fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مباحثات الفصائل الفلسطينية والمصالحة الخليجية.. محددات ودلالات الدور الصيني الصاعد في الشرق الأوسط

0 23

مباحثات الفصائل الفلسطينية والمصالحة الخليجية.. محددات ودلالات الدور الصيني الصاعد في الشرق الأوسط

دخول الصين إلى الشرق الأوسط:

دخلت منطقة الشرق الأوسط في دائرة الاهتمام الصيني خلال السنوات الأخيرة؛ إذ عملت بكين على الدخول على خط قضايا المنطقة والتأثير على مجريات الأحداث، وقد بدا ذلك واضحًا في المصالحة الخليجية الإيرانية والتي تمت برعاية الصين، فضلًا عن مباحثات الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتي جرت في بكين.

وقد أسفر الاهتمام الصيني بحل أزمات المنطقة عن عدة نِقَاط إيجابية؛ أبرزها: نجاح المصالحة الإيرانية الخليجية، وحصول القضية الفلسطينية على دعم الصين في المحافل الدولية، وتعكس التحركات الصينية إزاء قضايا الشرق الأوسط، مساعي بكين لأن تصبح وسيطًا للسلام في المنطقة، غير أن البعض يرى في الاهتمام الصيني المتزايد إزاء الشرق الأوسط بداية لدخول المنطقة في دائرة الحرب الباردة الجديدة، ما سيكون له وقعة السلبي على دول المنطقة؛ فكيف يمكن قراءة الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط؟ وما أبعاد ودوافع الاهتمام الصيني المتزايد بقضايا المنطقة؟ وهل تثمر مباحثات الفصائل الفلسطينية في بكين عن إنهاء الانقسام الفلسطيني؟ وكيف يمكن تقييم الدور الصيني في اتفاق المصالحة الخليجية؟ وفي ظل الهيمنة الأمريكية على المنطقة منذ عقود ما مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ظل الاهتمام الصيني بقضايا المنطقة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على؛ الدور الصيني الصاعد في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة في ظل التعاون الاقتصادي الواسع مع دول المنطقة وتداعياته على قضايا المنطقة العالقة واحتمالية وصول الصراع الصيني الأمريكي إلى الشرق الأوسط؛ في هذه السطور الآتية:

الصين والمصالحة الخليجية الإيرانية:

بعد قطيعة استمرت 7 سنوات ما بين المملكة العربية السعودية وإيران، نجحت الصين في حلحلة الأزمة ما بين البلدين الجارين، وإعلان اتفاق مصالحة وإعادة العلاقات ما بين السعودية وإيران، ما مثل مفاجأة للولايات المتحدة والقوى الغربية.

وبالنظر إلى توقيت اتفاق المصالحة، والذي يأتي بالتزامن مع انتخاب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” رئيسًا لولاية ثالثة مدتها 5 سنوات في مارس 2023م، إلى جانب زيادة وتوسع المشاريع الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإيران في إطار مبادرة “الحزام والطريق” الصينية؛ فإن اتفاق المصالحة يشير إلى تزايد أهمية منطقة الشرق الأوسط في الحسابات الصينية.

ولم تكن الصين الدولة الوحيدة التي سعت إلى لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية؛ فقد عقد البلدان عدة جولات من المحادثات بوساطة العراق وسلطنة عمان؛ ولكن الصين كان لها الدور الأكبر في التوصل إلى الاتفاق بين السعودية وإيران؛ نظرًا إلى المكانة والنفوذ اللذين تحتلهما بكين لدى كل من طهران والرياض، وعدم خضوعها للضغوطات والإملاءات الغربية.

وقد عملت بكين منذ سنوات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين السعودي والإيراني؛ ففي العام 2017م، أعلنت الصين قبيل زيارة الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز” إلى بكين عن استعدادها للتوسط بين الجانبين، ثم عادت وأبدت رغبتها في أداء دور الوسيط بين البلدين في أثناء زيارة ولي عهد السعودية، الأمير “محمد بن سلمان” إلى بكين عام 2019م .والاهتمام الصيني المتزايد بإبرام اتفاق مصالحة وحل أزمات منطقة الشرق الأوسط، يأتي نتيجة لكون المنطقة تؤدي دورًا محوريًّا في مشروع الصين العملاق “الحزام والطريق”، إذ تُعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق في المشروع الصيني؛ فمنذ الإعلان عن المبادرة الصينية حظيت دول الشرق الأوسط بأهمية بالغة في الحسابات الصينية، كون المنطقة تُعد ترانزيت وسوقًا واعدًا، إلى جانب توسطها لقارات العالم القديم “آسيا، وإفريقيا، وأوروبا”؛ ما سيسهل وصول الصين إلى العديد من الأسواق الواعدة والمناطق الغنية بموارد الطاقة والثروات الطبيعية.

