مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
سوريا بعد سقوط الأسد وموقف الشرع من القضايا الداخلية والخارجية
مع سقوط نظام بشار الأسد، ومعاناة الشعب السوري لأكثر من خمسة عقود، تدخل سوريا مرحلة انتقالية جديدة غامضة محفوفة بالتحديات الداخلية والخارجية، لاسيما في ظل تزايد التنافس الإقليمي والدولي الحثيث على صياغة مستقبل البلاد، وفتح باب مرحلة جديدة من العلاقات بعد سقوط نظامٍ علويٍّ كان تابعًا للنظام الإيراني ودولة الفقيه.
في هذا التحليل بمركز “رواق” للأبحاث والدراسات، سوف نسلط الضوء على عدة قضايا مهمة وشائكة؛ منها: تحديات داخلية وخارجية أمام الإدارة السورية الجديدة، الإدارة السورية الجديدة والاعتراف الدولي، انتهاء حكم الأسد وخسارة إيران في سوريا، أمريكا بين المصالح الأمنية ومواجهة النفوذ الروسي الإيراني، شكل العلاقة بين سوريا الجديدة وإيران بعد سقوط الأسد.
إن سقوط نظام بشار الأسد كان يمكن له أن يكون بلا معنى كبير لو أنه لم يتزامن مع رحيل ميليشيات الحرس الثوري الإيراني التي عبثت بأرواح ومقدرات الشعب السوري، والتي كانت تمثل خطرًا فادحًا على استقرار سوريا، والذي كان بمثابة تهديد بزوالها أو بقائها تحت الاحتلال الشيعي لفترة غير معلومة من الزمن.
يجب أن نقول هنا: لقد جاء تحرير سوريا -رغم ما يواجهه الآن من تحديات ومخاطر جمّة- ليقتلع سرطانين خطيرين معًا قد أوصلا الشعب السوري إلى مرحلة اليأس، حيث إنهاء حِقبة مريرة من حكم الأسد ومعه الحلم الإيراني الملالي الذي عملت طهران على تحويله إلى واقع منذ عشرات السنين، وأنفقت من ميزانياتها أموالًا ضخمة لأجله، ولكنها قد خسرت في النهاية كل ذلك بجانب خسائرها المالية الضخمة ومقتل العديد من كبار قادتها.
سوريا بعد الأسد على مائدة “النفوذ الدولي”.. ماذا سيحدث؟

رئيس الإدارة السورية يستقبل وفدًا لبنانيًّا
بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي عانى منه الشعب كثيرًا وتحول ما بين لاجئ ونازح على مدار عشر سنوات مضت، نجد الآن اللاعبين الرئيسيين، مثل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وأيضًا الكيان الصهيوني الذي تغلغل داخل الأراضي السورية، ودورهم في تشكيل المرحلة المقبلة، وسط تساؤلات حول إعادة الإعمار وصراع النفوذ الإقليمي. (سكاي نيوز).
لقد بات واضحًا تواجد الدور التركي المتزايد في سوريا خصوصًا بعد سقوط الأسد، حيث زيارة وزير خارجية تركيا ومطالبته السلطة الجديدة بضرورة خطوات انتقالية تضمن استقرار الأوضاع ومنع حدوث فوضى، لا سيما مع تصاعد المخاوف من التنظيمات الإرهابية مثل داعش.
بالطبع تركيا قلقة وتواجه تحديات أمنية كبيرة في المناطق الحدودية، حيث صرح الرئيس رجب طيب أردوغان بأن السلام مع الأسد كان ممكنًا لو لبّى الأخير المطالب التركية، ومع ذلك، فإن رفض الأسد لهذه المطالب جعل أنقرة تضاعف من تحركاتها لحماية مصالحها.
