fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

عودة بوكو حرام إلى الواجهة من جديد بمنطقة الساحل الإفريقي

73

عودة بوكو حرام إلى الواجهة من جديد بمنطقة الساحل الإفريقي

تشهد القارة السمراء العديد من أحداث الإرهاب والتطرف بصفة عامة، وفي دول الساحل خاصة، خاصة بعد خروج القوات الغربية من بعض الدول الإفريقية، وزادت الوتيرة الإرهابية في هذه الدول، وكأنها في إشارة إلى أن الواقع بدون القوات الغربية سيكون مريرًا، ولكن هناك أيضًا روايات بأن المنظمات الإرهابية هي رعايا الدول الغربية من القارة الإفريقية، فمع تقلص الدور الغربي بشكل عام في دول الساحل الأفريقي، أخذ نفوذ الجماعات الإرهابية يتنامى بوتيرة غير مسبوقة، وفقًا لمراقبين رصدوا حضورًا لافتًا لتنظيم «القاعدة»، في عدة دول بينها مالي وبوركينا فاسو.

ولا شك أن منطقة الساحل هي بيئة خصبة للجماعات الإرهابية حيث تستغل تلك الجماعات التوترات التاريخية والكبيرة بين المجتمعات المحلية في المناطق الحدودية، والصراع بين القبائل والعشائر على الموارد الشحيحة في ظل عجز الحكومات عن السيطرة على مساحات ترابية وطنية كبيرة.

بالإضافة إلى هذه العوامل المساعدة على انتشار الارهاب والتطرف، فهناك ثمة عوامل جغرافية، مثل: سهولة العبور واختراق الحدود بين دول المنطقة، لكن كل تلك العوامل يمكن احتواؤها لو تسنى التوصل إلى حكومات قوية ورشيدة تهتم بمعالجة جذور الأزمة، وانسلخت القوى الغربية من زراعة أذرعها في المنطقة.

وبعودة بوكو حرام وتحديدًا الفصيل الأصل المسمى “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” فهي نقطة تحول كبرى في توزيع خريطة الجماعات الإرهابية العنيفة في الساحل الأفريقي؛ خاصة بعد تمكن بوكو حرام من احتلال ما يصل إلى 40% من الجزر التي كانت تسيطر عليها في السابق ولاية داعش في غرب إفريقيا، وطرد تنظيم داعش من بعض الأراضي التي سيطر عليها منذ مدة طويلة في منطقة بحيرة تشاد.

جماعة بوكو حرام منذ النشأة:

تجدر الإشارة إلى أن الاسم الرسمي لبوكو حرام هو “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، وقد ارتبطت باسم زعيمها الراحل أبو بكر شيكاو، وكان زعيمها المؤسس، محمد يوسف، يعارض بشدة النفوذ الغربي في نيجيريا، ولا سيما التعليم الغربي الذي يفسد المسلمين النيجيريين.

وقد تمت ترجمته بوكو حرام على أنه يعني “التعليم الغربي حرام”، ومن المعروف أن كلمة “بوكو” هي مصطلح هوساوي يُشار إليه خطأً وببساطة باسم “الكتاب الغربي”، وعلى سبيل العموم، “التعليم الغربي”، لكن الترجمة تتجاوز الوصف الأولي للكتاب بسبب تناغم الكلمة.

إن كلمة بوكو، تشير إلى “شيء ذي طبيعة زائفة للغاية”، شيء ليس صحيحاً لأنه ينطوي على الخداع والاحتيال، وبالطبع تم استخدامه للإشارة إلى التعليم الغربي، وعلى نطاق واسع إلى التأثير الغربي؛ لذا بدأ استخدام بوكو لوصف شيء كاذب ومزيف في جوهره في شمال نيجيريا(1).

مبايعة داعش:

في مارس 2015 تعهدت حركة بوكو حرام بالولاء لخلافة داعش وفي إبريل 2015، أعلنت اسمها الجديد “ولاية غرب إفريقيا”، وفي أغسطس 2016، بسبب الصراع الداخلي، انقسمت الجماعة إلى فصيلين، قاد أحدهما أبو مصعب البرناويولاية غرب إفريقيا، ابن مؤسس الجماعة محمد يوسف، أما الفصيل الثاني الذي تزعمه شيكاو فقد عاد للاسم الرسمي، وهو “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”.

