fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

لقاء النقب … ماذا تريد إسرائيل؟

104

لقاء النقب … ماذا تريد إسرائيل؟

من حين إلى آخر تحاول إسرائيل مد جسور التواصل بين الدول العربية المختلفة، وبالفعل قد نجح مع البعض والبعض الآخر ما زال، ولكن تبقى الحقيقة، وهي: أن إسرائيل قامت بالفعل بتنفيذ جزء من خطتها للسيطرة على بعض العقول العربية، لتتحول من دور المغتصب إلى دور الصديق والجار، وتناست أن القضية الفلسطينية تولد كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من رحم أمهات المسلمين؛ لأن بيت المقدس دين، والدين لا مساومة فيه!

ومن هذا المنطلق الإسرائيلي بمحاولة مد الجسور المزعومة بالسلام مع العرب عقدت قمة في النقب ضمت وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل وأربع دول عربية، وقد أنهت أعمالها بعد يومين من المناقشات، حيث أكَّدت واشنطن والدول العربية المشاركة على ضرورة إحياء عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أبرز ما جاء على أجندة المحاورة:

انتهى لقاء النقب الذي ضم وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات والبحرين بدعوة من وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، بالإعلان عن تشكيل منتدى دائم يسمى: «منتدى النقب»، من المقرر أن ينعقد سنويًّا.

وقد ناقش اللقاء عِدَّة مسائل، أبرزها:

– عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران.

– التوجه لإزالة «الحرس الثوري» عن قائمة «الإرهاب»

– موضوع أمن الطاقة وتغير المناخ.

ومن أبرز المخرجات كان:

الاتفاق على تشكيل تحالف أمني بين الدول المشاركة يضمن التنسيق، وتبادل المعلومات لمواجهة «الخطر» الإيراني بما في ذلك مخاطر المسيّرات والصواريخ، وامتلاك القدرات النووية، وفي هذا السياق يقول لابيد: إن تعميق التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية سيرهب ويردع إيران.

ولم يكن الموضوع الفلسطيني حاضرًا إلا بكلمات مجاملة كالتي قالها بعض وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، والتي أكدت على أهمية التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس مبدأ حل الدولتين، ولكن التركيز كان على ضمان الهدوء على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية؛ خاصة في شهر رمضان، وضرورة تقديم مساعدات للفلسطينيين للوصول إلى الهدوء(1).

حجة البليد إيران:

تحت عنوان: “قمّة النقب” قال علي أنوزلا في العربي الجديد اللندنية “في وقتٍ تشدُّ الحرب الروسية الأوكرانية أنظار العالم، وتحبس أنفاسه في انتظار ما سوف تتمخض عنه من خرائط سترسم معالم العالم الجديد، شكَّلت ما سميت ‘قمة النقب’ في الصحراء الفلسطينية المحتلة حدثًا غير ذي شأن كبير؛ قد يكون هذا اللقاء ‘تاريخيًّا’ من منظور إسرائيل؛ لأنها هي الرابحة منه، بما أن حضور أربعة وزراء عرب للاجتماع على جزء من أرض فلسطين التاريخية المحتلة تكريس لاعترافهم بهذا الاحتلال والتعاون معه، بل والتحالف معه”.

واستطرد الكاتب “بما أن إسرائيل هي التي دعت إلى هذا اللقاء فهي التي حدّدت أجندته ووضعت جدول أعماله، ورسمت أهدافه الإستراتيجية التي تختلف حتما عن أهداف دول وشعوب وزراء الخارجية العرب المشاركين فيه.

وأول أهداف الكيان الصهيوني من الاجتماع: صرف أنظار سكان المنطقة عن متابعة الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على اقتصاد دولهم وعلى حياتهم المعيشية، ولفت اهتمامهم إلى ما تعتبره ‘تهديدًا إيرانيًّا’ يقض مضجعها هي بالدرجة الأولى، لتوجيه جهود العرب وثرواتهم نحو حرب الاستنزاف التي تغذّيها بتعظيمها الخطر الإيراني الداهم، وشيطنتها له، عندما تكتسب طهران سلاحًا نوويًّا”.