كما أن الاجتماع الثلاثي الذي جرى في الدوحة بين تركيا وروسيا وإيران كان خطوة إستراتيجية لمناقشة مصالح الدول الثلاث في سوريا، لذلك ربما تدرك أنقرة أن المرحلة المقبلة تتطلب التوازن بين التنسيق مع القوى الكبرى، مثل روسيا، والحفاظ على وجودها في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
موقف الإدارة الجديدة من القضايا الدولية والداخلية:
لا شك أن الإدارة السورية الجديدة ورثت تركة معقدة من النظام السابق، تركة تشوبها قضايا الفساد والتضخم والبطالة وانعدام البنى التحتية ونقص الخدمات، وبالتالي فإلى أي حد سوف تنجح في معالجتها سريعًا لتحافظ على مكتسبات تحرر سوريا من نظام الأسد، لاسيما وأن سوريا بها شرائح ومكونات متباينة مختلفة دينيًّا ومذهبيًّا وعرقيًّا وثقافيًّا.
أضف إلى ذلك: أن هناك تحديات أخرى مثل الملف الأمني ومسألة تدارك ملف الجوع الذي يعصف بالبلاد، وسط حالات من القرارات التعسفية الغريبة التي تكرس المشهدية السوداء عوضًا عن إزاحتها، مشهدية عنوانها صرف عشرات آلاف العاملين من وظائفهم، وتأخير رواتب البقية.
وكما تواجه الإدارة الجديدة أزمة تأخر صرف الرواتب، لأن الإدارة الجديدة تسلمت البلاد بلا موارد تذكر، فسوريا ترزح تحت 2500 عقوبة دولية، ونفطها وقمحها كان ولا يزال بيد الأكراد ومطامع القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا وإيران، وبنيتها التحتية متهالكة.
لربما يكون التعويل في ملف تعويض الفاقد المالي معقودًا على دول خارجية، ولكن تلك الدول اتفقت في اجتماع الرياض بالمملكة العربية السعودية على محددات وشروط ورؤية واضحة لسوريا الجديدة، وهي رؤية تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد لتنفيذها، هذا لو اعتُبر أن جميع السوريين -بمن فيهم العناصر المسلحة- متوافقة على الحل ذاته.
كذلك كيفية التخلص من الموروث الشيعي الإيراني والموالين لدولة الفقيه -ولو حتى فكريًّا- والذي استمر لعقود ينخر في جسد الشعب والدولة السورية، مستغلًا في ذلك نظام بشار الأسد العلوي التابع له.
أمريكا بين المصالح الأمنية ومواجهة النفوذ الروسي الإيراني:
إذا تحدثنا عن الموقف الأمريكي تجاه سوريا نقول ربما هو موقفًا يتسم بالحذر الشديد، ولربما أيضًا كانت الإدارة الأمريكية، تحت إدارة بايدن، تركز أكثر على معاقبة روسيا وإيران، مع تجنب التورط المباشر في الشأن الداخلي السوري. (سكاي نيوز).
لذلك، فإن إدارة الرئيس بايدن -الذي انتهت ولايته في 20 يناير من العام الجاري- قد حافظت على وجود عسكري محدود في شرق سوريا، حيث تدعم الفصائل الكردية والفصائل المعارضة لضمان استمرار تحقيق الأهداف الأمنية الأمريكية، كما أن واشنطن لربما كانت ليست مهتمة بالتدخل في الشؤون السياسية السورية بشكل كبير، لكنها باتت مهتمة أكثر بالتصدي للنفوذ الإيراني والروسي في المنطقة.
نقطة أخرى مهمة، وهي حجم التنسيق الأمريكي الإسرائيلي الذي يعد أحد المحاور الرئيسية في السياسة الأمريكية في سوريا، هذا بجانب التنسيق الذي يهدف إلى مراقبة الترسانة العسكرية السورية، وضمان عدم وقوع أسلحة متطورة في أيدي الفصائل المسلحة أو الأكثر تشددًا، بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تشك في استمرار تطوير النظام السوري لقدراته الكيميائية خصوصًا في ظل السلطة الجديدة، وهو مصدر قلق مشترك مع إسرائيل.
الإعمار وصراع النفوذ بين القوى الدولية:
نقول أيضًا: إن تركيا، رغم نفوذها الكبير في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إلا أنها تفتقر إلى الموارد الاقتصادية اللازمة لإعادة الإعمار، وبالتالي فإن أنقرة ستحتاج إلى دعم دولي كبير، خصوصًا من الدول العربية، لتتمكن من إعادة بناء المناطق المدمرة، لذلك قد شدد وزير خارجيتها على أهمية توحيد المعارضة السورية كخطوة حاسمة لضمان انتقال سياسي مستقر.
