fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ماذا حدث في سوريا منذ 2011؟ وكيف سقط بشار ونظامه في أيام؟

0 24

ماذا حدث في سوريا منذ 2011؟ وكيف سقط بشار ونظامه في أيام؟

هروب بشار الأسد من سوريا وفرار ميلشياته وانهيار نظامه في أحد عشر يومًا، كان حدثًا مفاجئًا، جعل الجميع في حالة ذهول؛ رغم الفرحة الغامرة بهلاك طاغية، وأحد أكبر مجرمي التاريخ ضد شعوبهم، ولعل سر فرحة السوريين والعالم العربي والإسلامي، وكل مَن يحمل ضميرًا وإنسانية حول العالم بسقوط هذا القاتل الهارب، التحول السريع وغير المتوقع من حرب إبادة على المدنيين السوريين من النساء والأطفال بالصواريخ، والبراميل المتفجرة، وقتل وقصف وتهجير وتعذيب وإخفاء قسري، وتجارة بأجساد وأعضاء السوريين، ونزيف اقتصاد البلاد، وتغول في تجارة المخدرات، ومأساة ملايين اللاجئين والنازحين بين الجوع والبرد والمرض داخل المخيمات، وقصص جمع القمامة، وبقايا الأخشاب والبلاستيك، وكل ما هو قابل للاشتعال للتدفئة من الأمطار والثلوج على الحدود، واغتصاب الفتيات واختطاف الأطفال لجعلهم فئران تجارب للميلشيات الإيرانية في سوريا من اختبار المواد المخدرة قبل بيعها، وإذا بالعالم يستيقظ على انهيار متتالي لمرتزقة فتى حافظ الأسد، وانتصارات لا تقف للمعارضة السورية -التي كانت بالأمس محشورة في إدلب بجانب ملايين النازحين السوريين-، وهروب بشار الأسد إلى روسيا، وصعود الفصائل المعارضة السورية المسلحة إلى سدة الحكم، وخروج المعتقلين من سجون بائدة بعد عقود من الأسر، وعودة أصحاب الديار إلى منازلهم حتى وإن كانت مُهدمة؛ ولذا في هذا التقرير سوف نسعى إلى توضيح ماذا حدث في سوريا منذ ثورة مارس 2011 وحتى سقوط نظام عائلة الأسد، التي جثمت على صدور السوريين منذ 1971 وحتى 8 ديسمبر 2024؟

خلفية تاريخية:

تقع سوريا في قلب الشرق الأوسط؛ يحدها العراق شرقًا، ولبنان والبحر الأبيض المتوسط غربًا، وتركيا شمالًا، والأردن جنوبًا، ولدى سوريا عدَّة مدن تاريخية؛ منها: دمشق عاصمة البلاد وأرض التاريخ والخلافة، وأقدم المدن التاريخية المأهولة بالسكان وبها الجامع الأموي، وحلب وبها القلعة والجامع الكبير -الأموي أيضًا-، وحمص وبها قلعة الحصن التاريخية، ومسجد خالد بن الوليد، واللاذقية على البحر المتوسط وبها الميناء الرئيسي والمركز التجاري البحري للبلاد وقلعة صلاح الدين، ودير الزور وبها الأنهار والنفط والجسر المعلق، والرقة والسويداء وتدمر وكثير من المدن المهمة العريقة، كما تمتلك سوريا ثروات متعددة زراعية وصناعية لتنوع التضاريس والطقس، وأنهارًا ومنافذ بحرية، ومعادن، وسهولًا وجبالًا، وموارد طبيعية؛ مثل: النفط شمال البلاد في الحسكة، ودير الزور، والغاز الطبيعي والفوسفات في الجنوب.

ومنذ أن استولى حافظ الأسد على حكم البلاد عام 1971، مرورًا بتولي بشار الأسد للسلطة عقب وفاة أبيه عام 2000 وحتى قيام ثورة الشعب السوري في مارس 2011، ويعيش السوريون في قهر واستبداد وقتل واعتقالات، وفقر مدقع تحت حكم عائلة علوية تنتمي إلى عشير الكلبية التي غيَّرت لقبها فيما بعد إلى “الأسد”، وأقامت هذه العائلة حكمها على أسس الخوف والرعب الشديد والقضاء على أي طموح في حياة سعيدة، أو حلم بمستقبل مشرق، حتى بات الاستعباد والحرق والقتل حيًّا أو التعذيب دون نهاية هو مصير من لا يداهن أو ينافق هذا النظام وأفراد عائلته، فبحسب بسام بربندي الدبلوماسي السوري فإن نظام الأسد الذي ظل يحكم سوريا منذ عام 1970 كان لديه كل الوقت والأدوات لجعل سوريا غنية؛ مثل: سنغافورة إن أراد، لكنه لم يفعل واستمر في سحق الشعب من أجل البقاء.