وقد رفضت بوكو حرام بشكل لا لبس فيه النظام السياسي النيجيري، القائم على العلمانية والديمقراطية الدستورية، كما تم اعتماده في عام 1999، والذي تُلقي الجماعة باللوم عليه بسبب الفساد المزمن والفقر، وعدم المساواة في نيجيريا، ولأن البلاد “غير إسلامية”(2).

الاختلافات والفروق بين داعش وبوكو حرام الفرقاء:

ويمكننا هنا أن نبين: أن ثمة فروق جوهرية في الخطاب والممارسات العملياتية لكل من بوكو حرام وولاية داعش في غرب إفريقيا، وذلك في سعيهما للسيطرة والنفوذ، وهي الاختلافات التي تظهر عبر المستويات التالية:

1_ الموقف المغاير من التعامل مع المدنيين:

 يختلف الفصيلان في معاملتهما للمدنيين وبنيتهما التنظيمية.

تتبنى بوكو حرام بزعامة باكورا دورو الذي يمثل الطور الثالث في القيادة، والتي تقوم على النهج اليوسفي نسبة لأفكار المؤسس محمد يوسف، مفهوم تكفير الدولة والمجتمع، وعليه فهي تعامل المدنيين بأساليب عنيفة ووحشية، وتجيز النهب والهجمات الانتحارية على المدنيين واسترقاق من تعتبرهم “كفارًا” أو “مرتدين”.

 وفي المقابل: تحاول ولاية داعش في غرب إفريقيا تبني نهج أقل وحشية في مواجهة المدنيين المسلمين، وتفضيل “الضرائب” على مجرد السلب والنهب.

2_ اختلاف الطابع التنظيمي والعملياتي:

تحاول داعش جاهدة الحفاظ على توحيد عملياتها من خلال السيطرة على المقاتلين على خلاف بوكو حرام.

وفي هذا السياق: تستخدم داعش أجهزة الكمبيوتر والأوراق لتتبع مقاتليها وتتبع أنشطتهم، كما أن لدى ولاية داعش بيروقراطية منظمة مخصصة للأمن الداخلي، مؤلفة من رجال الأمن المحترفين، على غرار تنظيم داعش المركزي، كما تقوم بتسجيل أعضائها وتنظيم حجم الوحدات المقاتلة، ويمكنها التحرك بين المقاتلين والموظفين، بغض النظر عن علاقاتهم الشخصية بالقادة.

ومن الجدير بالذكر: أن ولاية غرب إفريقيا تحتفظ بترسانة مركزية، وتمنع المقاتلين من الاحتفاظ بالأسلحة معهم أثناء عدم القيام بالعمليات، علاوة على ذلك فهي توفر سبل العيش لموظفيها، وتحرص على دفع الرواتب لهم.

في المقابل: تعتبر بوكو حرام أقل بيروقراطية ومركزية، فالقادة العسكريون أكثر استقلالية، والقيادة العليا لها تأثير أقل بكثير عليهم، وبالنسبة لمقاتليهم، فإن القادة العسكريين يتصرفون باعتبارهم رعاة أكثر من كونهم ضباطًا في الجيش، كما يجب على مقاتلي بوكو حرام الاحتفاظ بأسلحتهم في جميع الأوقات، صحيح أن قادة بوكو حرام يتشاورون مع القيادة، ويمكنهم إرسال الموارد إليها واستلام الأسلحة منها، لكنهم أكثر حرية في فعل ما يحلو لهم، وخاصة في سرقة المدنيين، دون الحصول على موافقة مسبقة، وربما يجعل هذا الترخيص بوكو حرام أكثر جاذبية للمقاتلين المحتملين مقارنة بولاية غرب إفريقيا.

3_ التباين في تفسيرات النصوص الدينية:

لعل الإشكالية الكبرى في فهم العقل الإرهابي تتمثل في الالتفاف على النص الديني والتحايل عليه، كما هو الحال في خطاب التكفير ومفاهيم العدو البعيد والعدو القريب بين كلٍّ من: داعش والقاعدة، لقد كانت مسألة معاملة المدنيين نقطة خلاف كبرى، وتماشيًا مع تفسيراتهما للشريعة الإسلامية، تُفرِّق كلا المجموعتين بين مفهوم الفيء، أي: الغنائم المأخوذة من دون قتال، ومفهوم الغنيمة أي: الأموال المأخوذة عن طريق القتال، يتعامل الفصيلان مع الغنيمة بشكل واحد من المفترض أن يحتفظ المقاتلون بأربعة أخماس قيمتها ويذهب الباقي إلى القيادة.

