fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

محاولات الهيمنة الإثيوبية على منطقة القرن الإفريقي… الدوافع والتداعيات

92

محاولات الهيمنة الإثيوبية على منطقة القرن الإفريقي… الدوافع والتداعيات

تعاني كثير من الدول الحبيسة في إفريقيا أزمات كبيرة، سواء في سلاسل الإمداد أو الصادرات مع الدول الأخرى، إذ يترتَّب على ذلك بعض العراقيل أمام الاقتصاد، كفترات مُدد الشحن وتخزين البضائع، كذلك ارتفاع تكلفة التخزين والمرور عبر دول أخرى تمتلك موانئ مُطلَّة على البحر، ولكن تُعد إثيوبيا أكثر الدول الحبيسة تضررًا بالقارة السمراء؛ نتيجة تحفظات من بعض دول الجوار إزاء سياسة آبي أحمد.  

وفي تقديري، فإن فكرة الهيمنة أو عودة الإمبراطورية الإثيوبية من جديد باتت تراود آبي أحمد، وذلك عبر توجهات حكومته ببناء شبكة علاقات مع دول القرن من جهة، ومع دولتي إريتريا وجيبوتي الصغيرتين من جهة أخرى، وامتلاك منافذ متعددة بكافة دول المنطقة على البحر الأحمر.

ومع عودة الدور المصري تجاه العديد من دول القارة السمراء، بعد ما كانت الأوصال مقطعة منذ عهد الرئيس الراحل مبارك، حيث عمدت الدبلوماسية المصرية بشكل حثيث إلى إعادة رسم خريطة دورها بالمحيط الإقليمي لتعود القاهرة مرة أخرى كقوة فاعلة ومؤثرة بالمنطقة، وربما هو ما أزعج الجانب الإثيوبي، وذلك بالتزامن مع التصرفات الإثيوبية أحادية الجانب في ملء وتخزين سد النهضة، لاسيما في رفض مثل هذه التصرفات مع دولتي المصبِّ.  

ولا شك أن السياسة الجغرافية أو الموقع الجغرافي لإثيوبيا، جعلها في مأزق وترقب دائم؛ إذ تحاول البحث الحثيث عن بدائل أخرى لامتلاك موانئ متعددة بدول القرن الإفريقي، لتقليل اعتمادها على ميناء جيبوتي الذي يستحوذ على أكثر من 90% من حجم التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، بُغية أو وخوفًا من توتر علاقاتها مع جيبوتي في أي وقت؛ الأمر الذي قد يوقف عمليات الشحن والتصدير للدول الخارجية، مما قد يمثِّل ضربة كبيرة وقاسية للاقتصاد الإثيوبي في أي لحظة وأي وقت.  

مركز “رواق” للأبحاث والدراسات، يحاول تسليط الضوء في هذا التقرير على التحركات الإثيوبية للخروج من حبستها مع دول الجوار للوصول إلى موانئ عبر البحر الأحمر، ولكن هل هي محاولات مشروعة وتراعي مصالح الدول الأخرى وعدم التدخل في سياساتها الداخلية؟ أم أنها تحاول بالتزامن مع تلك التحركات أن تُنفذ الأجندة الغربية للإضرار والهيمنة على دول الجوار؟

ولكن الأزمة تكمن في تحفظات بعض دول الجوار من السياسة الإثيوبية حتى التي تربطها علاقات طيبة مع أديس أبابا؛ إذ تخشى من محاولات الهيمنة الإثيوبية وتنفيذ أجندات خارجية تضرّ بمصالح تلك الدول؛ خصوصًا بعد صعود آبي أحمد للسلطة، ولكن لماذا تحاول الدول الكبرى بشكل حثيث تقوية نفوذها في منطقة القرن الإفريقي خصوصًا بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية؟ هذا ما سنتعرف عليه بالتفصيل بهذه السطور.

