fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قراءة في المشهد الإيراني ما بعد فوز الإصلاحيين على حساب المحافظين

0 22

قراءة في المشهد الإيراني ما بعد فوز الإصلاحيين على حساب المحافظين

لقد تسبب فوز مرشح الإصلاحيين “بزشكيان” بمنصب الرئاسة في إيران في صدمة كبيرة داخل صفوف المحافظين الذين سيطروا على منصب الرئيس لقرابة عقدين من الزمن؛ لكن في ذات الوقت أظهر غالبية الشعب الإيراني ارتياحًا لانتصار بزشكيان؛ لا سيما أن الاقتصاد الإيراني يعاني من تدهور كبير ومعاناة المواطن هناك؛ وذلك نتيجة لسياسات المحافظين المتخبطة بجانب استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تزيد من الوضع سوءًا.

وقد أثار قرار المرشح الإصلاحي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الماضية، مسعود بزشكيان، واستحداث منصب “نائب الرئيس” وتعيين وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف مستشارًا له في السياسة الخارجية المحسوب على الإصلاحيين أيضًا، مع السماح بتصاعد التيار الإصلاحي تساؤلات عديدة بشأن ما يمكن أن يقدمه في مسار السياسة الإيرانية، لا سيما ملف العلاقات الخارجية.

ولكن خيبة أمل هيمنت على المشهد في طهران بعد استقالته بعد عشرة أيام فقط من تعيينه؛ بسبب ضغوط قيل إنها من تيار المحافظين وعلى رأسهم المرشد الإيراني.

وتستعرض هذه الورقة البحثية في مركز “رواق” للأبحاث والدراسات السياسية بعض النقاط المهمة؛ وهي: قراءة في استحداث منصب “نائب الرئيس” في إيران، أبعاد استبعاد جواد ظريف المحسوب على الإصلاحيين من منصبه بعد عشرة أيام فقط من تعيينه، هل تسمح دولة المرشد الإيراني بتراجع دور المحافظين وتصاعد الإصلاحيين خلال السنوات المقبلة بعد تولي مسعود بزشكيان؟ ماذا عن حالة التخبط الشديدة في المشهد السياسي الإيراني؟ لماذا يتخوف البعض من عودة الاحتجاجات والتظاهرات في طهران؟ هل بدأت الصراعات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين في طهران؟ ماذا سيتغير في إيران بعد صعود الإصلاحيين؟ ومن يحرك خيوط السلطة في إيران؟

قراءة في استحداث منصب “نائب الرئيس” في إيران:

يرى مسعود بزشكيان في الرجل الذي دعمه بقوة في الانتخابات الماضية (جواد ظريف) الرجل القوي والدبلوماسي المخضرم في نفس الوقت، حيث ينظر الشارع الإيراني إلى ظريف، الذي كان كبير الدبلوماسيين الإيرانيين بين عامي 2013 إلى 2021، على أنه “مهندس” الاتفاق النووي عام 2015 من جانب إيران، والذي دافع عنه باعتباره حقق نتائج اقتصادية مباشرة لطهران، وساهم في رفع العقوبات على بلاده بين عامي 2016 و2017، قبل أن ينسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منه عام 2018.

وكما ذكرنا سالفًا، أن استحداث منصب “نائب الرئيس” وتعيين وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف مستشارًا له في السياسة الخارجية المحسوب على الإصلاحيين أيضًا، أثار تخبطًا كبيرًا وتساؤلات عديدة بشأن هذا المنصب، ولماذا في طهران، لا سيما داخل التيار المحافظ برئاسة علي خامنئي، ولكن يرى الرئيس الحالي أن استحداث المنصب مهم خصوصًا في وجود رجل مثل جواد ظريف، ولكن أتت الريح بما لا تشتهيه السفن وتم عزله في غضون أيام بسبب ضغوط من دولة المرشد.

أما بخصوص بيزشكيان، فقد اشتهر بموقفه الإصلاحي، وانتقد تعامل الحكومة مع المعارضة السياسية بعد الاحتجاجات المثيرة للجدل التي أعقبت الانتخابات عام 2009، وطالما أيد بقوة الاتفاق النووي، وكثيرًا ما تحدث لصالحه في البرلمان. (سكاي نيوز).

لذلك فقد أيد الإصلاحيون بيزشكيان، بمن فيهم الرئيس السابق محمد خاتمي، كما حشدت الأحزاب والشخصيات الرئيسية في هذا الفصيل السياسي جهودها لضمان فوز بيزشكيان في الانتخابات الرئاسية، وبالإضافة إلى ذلك، تم اختيار جواد ظريف مستشارًا للسياسة الخارجية ويشارك بنشاط في حملته الانتخابية.

استبعاد جواد ظريف المحسوب على الإصلاحيين من منصبه:

لقد أحدثت استقالة محمد جواد ظريف من منصبه بعض التخبط في المشهد السياسي في إيران، رأسًا على عقب وصدمة داخل الساحة السياسية الإيرانية، خاصة التيار الإصلاحي، كما أثارت الاستقالة مخاوف من عودة الاحتجاجات والاضطرابات؛ لأن ظريف كان المساعد الأقوى للرئيس مسعود بزشكيان، وخلقا معًا آمالًا بانتعاش هذا التيار مقابل التيار المحافظ الذي يقوده المرشد الإيراني الأعلى للبلاد، علي خامنئي.

