fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قراءة في مواقف الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية!

46

قراءة في مواقف الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية!

تتوجه عادة الأنظار نحو جامعة الدول العربية عند ذكر القضية الفلسطينية مع الكيان الصهيوني المحتل، وذلك على الرغم من معرفة المترقب ردود الأفعال لجامعة الدول العربية والتي تتلخص في الشجب والاستنكار والدعاوى، بينما على الصعيد الآخر نجد الاتحاد الأوروبي حاضرًا وبقوة لدعم كيانه الصهيوني؛ مما يحدث مفارقة غريبة وعجيبة، وهذا ضمن واقع  أليم يعتصره الألم والحزن لوجود فجوة بين الإخوة الأشقاء، على النقيض من موقف اللقطاء عديمي النسب والذين يؤازرون بعضهم في أقل وأكثر المصائب، ولعل الحرب الأخيرة في 2023 وهي طوفان الأقصى فضحت هذه الوجوه بالكامل أمام المتابعين، وكشفت حجم المساندات والوقوف الغربي والأوروبي مع الكيان المحتل متخطيًا كل القوانين والأعراف الدولية.

والمتابع لمواقف الجامعة العربية منذ التأسيس وحتى يومنا هذا، يعلم بوضوح ويقين أنها جامعة الشعارات والتصريحات التنظيرية والتي ليس لها أي أثر ملموس أو إحداث فارق يذكر، على الرغم من أن تاريخ تأسيسها جاء بالتزامن مع احتلال الكيان الصهيوني لدولة فلسطين العربية والإسلامية، حيث كان تأسيسها عام 1945، وعلى الرغم من هذا لم تنجح الجامعة في حل القضية الفلسطينية منذ بدايتها في العام 1947-1948، ومرت مواقفها حيال القضية الفلسطينية بتحولات كثيرة.

ولعلنا في هذا التقرير نستعرض أهم المواقف وأبرزها للجامعة العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ونصرة إخواننا في دولتهم المحتلة.

كانت فكرة منظمة الدول العربية أطروحة يتداولها الساسة والمفكرون العرب، منذ بداية القرن العشرين، والذي تزامن مع نشوء الوعي الوطني، وتوغل فكرة العروبة، ليعلن رئيس الوزراء البريطاني إيدن، في 29 مايو 1941، تأييد حكومة المملكة المتحدة لآمال الوحدة العربية، مبديًا استعداد دولته لدعم العرب ومساعدتهم في تحقيق ذلك.

فكرة الجامعة العربية وتأسيسها:

إن الناظر إلى أوراق التاريخ الحديث نجد مكتوبًا فيها: أن البداية الأولى ونشأة الفكرة جاءت عن طريق البيان البريطاني الذي كان الشرارة الأولى للسياسيين، الذين بدأوا في مناقشة فكرة إنشاء كيان مؤسسي يهدف إلى الوحدة العربية.

وقد أصدر أنتونى إيدن، وزير الخارجية البريطاني الأسبق بيانًا آخر في فبراير 1942، ينص على تطلع العرب للحصول على تأييد بريطانيا في مساعيهم نحو تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية بين البلاد العربية، مشيرًا إلى أن حكومة بلاده سوف تؤيد أيّ خطة تلقى إجماعًا عربيًّا.

وقتها أعلن موافقة بلاده المساعدة في إنشاء الجامعة العربية، واجتمع رئيس الوزراء المصري آنذاك مصطفى النحاس، مع جميل مردم رئيس الوزراء السوري، وبشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية في لبنان، والذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للجمهورية اللبنانية، بهدف بحث إنشاء جامعة تحتضن الدول العربية(1).

وهنا تتجلى الحقيقة الصعبة بأن بريطانيا هي المؤسس الحقيقي لجامعة الدول العربية، وهي الحاضن الأكبر للعرب.