استقلال إريتريا في عام 1992:

ومع حصول إريتريا إحدى دول القرن الإفريقي على استقلالها رسميًّا منذ عام 1992، وبعد أن تم حلَّ الأسطول البحري الإثيوبي عقب ذلك بأربعة أعوام، فقدت أديس أبابا وصولها إلى البحر نهائيًّا، وازدادت الأمور سوءًا مع نشوب الحرب الأهلية بين أديس أبابا وأسمرة في عام 1998، لتصبح موانئ عصب ومصوع مغلقة تمامًا أمام الشحن الإثيوبي من وإلى الخارج؛ الأمر الذي جعل البلاد مُضطرة للاعتماد على جارتها الصغيرة جيبوتي من أجل تمرير التجارة الخاصة بها إلى الخارج، حيث تمر نحو 95% من صادرات وواردات إثيوبيا عبر ميناء البلاد، وهو اعتماد جاء بثمن باهظ على ما يبدو، بحسب مجلة إيكونوميست، كما أن تكلفة شحن حاوية واحدة من جيبوتي إلى أديس أبابا تُعادل تكلفة شحن الحاوية نفسها من الصين إلى جيبوتي. “الجزيرة”.

طرق شحن غير مُكلفة:

أصبحت مشكلة الحكومة الإثيوبية أكثر وضوحًا وتأثيرًا بفضل النمو السكاني الكبير في البلاد؛ خصوصًا عندما ارتفع عدد السكان في إثيوبيا، ومن ثم الحاجة الملحة إلى طرق شحن غير مُكلفة، ونتيجة لذلك فقد حرصت أديس أبابا على الحفاظ على أسطول محدود من السفن التجارية يبلغ قوامه اليوم 11 سفينة تقوم برحلات دورية إلى شبه القارة الهندية والشرق الأوسط والبحر الأسود، حيث يدار الأسطول بواسطة شركة الملاحة الإثيوبية المملوكة للدولة (ESLSE)، ولكن المشكلة في أنه محدود؛ مقارنة بأساطيل شركات الشحن العالمية الأخرى.

وعلى إثر هذه التحركات، فقد أنشأت إثيوبيا مدرسة للبحارة في مدينة بحر دار على بحيرة تانا قُرب منابع النيل الأزرق في أوائل العقد الماضي؛ إذ وضعت خطة طموحة لتدريب أكثر من 5000 فردًا من البحارة ومهندسي السفن على مدار أكثر من عقد بهدف تشغيلهم بالأجر لصالح الأساطيل البحرية في سريلانكا والفلبين، ظنًّا من الحكومة هناك في أن تلك الخطوة سوف تسفر عن تدفقات مالية بالنقد الأجنبي إلى بلادهم تتجاوز 250 مليون دولار، ولكن لم تأتِ الرياح بما تشتهي السفن. “الجزيرة”.

أهمية الربط مع جيبوتي:

ركَّزت إثيوبيا في جهودها على خطط جديدة أكثر واقعية، حيث اعتمدت على زيادة الربط مع ميناء جيبوتي الذي يُعد منفذها الرئيسي إلى العالم من خلال خط سكة حديد بتكلفة ثلاثة مليارات دولار، بدأ إنشاؤه في عام 2011 بتمويل صيني ويبلغ طوله 759 كيلومترًا، مع إنشاء سلسلة من الموانئ الجافة داخل الأراضي الإثيوبية لتخفيض تكلفة التخزين والجمارك.

ورغم ذلك، لم تشعر حكومة أديس أبابا بالارتياح تجاه اعتمادها المطلق على موانئ جيبوتي؛ لا سيما مع سياسة الرئيس إسماعيل عمر غيلة للاستفادة من موقع بلاده الجغرافي والإستراتيجي لتأجير القواعد العسكرية للدول الأجنبية، الأمر الذي قد أدَّى إلى تنامي مخاوف أديس أبابا من أن جيبوتي قد لا يكون لها رأي في تقرير مصيرها في أي وقت.

النفوذ في منطقة القرن:

سعت الحكومة الإثيوبية لسنوات طويلة لإيجاد منفذ آخر لممارسة الأعمال بخلاف جيبوتي، وقد وجدوا الفرصة سانحة لفعل ذلك بالتزامن مع موجة التدفق المكثفة للقوى شرق الأوسطية بحثًا عن النفوذ في منطقة القرن الإفريقي؛ خصوصًا منذ العملية العسكرية التي أطلقتها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة ميليشيا الحوثي في اليمن عام 2015 التي جاءت مصحوبة مع تنافس خليجي تركي كبير على دمج القرن الإفريقي في نسيج الشرق الأوسط الجديد، وإعادة ترسيم الجغرافية السياسية الإستراتيجية للمنطقة. “الجزيرة”.  