في سياقٍ متصل قالت افتتاحية القدس الفلسطينية: “إن اعتبار إسرائيل قاعدة لبحث القضايا الإقليمية لن يؤدي إلا إلى زيادة غطرستها وهيمنتها على شعبنا وأرضنا”.

وأضافت الصحيفة: “في كل الاحوال ورغم كل هذه المعطيات، فإن فلسطين ستظل القضية الأولى وليس إيران، وسيظل شعبنا صامدًا رافضًا لكل هذه الاجتماعات وأمثالها، وسيظل الاحتلال هو المشكلة الأولى، وتمسك شعبنا بحقوقه هو الموقف غير القابل للتغيير أو التجاهل مهما حاولوا القفز فوقه!”.

وكتب نزار عبد القادر في جريدة اللواء اللبنانية: “تركَّزت الأجندة الإسرائيلية وَفْق ما أرادها وزير الخارجية على ضرورات تركيز الدول الحاضرة لمؤتمر النقب على التعاون بكل أشكاله. وكان من الطبيعي أن يستوضح الحاضرون في المؤتمر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن عن دور الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى ضوء العودة إلى الاتفاق النووي”.

واستطرد الكاتب: “حاول وزراء الخارجية العرب، وخصوصًا الوزير المصري، سامح شكري، استحضار حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس؛ لتسويغ المشاركة في هذا المنتدى الإستراتيجي الذي نظَّمته إسرائيل بدعم أميركي، والذي كان من الواضح أن عنوانه الوحيد كان ‘إيران هي عدونا المشترك'”(2).

فرحة إسرائيلية:

شدد الجانب الإسرائيلي على أن هذه القمة تظهر موقفًا موحَّدًا ضد إيران، كما خيمت الحادثة الإرهابية التي تبناها “تنظيم الدولة الإسلامية” شمال إسرائيل على المحادثات، وشدد الحاضرون على نبذ الإرهاب.

وأكَّد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد: إن هذا الحدث سيتكرر ويتوسع؛ لأنه يبني علاقات تجارية وأمنية مع دول عربية متشابهة التفكير، وذلك عقب يومين من المناقشات.

وأضاف لابيد وهو يقف إلى جانب نظرائه من الإمارات والبحرين، والمغرب ومصر، والولايات المتحدة: “هذه البنية الجديدة ترهب وتردع أعداءنا المشتركين، وفي مقدمتهم: إيران ووكلاؤها”. وأوضح: “باعتبارنا جيران، وأصدقاء في حالة الولايات المتحدة، سنعمل معا أيضا لمواجهة التحديات والتهديدات الأمنية المشتركة، بما في ذلك التهديدات من إيران ووكلائها”.

من جانبه: شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على أن “اتفاقيات السلام الإقليمية هذه ليست بديلًا عن التقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، وعلى غرار الدول العربية التي حضرت الاجتماع، تريد الولايات المتحدة حل الدولتين حيث يحصل الفلسطينيون على دولة إلى جانب إسرائيل(3).

السيادة الإسرائيلية للمنطقة:

ويبدو أن السبب الجوهري للقاء هو رغبة إسرائيل في التسيد وقيادة الإقليم في ظلِّ اندفاع الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة وترك فراغ فيها بعد الاتفاق مع إيران. وترى الحكومة الإسرائيلية أن هذا هو الزمن المناسب لفعل ذلك بحجة أن إسرائيل هي الدولة الأقوى ولديها القدرات والإمكانيات التي يمكن أن تساعد من خلالها حلفاءها وتبدد مخاوفهم، وهي تزرع الوهم بأنها هي الأقدر على مواجهة إيران، مع العلم أنها تتحاشى الاصطدام مع إيران وحلفائها في المنطقة على الرغم من ضجيج التصريحات والتهديدات التي تطلقها المؤسسة الإسرائيلية ليل نهار، كما أظهرت إسرائيل فشلًا في التصدي للمسيّرات الإيرانية التي انطلقت من لبنان، كما لم تنجح تمامًا مع صواريخ غزة التي لا تتميز بأنها صواريخ دقيقة.