وكان وقوف ظريف إلى جانب بيزشكيان في انتخابات الرئاسة الماضية بمثابة “نقطة تحول ودعم قوي” للإصلاحي الوحيد إلى جانب المرشحين المحافظين الخمسة بالانتخابات، ولقد فُسر ذلك على أنها بمثابة رسالة أو مغازلة للغرب بشأن الموقف المحتمل للسياسة الخارجية الإيرانية بعد فوز بيزشكيان، والتغيير الذي قد يطرأ عليها.

وقد انضم ظريف إلى بيزشكيان في الحملة الانتخابية في أصفهان التي جرت في 5 يوليو/ تموز 2024، وقد حث ظريف الناخبين على عدم مقاطعة الانتخابات، وأن عدم التصويت يعطي السلطة للأقلية، وهذه الأقلية هي التي تقود إيران إلى ظروف مزرية.ومع صعود “بيزشكيان” فمن الواضح أنه يريد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتهم خصومه المحافظين بإفساد الاقتصاد الإيراني من خلال عدم القيام بما يكفي لإحياء الاتفاق النووي مع الغرب الذي أدى إلى رفع بعض العقوبات.

ماذا سيتغير في إيران بعد صعود الإصلاحيين؟

وأوضح المجلس أن بيزشكيان وظريف قد استطاعا تغيير قواعد اللعبة في الانتخابات الرئاسية الماضية، بيد أن المرشح الإصلاحي يواجه عقبات كبيرة على رأسها معالجة مخاوف الإصلاحيين والناخبين الذين ما زالوا يشعرون بخيبة الأمل من قمع الاحتجاجات والوضع الداخلي لإيران.

نقول: إن وجود ظريف إلى جانب بيزشكيان يوحي بوجود إشارة بشأن التغيير الذي يطرأ على نهج إيران في السياسة الخارجية، كما يعتبر تصاعدًا للتيار الإصلاحي وتراجع المحافظين أو المتشددين، خصوصًا أن إيران بحاجة ماسة إلى التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، خصوصًا بعدما فاز بزشكيان في الانتخابات الرئاسية. (سكاي نيوز).

ومن الواضح أن دعم ظريف لبيزشكيان يعتبر بمثابة “سيف ذو حدين”؛ لا سيما أنه قد أحيا حملته وحشد الكثيرين خلفه ممن يرغبون في رؤية نهاية لعزلة إيران الدولية، لكنه في الوقت نفسه أحيا المتشددين لمنع ما يعتبرونه “ولاية روحاني الثالثة”.

بالطبع، جواد ظريف دبلوماسي بارع، لم يتصرف قط كسياسي؛ لذا فإن الدور الذي يلعبه الآن غير عادي تمامًا وربما يدل على مستوى اهتمامه بمستقبل البلاد ومستقبله في آن واحد؛ لأن أكبر منافس لبيزشكيان هو اللامبالاة السياسية على نطاق واسع من قبل المحافظين الذين يدعمهم المرشد الإيراني.

بدء الصراعات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين:

لقد بدت الصراعات تطفو على السطح في المشهد السياسي في إيران، لاسيما بعد الحراك الكبير الذي تشهده إيران حاليًا بعد ما أحدثته الانتخابات الرئاسية الماضية، وخصوصًا من تواجد ظريف مع بيزشكيان في المشهد الانتخابي، حيث يأتي في ظل الاعتقاد أن ما يراه ظريف يختلف عما يراه الآخرون، بشأن كون الحكومات المتشددة ستجر البلاد لمزيد من الأزمات وقطع العلاقات.

وقد يكون هناك إعادة للبند السابع على إيران، ما يعرف بـ (الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح)، وهذا ما يتخوف منه كبير الدبلوماسيين الإيرانيين السابق؛ لذلك ظهر بهذه القوة خلال الأسابيع الأخيرة خوفًا على النظام ذاته. (سكاي نيوز).

ولا ننسى أن جواد ظريف هو ابن النظام الإيراني، ويخاف عليه حتى أكثر من المتشددين أنفسهم، وبالرغم من أن المرشد الإيراني هو من يفرض أسماء عدة وزراء، على رأسها: الخارجية والداخلية والاستخبارات، وبالتالي جرى ترشيح “ظريف” خلال توليه هذه الحقيبة من “بيت المرشد”، ولكنه أفاد إيران في السياسة الخارجية أثناء توليه حقيبة الخارجية.

وبالتالي فلا شك من أن مهمة ظريف كانت ستكون صعبة للغاية؛ لأنه ورغم توافق ظريف القريب جدًّا من التيار الإصلاحي برمته وحتى جبهة الحرية التي أعلنت مؤخرًا دعمها، يستطيعون إعادة الإصلاحيين من جديد، وحتى إن نجحوا سيأتي بيزشكيان للحكم في ظل برلمان قد يتحكم فيه المتشددون ولكن بشكل أقل حدة. (سكاي نيوز).