ونتيجة تحفظ السياسة الخارجية لأديس أبابا تجاه العرب التي ظلَّت مُتحفظة تاريخيًّا مخافة أن تُطوَّق البلاد من قِبَل القوى العربية المنافسة، وفي مقدمتها: مصر، فإن التنافس بين دول الشرق الأوسط حول القرن الإفريقي منحت إثيوبيا فرصة لا تُقدَّر بثمن للمناورة، حيث سعت البلاد للاستفادة من انخراط مختلف دول الخليج العربي في المنطقة للالتفاف على عُزلتها البحرية وتقليل اعتمادها على ميناء جيبوتي، وقد فعلت ذلك في المقام الأول من خلال محاولة إثارة اهتمام شركائها العرب المحتملين بتجديد وتطوير موانئ أخرى في المنطقة، مثل: ميناء بورتسودان في السودان، وميناء مومباسا في كينيا.

الشراكة بين أديس أبابا والإمارات:

ومع التحركات الإثيوبية في طرق مختلفة، فقد وقع في ميناء بربرة في أرض الصومال، وهي دولة مستقلة عن الصومال بحكم الواقع منذ عام 1991، لكنها لا تحظى باعتراف دولي؛ إذ نجحت أديس أبابا في إثارة شهية دولة الإمارات للاستثمار في الميناء المُهمش الذي اكتسب أهمية إستراتيجية مفاجئة بالنسبة لأبو ظبي، نتيجة ضمانات من إثيوبيا مع الإمارات بتوجيه جزء من تجارتها في التمويل لرفع مستوى الميناء. “الجزيرة”.

ففي عام 2016 شهر مايو وقَّعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية لتشغيل وتطوير ميناء بربرة لمدة 30 عامًا، وبالتالي فقد ضمنت إثيوبيا وجودها في الميناء من خلال صفقة خاصة مع موانئ دبي في مارس 2018 حيث حصلت إثيوبيا على حصة بموجب الاتفاقية بلغت 19% في الميناء، لتضع أديس أبابا بذلك اللبنة الأولى في طريقها الطويل لاستعادة الوصول إلى البحر، بخلاف تحقيق العديد من الأهداف الإستراتيجية الأخرى، وعلى رأسها: ربط المنطقة الشرقية لإثيوبيا، الصومالية عِرقيًّا في المقام الأول، مع أديس أبابا عبر استثمار 80 مليون دولار في طريق بطول 500 ميل يربط بين الميناء وبين مدينة “توجوشال” الحدودية الإثيوبية. “الجزيرة”.  

إستراتيجية آبي أحمد:

ووفق مراقبون، فقد سخَّرت إثيوبيا كل مساعيها في الوصول إلى جميع الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي في إطار إستراتيجية رئيسية يرتكز عليها آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، في مشروعه الإقليمي الذي يقوم على ضمان التقدم الاقتصادي لإثيوبيا والتغلب على كونها دولة حبيسة وذلك لتعزيز المساعي الإثيوبية لامتلاك حصص في الموانئ البحرية بالمنطقة. “الأهرام”.

وعقب تولي آبي أحمد، السلطة في إبريل 2018 تبنى دبلوماسية الموانئ، كجزء من المشروع الإثيوبي الإقليمي الطامح لتوحيد القرن الإفريقي ككتلة اقتصادية يلعب سلاح البحرية دورًا بارزًا فيه؛ ذلك الرجل الذي يبحث عن مصلحة بلاده فقط ولا يكترث لمصالح الدول الأخرى حتى تلك التي تتعاون معه بسبب علاقاته مع الكيان الصهيوني ومع بعض الدول الغربية التي تحاول تقوية نفوذها هناك.