فتكمن مصلحة بكين الرئيسية في الشرق الأوسط في استمرار الحصول على موارد الطاقة والثروات المعدنية، وتأمين الطرق اللوجستية وحل الخلافات العالقة في المنطقة؛ لذلك استخدمت بكين ثقلها الاقتصادي وتاريخها الإيجابي مع دول المنطقة في حلحلة الأزمة ما بين السعودية وإيران، ما يُعد نقطة إيجابية في العلاقات الصينية الشرق أوسطية.

المصالح الصينية في الشرق الأوسط:

وتمثل نجاح المصالحة الخليجية الإيرانية؛ قفزة في السياسة الخارجية الصينية، والتي لطالما كانت منصبة على تعزيز مشاريع التنمية وقضايا الاقتصاد والصناعة والشراكات مع الدول المختلفة حول العالم؛ إلا أنه ومع نمو المصالح الصينية في العديد من المناطق حول العالم، فرض ذلك النمو على بكين التدخل في قضايا وصراعات وأزمات عدة، لضمان مصالحها السياسية والاقتصادية

.وتحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية بالغة في السياسة الخارجية الصينية، ويُعد الشرق الأوسط من أهم مناطق العالم التي توليها الحكومة الصينية اهتمامًا كبيرًا؛ إذ ترتبط معها بعلاقات إستراتيجية وثيقة برزت في حجم وطبيعة التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والتكنولوجي، بين الصين ودول المنطقة المختلفة.ورغم ما تواجهه منطقة الشرق الأوسط من أزمات وتحديات، أمنية وسياسية واقتصادية وصحية، فإن ذلك لم يقف عائقًا أمام تعزيز التعاون المشترك مع الصين، بل على العكس؛ فقد كانت هذه الأزمات التي عصفت بالمنطقة ولا تزال، أحد أبرز الدلالات التي أكدت قوة ومتانة العلاقات الصينية مع دول الشرق الأوسط، ما أكسبها زخمًا وجعلها أكثر تفضيلًا للجانبين.

ولم يأتِ الدعم الصيني المتواصل لمساعدة دول المنطقة مصادفة أو بشكل عابر، وإنما هو في صميم السياسية الخارجية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط؛ فهو نهج متأصل في الدبلوماسية الصينية اتجاه المنطقة، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب؛ من أبرزها: أهمية منطقة الشرق الأوسط للصين، على مختلف المستويات والمجالات، فضلًا عن توجهات السياسة الخارجية الصينية المنبثقة من قيم وثقافة الصين؛ إلى جانب عدم انخراط بكين في أي من صراعات المنطقة، ما جعلها وسيطًا مقبولًا لدى جميع الأطراف المتنافسين والمتصارعين في الشرق الأوسط.

وتُعد دبلوماسية الأزمات التي تنتهجها الصين، من أبرز مكونات السياسة الخارجية الصينية، خاصة اتجاه الشرق الأوسط؛ حيث تقف الصين باعتبارها الصديق الوفي المخلص، وتقدم كل الدعم والمساندة في مختلف الأزمات على تنوعها، وهو ما بدا واضحًا خلال أزمة جائحة فيروس كورونا على سبيل المثال، ما يترك أثرًا طيبًا وينعكس إيجابًا ليس على مستوى العلاقات الرسمية فحسب، وإنما أيضًا على مستوى العلاقات الشعبية.

وتكمن العديد من الأبعاد الأخرى والدوافع طويلة الأمد في دخول الصين على خط أزمات المنطقة، فإلى جانب المصالح الصينية في الشرق الأوسط؛ تطمح بكين إلى الحد من الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، والتي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وتعزيز التعاون مع الدول النفطية وغيرها من البلدان صاحبة الموارد والثروات الطبيعية اللازمة للعمليات الصناعية الصينية.

