام التركي الذي اشتهر بسجله الحافل بالانتهاكات الحقوقية ورئيسه رجب طيب أردوغان الذي لم يتوانَ عن إطلاق تصريحات عدائية ضد أوروبا، ما جعل حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتلاشى.

ويذكر أن لندن أيَّدت انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي على عكس دول أوروبية عديدة أعلنت معارضتها دخول تركيا إلى النادي الأوروبي.

وتعاني تركيا من أزمة اقتصادية حادة أدَّت إلى تفاقم الدين العام الخارجي الذي بلغ مستويات كبيرة على غرار انهيار الليرة التركية الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 18.6 مليار جنيه إسترليني (25.25 مليار دولار) في 2019، وتقول بريطانيا: إنه خامس أكبر تبادل تجاري تفاوضت عليه الوزارة بعد اتفاقاتٍ مماثلةٍ مع: اليابان، وكندا، وسويسرا، والنرويج.

ووقَّعت بريطانيا على اتفاقيات تجارية مع 62 بلدًا حتى الآن قبل نهاية الفترة الانتقالية لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي، والتي تحل في الأول من يناير عندما تترك الترتيبات التجارية مع الاتحاد.

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي توصلت إلى التزام عام 2017م بأن تعمل بريطانيا وتركيا على تعزيز التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويقدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عددًا من الفرص لتركيا، لكن بعد الفترة الانتقالية، قد يشكِّل أيضًا تحديات اقتصادية خطيرة.

(بريكست) ليست مجرد اتفاقية تجارية واقتصادية فحسب، بل اتفاق عام يشمل أيضصا التعاون في العديد من الملفات مثل مكافحة الجرائم، والثروة السمكية، والطاقة، وأمن المعلومات بين المملكة والتكتل الأوروبي.

وعند النظر إلى اتفاقية التجارة الحرة بالنسبة لتركيا، نرى أنها تطور إيجابي يتيح مواصلة تجارة البضائع بشروط اتفاقية الاتحاد الجمركي، ويساهم في عدم توقف التعاون القائم بين تركيا والمملكة المتحدة.

وفي 29 كانون الأول / ديسمبر 2020، وقَّعت تركيا وبريطانيا اتفاقية التجارة الحرة بينهما، وذلك في مبنى وزارة التجارة في العاصمة التركية أنقرة.

وقالت وزيرة التجارة التركية روهصار بيكجان في بيان: “إن هذه الاتفاقية ستسهم في استمرارية التبادل التجاري بين تركيا وبريطانيا دون شوائب أو عراقيل”. وقبيل توقيع الاتفاقية التجارية قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “إن العام 2021، سيشهد حقبة جديدة بين تركيا وبريطانيا”.

وتعد بريطانيا أحد أهم الشركاء التجاريين لتركيا، وتأتي في المركز الثاني بعد ألمانيا في حجم التجارة الثنائية، وبحسب معهد الإحصاء التركي أرسلت تركيا صادرات إلى بريطانيا في عام 2018 بقيمة 11.2 مليار دولار.

ويرى المسؤولون الأتراك: أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لتعزيز العلاقات التجارية بين تركيا والمملكة المتحدة، وكذلك التوافق الثنائي في القضايا الإقليمية الأخرى، ومع ذلك يمكن للاتحاد الجمركي التركي مع الاتحاد الأوروبي أن يُعقِّد الأمور.

يسمح الاتحاد الجمركي لتركيا بتعريفة جمركية، وحصص تجارية حرة مع الاتحاد الأوروبي على العديد من السلع، لكنه يضع تركيا في موقف غير جيد عند التعامل مع بلدان الطرف الثالث التي تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي.