حيث يسعى رئيس الحكومة الإثيوبية إلى التغلب على الأزمة الجغرافية التي لازمت إثيوبيا منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك عقب استقلال إريتريا عنها في عام 1993، الأمر الذي شكل نقطة تحول إستراتيجي في السياسة الإثيوبية التي انخرطت في البحث عن بدائل متنوعة من الموانئ البحرية في دول الجوار الإقليمي، للاعتماد عليها في النفاذ إلى البحر الأحمر أو المحيط الهندي من أجل ضمان استمرار عبور التجارة من وإلى أديس أبابا.

ما الدوافع الإستراتيجية التي حركت إثيوبيا؟

تُحرك أديس أبابا العديد من الدوافع الإستراتيجية لامتلاك منفذ بحري دائم في المياه الدافئة، والتي نسلط الضوء عليها، فيما يلي:

– محاولة تعزيز مكانتها الإقليمية: حيث يخطط رئيس الوزراء الإثيوبي لاستعادة ما يسمى بـ”المجد الإمبراطوري القديم”؛ لإثيوبيا، ذلك أنه يريد لبلاده أن تصبح القوة الإقليمية الأقوى في إفريقيا على حدِّ زعمه، وهو الجوهر الأساسي للمشروع الإثيوبي الذي يقوم على تعزيز الهيمنة والسيطرة الإثيوبية على دول القرن الإفريقي، وتمدد النفوذ لمناطق إستراتيجية أخرى في القارة.

– إيجاد موطئ قدم في كل الموانئ البحرية بدول القرن؛ إذ تسعى إثيوبيا بشكل حثيث إلى إيجاد موطئ قَدَم في كل الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يعزز البدائل المتاحة أمامها، وتأمين ممرات إستراتيجية في المنطقة بهدف تدفق تجارتها الخارجية، والتحول إلى مركز اقتصادي ومالي إقليمي هناك.

– التغلب على الواقع الجغرافي للدولة: إذ تسعى إثيوبيا منذ تحولها لدولة حبيسة في تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن افتقدت جزءًا من مقومات قوتها الإقليمية؛ خاصة بعد ما أعلنت تفكيك القوة البحرية الإثيوبية، إلى تكثيف البحث عن منافذ بحرية دائمة تقلل من حدة المعضلة الجغرافية التي تعانيها البلاد، كما أنها لا تريد تكرار تجربة إريتريا في بداية الألفية وحتى لا تُجبر لدفع المزيد من التكلفة لمرور تجارتها عبر الموانئ البحرية في المنطقة. “الأهرام”.

– المصالح الاقتصادية: تحاول إثيوبيا وفق مساعيها لامتلاك حصص مختلفة في الموانئ البحرية على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي بهدف تسهيل نقل تجارتها وتجاوز التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد خلال السنوات الأخيرة، بجانب سعيها إلى تنويع منافذها للمياه الدافئة وخفض رسوم الموانئ البحرية، وبالتالي فهي تريد أن تصبح قوة إقليمية تحظى بموقع إستراتيجي قوي بالنسبة لطرق التجارة والشحن والنقل البحري في القرن الإفريقي مع الدول الخارجية.

– المخاوف الأمنية: إذ لدى أديس أبابا مخاوف كبيرة تتمثَّل في تزايد نشاط الإرهاب في القرن الإفريقي، وما يحدث في السودان المجاور لها ليس ببعيد عنها حاليًا، لا سيما حركة شباب المجاهدين الصومالية التي تمثِّل تهديدًا للأمن البحري في البحر الأحمر والمحيط الهندي، كذلك التخوفات الإثيوبية من اندلاع بعض الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض دول القرن الإفريقي الساحلية، مثل: جيبوتي والصومال، والتي ربما يترتَّب عليها انقطاع التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي.

– حماية الأمن القومي الإثيوبي: حيث تسعى الحكومة الإثيوبية إلى الحفاظ على أمنها القومي وامتلاك القدرة العسكرية على التدخل في مناطق أخرى، وتقديم نفسها طرفًا في المعادلة الإقليمية الخاصة بالأمن البحري في القرن الإفريقي؛ إذ تحاول أديس أبابا التصدي لمحاولات بعض القوى الإقليمية المناوئة لها التواجد العسكري في فنائها الخلفي من خلال تأسيس قواعد عسكرية وبحرية بالقرب من إثيوبيا في بعض دول الجوار المطلة على البحر الأحمر، مثل: إريتريا، وجيبوتي، والصومال.