بعد استقالة ظريف.. “عباءة خامنئي” تطارد بزشكيان:

تشير كثير من التوقعات إلى خيبة أمل الإصلاحيين تجاه حكومة مسعود بزشكيان، وتخوف بعض الساسة من ما إذا كانت استقالة ظريف سوف تعكس تحول الرئيس الإيراني من شخصية إصلاحية إلى أداة في يد المرشد الأعلى، وما إذا كانت تعكس سيطرة المرشد على الحكومة الجديدة.

ويرى نشطاء في إيران: أن استبعاد المسؤولين ذوي الجنسية المزدوجة، أو من يحمل أبناءهم جنسية مزدوجة من الحكومة، ومنهم جواد ظريف، الذي يحمل أبناؤه الجنسية الأمريكية، تشير إلى ضغوط يتعرض لها بزشكيان من مكتب خامنئي.

وكان وقوف ظريف إلى جانب بزشكيان خلال انتخابات يونيو الماضي، والتي كان فيها بزشكيان المرشح الإصلاحي الوحيد، “نقطة تحول ودعم قوي” أمام المرشحين المحافظين الخمسة، وكذلك رسالة للغرب بتغيير في السياسة الخارجية الإيرانية حال فوز بزشكيان، لتكون أكثر مرونة في بعض الملفات الإقليمية والدولية.

وفي توضيحه لأسباب استقالته، قال جواد ظريف، الذي تولى وزارة الخارجية من 2013 إلى 2021، في تدوينة على حسابه في موقع “إكس”: “أشعر بالخجل لأنني لم أتمكن من تنفيذ رأي الخبراء للجان المسؤولة عن اختيار المرشحين بشكل لائق، وتحقيق إشراك الشباب والمجموعات العرقية كما وعدت”، كما أعلن أن عددًا من الوزراء في التشكيل الجديد الذي ضم 19 وزيرًا لم يكونوا من اختياره. (سكاي نيوز).

وأشار ظريف إلى أن أولاده يحملون الجنسية الأمريكية، لكنه يعيش وأولاده وزوجته في إيران، ويخضع هو لعقوبات أمريكية وكندية تجعله لا يستطيع دخول الولايات المتحدة حتى كسائح، وأن هذه الشكوك يمكن أن يشار بها إلى أشخاص مقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية.

خيبة أمل داخل التيار الإصلاحي:

عبر التيار الإصلاحي الداعم لمسعود بزشكيان عن استيائه من حكومة بزشكيان نفسه، معتبرًا أنها لم تلبِّ تطلعاتهم الإصلاحية الكاملة في التغيير، حتى إن بعضهم اعتبر الحكومة الجديدة ما هي إلا امتداد للحكومة في عهد الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي.

ولا شك أن الحكومة الجديدة واستقالة ظريف قد أثارتا إحباطًا وسط الإيرانيين وخيَّبت أمل الشباب الذين دعموا المرشح الإصلاحي على أمل تحسين الأوضاع الاقتصادية وتعزيز الحريات، وبالتالي فليس مستبعدًا أن يؤجج هذا الإحباط المشاعر السلبية في الشارع، ويسبب تصعيدًا جديدًا في الاحتجاجات والاضطرابات من جديد. (سكاي نيوز).

نقول هنا: إنه من الواضح أن استقالة ظريف ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل تدل على خلافات عميقة، تكشف عدم التماسك في الإدارة العليا، ومن الممكن أن تنعكس هذه الخلافات على أداء الحكومة الجديدة، وليس مكتب علي خامنئي ببعيد عما يحدث في أزمة متوقعة داخل الحكومة.لذلك إن تدخل علي خامنئي، سواء كان خفيًّا أو علنيًّا؛ فهو يهدف إلى تعزيز سيطرته على الحكومة، أو إخضاعها بالكامل، وإذا تمكن من هذا، قد يواجه بزشكيان صعوبة في حفظ مصداقية الحكومة أمام الشعب والمجتمع الدولي، والدليل هو استقالة جواد ظريف التي تكشف عن درجة عالية من السيطرة التي يمارسها مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري على الحكومة. (سكاي نيوز).

جواد ظريف يعود لمنصبه مساعدًا للرئيس الإيراني.. ما السبب؟

كما ذكرنا على ما تشهده الساحة الإيرانية من خلافات عميقة ضربت وربما لا تزال دولة الفقيه من الداخل في ظل احتقان الشارع الإيراني، وما زاد الطين بلة في الضغط على جواد ظريف للاستقالة، وهو ما زاد المشهد تخبطًا وسوءًا، ولربما لتجنب هذه الخلافات، رأت دولة المرشد أن عودة ظريف هي الحل لتهدئة الشارع الإيراني؛ حيث أعلن محمد جواد ظريف عن رجوعه عن استقالته التي سبقها وقدمها كمساعد للرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، وَفْق ما ذكرت وسائل إعلام عدة في إيران.

وكان قد سبق وأعلن ظريف استقالته بعد 10 أيام من تعيينه، وبررها فقط دون التطرق لأسباب أخرى برفضه قائمة الوزراء التي قدمها الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان إلى البرلمان.