ويتعين على تركيا الالتزام بالسياسة التجارية للاتحاد الأوروبي؛ مما يعني أنه عندما يوقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية تقلل من الحواجز التجارية مع أي بلد خارج الاتحاد الأوروبي، تنطبق هذه التخفيضات أيضًا على تركيا. وفي الوقت ذاته؛ نظرًا لأن تركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي فإنها لا تحصل على نفس إمكانية الوصول التفضيلي لصادراتها التي يخرجها الاتحاد الأوروبي من مثل اتفاقيات التجارة الحرة هذه.

ويمكن أن تتفاوض تركيا على اتفاقياتها الخاصة مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الدول لا يوجد لديها حافز يُذكر من أجل التفاوض مع تركيا؛ لأنها يمكن أن تحصل بالفعل على وصول تفضيلي إلى السوق التركية من خلال إبرام اتفاقيات تجارية مع سوق الاتحاد الأوروبي الأكبر بكثير.

وأصبحت بريطانيا حرة في بدء التفاوض على صفقات تجارية جديدة مع دول مثل الولايات المتحدة التي ليس لديها اتفاقيات سابقة مع الاتحاد الأوروبي؛ بيد أن تركيا ليست في أي من المجموعتين تمامًا.

وقد أبرز تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية العام الماضي: أن الاقتصاد التركي خارج الاتحاد الأوروبي سيعاني من أشد الأضرار في سيناريو الخروج دون اتفاق، حيث تم محو صادرات بقيمة 2.4 مليار دولار في وقتٍ كانت فيه تركيا في أمس الحاجة إليها لمساعدة اقتصادها على التعافي.

الخبر السار هو: أن بريطانيا أظهرت بعض الالتزام إزاء المشكلة من خلال تشكيل مجموعات عمل ثنائية مع تركيا. وثمة حوافز كبيرة لبريطانيا وتركيا لبدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة على الفور لتحفيز التوافق الوثيق حول مجموعة من القضايا الإقليمية، ولكن الأمر سيحتاج إلى عمل ثابت من الجانبين، وإذا كان الجهد الثنائي غير كافٍ؛ فهناك خطر حقيقي جدًّا من تضرر العلاقة الاقتصادية في عام 2021.

كان انضمام بريطانيا للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي سبقت الاتحاد الأوروبي حدثًا كبيرًا، مثل خروج بريطانيا مِن الاتحاد الأوروبي، وقد تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية ورفضته فرنسا مرتين قبل الانضمام إلى التكتل في الأول من يناير عام 1973. ولم يكن حزب العمال راضيًا عن الاتفاق، وفي عام 1975 دعا إلى إجراء استفتاء لمعرفة ما إذا كان الرأي العام البريطاني يوافق عليه، وصوَّت 67 في المئة من الناخبين لصالح البقاء في المجموعة الاقتصادية.

كان رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك قد قال: “إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أبلغه قبل الانتخابات العامة في بريطانيا عام 2015 بأنه لا يعتقد أن استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيُجرَى على الإطلاق”. وقال كاميرون: “إن اقتراحه بإجراء الاستفتاء كان يهدف إلى تهدئة المتشككين في الاتحاد الأوروبي داخل حزبه، وإنه يعتقد أنه سيشكِّل مجددًا ائتلافًا مع الديمقراطيين الليبراليين الذين سيعرقلون إجراء الاستفتاء”.

وتعتبر مبادرة كاميرون الجريئة مثالًا صارخًا على النتائج السياسية المترتبة على الرهان الخاطئ، لكن بصرف النظر عما إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مفيدًا لبريطانيا أم لا، فإن الحقيقة تتمثل في أن الشعب البريطاني لا يحب أن يتخذ البيروقراطيون في بروكسل القرارات المتعلقة بحياته، وأكَّد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

أحد الآثار المهمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو: أنه أثبت أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست زواجًا بلا انفصالٍ. كان هذا أحد المخاوف التي شغلت الزعماء الأتراك عشية طلب تركيا العضوية في المجموعة الاقتصادية الأوروبية، ففي عام 1963، وقَّع رئيس وزراء تركيا آنذاك -عصمت إينونو- طلبَ تركيا للانضمام فقط بعد أن تَلَقَّى تأكيداتٍ من المستشارين على أن البلاد قد تنسحب إذا لزم الأمر.