وهذا الدرب هو ما سار عليه بشار الأسد الذي جعل من العائلة الحاكمة أكبر مافيا لتجارة مخدر الكبتاجون، وجعل الحياة في سوريا قبل ثورة الربيع العربي عام 2011 قائمة على التجسس والإرهاب والمذابح ضد أفراد الشعب، ومجزرة مدينة حماة عام 1982 التي راح ضحيتها عشرات الآلاف خير دليل على ذلك، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية التي تدخل فيها حافظ الأسد واحتل أراضي لبنانية واعتقل آلاف اللبنانيين وأخفاهم قسريًّا، وما أن جاء بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، أقام علاقات قوية مع حزب الله الشيعي التابع لطهران، وعلاقات أقوى مع إيران نفسها، وداخليًّا وبحسب اقتصاديين سوريين أُطلِق على إدارة بشار الأسد لسوريا بأنه حكم اللصوص، وسمِّي بــ”الكليبتوقراطية” ويُقصد به: الحكم الفاسد الذي يسرق ثروة شعبه، وهيمنت شركات العائلة على الاقتصاد، لدرجة أن بشار الأسد كان يبتز حتى أقاربه الأغنياء، وزوجته أسماء كانت بحسب فايننشال تايمز تسرق أموال الإعانات الدولية والإقليمية لنفسها من أجل شراء أغلى المقتنيات في العالم.

ولما قامت ثورة الشعب السوري عام 2011 ضد الفقر والجوع والفساد العلوي الشيعي لعائلة الأسد، دهس بشار الأسد السوريين، وحطم آمال الاحتجاجات الشعبية التي بدأت من درعا، حتى إنه اعتقل أطفالًا كتبوا على سور مدرستهم: “الشعب يريد إسقاط النظام”، وتعرض الأطفال للتعذيب، وطالب عاطف نجيب رئيس الأمن السياسي آنذاك أهالي الأطفال أن ينسوا أبناءهم ويلدوا غيرهم!

وأطلق النظام الرصاص الحي والقذائف الثقيلة على المتظاهرين، وألقى عليهم الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة، واستخدم الأسلحة الكيميائية والإخفاء الجماعي والقسري على نطاق واسع، وعندما اقترب سقوطه؛ لجأ إلى روسيا وميلشيات إيران -حزب الله اللبناني والحشد الشعبي زينبيون الأفغاني وفاطميون الباكستاني، وكلها ميلشيات شيعية تابعة لإيران-، ومهد لميلشياتهم ومقاتلاتهم الجوية لقتل آلاف الثوار في كل القرى والمدن، ما تسبب في قتل أكثر من 300 ألف مدني غالبيتهم من الأطفال والنساء بجانب مئات الآلاف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين تحت الأرض، بجانب أكثر من 7 مليون لاجئ هربوا عبر البحر إلى دول الجوار ومنهم مئات إن لم يكن آلاف الغرقى، وأكثر من 6 مليون نازح شمال غرب وشرق سوريا يعيشون في المخيمات دون أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

روسيا وإيران:

مع اقتراب سقوط بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على كثير من المدن السورية، بعد ما أرغمها النظام بعدوانه وحربه الوحشية على حمل السلاح، لجأ بشار إلى أقرب حلفائه وهم روسيا وإيران، وما كان من روسيا إلَّا أن لهثت نحو إنقاذ نظام بشار ومساعدته في قتل السوريين والبقاء في سدة الحكم، من أجل الفوز بالقواعد العسكرية الروسية على أراضي وموانئ ومطارات سوريا، فقصفت مقاتلات روسيا السوريين في كل المدن والأحياء بالصواريخ، ونفس الأمر قامت به الميلشيات الإيرانية التي أبادت السوريين وسرقت منازلهم وهدَّمت المساجد وأقامت على أنقاضها حسينيات شيعية، وبعد إبعاد المعارضة السورية وملايين النازحين إلى إدلب سواء بالقوة أو التفاوض مع روسيا، استحوذت موسكو على 83 موقع عسكري، وحصلت إيران على أكثر من 131 موقع عسكري، بجانب 116 موقع لحزب الله اللبناني التابع لطهران، وبالإضافة إلى ما سبق: سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية أبان الثورة السورية على مواقع النفط في أماكن سيطرة الأكراد العلمانيين -قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر حتى الآن على 25% من مساحة سوريا و33 موقعًا عسكريًّا بجانب قاعدتين أمريكيتين  في الشمال الشرقي-، كما تتحكم تركيا بأراضي شمال غربي سوريا، و26 فصيلًا سوريًّا مسلحًا تجمعوا في إدلب  عام 2020 بعد القصف الروسي أو الاتفاقيات مع الروس.