وقال ظريف على منصة “إكس”: “اليوم، ذهب أعضاء الحكومة للقاء القائد الأعلى في ظل تواجد كبير للأعراق والمذاهب في الهيئة الحكومية، مما يدل على تنفيذ الرئيس بزشكيان وعوده الانتخابية، وآمل أن يستمر هذا النهج على هذا النحو، وأن يتحقق التوافق الوطني على أساس التنمية التي تركز على الإنسان وتستند إلى الشعب”.

وذكر قائلاً: “بعد المتابعات والمشاورات الحكيمة لرئيس الجمهورية المحترم وبأمر مكتوب منه، ومع التوكل على الله، وآمل أن أجد الدعم والإرشاد من الشعب الإيراني، سأواصل أداء مهامي في منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الإستراتيجية”؛ الأمر الذي يؤكد على محاولة تهدئة الخلافات بين المرشد علي خامنئي والإصلاحيين بعد حالة شديدة من التخبط.

خلافات عميقة تضرب النظام الإيراني من الداخل:

عندما انتخب مؤخرًا رئيسًا لإيران، كان الإصلاحي، مسعود بزشكيان، يأمل في معالجة جملة من المشاكل الداخلية والخارجية للبلاد برفقة معاونيه، وسط اقتصاد متردٍّ ومتدنٍّ، ووضع جيوسياسي معقَّد بالمنطقة.

ومع ذلك وجد بزشكيان نفسه في معضلة داخل تياره الإصلاحي عندما استقال أحد أقرب مساعديه، في خطوة تشير إلى وجود خلافات عميقة بين المتشددين والإصلاحيين بإيران؛ كما أن استقالة ظريف من منصبه كنائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية بعد 10 أيام على تعيينه فقط، وهو الذي كان مكلفًا بالمساعدة في اختيار التشكيل الحكومي الجديد، جاءت لتؤكد على عمق الخلافات التي تعيشها إيران داخليًّا؛ لا سيما بسبب تصرفات التيار المحافظ برئاسة المرشد علي خامنئي نفسه؛ كما جاءت استقالة ظريف لتؤكد على وجود خلافات عميقة بين مجموعة الحرس الثوري الإيراني، والمعسكر الإصلاحي بمؤسسة الرئاسة منذ فوز بزشكيان، فيما يتعلق بعدد من الملفات الداخلية والخارجية.

كما كان يظن الإصلاحيون الذين ساندوا بزشكيان في الانتخابات أنهم قادرون على فرض سياساتهم بعد إيصاله إلى منصب الرئيس، لكن ما حدث هو أنهم صدموا بأنهم غير قادرين على فعل أي شيء. (سكاي نيوز).

الأمر الذي يؤكد أن معركة يخوضها بزشكيان مع الحرس الثوري، لمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية، خلال تواجده في طهران.

ويسيطر المرشد الإيراني، علي خامنئي على الحرس الثوري الإيراني؛ الذي تأسس بعد الثورة الخمينية عام 1979 لحماية النظام الجديد من المعارضة الداخلية، ليتحول فيما بعد إلى أقوى مؤسسة في البلاد، ويلعب الدور الأساسي بالنسبة لخامنئي في فرض رؤيته في الداخل والخارج.

لقد بدت واضحة خيبة أمل الإصلاحيين بعد تقديم بزشكيان تشكيل الحكومة إلى مجلس الشورى من أجل الحصول على الموافقة، وهو التشكيل الذي لم يكن يرقى لتطلعات الإصلاحيين، وفي مقدمتهم ظريف، وبالتالي أدرك ظريف أنه لا يمكنه أن يغير أو يلعب دورًا فاعلًا خلف الكواليس في السياسات الإيرانية؛ كما أيقن بأن الحرس الثوري والمؤسسات العميقة لا تزال تتحكم بشكل واسع النطاق في السياسة وصناعة القرار.

تتعمق الخلافات شيئًا فشيئًا بين التيار المتشدد بقيادة الحرس الثوري والجناح المعتدل الذي يقوده بزشكيان. ويرى آخرون: أن ذلك لا يعدو كونه اختلافات في وجهات النظر. ويرى البعض أن استقالة ظريف جاءت بسبب اختلاف في وجهات النظر فقط بين ظريف وبزشكيان حول أسماء بعض الوزراء في التشكيل الحكومي، ولكنه سبب غير حقيقي. (الحرة).

لماذا سمح النظام الإيراني بتوسيع المشاركة وصعود الإصلاحيين؟

على الرغم من أن السلطات في إيران تتركز بشكل أساسي في يد المرشد الأعلى، وهو حاليًا علي خامنئي، وذلك بموجب الدستور الذي تم إقراره عام 1979، وتعديلاته في 1989، فإن الرئيس في إيران هو الشخص الثاني في النظام؛ فإن ذلك لا ينفي أن للرئيس هامشًا من الحركة يمارسه بميزان دقيق، وربما يسمح له في التأثير في بعض القرارات على المستويين الداخلي والخارجي. (الحرة).