ومع ذلك، فإن الانقسامات العميقة داخل المعارضة منذ عام 2011 تعرقل هذه الجهود، ما يجعل تحقيق الاستقرار أكثر صعوبة، أما عن النفوذ الإيراني، فإن طهران باتت تواجه اختبارًا صعبًا في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة لتقليص وجودها في سوريا وبعدما تم تقليم أظافرها بشكل كبير واغتيال أبرز قادتها في المنطقة. (سكاي نيوز).
نعم، إن إيران قد استثمرت كثيرًا في سوريا على مدى السنوات الماضية وخلال حكم نظام الأسد، وتعتبر البلاد ركيزة أساسية لنفوذها الإقليمي، لكن ومع تزايد التنسيق بين الدول العربية وتركيا ربما يضعف من قدرتها بشكل كبير على الاحتفاظ بنفس المستوى من النفوذ.
كما أن المرحلة الانتقالية في سوريا ستكون محفوفة بالمخاطر، لاسيما في ظل غياب رؤية دولية موحدة قد يؤدي إلى فراغ سياسي مشابه لما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين، حيث قد ساهم الفشل الأمريكي في إدارة المرحلة الانتقالية إلى سيطرة إيران على مفاصل الدولة العراقية.
أضف إلى ذلك: أن تركيا تعتبر اليوم صاحبة النفوذ الأقوى في سوريا، لكنها تواجه تحديات كبيرة في إدارة الفصائل المسلحة، مثل هيئة تحرير الشام، والتي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية حتى الآن، ورغم التنسيق التركي مع بعض الدول، يبقى السؤال حول قدرة أنقرة على فرض السيطرة الكاملة وضمان الاستقرار في المناطق التي تديرها، وهل سوف تسمح الإدارة الأمريكية والكيان المحتل -الذي دخل لأكثر من 250 كيلومتر في العمق السوري- بالهيمنة المنفردة لتركيا في سوريا؟ (سكاي نيوز).
من الواضح أن واشنطن لن تسمح بالهيمنة التركية بمفردها في سوريا، وبالتالي فإن خروج روسيا من سوريا والسماح بسقوط بشار الأسد هي مواءمات وحسابات دولية تمت لصالح الاحتلال في سوريا وروسيا في أوكرانيا.
تحديات داخلية وخارجية أمام الإدارة السورية الجديدة:
عندما فرَّ بشار الأسد من سوريا على متن طائرة روسية إلى موسكو في 8 ديسمبر الماضي، ترك لمن دخلوا قصر الشعب في دمشق بعده ألغامًا متفاوتة الأحجام، بداية من بنية تحتية مدمرة أو متهالكة في جميع أنحاء سوريا. (الجزيرة).
وهو ما جعل توافر أساسيات الحياة المعاصرة من كهرباء وغاز ووقود بشكل دائم أقرب للحلم لعموم المواطنين، مرورًا بسعر متدنٍ للعملة السورية، ورواتب متدنية للموظفين تتراوح قيمتها بين 10 دولارات إلى 25 دولارًا في الشهر، وجروح اجتماعية عميقة تتعلق بملف ضحايا الثورة والمختفين قسريًّا الذين جاوزت أعدادهم 100 ألف شخص بحسب بعض التقديرات.
وبجانب كل ذلك، فقد برزت ألغام أخرى جديدة ترتبط بهوية المنتصر في القتال، فهيئة تحرير الشام لا تزال مصنفة على قوائم الإرهاب، وفي حال إشعار آخر من قبل الولايات المتحدة وفي العديد من الدول، عن بعض الاحتكاكات والصراعات مع فصائل سورية أخرى، وكيفية التعامل مع الأقليات العرقية والطائفية التي تعجّ بها سوريا.
لقد أثار السقوط المفاجئ والصادم لنظام الأسد على يد “هيئة تحرير الشام” ابتهاج السوريين الذين عانوا لفترة 13 عامًا من ويلات الحرب الأهلية وعقودًا أخرى من الحكم القمعي، لكنها في نفس الوقت قد ألقت الضوء على التحديات التي ربما تواجه الإدارة الانتقالية. (الجزيرة).