أحد الآثار المباشرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على العلاقات بين تركيا والمملكة المتحدة هو أن بريطانيا ستكون قادرة على إبرام صفقات متبادلة المنفعة مع تركيا دون الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي؛ علاوة على ذلك قد تصبح العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثالًا، على الرغم من الكثير من التباين للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في المستقبل.

والتقى سفير بريطانيا في أنقرة بوسائل الإعلام التركية للتعليق على حقبة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومِن بين المزايا التي ذكرها: معايير الهجرة الجديدة لبريطانيا.

وقال: إن شركاء بريطانيا السابقين في الاتحاد الأوروبي سيوضعون في نفس سلة الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمعايير الأهلية للهجرة؛ لذلك سيتنافس الأتراك على قَدَم المساواة مع مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويبقى أن نرى: ما إذا كان هذا سيصبح ميزة للأتراك.

ستصبح تركيا وبريطانيا دولتين من خارج الاتحاد الأوروبي، لديهما اتحاد جمركي مع التكتل. ويوجد في الاتحاد الجمركي التركي مع الاتحاد الأوروبي عيب مهم؛ إذ يتسبب في تحويل التجارة بين الدول التي لا تمتلك تركيا معها اتفاقية منطقة تجارة حرة، ولكن لديها اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي.

إذا كانت بريطانيا قادرة على التفاوض لحل لهذه القضية، فقد تستخدم تركيا هذا المثال لتصحيح الظلم الذي تواجهه.

وعلى الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يزال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هدفًا جذابًا للعديد من البلدان، وتأتي دول البلقان على رأس القائمة؛ لأن الاتحاد الأوروبي يضعها ضمن الأعضاء المحتملين، وتأتي على رأس القائمة جمهورية الجبل الأسود. وفي ظل عدد سكانها البالغ 630 ألف نسمة، وهو قليل نسبيًّا فلن تكون هناك صعوبة في أن يستوعبها الاتحاد الأوروبي.

بدأت الجبل الأسود وصربيا بالفعل مفاوضات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس مِن الواضح ما إذا كانت الإستراتيجية الجديدة ستطبق بأثر رجعي عليهما، لكن إذا كان هناك أي خلاف بشأن هذا الموضوع، فإن لدى الاتحاد الأوروبي العديد من الأدوات لفرض إرادته، وستجعل إستراتيجية توسيع الاتحاد الأوروبي الجديدة عملية انضمام تركيا أكثر صعوبة على الأرجح، وذلك إذا بدأت بالفعل مِن جديدٍ.

تم التوقيع على وثيقةٍ بين وزيرة التجارة الدولية البريطانية ليز تروس، ونظيرتها التركية روهسار بيكان عبر الفيديو الثلاثاء. وأوضحت وزارة التجارة البريطانية في بيان: “أن الاتفاق يسمح بضمان الرسوم الجمركية التفضيلية الحالية لـ 7600 شركة صدرت إلى تركيا في عام 2019”.

وأضاف البيان: أنه يساعد على “حماية سلاسل التوريد في قطاعي: السيارات والتصنيع”، بما في ذلك التعدين والنسيج، وقطع غيار السيارات التي ترسلها شركة فورد إلى تركيا لتجميع المركبات المخصصة لسوق المملكة المتحدة.
وأشارت لندن: إلى أن “الجانبين ملتزمان أيضًا بالسعي للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة أكثر فائدة”.
وقالت بيكان: “إنها أول خطوة لتعزيز علاقاتنا”، بينما وصف الرئيس رجب طيب أردوغان الاتفاقية الموقَّعَة بأنها: “أهم اتفاق منذ اتفاق الاتحاد الجمركي” مع الاتحاد الأوروبي الذي تم توقيعه عام 1995.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 18.6 مليار جنيه إسترليني (25.25 مليار دولار) في 2019، وتقول بريطانيا: إنه خامس أكبر تبادل تجاري تفاوضت عليه الوزارة بعد اتفاقيات مماثلة مع: اليابان، وكندا، وسويسرا، والنرويج.