ونظرًا لأن معظمها عبارة عن معدات عسكرية، فإنه في كلا المجموعتين يميل القادة إلى الاستيلاء عليها كلها على أساس أنهم سيدفعون للمقاتلين قيمة مساوية نقدًا، أما نقطة الخلاف الكبرى بين الفصيلين فهي المتعلقة بالفيء، التي تشير إلى الأموال والبضائع المسروقة من المدنيين.

ومن الملاحظ في هذا السياق أن تنظيم داعش في غرب إفريقيا يحظر أخذ الفيء من المدنيين المسلمين، حتى أولئك الذين لم يعلنوا الولاء للجماعة، أما بوكو حرام فإنها تعتبر المدنيين المسلمين غير المنتمين إليها مرتدين، وتجيز أخذ الفيء منهم، وفي هذه الحالة يحتفظ القادة الميدانيون بمعظم الفيء، ولا ينقلون أي شيء أو جزء صغير فقط إلى القيادة العليا، وغالبًا ما يقوم المقاتلون من المستوى الأدنى بشن غارات بمفردهم، على الرغم من أنهم معرضون لخطر العقاب إذا تم القبض عليهم، ولا تتعلق غارات بوكو حرام فقط بالسلع أو المال، حيث يختطفون الفتيات والنساء(3).

منطقة الساحل وأعمال العنف:

يُتوقع احتفاظ منطقة الساحل الإفريقي بنسب مقلقة من النشاط الإرهابي وبتصنيف دولها ضمن الأكثر تأثرًا بتداعياته، أما “ميثاق ليبتاكو-غورما”، المُوقع من طرف مالي وبوركينا فاسو والنيجر في سبتمبر 2023، فسيكون تأثيره في إثارة مشاعر التحرر أكبر من مفعوله على الميدان، كما ستستمر المصاعب الأمنية بفعل الصراع الطائفي ومجموعات الدفاع الذاتي وضعف المؤسسات الأهلية والتغير المناخي، الشيء الذي لا يستثني سيناريو التفاوض أمام تفاقم الموقف.

ففي مالي تُحتمل زيادة تنسيق القوات الأزوادية مع “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وهذا يخدم تركيز الجماعة على البُعد المحلي، كما لا يُستبعد السعي للتخادم مع فرع داعش واستحداث آليات لتنظيم طرق الإمداد وتقاسم النفوذ؛ خاصةً أنه يتطلع للسيطرة على منطقة ميناكا ليتمدد في منطقة الحدود الثلاثية.

وفي بوركينا فاسو، يُرجح تصاعد التهديد الجهادي مع ارتفاع تكلفة حملات المكافحة وتضايق الأهالي من الوضع، وتواتر المؤشرات لارتباك النظام العسكري وتحسبه لانقلاب جديد، مما يؤثر في صموده في مواجهة الجهاديين.

أما النيجر، فلا يُتوقع تحقيق حكامه طفرة أمنية تميزهم عن سابقيهم، بل من شأن اضطراب المرحلة الانتقالية وانهيار الخدمات الاجتماعية، تحفيز الجهاديين على تأجيج حالة الاحتقان.

وبخصوص المنطقة الساحلية لغرب إفريقيا، يُتوقع أن تشهد دولها تزايدًا في الهجمات الإرهابية؛ الأمر الذي سيدفع الغرب للاستثمار أكثر في استقرارها لتقوية أنظمتها وتعزيز شعبيتها لضمان ولائها أمام التمدد الروسي وتحصينها من الانقلابات العسكرية، أما نيجيريا فستستمر في التعرض للتهديدات الإرهابية بسبب نشاط جماعة بوكو حرام وفرع داعش وتأثرها بالأوضاع الأمنية لجيرانها(4).

ضحايا ووفيات الساحل الإفريقي:

يمثل عدد الوفيات المرتبطة بالعنف المتشدد في منطقة الساحل، والذي يقدر بنحو ١١٦٤٣ شخصًا، رقمًا قياسيًّا، حيث تمثل الوفيات في منطقة الساحل زيادة بنحو ثلاثة أضعاف عن المستويات التي شهدناها في عام ٢٠٢٠، عندما وقع أول انقلاب عسكري في المنطقة والذي تم تبريره ظاهريًّا على أساس انعدام الأمن.

وبلغت الوفيات في منطقة الساحل ٥٠% من جميع الوفيات المرتبطة بالأعمال الارهابية المتشددة والمبلغ عنها في القارة العجوز في عام ٢٠٢٣، وبالمقارنة فقد شكلت منطقة الساحل ٣٠% من الوفيات المرتبطة بالأعمال الارهابية المتشددة في القارة في عام ٢٠٢٠.