ومع تبلور حكومة جديدة في دمشق، فقد يشعر بعض السوريين بالقلق بشأن مدى شموليتها وتمثيلها، كما أن هناك ثمّة مخاوف حقيقية من أن التوترات التي لم يتم حلها بين الجماعات العرقية والدينية في سوريا يمكن أن تعرقل جهود أحمد الشرع “قائد الإدارة الجديدة” لتوحيد البلاد وتوطيد حكمه.
ولكن ربما ذلك سيكون مرهونًا بمدى التعاون والدعم الدولي والإقليمي مثل الإدارة الأمريكية والدول العربية على المدى القريب، والتي ستؤثر على قدرة الإدارة الجديدة على بسط سلطتها بجميع أنحاء سوريا وإعادة الإعمار.
نعم، لقد فاجأ أحمد الشرع من تابعوا لقاءاته وتصريحاته بخطاب هادئ متزن يحاول تفكيك الألغام تباعًا، ونبرة تصالحية سعت لطمأنة جميع الأطراف داخليًّا وخارجيًّا بأن سوريا الجديدة لا تمثل تهديدًا لأحد ولا تسعى للانتقام من أحد، وأنها تركز على التنمية الاقتصادية والتعافي من جراحات الماضي وآثار الحرب، والأهم أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، بمن في ذلك بعض حلفاء نظام الأسد البائد.
وعلى المستوى الداخلي أيضًا، يحاول أحمد الشرع فتح الباب أمام سائر المكونات السورية للمشاركة في صنع المستقبل، فشدد على أنه لا يعتبر نفسه محرر سوريا، لأن كل من قدم تضحيات ساهم في تحرير البلاد، كما حرص على طمأنة الأقليات، حيث قال خلال لقائه مع الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط: “نحن معتزون بثقافتنا وإسلامنا، وديننا يحمي حقوق كل الطوائف والملل”.
ولكن كما ذكرنا سالفًا فثمّة تحدٍ كبير له علاقة بالكيان الصهيوني مما سيطر عليه من الأراضي السورية بعمق يتجاوز 250 كيلومتر، وتصريحات الشرع التي ربما لم تكن على نفس قدر الإجرام الذي قام به احتلال من الأراضي السورية.
إن المرحلة المقبلة صعبة للغاية للسوريين وفي حالة اختبار، وربما تحتاج منح القادة الجدد في سوريا ميزة الشك بسبب الوضع المترهل، أحدها الحالة المزرية للبلد الذي مزقته الحرب: فأكثر من 70% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 60 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار منذ عام 2011، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة الإعمار 400 مليار دولار. (الجزيرة).
الإدارة السورية بقيادة الشرع والاعتراف الدولي:
أحمد الشرع ووفد خليجي
لذلك نجد الآن ويومًا بعد يوم يزداد الحراك الدبلوماسي الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، مع تقاطر الوفود العربية والأجنبية إلى دمشق للقاء مسؤولي الإدارة الجديدة، وهو ما يضفي عليها نوعًا من الشرعية.
وبالتالي فإن وزراء خارجية ودبلوماسيين ومسؤولين رفيعي المستوى ذهبوا إلى سوريا ما بعد الأسد بأسباب وتوجهات مختلفة، حيث أن هذه الزيارات في حد ذاتها تمثل اعترافًا ضمنيًّا بالإدارة الموجودة حاليًّا، وهو ما يشكل قوة دفع لها. (الشرق الأوسط).
هذا بجانب توافد المسؤولين الغربيين إلى دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث أجرى وفدان من فرنسا وألمانيا مباحثات مع الإدارة السورية الجديدة، وكان وفد من الخارجية البريطانية قد التقى القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.
كما أن إكساب الشرعية لتلك الإدارة يمثل فرصة جيدة لها لتثبيت أركانها، ربما لم تتوفر في حالات سابقة كثيرة أطيح فيها بأنظمة حاكمة، وكانت الإجراءات العقابية، مثل تعليق العضويات في منظمات دولية حاضرة، بدلًا من الاعتراف بالحكام الجدد.