أبعاد ودوافع الاهتمام الصيني بأزمات وصراعات الشرق الأوسط:

بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية والشراكات التجارية الصينية الشرق أوسطية؛ فإن منطقة الشرق الأوسط تُعد محورية بالنسبة إلى الصين، باعتبارها سوقًا تجاريًا كبيرًا للمنتجات الصينية، إذ تبلغ التبادلات التجارية ما بين الصين ودول المنطقة أرقامًا قياسية كل عام؛ ففي عام 2022م، سجل التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط أكثر من 507 مليار دولار بنسبة نمو عن العام 2021م بلغت 27.1%. وتُعد منطقة الشرق الأوسط، أحد أهم الشركاء التجاريين للصين وتأتي في الترتيب الرابع بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآسيا؛ كما أن الطاقة النفطية والمنتجات البترولية التي تنتجها دول الشرق الأوسط، تُعد المورد الرئيسي للصين، حيث تستورد الصين نحو 50% من احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي من دول الشرق الأوسط، وهو ما يعكس اهتمام الصين بمشاريع الطاقة في دول المنطقة، من خلال ضخ الصين لاستثمارات هائلة في مجالات الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة بدول الشرق الأوسط، خاصة في مجال الهيدروجين الأخضر وغيره.

وقد ساهم منتدى التعاون العربي الصيني، والذي تم إنشاؤه في يناير عام 2004م، في تعزيز المصالح والشراكات العربية الصينية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة مع مشروع بكين العملاق “الحزام والطريق” لتعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية؛ وقد كشفت الصين خلال أعوام 2016م و2017م و2018م عن مبادرة القروض الخاصة مع دول المنطقة العربية، والتي تُعد خطين ائتمانيين خاصين أنشأتهما الصين بمبلغ 15 مليار دولار و20 مليار دولار على التوالي، لتعزيز العمل المشترك لمبادرة الحزام والطريق. (مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة).

وخلال العقد الأخير؛ ازدادت الاستثمارات والشراكات التجارية والاقتصادية الصينية في بلدان الشرق الأوسط في مختلف المجالات التنموية والتكنولوجية، ومن أهمها: مجالات الطاقة التقليدية، والطاقة الجديدة، والبنية التحتية، والصناعات التحويلية، والتكنولوجية، والاقتصاد الرقمي، والطب الحيوي، والاقتصاد الأخضر.

وتعتبر الاستثمارات الصينية وما تتضمنه من توطين للتكنولوجيا المختلفة، خاصة تكنولوجيا الاتصالات؛ قاطرة بالغة الحيوية لاقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط، على اختلافها وتباين هياكلها ومستويات نموها؛ إذ تعمل حكومات دول المنطقة والصين على اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي للتعاون، ومجالي البنية التحتية، والتجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية، والفضاء والأقمار الصناعية، والطاقات الجديدة كنقاط اختراق لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المختلفة.

ويأتي الموقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط، ليؤدي هو الآخر دورًا مهمًّا في تزايد أهمية المنطقة لدى الصين، في ظل سيطرة الشرق الأوسط على أهم الممرات الملاحية والتجارية، باعتبارها محورًا أساسيًّا في الإستراتيجية الصينية، ورأس حربة سياستها الخارجية، لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي، وما يمكن أن يعقب ذلك من إعادة صياغة النظام الدولي ككل.

كل ذلك وغيره جعل الصين حريصة على إدراج دول المنطقة في مختلف التجمعات والآليات التي تتبناها وتقودها؛ فالشرق الأوسط بالنسبة إلى بكين، ليس فقط منطقة صراعات ممتدة تنفجر من حين إلى آخر وتهدد باشتعال المنطقة وتداعيات طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي، وإنما به فرص اقتصادية واعدة في مناطق الاستقرار.

والصين قد استشعرت ذلك منذ عقود، وأخذت بالتحرك لتعميق العلاقات مع دول المنطقة ومزاحمة النفوذ الأمريكي، كما أن لها رؤيتها فيما يتعلق بكيفية تسوية الصراعات وحلها، حتى وإن كان ذلك على المدى البعيد، فإن لها مشاريعها وأدوات تنفيذها في مناطق الاستقرار؛ وتملك بكين العديد من الأوراق للتأثير على أي مفاوضات تجرى في منطقة الشرق الأوسط بوساطتها بهدف إنجاحها، وهو ما بدا واضحًا خلال المصالحة الخليجية الإيرانية والتي تمت برعاية الصين عام 2023م.

دخول الصين على خط القضية الفلسطينية والانقسام الفلسطيني:

تدريجيًّا يزداد الدور الصيني بقضايا وصراعات المنطقة، في ظل نمو مصالحها مع دول الإقليم؛ ففي ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دخلت الصين على خط الأزمة بأساليبها السياسية والدبلوماسية، عبر دعمها للجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى الوقف الفوري للعنف في قطاع غزة، واحتواء توسع الصراع في المنطقة.