ويمثل العنف ضد المدنيين ٣٥% من جميع الأحداث المرتبطة بالإسلاميين المتشددين في منطقة الساحل، وهي أعلى نسبة في أي منطقة في إفريقيا، وتشير أفضل التقديرات إلى أن هناك أكثر من ٣٣٠ ألف لاجئ و2.5 مليون نازح داخليًّا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهناك أكثر من مليوني نازح داخليًّا في بوركينا فاسو وحدها(5).

أسباب عرقية لاستمرار بوكو حرام:

يمكن تفسير تمرد بوكو حرام من خلال منظور عرقي وطبقي؛ حيث إن معظم مجنديها في ولاية بورنو من شعب الكانوري، ومن المعروف أن ولاية بورنو تتكون من منطقتين ثقافيتين متميزتين، تحتوي المناطق الشمالية والوسطى على أغلبية كانوري، مع وجود مجتمعات عرقية من عرب الشوا والفولاني منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وعلى الرغم من هيمنتهم على حكومة بورنو الإقليمية، فإن معظم الكانوري يجدون أنفسهم محرومين إلى حد كبير من حقوقهم.

في قمة مجتمع كانوري توجد الطبقة التجارية التي يرجع أعضاؤها ثروة عائلاتهم الأولية إلى المشاريع التجارية المربحة خلال الفترة الاستعمارية، أما حكام بورنو التقليديون، وهم أحفاد الطبقة الأرستقراطية التي سيطرت على إمبراطورية بورنو القديمة (حوالي 1380-1893) التي كانت ذات يوم تسيطر على جزء كبير من شمال شرق نيجيريا في العصر الحديث، فإنهم أقل شهرة.

وعليه، قد تمثل بوكو حرام نوعًا من الحنين إلى الماضي تمامًا كما تمثل كتيبة ماسينا في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين تعبيرًا رمزيًّا لشعب الفولاني وإمبراطورية ماسينا، وهي دولة جهادية تاريخية تقع في مالي.

وربما ترتبط مكاسب بوكو حرام منذ العام الماضي (2023) بتحالف حاسم مع قائد سابق مؤثر في تنظيم داعش في غرب إفريقيا، ميخائيل عثمان، المعروف أيضًا باسم كايلا.

لقد انشق كايلا، وهو من مجموعة بودوما العرقية التي تستقر في بحيرة تشاد، وانضم إلى بوكو حرام في أوائل عام 2023 مع بعض القادة والمقاتلين، وكان من بين شكاواهم التهميش الملحوظ لجماعة بودوما من المناصب القيادية في تنظيم داعش في غرب إفريقيا (حيث يستأثر الكانوري بمعظم المناصب العليا)(6).

الخلاصة:

لعل عودة بوكو حرام، الفصيل الأصل، وما يحمله اسمه من دلالة بالغة، يعني أن الحواضن الاجتماعية لهذا الخطاب الجهادي المتطرف لا تزال مواتية.

إن تفكيك العقل الإرهابي ومعرفة العوامل والسياقات المفسرة لخطابه المتطرف في منطقة الساحل وغرب إفريقيا يُعد حاسمًا في الحرب الشاملة ضد الإرهاب، ربما ترى الحكومات الوطنية أن الحرب بالوكالة بين داعش والقاعدة أو بين الفصائل الإرهابية المتنافسة قد تضعفهم أو تصل بهم إلى حد الانهيار.

لا شك أن الجوانب الانتهازية والبراجماتية لهذه الجماعات قد تدفعهم إلى التعاون أو على الأقل عدم الاشتباك، وعليه ينبغي على حكومات بحيرة تشاد تكثيف الضغط العسكري لاستكمال الضرر الذي تلحقه الجماعات ببعضها بعضًا.

 من المهم أيضًا: قطع طرق إمداداتهم ومنع تجنيدهم في حوض بحيرة تشاد وخارجه، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إجراءات مراقبة الحدود الأكثر صرامة والتي تعتمد على جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها عبر الحدود؛ علاوةً على تبني مقاربات ذكية لمحاربة التطرف ومعالجة المظالم التاريخية التي تعاني منها الجماعات المهمشة والمحرومة.

1_ ويكبيديا

2_ تريندز للأبحاث والدراسات

3_ إنتريجورنال

4_ المستقبل

5_ مركز إفريقيا للدراسات

6_ المركز الأوروبي

التعليقات مغلقة.