وما يفسر ذلك في التعامل مع حالات مماثلة لكون نظام حكم الأسد لم يكن يحظى بقبول معظم اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية، وأيضًا حالات القتل والتعذيب والاضطهاد للمواطنين السوريين، ولربما لأن ولاءه يعود للنظام الإيراني الملالي على حساب شعبه.
انتهاء حكم الأسد وخسارة إيران في سوريا:
لعل الأمر الأكثر أهمية إقليميًّا ودوليًّا وبالأخص بالنسبة لواشنطن هو أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا تحققت إلى حد كبير، فحكم الأسد انتهى وانسحبت القوات الإيرانية والروسية من البلاد، حيث أن التغيير الذي شهدته سوريا يعد خسارة كبيرة بالنسبة لإيران، على وجه الخصوص.
حيث يمثل الخروج الإيراني ضربة إستراتيجية كبرى لإيران وتدخلاتها في شؤون الدول العربية، كما أنها خسارة فادحة لطهران خصوصًا في نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وبالتالي فقد خسرت طريقها لإعادة بناء ما يسمى (محور المقاومة) الذي أضعفته بشدة.
نعم، إن ثمّة مخاوف وجدل أثارته قرارات وتصريحات لمسؤولين في الإدارة الجديدة في سوريا خلال أسابيع قليلة من توليها زمام الأمور، لذلك فإن أفضل سيناريو لسوريا الجديدة وجيرانها هو قيام دولة موحدة ومتماسكة يمكنها التفاوض على اتفاقات دبلوماسية تعزز الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. (الشرق الأوسط).
وحتى لا يكون البديل هو إضعاف سوريا وجعلها منقسمة ومعرضة للصراع، وبالتالي ينتج عن ذلك استمرار وجودٍ عسكريٍّ أمريكيٍّ وتركي طويل الأمد ومكلفٍ بشكل متزايد في المنطقة، كذلك استمرار التنافس على الأراضي السورية، وتعرض عملية إعادة البناء الحساسة في العراق للخطر، مما قد ينجم عنها موجة أخرى من الهجرة السورية.
متى تخرج القوات الأمريكية والتركية من سوريا؟
لتجنب أي سيناريو مقلق في سوريا، فعلى الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكذلك أي قوات أجنبية أخرى أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، وعليها أن تسحب قواتها من البلاد، مما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرقي سوريا. ولكن في ظل التوجه فقد تحتاج واشنطن إلى ضمانات بأن لدى الشرع (هيئة تحرير الشام) القدرة والإرادة لإبقاء داعش تحت السيطرة، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة أكراد سوريا ودمجهم الذي يمثل مشكلة لتركيا.
كما أن رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة سوف يسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، وفي هذه الحالة يتعين على الشرع ومساعديه استغلال الفرصة وإثبات أنهم خرجوا من عباءة التنظيمات المسلحة إلى آفاق أرحب لبناء دولة جديدة تتسع لجميع مكوناتها، وعدم السماح لتضارب المصالح بإدخال سوريا في دوامة جديدة ربما تكون أشد وطأة مما شهدته خلال السنوات الماضية. (الشرق الأوسط).
شكل العلاقة بين سوريا الجديدة وإيران بعد سقوط الأسد:

المرشد الإيراني وبشار الأسد
بعد سقوط النظام العلوي التابع لطهران، تسود حالة من الترقب والقلق منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، لاسيما حول ما سيكون عليه شكل العلاقة بين النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع وإيران، التي كانت حليفًا مهمًّا وداعمًا كبيرًا لنظام الأسد.
وخلال عقود مضت، شكلت العلاقة بين إيران وسوريا نموذجًا للتحالف الإستراتيجي، حيث كانت دمشق أحد أركان ما سُمي بـ “محور المقاومة”. بالنسبة لطهران، إلا أن هذه العلاقة أصبحت موضع تقييم بعد سقوط نظام الأسد.
لقد أحدثت التصريحات المتبادلة بين الإدارة السورية الجديدة وإيران حراكًا واسعًا، حيث جاءت على لسان وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الذي حذر إيران من “بث الفوضى” في سوريا، داعيًا إياها إلى احترام إرادة الشعب وسيادة وسلامة البلاد.