المعارضة السورية:

لم تحمل الثورة السورية السلاح مطلقًا مع بداية الثورة حتى إن مشاهد تشييع الشهداء -نحسبهم كذلك- كانت تتحول إلى مظاهرات سلمية حاشدة، ومع الوقت والقتل والإبادة نشأت مجالس محلية ولجان إغاثية وسياسية في المحافظات والمدن السورية لتوحيد الجهود ومتابعة الحراك الميداني والتخطيط له، وتنظيم الوضع العام على أرض الواقع، إلَّا أن مواجهة بشار الأسد للانتفاضة الشعبية بالأسلحة الثقيلة سواء من خلال ميلشياته أو مرتزقة إيران والقوات الروسية، بجانب عدة تطورات منها دخول تنظيم داعش إلى سوريا، حوَّل التظاهرات في جزء كبير منها إلى ثورة مسلحة بعدما تكونت عدَّة فصائل مسلحة وانضم آلاف السوريون لها، أو ظهرت فصائل كانت موجودة بالفعل، ومنها هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقًا- والتي وضعتها أمريكا على قوائم الإرهاب باعتبارها امتداد لتنظيم القاعدة في سوريا، بجانب فصائل: “لواء الحق وحركة نور الدين زنكي، وجبهة أنصار الحق، وجيش السنة، بـ 25 ألف عنصر، والجبهة الشامية بجيش المجاهدين ولواء التوحيد وجبهة الأصالة والتنمية، وأحرار الشام ويقودهم شخص يدعى: أبو العز سراقب بقوات 10 آلاف شخص، والقوة المشتركة بين فصيل العمشات بقيادة محمد الجاسم وفصيل الحمزات بقيادة سيف أبو بكر بـ10 آلاف عنصر” وكل هؤلاء سوريين مع اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، وبعد سنوات منالمواجهة بين الثوار والمعارضة من جهة وبين نظام بشار الأسد وأعوانه من مرتزقة روسيا وإيران، استعاد بشار مرة أخرى الغلبة بسبب قوة دعم أعوانه، ونزح السوريون إلى الشمال الغربي بعد اتفاقيات ومفاوضات طويلة مع روسيا، آخرها كان في مارس 2020، واستولى نظام الأسد على حلب وطرد أهاليها منها إلى إدلب مع ملايين النازحين.

سقوط بشار الأسد:

بعد جمود أوضاع النازحين السوريين والمعارضة المسلحة التي كانت تعيش في إدلب شمال غرب سوريا منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسية تركية بإدلب في مارس 2020، شنت المعارضة السورية صباح الأربعاء 27 نوفمبر 2024، عملية عسكرية ضد نظام الأسد وميلشياته والمرتزقة الإيرانيين تحت مسمى: “ردع العدوان”، وبعد مواجهات عنيفة حققت المعارضة السورية تقدمًا كبيرًا صباح يوم 28 نوفمبر وسيطرت على أكثر من 20 بلدة وقرية في ريفي حلب وإدلب وطريق M5 السريع الرابط بين شمال سوريا وجنوبها، ويمر بمدن حلب وحمص وحماة، ويوم 29 نوفمبر استحوذت المعارضة على قرى ومدن وأحياء، منها مدينة سراقب في ريف إدلب، وأحياء الحمدانية، والجميلية، وصلاح الدين وسط مدينة حلب ومن ثم قلعة حلب والمدينة بأكملها في 6 ساعات أمام انسحاب ميلشيات الأسد، وبسبب انسحاب قوات بشار المتواصل حصلت فصائل المعارضة السورية على كل أسلحة قوات بشار من دبابات وبطارية نظام دفاع جوي مروحيات وطائرات مقاتلة، ومساء يوم 30 نوفمبر سيطرت المعارضة على الكثير من القرى في محافظة حماة ومطار حلب الدولي، ورغم الغارات الجوية الروسية على عدة مواقع؛ منها: مخيم للاجئين في إدلب بهدف تعطيل تقدم المعارضة؛ نجحت المعارضة يوم 5 ديسمبر في السيطرة على حماة وأخرجت مئات السجناء من معتقل حماة.