وقد سعى النظام الإيراني إلى توظيف المشاركة في الانتخابات، أيًّا كانت للمرشح الإصلاحي أم المحافظ، على أنها تصويت على شرعيته وشعبيته، والتي تراجعت خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد والمواطن الإيراني، إذ زادت مساحة الغضب والسخط تجاه النظام وسياساته، وتمت ترجمة ذلك في تكرار الموجات الاحتجاجية خلال السنوات القليلة الماضية؛ بالإضافة إلى انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات مقارنةً بما كان في السابق.

ثمة دلالات ترتبط بالنتائج التي أسفرت عنها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الماضية، ومنها: عودة الإصلاحيين للسلطة، ومع تراجع فرص التيار الإصلاحي في المشاركة في السلطة داخل إيران خلال السنوات الأخيرة، مقابل هيمنة المحافظين على مفاصل الحكم؛ تمكّن المرشح المدعوم من الإصلاحيين والمعتدلين، مسعود بزشكيان، من الفوز بالرئاسة الإيرانية، في تكرار ربما لسيناريو انتخابات 1997، والتي جاءت بأول رئيس إصلاحي لسدة الحكم في طهران آنذاك، وهو الرئيس محمد خاتمي.

حيث نجح الإصلاحيون في جذب بعض النخب المعتدلة، ولا شك في أن الدعم غير المسبوق الذي حصل عليه بزشكيان من رموز التيارين الإصلاحي والمعتدل، أدى دورًا حاسمًا في فوزه؛ إذ أبدى خاتمي ووزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، دعمهما لبزشكيان منذ البداية، كما انضم لدعمه الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، ورئيس البرلمان الأسبق، مهدي كروبي، وغيرهم.

يعتبر بزشكيان الإصلاحي الوحيد الذي لم يفز من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية الإيرانية؛ إذ سبقه خاتمي عام 1997 عندما فاز في ولايته الأولى بنسبة 70٪، و80٪ في ولايته الثانية، وحصل روحاني على نسبة 50.5٪ في ولايته الأولى، و57٪ في ولايته الثانية. ولم تشهد إيران جولة ثانية من الانتخابات إلا في عام 2005، عندما تنافس الرئيس الأسبق، هاشمي رفسنجاني، مع الرئيس الأسبق الذي فاز وقتها، محمود أحمدي نجاد. (الحرة).

وربما جاء إفساح مجلس صيانة الدستور المجال لقبول أهلية بزشكيان للترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، رغبةً من النظام في تعزيز فرص المشاركة الشعبية، في ضوء تدني تلك النسبة خلال انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي (البرلمان) وخبراء القيادة التي أُجريت في مارس 2024.

من يحرك خيوط السلطة في إيران؟

بعدما لقي إبراهيم رئيسي مصرعه إثر تحطم طائرته، كان من يمسك بزمام الأمور كاملة هو المرشد علي خامنئي، ولكن مع تصاعد الإصلاحيين، فهل تتقلص سلطة المرشد أم يظل مهيمناً على خيوط السلطة في طهران؟ ولطالما يعتبر ظريف ضمن الشخصيات المغضوب عليها من قبل الحرس الثوري الإيراني وتم تنحيته، مما يشير إلى أن غالبية الصلاحيات لا تزال بيد المرشد، وكانت هناك تلميحات في وسائل الإعلام باعتباره خائناً وعميلاً للغرب.كما أن المحافظين يتهمون ظريف بتقديم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة في المفاوضات النووية دون الحصول على الضمانات اللازمة لعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي وقع عام 2015.

ويلوح المحافظون في طهران بقيادة خامنئي: أن ظريفًا تسبب في تكبد البلاد خسائر اقتصادية وسياسية كبيرة بسبب الاتفاق النووي الذي يعتبرونه ضعيفًا، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة بعد 3 أعوام؛ لا سيما أن الإصلاحيين تمتعوا بنفوذ كبير في إيران بعد الاتفاق النووي الذي قاده ظريف وأبرمته طهران في 2015 بهدف تخفيف العقوبات المفروضة عليها. (الحرة).

إن من يتحكم في السلطة بإيران هو المرشد الأعلى ومن بعده المؤسسات المتشددة وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني؛ وبالتالي لا يمكن اعتبار ما حدث بأنه صراع أجنحة داخل النظام الإيراني، بل هناك جناح واحد فقط يسيطر على المشهد برمته.

هل تسمح دولة المرشد بتراجع دور المحافظين؟

على ما يبدو أن المحافظين قد سمحوا للتيار الإصلاحي بالعودة للرئاسة من أجل تهدئة الوضع الداخلي وتخفيف حدة التوترات مع الغرب، وهذا يعني أن التيار المتشدد وظف الإصلاحيين لخدمة أجندته أيضًا؛ لأن أية تدخلات من جهات فاعلة أخرى في الدولة أو في السياسات أو لتغيير أسماء أعضاء الحكومة، ويوافق عليها رئيس الجمهورية تأتي أولاً بعد قناعة المرشد والمؤسسات الأخرى المتشددة؛ كما أن الأوضاع أمام مسعود بزشكيان قد لا تزال غير مهيأة أمام طموحاته ومشاريعه. (الحرة).