محاولات إثيوبية حثيثة بكافة الأصعدة:

لم تقف إثيوبيا صامتة تجاه التحولات التي أعقبت استقلال إريتريا، حيث عززت تحركاتها على أكثر من صعيد دولي ومحلي وإقليمي، لتجاوز معضلة الجغرافيا السياسية، فعلى الصعيد المحلي، تأسست القوة البحرية الإثيوبية عام 1955 قبل أن يتم تفكيكها في عام 1996 وعرض أصولها للبيع عقب ثلاثة أعوام من استقلال إريتريا التي كانت قد بدأت في فرض رسوم على التجارة الإثيوبية التي كانت تمر عبر ميناء عصب الإريتري بشكل مجاني، مما ترتَّب عليه غلق ميناء عصب في وجه إثيوبيا لتصبح دولة حبيسة. “الأهرام”.  

فقد حاول رئيس الوزراء الأسبق ميلس زيناوي آنذاك، التقليل من الخطوة الإريترية ومن أهمية الموانئ، وأن بلاده يمكنها التخلي عن الموانئ، وأن الاقتصاد الإثيوبي لن يتأثر، وعزز طرحه آنذاك بأن أوغندا بلد غير ساحلي بأداء اقتصادي جيد؛ إلا أن المخاوف الإثيوبية ظلت مستمرة منذ ذلك الحين، حيث أطلقت الحكومة الإثيوبية في إبريل 2015 إستراتيجية لوجستية وطنية بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تستهدف استخدام موانئ متعددة في دول الجوار الجغرافي.

وعقب صعود آبي أحمد للسلطة، تعهد في خطابه الأول بإعادة بناء سلاح البحرية الإثيوبية وهو حلم ظل يراود الإدارات الإثيوبية منذ تسعينيات القرن الماضي، كما أكَّد خلال اجتماع مع قادة الجيش الإثيوبية في يونيو 2018 على ضرورة بناء قدرات القوات البحرية مستقبلًا عقب بناء قوة جوية قوية على صعيد القارة -بحسب زعمه-، كما يحاول أن تصبح إثيوبيا جزءًا من الدول التي تمتلك قواعد عسكرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ حفاظًا على مصالحها، وأمنها القومي.

غضب إثيوبي بعد رفض انضمامها لمنتدى البحر الأحمر:

وفي محاولة توسيع تحركاتها لامتلاك منافذ بحرية على ساحل البحر الأحمر أو المحيط الهندي، وهو ما دفعها في فبراير 2022 للمطالبة بالانضمام إلى منتدى البحر الأحمر وهو ما تم رفضه، واعتبر وزير الخارجية الإثيوبي: أن استبعاد إثيوبيا من عضوية المنتدى هو أمر خاطئ؛ لأنها تمتلك العديد من المقومات للعب دور مهم في تعزيز السلم والأمن بالقرن الإفريقي. “الأهرام”.  

وفي ديسمبر 2018 على مشروع قانون حول إعادة هيكلة الجيش الإثيوبي، والذي تضمن مواد متعلقة بإعادة بناء القوات البحرية الإثيوبية، كما دشنت الحكومة الإثيوبية حجر الأساس لبناء مركز تدريب عسكري بحري في بيشوفتو، وهي خطوة حظيت بمعارضة الداخل لكونها بلا جدوى بينما رآها البعض بمثابة ذريعة لاحتلال إثيوبي جديد للساحل الإريتري.

البحث عن موطئ قدم في القرن الإفريقي:

على الصعيد الإقليمي: سعى آبي أحمد إلى توسيع دائرة التحالفات مع دول المنطقة من أجل البحث عن موطئ قدم إستراتيجي لبلاده في القرن الإفريقي، وذلك في إطار السياسة الإثيوبية لتنويع خياراتها في مجال الموانئ البحرية، حيث نجحت أديس أبابا في توقيع اتفاق مع الصومال في شهر يونيو عام 2018 يتضمن الاستثمار الإثيوبي في أربع موانئ بحرية، من أبرزها: ميناء جرعد وهوبيو بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية.