وفي استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة لتوسيع العضوية، ثمة معايير جديدة للعضوية.

وتقدم المملكة المتحدة نفسها على أنها نصير التجارة الحرة بعد بريكست، وبالتوازي مع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي أدَّت إلى التوصل لاتفاقٍ تاريخيٍ، وقَّعت المملكة المتحدة اتفاقيات تجارية مع 62 دولة، بينها: اليابان، وسنغافورة، والمكسيك، وكينيا، ومددت في معظمها الترتيبات السارية في إطار الاتحاد الأوروبي.

وصرَّحت وزيرة التجارة التركية روهسار بيكان في مؤتمر عبر دائرة تليفزيونية مغلقة مع نظيرتها البريطانية ليز تروس بأن الاتفاق سوف يسري اعتبارًا من أول يناير 2021.

ووصفت بيكان الاتفاق مع بريطانيا بأنه “تاريخي” حيث إنه يتضمن نفس الشروط القائمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، اللذين يربطهما اتفاق اتحاد جمركي. وأضافت بيكان: أنه بدون الاتفاق مع بريطانيا، لكانت تركيا قد خسرت صادرات بقيمة 4ر2 مليار دولار إلى بريطانيا بسبب أعباء ضريبية إضافية.

وذكرت الوزارة: أن الاتفاق يمثِّل انتصارًا كبيرًا لقطاعات السيارات والتصنيع والصلب في بريطانيا، حيث إنه يتضمن تعريفات جمركية تفضيلية لـ7600 شركة قامت بتصدير سلعها إلى تركيا العام الماضي. ويُذكر أن بريطانيا هي أكبر سوق تصديري بالنسبة لتركيا بعد ألمانيا.

وقد نجحت المسيرات التركية في لفت أنظار الصناعات العسكرية البريطانية، وفي حجز مكانة لها في الاتفاق البريطاني – التركي، بعد الأداء الجيد ميدانيًّا في الجبهات التي استخدمت فيها من أذربيجان مرورًا بليبيا وسوريا وشمال العراق.

وبحسب صحيفة “العرب اللندنية”: فإن خبراء يرون أن لندن تريد الاستفادة من هذا التعاون العسكري بعد نجاح الطائرات المسيرة التركية في الحرب الآذرية – الأرمينية الأخيرة، وهو ما يغري البريطانيين بالاشتراك في تطوير هذه المسيّرات.

وقال وزير الدفاع البريطاني بن واليس: “إن النتائج التي حققتها مسيرات بيرقدار التركية، تفتح الطريق لإعادة النظر في طريقة إدارة المعارك بطريقة مختلفة”.

وتضيف الصحيفة: إن البريطانيين مهتمون بالانتشار الواسِع لهذه التقنية العسكرية الفعَّالة والرخيصة والسهلة؛ مما يجعل من الضروري -من وجهة نظرهم- أن تكون لديهم يد في توجيه مصنِّعيها العالميين الذين تتقدمهم دولٌ، مثل: الصين، وتركيا.

وأكَّد رئيس مجلس العمل التركي البريطاني “عثمان أوكياي”: على أهمية اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا، موضحًا أبعاد تلك الاتفاقية.

وقال أوكياي: اتفاقية التجارة الحرة الموقَّعة مؤخرًا بين تركيا وبريطانيا، ستساهِم في صعود التجارة الخارجية السلعية بين الجانبين إلى 20 مليار دولار كمرحلة أولى.

والحاصل: أن بريطانيا مهمة بالنسبة لتركيا، وفي الوقت نفسه تركيا مهمة بالنسبة لبريطانيا، ونثق في أن العلاقات ستتطور كثيرًا بين البلدين في المستقبل.

التعليقات مغلقة.