لقد طفت حالة من الغضب والاستياء الشديدين داخل صفوف تيار المحافظين الذين سيطروا على منصب الرئيس لقرابة عقدين من الزمن؛ بالرغم من سماحهم لتصاعد التيار الإصلاحي في المشهد السياسي، لا سيما في ظل اقتصاد يعاني من تدهور حاد ويحتاج إلى إصلاح حقيقي على الأرض. (الحرة).

ولا تزال هناك تخوفات كبيرة تسيطر على قطاع كبير من الإيرانيين من فوز مرشح المحافظين في الانتخابات التي جرت في يوليو الماضي 2024، وقد صرح بزشكيان آنذاك في مناظرات بأنه سيواصل المسيرة السياسية والإصلاحية داخل البلاد وخارجها.

عودة الإصلاحيين لتصدر المشهد السياسي:

بعد مضي أكثر من 19 عامًا على مغادرة “محمد خاتمي”، آخر رئيس إصلاحي، القصر الرئاسي في طهران، عاد الإصلاحيون مجددًا إلى سدّة الحكم من بوابة الانتخابات الرئاسية المبكرة بدورتها الـ14، التي فاز بها السياسي “مسعود بزشكيان”، استشاري جراحة القلب والصدر.

وبعد سجال طويل احتدم بين الإصلاحيين والمحافظين طوال 25 يومًا، خلال فترتي الحملات الدعائية قبل الجولتين: الأولى والثانية، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية فوز الإصلاحي بزشكيان بحصوله على أغلبية أصوات الناخبين متفوقًا على المرشح المحافظ “سعيد جليلي”، في حين بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات 49.8%، وهي نسبة مشاركة أعلى من الجولة الأولى، وأعلى أيضًا من نسبة المشاركة في انتخابات 2021 التي فاز فيها الرئيس الراحل “إبراهيم رئيسي”.

نشير هنا إلى أن الحملات الدعائية للمرشحين: الإصلاحي والمحافظ، وخاصة المناظرات الثنائية بينهما، كشفت عن أنهما يحملان فكرين مختلفين يكادان يكونان متناقضين في عديد من الملفات الداخلية والخارجية، وهو ما دفع الكثيرين للتصويت لصالح المرشح الإصلاحي على حساب خصمه المحافظ.لكن ثمة نظرات متشائمة في الأوساط السياسية ترى أن حكومة الطبيب الجراح بزشكيان ستشكل على عجالة، ونظرًا للتحديات لن تصمد طويلاً، ومن يؤمن بهذه النظرة المتشائمة يعتبر البرلمان الثاني عشر بمثابة مركز التحدي بأي ثمن وبمختلف الأعذار لحكومة بزشكيان وأعضاء حكومته.

وبالرغم من ذلك يتمتع بزشكيان بشخصية تصالحية مسالمة تجعله يفضل الأخذ والعطاء بدلاً من الشد والجذب مع البرلمان، وبهذا يستطيع أن يمد الجسور مع كل الفئات، ولكن المبالغة في ميزة التصالح ستأتي بنتائج عكسية قد تؤدي إلى فشل الحكومة وتراجعها أمام تيار متشعب في مفاصل الدولة الإيرانية. (الجزيرة).

أبرز التحديات أمام مسعود بزشكيان:

يعد الرئيس في إيران من الناحية الدستورية الشخص الثاني في البلاد بعد المرشد الأعلى الذي يتمتع بسلطات مطلقة، وعند اختيار الوزراء للوزارات السيادية من قِبَل الدفاع والداخلية والخارجية، والاستخبارات، والنفط، يضطر الرئيس لاستشارة المرشد بهذا الخصوص.

تشكل السياسة الخارجية الجانب الأصعب في حكومة الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان؛ نظرًا للعقوبات المفروضة على إيران، وانسحاب واشنطن في عهد ترامب من البرنامج النووي، وسوء الأحوال والأوضاع الداخلية والتظاهرات التي لم تتوقف تقريبًا بسبب الظروف المعيشية والقمعية.كما أن إحدى المشاكل التي تواجه حكومة مسعود بزشكيان هي مكافحة الفقر والأضرار الاجتماعية الناجمة عنه والمشاكل الكبرى والصغرى في مجال الصحة والتعليم في البلاد؛ خاصة أن هذا المجال بإمكانه تحديد مدى نجاح أو فشل الحكومة.

نجح الإصلاحيون في جذب بعض ناخبي ما يُسمى بـ”الكتلة الرمادية” لصالحهم، وهي الكتلة التي لم تشارك في الجولة الأولى من الانتخابات، وكانت تقدر بحوالي 36 مليون صوت؛ لتضيف إلى عشرة ملايين صوت حصل عليها بزشكيان في الجولة الأولى، حوالي ستة ملايين صوت جديد، ليفوز في النهاية بنسبة تقدر بحوالي 55% من إجمالي المشاركين في الانتخابات. (الجزيرة).