السيطرة على موانئ بعض الدول المجاورة:

ومن خلال محاولة بسط نفوذها على الموانئ ببعض الدول المُطلة على البحر الأحمر، أبرمت إثيوبيا العديد من الاتفاقيات، ومنها مع جيبوتي في نفس العام بأول زيارة خارجية لآبي أحمد عقب توليه السلطة، بهدف شراء حصة من ميناء جيبوتي وذلك في مقابل استحواذ حكومة جيبوتي على حصص من بعض الشركات الإثيوبية مثل شركة إثيوتيلكوم وشركة الكهرباء الإثيوبية وشركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وذلك بحسب صحيفة كابيتال الإثيوبية في ديسمبر 2019 بشأن تفاهمات مبدئية لتأسيس قاعدة بحرية إثيوبية في جيبوتي 2019. “الأهرام”.

ومع استمرار التنوع الإثيوبي الحثيث للهيمنة على جميع موانئ دول القرن، فقد وقَّعت اتفاق آخر مع السودان في مايو 2018 للوصول إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وهو يخدم بشكل أساسي منطقة الشمال الإثيوبي في تجارتها مع الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وفي نفس السياق: أبرمت اتفاقًا آخر مع كينيا في مايو 2018 يهدف إلى تسهيل حصول إثيوبيا على أراضي في جزيرة لامو كجزء من مشروع لابسيت بتكلفة تقدر بـ 24 مليار دولار، بهدف ربط إثيوبيا مع كينيا وجنوب السودان. “الأهرام”.

وعلى الصعيد الدولي: حاولت إثيوبيا الاستعانة ببعض الخبرات الدولية لمساعدتها في إعادة تأسيس قوتها البحرية، حيث أعلنت في مارس 2019 عن توقيع اتفاق عسكري مع فرنسا بقيمة 96 مليون دولار تتضمن مساعدتها لبناء قوة بحرية إثيوبية في إطار سياسة بناء القدرات العسكرية لإثيوبيا، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع آبي أحمد بدعم بلاده لأديس أبابا في مساعيها لإقامة قوة بحرية إثيوبية، وذلك قبل أن يتم تعليق الاتفاق؛ بسبب اندلاع الحرب الإثيوبية في إقليم التيجراي. “الأهرام”.

أبرز أزمات دول القرن:

ويرى مراقبون وسياسيون: أن منطقة القرن الإفريقي تتميز عن بقية دول القارة، بكثافة الأزمات الطبيعية، وتواتر الأحداث السياسية العنيفة بشكل استثنائي، ومن ثم استمرار الصراع، الذي شهدته وما زالت تشهده المنطقة، و ما يحدث حاليًا في السودان بين قوى الصراع بالقوات المسلحة ليس ببعيد، حيث شهدت دول القرن الإفريقي العديد من الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية.

وعانت دول القرن من اشتباك جيوش خارجية في صراعاتها الداخلية، وما حدث في الصومال وجنوب السودان، ويحدث حاليًا في السودان يدلل بشكل كبير وواضح عن تدخلات دول القوى الكبرى، التي تعبث بأمن واستقرار دول القارة السمراء للسيطرة عليها واستغلال ثرواتها الطبيعية التي تباع بثمن بخس لتعود مرة أخرى في صورة مواد تصديرية بملايين الدولارات.

كذلك، فإن أهم ما يميز بلدان القرن الإفريقي عن بقية إفريقيا في استمرار الصراع، ظهور دولتين جديدتين مستقلتين بحكم القانون، وهما : إريتريا، وجنوب السودان، وواحدة أخرى بحكم الواقع؛ هي أرض الصومال، والعديد من المناطق الخاضعة لسيطرة حركات التمرد المسلح، وغيرها من المناطق الواسعة، التي تخضع شكلًا فقط لسيطرة الحكومات المركزية.

الخيارات الصعبة أمام أديس أبابا:

وأضاف مراقبون: أن اندلاع الحرب الأهلية بين الحكومة الإثيوبية وحكومة إقليم التيغراي في نوفمبر 2020 ذلك الذي لم ينتهِ بشكل جذري حتى الآن، التي شاركت فيها أيضًا قوات من إريتريا ودول أخرى، لا يتحدث فقط عن عدم الاستقرار السياسي المتأصل في المنطقة، ولكنه يُشير بجلاء إلى أن عملية تشكيل الدولة لم تكتمل بعد. “التنويري للدراسات”.