وتكررت الغارات الروسية على الجسر الرئيسي الرابط بين حمص وحماة، لعرقلة انتصارات المعارضة، وفي 6 ديسمبر سيطرت المعارضة على السويداء، وصباح 7 ديسمبر سيطرت المعارضة على القنيطرة الواقعة على الحدود مع هضبة الجولان المحتلة وحمص ودمشق وريفها الجنوبي، ويوم 8 ديسمبر سيطرت المعارضة على العاصمة دمشق وكل مؤسساتها الإستراتيجية والمطارات والقصور الرئاسية ومبنى الإذاعة والتلفزيون ورئاسة الأركان، وعن كيفية جاهزية المعارضة للحرب من أين حصلوا على السلاح؟ قال أحمد حسن الشرع الملقب بالجولاني زعيم هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقًا- والقائد الحالي لإدارة العمليات العسكرية لكل فصائل المعارضة السورية في حوار مع cnn: إنه منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا في مارس 2020، عملت الفصائل السورية المسلحة على تجهيز نفسها وتعزيز قدراتها العسكرية وتحويل هيكلها إلى قوة مسلحة شبه نظامية، عبر تحسين مستوى التدريب واستخدام كل أسلحة نظام بشار الثقيلة والخفيفة، مشيرًا إلى أن ذلك تزامن مع تدهور القوات الحكومية، وانهيار العُملة وضعف الاقتصاد السوري وتفشي الفساد والجريمة، وصباح الأحد 8 ديسمبر، أعلن التلفزيون السوري إسقاط نظام بشار الأسد في إحدى عشر يومًا من القتال وأربعة عشر عامًا من الثورة السورية، ورفع علم الثورة السوري بدلًا من العلم القديم، وتم اختيار المهندس محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ السورية التي كانت تدير إدلب منذ سنوات لتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية حتى إقرار الدستور.

مسالخ بشرية:

مسالخ بشرية ومقابر غير إنسانية وسجون تتعدد طوابقها فوق وتحت الأرض، يعيش فيها السوريون منذ عقود دون أي مظاهر للحياة سوى الفتات من الطعام كل أيام لتجعلهم دائمًا أحياء، ولكن غير قادرين على المقاومة، يواجهون كل أنواع التعذيب والرعب والسحل والجلد والاغتصاب، وتعليقهم عراة على الأسوار، ورشهم بالماء البارد في ليالي الشتاء، والصعق الكهربائي على الأعضاء التناسلية، وسحق رؤوس المعتقلين بين الجدران والأبواب، وكان خيار المعتقلين لأفضل هو الموت للنجاة من أهوال النظام الدموية في حق الأسرى والمعتقلين، ويوم سقوط بشار الأسد وأثناء الإفراج عن ضحايا السجون خرجت إلى النور حكايات الألم والأنين من داخل المعتقلات التي أنفق عليها بشار ملايين الدولارات ليقتلهم أحياء، وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنها مسالخ بشرية، يذبح فيها النظام شعبه بهدوء.

وأبرز هذه المسالخ: سجن صيدنايا في دمشق الذي اكتشف السوريون أن المعتقلين داخله معزولون تمامًا عن الحياة في الخارج، ويتم تشويه أجسادهم وكسر عظامهم وضلوعهم، وحتى بتر أو فقد أعضائهم، وأن السجناء يتعرضوا للقتل في الإعدامات التي تتكرر مرتين أسبوعيًّا، أو بسبب الجوع والمرض ومضاعفات التعذيب، ومن ثم نقل الجثث بعد عمليات الإعدام والقتل ودفنها في مقابر جماعية داخل أو خارج السجون، كما احتوت السجون على العديد من الأطفال بلغ أصغرهم 3 سنوات، وهذه السجون ومنها صيدنايا محصنة للغاية وتقع على عمق كبير تحت الأرض، ويقع كثير من السجون ومنها صيدنايا تحت سلطة وزارة الدفاع، وتحرسه قوات من الجيش أو الشرطة العسكرية أو شعبة الاستخبارات العسكرية، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تعرض أكثر من 157 ألف شخص للاعتقال أو الاختفاء القسري منذ عام 2011 بينهم آلاف الأطفال والنساء، ووثقت الشبكة السورية 72 أسلوبًا مروِّعًا للتعذيب في سجون النظام، ووفق صحيفة التايمز فإن الآلاف دُفنوا سرًّا أثناء حكم بشار الأسد في أحد المواقع قرب دمشق، في الوقت الذي تبحث فيه أسر 100 ألف سوري عن أقاربهم المفقودين.