ولا شك في أن الدعم غير المسبوق الذي حصل عليه بزشكيان من رموز التيارين: الإصلاحي والمعتدل، أدى دورًا حاسمًا في فوزه؛ إذ أبدى الرئيس الإصلاحي السابق “خاتمي” ووزير الخارجية الإيراني السابق “جواد ظريف” دعمهما لبزشكيان منذ البداية، كما انضم لدعمه الرئيس الإيراني السابق “حسن روحاني” ورئيس البرلمان السابق “مهدي كروبي” وغيرهم من الشخصيات المؤثرة.كما أن تصدر بزشكيان نتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات أحيا الأمل لدى قطاعات واسعة من الشعب الإيراني الساعية للتغيير، ودفعها للمشاركة في الجولة الثانية، بعد انخفاض المشاركة في الجولة الأولى، ربما لأسباب تتعلق بتوهم هذه القطاعات أن الفائز في الانتخابات سيكون هو المرشح المحافظ “جليلي”، ومن ثم استبعاد أية محاولة للتغيير قد تحدث.

هذا بجانب أن صعود بزشكيان جاء نتيجة عاملين رئيسيين ضمن المعادلة السياسية بالبلاد؛ العامل الأول يتمثل في حاجة النظام الديني لوجه إصلاحي في المرحلة المقبلة، لأنه يعتقد أن من المحتمل جدًا فوز الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في الانتخابات الأمريكية التي ستعقد بعد أشهر قليلة، أما العامل الثاني فهو مرتبط بالوضع الداخلي لإيران الذي يوشك على الانفجار؛ بسبب تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. (الجزيرة).

كما وصف بزشكيان خلال كلمته خامنئي بـ”القيادة الحكيمة”، في رسائل تُقرأ على أن بزشكيان رئيس إصلاحي ينتمي للنظام في إيران ولا يرفضه، وهذا بخلاف بعض تيارات المعارضة الإيرانية، ولاسيما المعارضة في الخارج من أنصار “حركة مجاهدي خلق” وأنصار الملكية، ممن يرفضون الثورة والنظام القائم. (العربية).

بزشكيان يهاجم المحافظين لاستبعادهم الأكفاء في تولي المناصب:

صرح الرئيس الإيراني المنتخب في خطابه الأول بأنه يمد يده للجميع من أجل مصلحة البلاد، كما أقر بأن الطريق صعب ولا يمكن تجاوزه إلا بتعاضد الجميع، وكان استقبال المرشح الخاسر “جليلي” تأكيدًا على هذا المعنى.وحاول بزشكيان تشكيل حكومة من التكنوقراط، لا تمثل أطيافًا سياسية بعينها، استنادًا إلى تصريحه بأنه يجب تعيين خبراء في الحكومة، وانتقاده للمحافظين بأنهم استبعدوا الأكفاء من تولي مناصب مهمة، وتأكيده المتكرر على ضرورة أن ينصب اهتمام الحكومة الجديدة على ملفات الاقتصاد، والسياسة الخارجية، والأمن القومي.

ملف الحريات واضطهاد الأقليات والسياسة الخارجية:

انتقد الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، الممارسات التي وصفها بـ”القمعية” من التيار المحافظ، كما انتقد بزشكيان ممارسات الحكومة بقمع المتظاهرين في احتجاجات “الحركة الخضراء” عام 2009، وتعهد بضمان منع الرقابة وتقييد الإنترنت، وتمثيل حكومي أوسع نطاقًا للنساء والأقليات القومية والمذهبية، خصوصًا الأكراد والبلوش، علمًا بأن بزشكيان نفسه ينتمي لأب أذري وأم كردية.

ومن المرجح أن يستمر مسلسل تحسين العلاقات بين إيران ودول المنطقة، وهو الذي أخذ زخمًا واضحًا خلال فترة رئيسي، بتوقيع اتفاق عودة العلاقات مع السعودية في 2023. (العربية).

حيث يمكن استشراف مستقبل السياسة الخارجية لبزشكيان، في ضوء ما صرح به خلال حملته الانتخابية، وذلك على النحو التالي:

محاولة الانفتاح على الغرب وسياسة التوجه شرقًا:

دعا بزشكيان بضرورة الانفتاح على الغرب، مدافعًا عن الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران في 2015، ورأى أن هذا الاتفاق كان من مصلحة طهران، ويعتقد بزشكيان بضرورة الدخول في مفاوضات مع الغرب؛ بغية رفع العقوبات التي رأى أنها تسببت في الكثير من الخسائر لإيران، كما يطالب بالانضمام لمجموعة العمل المالي  (FATF)، والتي سبّب عدم انضمام طهران لها في حرمانها من الاندماج في النظام المصرفي العالمي.يعتقد بزشكيان بضرورة توطيد علاقة إيران مع دول الشرق، معتبرًا أن ذلك سيمنح طهران وضعًا قويًا في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

والملاحظ أيضًا: أن النظام الإيراني يرى في سياسة “الاتجاه شرقًا” -والتي تعني بشكل أساسي توطيد العلاقات مع القوى غير الغربية؛ مثل: روسيا والصين والقوى الأخرى الصاعدة سواء في آسيا أو غيرها- بديلًا إستراتيجيًّا له عن الاعتماد في علاقته الخارجية على الغرب، في ضوء الملفات المعقدة التي تجمعه بالأخير.