ويبدو حاليًا أن درجة التقلبات في القرن الإفريقي تعد هي الأعلى من أي وقتٍ مضى، بما في ذلك كل ما جرى في السنوات الأخيرة؛ إذ ظهرت قضايا معقدة جديدة، مثل: سد النهضة، الذي يؤثر على دولتي المصب: (مصر والسودان)، والمطالبات المتصاعدة بالانفصال في إثيوبيا.

إذ كان التوجه العالمي خصوصًا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي هو أن تؤدي حركات التمرد والتدخلات العسكرية إلى إشعال حروب شبه إقليمية شرسة، كما كان مع دارفور وتشاد، وكما هو الحال حاليًا بين إقليم التيغراي وإريتريا وإثيوبيا، وما جرى من حرب بالوكالة بين أديس أبابا وإريتريا في الصومال، بدلًا من الحروب الكبيرة متعددة الجوانب في الثمانينيات والتسعينيات. “التنويري للدراسات”.

إن الحرب في التيغراي، والتمرد العنيف في أوروميا، وبني شنقول – قمز، وأغادين، ومنطقة العفر، وغيرها، يُضاف إليها التوترات على الحدود السودانية – الإثيوبية، ومشكلة سد النهضة، تعد قضايا مثيرة للقلق وشائكة للغاية لأسباب متنوعة، ليس أقلها أن الجهات الفاعلة الرئيسة لم تظهر نفس الدرجة من التردد عندما يتعلق الأمر بتصعيد مثل هذه الأحداث.

ووفق محللين، فإنه من الصعب أن تستطيع إثيوبيا مع كل هذه الخيارات الصعبة أن تدخل في صراعات مع كافة الجبهات أو تلك الدول التي من بينها دول كبيرة عسكريًّا وإقليميًّا كمصر -على سبيل المثال-؛ الأمر الذي قد ينذر إلى وقف برامج التنمية في إثيوبيا، ومن ثم زيادة الإنفاق الأمني، وربما السماح للجهات العسكرية الدولية بنشر القوة عبر الحدود، وحروب الوكالة، مما يؤدي إلى مزيدٍ من التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي وتداعياته على الاقتصاد والأمن الدوليين. “التنويري للدراسات”.

محاولة الهيمنة المائية على نهر النيل:

يرى خبراء ومختصون: أن مصر قد استطاعت على مدى عقود طويلة أن تصبح القوة المائية المهيمنة في منطقة حوض النيل، باعتبارها الدولة الأكبر في المنطقة، حيث امتلكت وفق الاتفاقيات المنصوص عليها قوة النقض، وفقًا لمبدأ الإخطار المُسبق في مواجهة إثيوبيا ودول حوض النيل الأخرى؛ الأمر الذي حافظ على الوضع المائي كما هو عليه، فلم تجرؤ دولة بحوض النيل -وعلى رأسهم: إثيوبيا- أن تدخل في مواجهة مع مصر وخصوصًا إذا تعلَّق الأمر بالأمن المائي أو بناء السدود الذي تم رفضه شكلًا وموضوعًا.

ولكن منذ تسعينيات القرن الماضي، فقد ظهر نمط جديد من الهيمنة المضادة في وادي حوض النيل؛ إذ بدأت نظم جديدة تتشكل وتطفو على السطح، عندما بدأت أسس التوافق تتآكل بين دول غير مهيمنة ومصر باعتبارها القوة الكبرى في القارة، نتيجة توتر الأوضاع الإقليمية والدولية التي كانت في غير صالح دولتي المصب: (مصر والسودان)؛ إذ تحاول أديس أبابا بدعم ربما يكون خفيًّا من بعض القوى، أن تفرض سيطرتها على نهر النيل وبناء السدود بمخالفة النصوص والقوانين الدولية وهو ما جعلها في مأزق وخلاف مع دول المصب، وموقف مصر يرفض كل هذه التصرفات أحادية الجانب.