وكتب الشيباني، عبر حسابه بمنصة إكس الثلاثاء 24 ديسمبر/ كانون الأول: “يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامتها”، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وتابع: “نحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة”.
وبالتالي ربما لم يوجد أي تواصل حتى الآن بين دمشق وطهران، وهو قد صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، يوم الإثنين 23 ديسمبر/ كانون الأول، بأنه لا يوجد أي اتصال مباشر بين حكومة طهران والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
حيث زعم بقائي أن الوجود الإيراني السابق في سوريا كان هدفه مكافحة الإرهاب، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”. وأوضح بقائي أنه لم يعد هناك أي مواطن إيراني في سوريا بعد التطورات الأخيرة، وأن طهران توصي مواطنيها بعدم الذهاب إلى سوريا بسبب الوضع الغامض هناك.
وأكد بقائي: “غادر دبلوماسيونا ومستشارونا العسكريون سوريا، ولا أعتقد أن هناك أي مواطنين إيرانيين في سوريا في الوقت الحالي”.
لذلك وفي ظل تصريحات المسؤول الإيراني، يمكن القول بأن سقوط نظام بشار الأسد كان ضربة مدوّية للدولة الإيرانية ونظام دولة الفقيه التي ساعدت بشكل حثيث على مدار 10 سنوات في معاناة وقتل الآلاف من الشعب السوري.
وهو ما يجعل مزيدًا من الترقب في العلاقات السورية الإيرانية المقبلة ومدى التزام طهران بقبول إرادة الشعب السوري، ووقف التمدد الشيعي والتدخل في شؤون بلد عربي آخر، كذلك مع استمرار تعليق الرحلات الجوية الإيرانية إلى سوريا حتى أواخر يناير من العام الجاري، وهل سيتم رفع التعليق من عدمه. (الشرق الأوسط).
خطاب المرشد الإيراني واتهامات الإدارة السورية الجديدة:
في خطاب نقله التلفزيون الأحد الماضي، دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي الشبان السوريين إلى الوقوف بكل قوة وإصرار لمواجهة من صمم هذا الانفلات الأمني ومن نفذه، على حد تعبيره.
وأضاف خامنئي: “نتوقع أن تؤدي الأحداث في سوريا إلى ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء، لأن ليس لدى الشباب السوري ما يخسره، فمدارسهم وجامعاتهم وبيوتهم وشوارعهم غير آمنة”، على حد وصفه. (بي بي سي).
كانت وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت في وقت قريب مقتل أحد موظفي سفارتها في دمشق، ويدعى سيد داوود بيطرف، في هجوم استهدف سيارته.
وحمّلت إيران الحكومة السورية الانتقالية مسؤولية تحديد ومحاكمة ومعاقبة “مرتكبي هذه الجريمة”، مشيرًا إلى أن جثمان بيطرف أعيد إلى إيران في الأيام الأخيرة.
وتتهم إيران مرارًا على لسان مسؤوليها إسرائيل بالوقوف وراء التطورات الأخيرة في سوريا، وقد غادر آلاف الإيرانيين سوريا منذ ذلك الحين، بينما شهدت السفارة الإيرانية في دمشق أعمال تخريب.
في المقابل، فقد أدلى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، بتصريحات انتقد فيها الدور الذي لعبته إيران في سوريا على مدى السنوات الماضية، حيث كانت روسيا وإيران مع مجموعات مسلحة مؤيدة لها خصوصًا حزب الله، الداعم الأكبر لحكم بشار الأسد خلال الحرب التي بدأت في سوريا في العام 2011 وأسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد الملايين. (بي بي سي).
ختامًا:
إن الإدارة السورية الجديدة بقيادة الشرع باتت الآن في اختبار وامتحان صعب داخليًّا أمام الشعب من جهة، وأيضًا خارجيًّا أمام المجتمع الدولي، فسوريا الآن في مأزق كبير اقتصاديًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا، بجانب الفئات العرقية وما خلّفته إيران من تقسيم لأطياف الشعب بهدف نشر مذهبها الشيعي الذي أثر بشكل كبير وسلبيٍّ في الشارع السوري.