ولعل المتتبع لمواقف الجامعة العربية يرى مواقفها الإيجابية لنصرة القضية الفلسطينية، في حين أن الموقف جامعة الدول العربية من القضية الفلسطينية يثير تساؤلات كثيرة، بحيث يجد المتتبع لقراراتها الحاسمة تجاه القضية الفلسطينية أنها كانت على الدوام تأتي رد فعل لما يقوم به الكيان الصهيوني من اعتداء وتوسع على الأرض العربية، وتأتي أيضًا، متوافقة مع قرارات دولية رفضت سابقًا، في وقت باتت هناك قرارات جديدة، ومطالب صهيونية جديدة مترافقة مع متغيرات ترفض الآن لتقبل في المستقبل، وهذا يعكس حالة الضعف في المنظومة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني. ولإدراك هذه الحقيقة التي اتسمت بها جامعة الدول العربية في اتخاذ قراراتها تجاه القضية الفلسطينية منذ نشوئها ولغاية الآن، لابد من دراساتها وفق تسلسلها الزمني الذي اتخذت به.

فقد كان اهتمام جامعة الدول العربية بفلسطين تعود بدايته إلى ما قبل إعلان دولة إسرائيل 1948: حيث كان صدور أو قرار رسمي بشأن مقاطعة البضائع والمنتجات الصهيونية في 2/12/1945 قرار رقم 16/الدورة 2/الجلسة11).

وتتوالى القرارات والمواقف الإيجابية إلى يومنا هذا.

القمة العربية 1946 في مصر:

بالرجوع إلى عام 1946 دعا الملك فاروق إلى عقد أول قمة عربية، وكان مقرها الإسكندرية، وعرفت بـ”أنشاص”، وكانت لمناصرة القضية الفلسطينية وخرجت بمجمل قراراتها مؤكدة عروبة فلسطين وأن مصيرها مرتبط بحال دول الجامعة العربية كافة، وأن ما يصيب أهلها يصيب شعوب الأمة العربية ذاتها محذرة من خطر الصهيونية ومشددة على أن الوقوف أمام هذا الخطر الجارف، واجب على الدول العربية والشعوب الإسلامية جميعًا(2).

على الرغم من أن حرب فلسطين عام 1948، كان أول تحدٍّ حقيقي، ويذكر للمؤسسة الوليدة التي تجمع الأشقاء العرب، وعلى الرغم من هذا التحدي بالفعل أرسلت الجيوش العربية، وفي مقدمتها: الجيش المصري للمشاركة في الدفاع عن فلسطين، وانتهى الأمر بالنكبة التي استمرت طوال 72 عامًا، وفشلت الجامعة في القيام بأي دور لمنع كارثة تقسيم فلسطين.

حرب فلسطين 1948 وأول تحدٍّ للجامعة:

بدأت الحرب الفلسطينية الصهيونية عام 1984 والتي قد انتهت باحتلال اليهود لدولة فلسطين العربية، وكان هذا أول تحدٍّ حقيقي للجامعة العربية؛ إلا أنها فشلت فيه على الرغم من أنها أرسلت جيش عربي موحد للقتال في فلسطين، وكان على رأس هذا الجيش مصر، وهو التحرك الوحيد الذي يذكر للجامعة العربية على أرض الواقع، ومن بعدها لم نسمع لها أي موقف يذكر على الأرض(3).

القمة العربية 1964 في القاهرة:

بعد هزيمة الجيوش العربية في فلسطين، لم نسمع بعدها سوى الشعارات والشجب والاستنكارات، وتوالت هذه الإجراءات فى سنوات ما بعد “النكبة”، وهو ما بدا فى قمة القاهرة، فى يناير 1964، لبحث مشروع إسرائيلى يتعلق بتحويل مياه نهر الأردن.

وقتها تم تدشين منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لتصبح الممثل الشرعي والرسمي للشعب الفلسطيني، في مؤتمر القمة العربية بالقاهرة لتصبح فلسطين دولة تتمتع بالعضوية الكاملة، وتعاقبت بعدها القرارات التي لا تثمن ولا تغن من جوع(4).