وذلك من خلال دورها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ومساعيها المبذولة في منتديات أخرى؛ أو من خلال زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى إلى المنطقة للتواصل مع الأطراف المعنية، بما فيهم إسرائيل وحركة حماس؛ واستضافت الصين كذلك في إبريل ممثلين عن حركة فتح وحماس لإجراء محادثات مصالحة في بكين. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

وبالنظر إلى تزايد اهتمام الصين بالانخراط في قضايا وصراعات المنطقة؛ فإن التحركات الصينية لا يزال يحكمها مبدأ عدم التدخل والتزام الحياد السياسي والحذر الشديد من التورط في الصراعات الخارجية؛ غير أن تلك التحركات الصينية تُعد خطوة إيجابية للحد من الهيمنة الأمريكية الكاملة على المنطقة؛ إذ إن الولايات المتحدة والقوى الغربية قد أعطوا الضوء الأخضر للكيان المحتل بشن حرب شاملة على المدنيين في قطاع غزة، وتسببوا في مفاقمة وتعقيد أزمات المنطقة، وقد مدت الولايات المتحدة على وجه الخصوص الكيان المحتل بالسلاح والأموال، وأمنت له الغطاء الدبلوماسي، وقد أطال ذلك أمد الحرب ومكن إسرائيل من ارتكاب فظائع جسيمة وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، فوضعت المنطقة على فوهة بركان، وأصابت مصداقية الغرب الدولية في الصميم.

وعملت الصين خلال الأزمة الحالية في الشرق الأوسط على تصعيد لهجة انتقادها للكيان المحتل والولايات المتحدة، نائية بنفسها عن القوى الغربية، من خلال دعم الفلسطينيين وطرح نفسها كوسيط محتمل؛ وكان وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” قد دعا في وقت سابق هذا العام إلى عقد مؤتمر سلام دولي معيدًا التأكيد على دعم بكين “حل الدولتين”.

وتأتي المباحثات بين حركتي: فتح وحماس برعاية الصين، في ظل تزايد الحديث عن أن مستقبل غزة ما بعد الحرب سوف يعتمد بشكل كبير على المصالحة بين الحركتين، وفشلت المساعي السابقة في حل خلافاتهما السياسية عدة مرات؛ وفي ظل المباحثات الجارية حاليًا فمن المؤكد أن الصين تنظر إلى الأمور بواقعية، وتدرك أن الخلافات القائمة ما بين حركتي فتح وحماس تمتد لسنوات عديدة.

ما يعني أن المصالحة الشاملة بين فتح وحماس لن تكون سريعة كالتي كانت بين إيران والسعودية؛ ويبدو أن الصين تسعى إلى إحراز أي تقدم في ظل المباحثات الحالية ما بين الحركتين؛ إذ يُعد أي تقدم ملموس في ملف المصالحة انتصارًا دبلوماسيًّا كبيرًا للصين، من شأنه أن يعزز من دورها السياسي والدبلوماسي عالميًّا، في ظل سعي الصين لأن تكون وسيط سلام دولي بديل للولايات المتحدة.

وتستخدم بكين تجاربها السياسية وشراكاتها الاقتصادية الناجحة مع دول الشرق الأوسط للضغط من أجل حل الخلافات ما بين حركتي: فتح وحماس؛ وتتمتع الصين بتاريخ طويل في دعم الدول العربية، فخلال الحرب الباردة أعلنت بكين تضامنها مع الدول العربية بتصويتها عدة مرات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة؛ وفي ظل وقوف الصين إلى جانب القانون الدولي والطرف المضطهد (الشعب الفلسطيني)، فإنها ليست طرفًا محايدًا، وإنما تدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة وحل الخلافات ما بين الحركتين.

مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ظل الحرب الباردة الجديدة:

تتميز الحضارة المعاصرة بتعدد مناطق القوة وتنوعها ما بين قوة صناعية وتكنولوجية واقتصادية وابتكارات علمية ومشاريع صاعدة ومتعددة؛ لذلك فإن نظام القطب العالمي الواحد الذي ساد العالم بزعامة الولايات المتحدة، بدأ من أوائل تسعينيات القرن الماضي قد بدأ يترنح، في ظل صعود الصين وروسيا والهند.