وربما سارعت إسرائيل لهذا اللقاء لتمنع التقاء المصالح العربية المفترض بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي ستنعكس على النظام الدولي، وستحدث تغييرًا فيه يتطلب أن يتوحد العرب كتلة واحدة ويحافظوا على مصالحها في إطار التشكيل الجديد للنظام الدولي ما بعد الحرب، وخاصة على مستوى المصالح الاقتصادية. فمثل هذا اللقاء يُدخل دولاً عربية في أحلاف إقليمية غير مقبولة على عدد كبير من الدول العربية، بل وتحول دون حدوث توافق عربي – عربي على المستوى الإستراتيجي والمطلوب جداً في هذه المرحلة.

اندماج مجاني:

لقاء النقب سيساهم في استبعاد أي امكانية لبحث ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وستبني إسرائيل على نجاحها في جمع عددٍ من الدول العربية في حلف معها بأنها ليست بحاجة لإحداث أي تقدم أو اختراق مع الفلسطينيين لكي تصبح مقبولة ومندمجة في الإقليم، أي: أنها الآن تندمج بدون ثمن، بل هي تقبض الأثمان من العرب وتبيعهم أوهامًا وأكاذيب تبددها المواجهات اليومية مع الفلسطينيين التي تثبت أن إسرائيل لا تزال عاجزة عن وقف نضال الشعب الفلسطيني والانتصار عليه، وتحطيم قدرته على الصمود والمواجهة متعددة الأوجه.

حضور أميركا للقاء كان بمثابة ديكور، فالهدف كان التحالف الإقليمي الذي تلعب فيه إسرائيل دور أميركا السابق وتستبدلها كدولة مهيمنة وقائدة، ولكن المباركة الأميركية مطلوبة، مع أن قسمًا من الدول المشاركة لم يقبل الانصياع للموقف الأميركي في الوقوف ضد روسيا في الحرب مع أوكرانيا، وربما حصول إسرائيل على الزعامة يريح أميركا المنكفئة، والتي تركز على عدوين كبيرين وخطرين؛ هما الصين وروسيا(4).

الغياب الأردني ملفت للانتباه:

اختار الأردن الغياب عن “قمة النقب” في إسرائيل التي ضمت وزير خارجية الولايات المتحدة ونظراءه: المصري، والإماراتي، والبحريني، والمغربي لأسبابٍ متعددةٍ ما بين السياسي والأمني، في وقتٍ تشهد فيه المنطقة حراكًا إقليميًّا غير مسبوق.

وحضر الأردن بشكل لافت في الأراضي الفلسطينية في الوقت نفسه، عبر زيارة استثنائية قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى رام الله، وهي الأولى له منذ عام 2017، والتقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معلنًا تفكيك العزلة السياسية التي دشنت إقليميًّا منذ سنوات حول السلطة الفلسطينية.

ولم تكن الزيارة على جدول الأعمال مسبقًا، وجرى التحضير لها بشكل سريع وفوري لتكون بمثابة ردٍّ سياسي على “قمة النقب” التي لا تروق لعمان لأسبابٍ تتعلق بالمخاوف من إحياء مشروع “صفقة القرن”، الذي دفن وتوقف الحديث عنه مع رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب(5).

الخلاصة:

بات من الواضح تهيئة الأوضاع بداخل الوطن العربي واستعداده للانخراط في نظام شرق أوسطي تقوده إسرائيل؟

لا سيما أن القراءة السطحية لما يجري من أحداث على ساحة المنطقة لا تستبعد هذا الاحتمال، غير أن القراءة المدققة لما يجري في الأعماق تقول بغير ذلك، فالكيان الإسرائيلي يزداد وحشيةً وعنصريةً وتطرفًا، ومِن ثم تسقط عنه الأقنعة التي تخفى وراءها طويلًا.

والشعب الفلسطيني ما زال يقاوم ويبدع في وسائل النضال ولم يستسلم، على الرغم من فداحة الظلم الواقع عليه، والانقسامات الحادّة بين فصائله.

والشعوب العربية تدرك أن قادتها المهرولين نحو التطبيع مع إسرائيل لا يعبِّرون عنهم ولا يتحدثون باسمهم؛ لذلك كله نعتقد ونؤمن بأن الفجر قادم لامحالة!

1_الأيام

2_ بي بي سي

3_فرانس 24

4_ الميادين

5_الأندبندت

التعليقات مغلقة.