الاستمرار في تحسين العلاقات مع دول المنطقة:

من المرجح أن يستمر مسلسل تحسين العلاقات بين إيران ودول المنطقة، وهو الذي أخذ زخمًا واضحًا خلال فترة رئيسي، بتوقيع اتفاق عودة العلاقات مع السعودية في 2023، واستكمال ذلك بمساعي وجهود تحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية الأخرى؛ فضلًا عن تركيا وباكستان، ومن اللافت أن بزشكيان تلقى رسائل تهنئة من قادة وزعماء ورؤساء أغلب دول المنطقة، وهو ما يعكس تطلع هذه الدول للتعاون معه. (العربية).

ختامًا.. حالة تبديل الأدوار داخل النظام الإيراني:

إن فوز بزشكيان قد يمثل حالة من تبديل الأدوار داخل النظام الإيراني، وتغيير الوجوه التي رفضها الشارع الغاضب بشدة نتيجة سياساته، كما يحاول نظام المرشد كسر الفجوة المتزايدة بينه وبين الشارع الغاضب والمحتقن والذي أنهكته الظروف الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ومع ذلك فإن صعود بزشكيان لا يمثل خروجًا كبيرًا عن النص الإيراني في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، والتي تخضع جميعها للتوجهات التي يرسمها المرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له.لذا فإن أي مساحات تحرك ستكون محددة ومرسومة وليست بالقدر الكافي للرئيس المنتخب، إلا في إطار المتعارف عليه في السياسة الإيرانية، ومن الممكن أن يكون للرئيس المنتخب قدر من الحركة لإدارة تلك الملفات في إطار المتغير في السياسة الإيرانية، قد يسمح له بترك بصمة خاصة، وإحداث تغييرات مسموح بها من المرشد في الداخل بشأن الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك إدارة العلاقات مع الخارج؛ ولا سيما الغرب.

الخلاصة:

– نستخلص من هذا التقرير: أن الرئيس مسعود بيزشكيان وجواد ظريف قد استطاعا تغيير قواعد اللعبة في الانتخابات الرئاسية الماضية، ولكن يواجه بزشكيان بعد صعوده عقبات كبيرة؛ على رأسها: معالجة مخاوف الإصلاحيين والناخبين الذين ما زالوا يشعرون بخيبة الأمل من قمع الاحتجاجات والوضع الداخلي لإيران.

– لقد تسبب استبعاد جواد ظريف المحسوب على الإصلاحيين من منصبه بهذه السرعة في حالة من التخبط في المشهد السياسي في إيران وقلب الموازين رأسًا على عقب، خاصة داخل التيار الإصلاحي، كما أثارت الاستقالة مخاوف من عودة الاحتجاجات والاضطرابات؛ لأن ظريفًا كان المساعد الأقوى للرئيس مسعود بزشكيان، وخلقا معًا آمالًا بانتعاش هذا التيار مقابل التيار المحافظ الذي يقوده المرشد الإيراني الأعلى للبلاد، علي خامنئي.

– يخطط بزشكيان المحسوب على الإصلاحيين للتخلص من الممارسات التي وصفها بـ”القمعية” من قِبل التيار المحافظ، والتخفيف من حِدة قمع المتظاهرين، حيث تعهد بضمان منع الرقابة وتقييد الإنترنت، في خطوة منه للتخلص من سطوة المحافظين وفرض توجه التيار الإصلاحي والابتعاد عن الدائرة التي يغضب منها السواد الأعظم في الشارع الإيراني.

– كما يريد حلحلة ملف الحريات ولو قليلا، والتقليل من اضطهاد الأقليات هناك، كما يريد انفتاح إيران بشكل أكثر في ملف السياسة الخارجية، والاستمرار في تحسين العلاقات مع دول المنطقة بعد عودة العلاقات مع السعودية، كذلك محاولة الانفتاح على الغرب وسياسة التوجه شرقاً حيث روسيا والصين وكوريا الشمالية.

– لكن ثمَّة تحديات أمام الرئيس بزشكيان تعرقله؛ لأنه في إيران من الناحية الدستورية يعتبر الشخص الثاني في البلاد بعد المرشد الأعلى الذي يتمتع بسلطات مطلقة، فعند تطرقه لملف الحريات أو الأقليات المضطهدة، أو في اتباع سياسة معينة مع بعض الدول ستعترضه سلطة المرشد.

– بالأخير، لقد سعى النظام الإيراني إلى توظيف المشاركة في الانتخابات الماضية، أيًا كانت للمرشح الإصلاحي أم المحافظ، على أنها تصويت على شرعيته وشعبيته، والتي تراجعت خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد والمواطن الإيراني، نتيجة زيادة مساحة الغضب والسخط تجاه النظام وسياساته، وتمت ترجمة ذلك في تكرار الموجات الاحتجاجية خلال السنوات القليلة الماضية.

المصادر:

– سكاي نيوز

– الحرة

– العربية

– الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.