المواقف الدولية:

تنوعت ردود الفعل الدولية بين مُرحب بسقوط طاغية ونيل الشعب السوري الحرية، وبين من انتهج الدبلوماسية وأعلن أنه مع إرادة الشعب السوري، والبعض حذر من سقوط سوريا في فخ التقسيم والإرهاب وحتى الفكر الصدامي أو التكفيري؛ بسبب المخاوف الدولية والإقليمية من تولي الجولاني قيادة الأوضاع في ظل ما وصفه خبراء بتناقض فتاويه أو آرائه حول السياسة العامة والخارجية للدولة السورية، فيما يخشى آخرون مما أطلقوا عليه: قصور أو أخطاء في فهمه لأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك لوجود 26 فصيلًا مسلحًا يبلغ تعدادهم أكثر من 45 ألف مقاتل، فالولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها تتابع عن كثب وسوف تتواصل مع جميع الفصائل السورية، وروسيا صرحت بما يقترب من ذلك، أما الصين فنشدت ضرورة عودة الاستقرار، أما بريطانيا والإمارات فحذرتا من الإرهاب، ورحبت فرنسا وألمانيا بسقوط الأسد، ودعت تركيا لانتقال سلس للسلطة، أما مصر فقد شاركت السوريين فرحتهم، لكنها أكدت على ضرورة الاستقرار ودعم الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها، كما اجتمع وزراء الخارجية العرب في الأردن لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا في ظل العديد من التحديات التي تواجه السوريين وبلادهم، بعد سقوط بشار الأسد والعدوان الإسرائيلي على المدن والأراضي السورية.

تحديات هائلة:

رغم فرحة السوريين بسقوط بشار الأسد بعد سنوات من المعاناة والنزوح والتهجير؛ إلَّا أن الأزمة السورية لم تنتهِ بعد؛ حيث تواجه سوريا العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بدايةً من الصراعات المحتملة بين فصائل المعارضة المسلحة على الأرض والسيطرة العسكرية والسلطة والنفوذ، والأيديولوجيات والرؤى السياسية لكلٍّ منهم؛ خاصةً وأن الفصائل المسلحة تنتمي لمكونات عرقية وطائفية مختلفة، كما أن عودة اللاجئين والمُهجرين تعد أحد التحديات الأساسية بجانب إعادة إعمار سوريا التي ستتطلب استثمارات ضخمة ومتطلبات أخرى، كما بناء جيش وطني موحد وتباين المصالح بين القوى الداخلية والأطماع الخارجية والتعدد الطائفي والعرقي في البلاد في ظل انتشار السلاح بين أيدي الفصائل، بالإضافة إلى تقاسم النفوذ والسيطرة بين عدة قوى؛ منهم: الأكراد والقوات الأمريكية، والقواعد الروسية، وأكثر من 26 فصيلًا سوريًّا مسلحًا، وبقايا داعش والوجود التركي الذي يشكل سقوط نظام بشار الأسد فرصة كبيرة أمامها من أجل تعزيز نفوذها في الشمال الغربي، ولعل اقتصاد سوريا المنهار أحد أهم التحديات التي تنتظر السوريين، فبعد ما كانت تمتلك سوريا 18 مليار دولار بين احتياطي بالذهب والعملات الأجنبية، انخفض الاحتياطي الأجنبي إلى 8 مليار دولار عام 2018، وتنتشر تخوفات تشير إلى احتمال سرقة كل ممتلكات البنك المركزي السوري، سواء من نظام بشار الأسد أو غيره قبل أو بعد سقوطه.