وتوالت القمم العربية والمواقف التي لا تتخطى الشجب والاستنكار حتى في قمة الرباط 1974 إلى أن شهدنا قمة لبنان.

القمة العربية 2002 في بيروت:

جاءت القمة العربية في لبنان بشهر مارس لعام 2002، وقتها أعلنت المملكة العربية السعودية على لسان ولي العهد وقتها الملك عبد الله بن عبد العزيز، بإعلان إنشاء دولة فلسطين على حدود 1967، وهي تنص على أن نصيب دولة فلسطين من أرضها التاريخية يمثل نحو 22%، وذلك من إجمالي الأرض، حيث تنقص نحو 20% عن قرار تقسيم فلسطين، كما أنها تجعل الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، فيما تكون القدس الغربية عاصمة لإسرائيل(5).

كما تم إقرار عودة اللاجئين والانسحاب من الجولان المحتل، وفي المقابل تقوم الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل(6).

القمة العربية 2007 في الرياض:

ظلت الجامعة العربية بعد قمة 2002 لمدة 5 سنوات في حالة من الجمود؛ إلا أنه وفي عام 2007 جاءت قمة الرياض في محاولة منها لإحياء المبادرة العربية الصهيونية للسلام التي ذكرت في قمة 2002، وتبنى وزراء الخارجية العرب والكيان الصهيوني، الترويج للمبادرة(7).

وقد شهدت العواصم العربية المختلفة اجتماعات مكثفة لوزراء الخارجية: كالرباط وتونس والخرطوم وشرم الشيخ وسرت الليبية، وغيرها، ولم يفلح أي منها في تقديم حل حاسم للقضية الفلسطينية، وحتى الزعماء العرب بمرور العقود، لم يفلحوا، وكذلك الجهود والخبرة الدبلوماسية في حسم الأمر، أو حتى تحريك الجمود، وبدى أن الجامعة بلا أجندة أو أولويات موحدة، وبالتالي ليس هناك هدف واحد يجمع الدول الأعضاء.

وعلى تاريخ هذه المؤتمرات والقمم العربية نجد أننا أمام حقيقة مزعجة، أن جميع القرارات المؤثرة في الدولة الفلسطينية لم تخرج من جامعة الدول العربية ولا قرار يذكر حتى إن التاريخ يشهد بذلك، وهو كالتالي:

1991 معاهدة السلام بين الأردن ودولة المحتل الإسرائيلي خرجت من مؤتمر مدريد وكان الراعي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

1993 اتفاقية أوسلو وهو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية(8).

2000 قمة كامب ديفيد بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وقد انتهت بدون اتفاق(9).

أبرز المواقف الإيجابية:

أولًا: أنه لا يجوز لأية دولة من دول الجامعة العربية أن تتفاوض في عقد صلح منفرد أو أي اتفاق سياسي أو عسكري أو اقتصادي مع إسرائيل، أو أن تعقد فعلًا مثل هذا الصلح أو الاتفاق، وإن الدولة التي تقدم على ذلك تعتبر على الفور منفصلة عن الجامعة العربية طبقًا للمادة الثامنة عشرة من ميثاقها.

ثانيًا: تكليف اللجنة السياسية اقتراح التدابير التي يجب أن تتخذ بشأن الدولة التي تركت هذه المخالفة.

ثالثًا: لا يجوز لأية دولة من دول الجامعة العربية أن تتفاوض في عقد صلح منفرد أو أن تعقد فعلًا مثل هذا الصلح أو الاتفاق. وإن الدولة التي تقدم على ذلك تعتبر على الفور منفصلة من الجامعة العربية طبقًا للمادة 18 من ميثاقها، ويترتب على صدور قرار اللجنة السياسية بثبوت المخالفة اعتبار الدولة المخالفة منفصلة عن جامعة الدول العربية واتخاذ التدابير الآتي بيانها:

1_ قطع العلاقات السياسية والقنصلية مع الدولة.

 2_ إغلاق الحدود المشتركة معها ووقف العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية معها.