ومع مزاحمة الصين للولايات المتحدة اقتصاديًّا وصناعيًّا؛ تسعى بكين إلى مد نفوذها في مختلف مناطق العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، ولكنها لا تسعى إلى تحويل النظام العالمي إلى قطب أحادي تتزعمه بكين، أما الولايات المتحدة فتريد الحفاظ على شكل النظام العالمي القائم منذ 30 سنة؛ إلا أن الصين وروسيا يسعيان إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ويبدو أن الصين لا تريد أن تحل محل الولايات المتحدة في الهيمنة على المناطق المختلفة حول العالم، وإنما تستخدم مشاريعها العملاقة في إقناع الدول النامية بأن العمل الاقتصادي المشترك سيؤدي إلى بناء مستقبل جديد للشعوب؛ ولكن الولايات المتحدة ترى في التحركات الصينية أن ظاهرها اقتصادي وتعاوني، ولكن باطنه سياسي وسيؤثر على مكانة الولايات المتحدة حول العالم؛ خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل مصدرًا أساسيًّا للنفط والطاقة.

ونتيجة للتنافس ما بين القوى العظمى، أضحت العديد من المناطق الجغرافية حول العالم ساحات ساخنة في ظل الحرب الباردة الجديدة؛ إذ تُعد منطقة شرق أوروبا والتي تشهد انتشارًا عسكريًّا كثيفًا للقوات الروسية وحلف شمال الأطلسي، ونشر للرؤوس الحربية النووية والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في بيلاروسيا وبولندا وألمانيا، إلى جانب منطقة شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، والتي تشهد تكثيفًا للمناورات الحربية ما بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وصعود تحالفات وتكتلات جديدة؛ مثل: كواد وأوكوس، من بين أكثر مناطق العالم سخونة وتوترًا في ظل الحرب الباردة الجديدة.

ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد هي الأخرى احتدامًا للتنافس ما بين القوى العظمى، في ظل الوجود الروسي في سوريا وليبيا وتعزيز التعاون مع دول المنطقة، إلى جانب التوسع والصعود الصيني السريع في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول الإقليم، فضلًا عن الوجود الأمريكي الذي ظل قائمًا منذ نحو 5 عقود في المنطقة.

وبالنظر إلى سبل التعاون بين القوتين العظميين: الصين والولايات المتحدة، تقول واشنطن: إنه لا يوجد ما يمنع الدولتين من التعايش السلمي والمساهمة معًا في التقدم البشري؛ إلا أن هناك دعوات في أروقة الكونغرس إلى تبني سياسة أكثر صرامة تجاه بكين، في حين يحذر مراقبون أمريكيون من أن المواجهة بين القوتين قادمة لا محالة، خاصة أن الصين تسعى لجعل منطقة الشرق الأوسط محورية في مشروع الحزام والطريق.

الخلاصة:

تدريجيًّا تزداد قوة الصين عالميًّا في كافة المجالات، الصناعية والاقتصادية وغيرها؛ وتسعى بكين إلى الوصول للأسواق والمناطق الجغرافية الواعدة والغنية بالموارد والثروات الطبيعية والمعدنية، والتي ستساهم في تعزيز مكانتها الدولية؛ غير أن العديد من المناطق الجغرافية والتي تطمح بكين إلى الاستثمار والتعاون فيها، تشهد صراعات وأزمات عدة داخلية؛ أبرزها: منطقة الشرق الأوسط، والتي تشهد صراعًا عربيًّا إسرائيليًّا، وحروبًا متكررة، إلى جانب خلافات محتدمة ما بين إيران والسعودية، ودورًا أمريكيًّا وغربيًّا سلبيًّا تسبب في مفاقمة أزمات المنطقة؛ ولذلك عملت الصين على استخدام ثقلها الاقتصادي، وشراكاتها الصناعية والتنموية مع دول المنطقة، لحلحلة الأزمات العالقة وإبرام اتفاقيات على أسس قانونية، تضمن مصالح وحقوق دول المنطقة؛ ما جعل الوساطة الصينية مرحبًا بها من قبل دول الإقليم، وهو ما رأت فيه الولايات المتحدة تهديدًا لمصالحها في الشرق الأوسط.

وفي ظل نمو الدور الصيني في المنطقة؛ فإن الإقليم سيشهد مزيدًا من التنافس الأمريكي والصيني خلال العقود القادمة.

المصادر:

بي بي سي عربي

مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

معهد الشرق الأوسط

سكاي نيوز عربية

الجزيرة

المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث

مركز الحضارة للدراسات والبحوث

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.