خطر التقسيم:

التقسيم بات يخيم على الأوضاع في سوريا بعد السقوط السريع لبشار الأسد، فمن ناحية لم يسقط بشار الأسد بهذه السهولة والسرعة بجهود وحيدة لفصائل المعارضة السورية المسلحة، وسواء كان التخطيط والمساعدات العسكرية والمخابراتية من تركيا أو الولايات المتحدة أو بكلاهما معًا لإسقاط نظام بشار، فإنه من المؤكد أن المعارضة السورية تلقت دعمًا وموافقات عديدة حتى تحقق هذا النصر الكبير على ميلشيات بشار وبقايا مرتزقة إيران، وبالتالي فإن كل من قدَّم مساعدات للفصائل سيطالب بالمقابل، وعلى الجانب الأخر نجد أن الواقع السوري شبه مقسم، فقوات سوريا الديمقراطية -الأكراد- يسيطرون على شرق سوريا والشمال الشرقي بجانب قاعدتين أمريكيتين، وبقايا داعش جنوب شرق سوريا، والمعارضة تسيطر على غرب سوريا والشمال الغربي بجانب الوجود التركي هناك، واليوم وبعد القصف الإسرائيلي وتوغل دباباته على حدود ريف دمشق، باتت الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الجنوب الغربي لسوريا بالفعل، تزامنًا مع الحديث عن اتفاق أمريكي إسرائيلي على استهداف الاحتلال للأراضي السورية من أجل زيادة رقعة الأراضي المحتلة بخلاف الجولان؛ بالإضافة إلى وجود القواعد الروسية والميلشيات والعناصر الإيرانية، وكل هذا يشير بوضوح إلى مخاطر التقسيم ونوايا المتربصين بحجز نصيب من سوريا؟

الخلاصة:

سقوط نظام بشار الأسد على قدر أهميته وما كشفه من جرائم إضافية ومسالخ بشرية كان يديرها نظام بشار لقتل وسحق السوريين، فإنه قد يكون نقطة تحول تاريخية في مسار سوريا والشرق الأوسط، حيث إن سيطرة فصائل سورية مسلحة على سدة الحكم في سوريا رغم الاحتمالية الضئيلة بأنه يتيح فرصة لبناء سوريا أفضل حالًا مما كانت عليه في ظل حكم عائلة الأسد العلوية الشيعية، إلَّا أنه يضع السوريين أمام تحديات بالغة وعقبات قد يستحيل مواجهتها أو التغلب عليها؛ أبرزها: الاقتصاد وبناء جيش ومؤسسات وطنية موحدة، والتصدي لأطماع ومخاطر التقسيم، ومواجهة أطماع أعدائها وأصدقائها؛ سواء مَن ساعدوا الفصائل على إسقاط بشار أو غيرهم من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، وفي النهاية: فإن حقبة العائلة الكلبية التي غيرت لقبها إلى الأسد وانتهكت كل دروب القتل والحرق والتعذيب والمجازر في حق شعبها قد ولَّت بلا رجعة، ولكن نجاح السوريين في استكمال رحلتهم نحو الخروج من بوابة الفوضى والعنف والطائفية وإرساء الاستقرار والأمن والتقدم الاقتصادي تحتاج إلى تلاحم وطني، وتماسك في مواجهات الخلافات الداخلية والأطماع الخارجية، كما أن سوريا في حاجة ملحة لأشقائها من الدول الإسلامية والعربية.

مصادر:

– الجزيرة- فايننشال تايمز: هكذا أسست عائلة الأسد إمبراطورية الخوف في سوريا- 9 ديسمبر 2024.

– الجزيرة- القصة الكاملة لسقوط نظام الأسد في 12 يوما- 8 ديسمبر 2024.

– اليوم السابع- وول ستريت جورنال: تركيا تستعد لتوغل واسع داخل سوريا- 17 ديسمبر 2024.

– bbc- تسلسل زمني: ما الذي حدث في سوريا قُبيل إسقاط حكم الأسد؟- 8 ديسمبر 2024.

– الجزيرة- الثورة السورية.. متى بدأت شرارتها الأولى؟ وما أبرز مراحلها ونتائجها؟- 8 ديسمبر 2024.

– الجزيرة- سجون سوريا.. الفرج يأتي ولو بعد حين- 9 ديسمبر 2024.

– الميادين- القوى الخارجية تُعقد عملية الاستقرار في سوريا بعد سقوط النظام السابق- 17 ديسمبر 2024.

– Bbc- كيف سقط الأسد في 11 يومًا؟- 8 ديسمبر 2024.

– القاهرة الإخبارية- اقتصاد سوريا المحاصر يعاني من تضخم مستعر وفقر مدقع- 16 ديسمبر 2024.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.