  3_ منع كل اتصال مالي أو تعامل تجاري مباشرة أو بالوساطة مع رعاياها.

تبلغ كل دولة الأمانة العامة بجامعة الدول العربية الإجراءات التي اتخذتها في هذا الشأن.

  4_ تتضافر الدول الأعضاء على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير المشار إليها.

ولعل من يطلع على قرارات الجامعة العربية في ذلك الحين ويقارنها بالواقع الحالي في ظل المفاوضات والتسويات الثنائية والصلح المنفرد من قبل العديد من الدول العربية يصاب بالدهشة! وكأن تلك القرارات هي بالفعل قد اتخذت لتبرهن فقط على حالة التردي العربي بشكل  مستمر.

وكذلك أقرت الجامعة أن الهدف العربي في المجال العسكري ذو مرحلتين:

1–  هدف قومي نهائي، وهو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني.

ب- هدف أولي عاجل، وهو تعزيز الدفاع العربي على وجه يؤمن للدول التي تجري فيها روافد نهر الأردن، حرية العمل العربي في الأرض العربية.

 2_ بالنسبة للهدف العاجل: استكمال تنفيذ جميع مقررات الدورة الأولى لمجلس الملوك والرؤساء العرب تنفيذًا تامًّا ناجزًا في جميع الميادين: الفنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية.

  3_ إن تحقيق الهدف القومي النهائي في تحرير فلسطين يستلزم:

5_ استكمال القوة العربية لتحقيق هذا الهدف، وحشد جميع الطاقات العربية العسكرية والاقتصادية والسياسية.

6_ أن تضع القيادة العامة الموحدة خطة تفصيلية لتنفيذ الهدف.

7_ أن تبين كل دولة في تفصيل مقدرتها، وإن تحدد مساهماتها في حمل مسؤولياتها تجاه هذا الهدف.

8_ أن يضع القائد العام خلال عام، خطة تفصيلية لتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني(10).

الملخص:

إن الدارس لموقف جامعة الدول العربية وقراراتها من القضية الفلسطينية منذ قيامها عام 1945 وحتى الآن، ومقارنتها بقرارات هيئة الأمم المتحدة منذ صدور قرار التقسيم (181) عام 1947 وحتى الآن، ومدى تأثير ذلك في المشروع الصهيوني يجد: أن قرارات الجامعة العربية بدأت بالرفض لهذا المشروع كاملًا من القمة، ثم بدأت تتراجع خطوة فخطوة، إثر تقدم المشروع الصهيوني خطوة فخطوة، إلى أن وصلت إلى “مشروع السلام” الذي يثبت المشروع الصهيوني، ويرسخه في المنطقة العربية رسميًّا من قبل أعلى منظمة عربية تمثل قرار العرب جميعًا، وتوحد أهدافهم تجاه القضية الفلسطينية.

في المقابل كانت قرارات الأمم المتحدة قد بدأت مع المشروع الصهيوني من القاعدة فقسمت فلسطين عام 1947 وأعطت اليهود دولة ثم اعترفت بها بعد قيامها وأخذت تتوالى قرارات الأمم المتحدة بعد كل توسع يهودي مهادنة له ومتواطئة معه على حساب الحقوق العربية.

وكذلك في ظل العجز الذي اتسمت الجامعة العربية به تجاه العدوان على العراق والذي انعكست آثاره على القضية الفلسطينية بشكل سلبي كبير، باتت القضية الفلسطينية شأنًا داخليًّا فلسطينيًّا تلتزم الجامعة العربية بما تلتزمه السلطة الفلسطينية التي لا خيارات أمامها سوى القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه الإدارة الأمريكية المتحالفة مع الكيان الصهيوني.

المصادر:

1_ بي بي سي

2_ واس

3_ ويكبيديا

4_ اليوم السابع

5_ الدستور

6_ ويكبيديا

7_ ويكيبديا

8_ الجزيرة

9_ مقاتل من الصحراء

10_ المعرفة والمواجهة

التعليقات مغلقة.