الخلاصة:

– نستخلص من ذلك: أن حكومة آبي أحمد تعاني من أزمات عديدة داخليًّا وخارجيًّا، فعلى المستوى الداخلي تعاني من الأزمات الاقتصادية الصراع مع إقليم التجراي وإن كانت الأمور قد هدأت قليلًا، أما خارجيًّا فهي محاول الهيمنة على الموانئ بدول القرن المطلة على البحر مع زيادة التكاليف المرور والشحن.

– إن موقع إثيوبيا الجغرافي بالرغم من أنها دولة كبيرة من حيث المساحة إذ تمثِّل نحو 1.2 مليون كم؛ إلا أنها دولة حبيسة غير مطلة على أي بحر، وبالتالي الصعوبة في النقل والشحن من خلال دول أخرى، ولكن مع دفع الرسوم المرتفعة.

– من هنا تحاول إثيوبيا عقد الاتفاقيات طويلة وقصيرة الأجل بالإيجار لبعض الموانئ مع بعض دول القرن وحتى لا يقتصر الأمر على دولة واحدة كما حدث من قبل مع جيبوتي، ومن ثم وقف صادراتها للخارج.

– لقد ساهمت الأوضاع الدولية والإقليمية بالتحديد -ومنذ عقدٍ تقريبًا- في خدمة إثيوبيا في محاولة منها للهيمنة على نهر النيل بحجة الاستثمار بوازع من بعض الدول، وعلى رأسهم: الاحتلال الصهيوني.

– تشير بعض التقارير والتصريحات بأن هناك ترقُّب من بعض الدول المجاورة تجاه إثيوبيا؛ فالتعاون معها للاستفادة المتبادلة، لكنه يجب أن يكون بحذر في ذات الوقت وبعض الشيء؛ لأن عدم الاتفاقيات دون شروط أو مدد محددة يعني الهيمنة على بعض الدول الإفريقية بمنطقة القرن.

وفي تقديري: أن السياسة الإثيوبية تجاه سد النهضة أزعجت بعض الدول وإن كان الأمر لا يعنيها في المقام الأول؛ لأنه يكشف مدى عنصرية حكومة آبي أحمد والبحث عن مصالحه فقط؛ دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى.

– تحاول حكومة آبي أحمد الوصول إلى جميع الموانئ البحرية في منطقة القرن الإفريقي كونها دول حبيسة تريد الخروج من عزلتها أولًا، وضمان التقدم الاقتصادي لإثيوبيا وامتلاك حصص بالموانئ البحرية ثانيةً.

– كذلك إثيوبيا ترى في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل “منطقة نفوذ إقليمي مهم”، وبالتالي هي تسعى للهيمنة عليها ورغبة منها في توسيع نفوذها على الصعيد القاري لتصبح ضمن أقطاب القارة السمراء إستراتيجيًّا واقتصاديًّا.

– وفي تقديري: أن أديس أبابا لا ترغب فقط في التخلص من عزلتها أو لكونها دولة حبيسة؛ إنما هي ترغب في السيطرة على دول الجوار والهيمنة على النهر ومنطقة القرن الإفريقي ولو حساب على حساب مصر والسودان من جهة، وخوفًا من تمدد نفوذ القاهرة مع دول القارة من جهة أخرى، خصوصًا بعد عودة العلاقات المصرية الإفريقية والدور المصري مرة أخرى مع دول القارة.

– فكل التصرفات الإثيوبية باتت معلومة لدى بعض الدول عمومًا ومصر والسودان على وجه الخصوص؛ لا سيما أنها تقدم مبررات غير منطقية بحجج البحث فقط عن التنمية لأجل مصالح شعبها (أزمة السد نموذجًا).

– أخيرًا… فإن ما يزعج إثيوبيا ليست قضية التنمية فقط، إنما أيضًا كون منطقة القرن الإفريقي تمثِّل أهمية كبيرة وموقع إستراتيجية مهم للعالم، بجانب ما تمتلكه تلك المنطقة من الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية، كذلك كون تلك المنطقة محط أنظار العالم ومطامع بعض القوى الكبرى، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، وبالتالي فهي تريد أن تكون جزءًا من المعادلة وتبادل المصالح.

المصادر:

الجزيرة

الأهرام

التنويري للدراسات

– الكاتب

التعليقات مغلقة.