إن الشعب السوري الذي عانى ولا يزال لأكثر من عشر سنوات منذ ثورة 2011 وقبلها بأربعة عقود أخرى في ظل حكم نظامٍ قمعيٍّ علويٍّ ممثل في آل الأسد التابع لدولة الفقيه والنظام الإيراني، الذي قدم مصالحه الشخصية على حساب مصلحة شعبه، بجانب ما يعانيه المواطن من تهالك في البنية التحتية في كثير من المحافظات مثل: انقطاع الكهرباء وبعض الخدمات وارتفاع الأسعار وتراجع العملة السورية بشكل كبير أمام الدولار.
لذلك، فإن المخرج الوحيد أمام الإدارة الجديدة هو لمّ الشمل والبدء في إصلاح ما أفسده نظام الأسد وتحقيق العدالة على الجميع، وانصياع جميع الجماعات والعناصر المسلحة تحت لواء الدولة والحكومة الجديدة، هذا إذا ما أرادت مصلحة الوطن السوري، وذلك للخروج من هذا النفق وأيضًا لكي تتفرغ للكيان الصهيوني واسترداد الأراضي التي ضمتها دولة الاحتلال.
وهذا لن يتحقق بالتفرقة وتنفيذ أجندات خارجية، بل بوعي الشعب ومن خلال مساندة حقيقية من المجتمع الدولي واللاعبين الرئيسيين في الساحة السورية بعيدًا عن تحقيق المصالح ونهب الثروات ومقدرات الشعب السوري. والله من وراء القصد.
الخلاصة:
– لقد جاء تحرير سوريا -رغم ما يواجهه الآن من تحديات ومخاطر جمّة- ليقتلع سرطانين خطيرين معًا قد أوصلا الشعب السوري إلى مرحلة اليأس، حيث إنهاء حكم الأسد ومعه الحلم الإيراني الملالي الذي عملت طهران على تحويله إلى واقع منذ عشرات السنين.
– إن سقوط نظام الأسد العلوي تسبب في ضربة قوية ومُزلزلة لدولة الفقيه، كما أنها ضربة إستراتيجية كبرى لإيران وتدخلاتها في شؤون الدول العربية، علاوة على ذلك فإنها خسارة فادحة لطهران خصوصًا في توقف نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
– شكّلت العلاقة بين إيران وسوريا نموذجًا للتحالف الإستراتيجي على مدار عقود مضت، حيث كانت دمشق أحد أركان ما سُمي بـ “محور المقاومة” بالنسبة لطهران، إلا أن هذه العلاقة أصبحت موضع قلق بالغ وتقييم بعد سقوط نظام الأسد ووصول هيئة تحرير الشام لسُدة الحكم.
– هناك سيناريوهات مقلقة في سوريا، في حال عدم دعم القوى الدولية والإقليمية للإدارة الجديدة، لاسيما في ظل ما يعانيه الشعب من حكم الأسد، وبالتالي على الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكذلك أي قوات أجنبية أخرى أن تنسحب وتمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، لكي تستطيع السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرقي سوريا والتخفيف عن المواطن.
– إن الإدارة السورية الجديدة أمام تحديات داخلية وخارجية كبيرة، لأنه عندما فرّ بشار الأسد من سوريا على متن طائرة روسية إلى موسكو، فقد ترك لمن دخلوا قصر الشعب في دمشق بعده ألغامًا متفاوتة الأحجام، بداية من بنية تحتية مدمرة ومتهالكة في جميع أنحاء سوريا.
– الأمر الذي يجعل توافر أساسيات الحياة المعاصرة للشعب من كهرباء وغاز ووقود بشكل دائم أقرب للحلم لعموم المواطنين، مرورًا بسعر متدنٍ للعملة السورية، ورواتب متدنية للموظفين تتراوح قيمتها بين 10 دولارات إلى 25 دولارًا في الشهر، وجروح اجتماعية عميقة تتعلق بملف ضحايا الثورة والمختفين قسريًّا الذين جاوزت أعدادهم 100 ألف شخص بحسب بعض التقديرات.
– وبالتالي فعلى الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي رفع العقوبات المفروضة حتى تسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، وفي هذه الحالة يتعين على الشرع ومساعديه استغلال الفرصة وإثبات أنهم خرجوا من عباءة التنظيمات المسلحة إلى آفاق أرحب لبناء دولة جديدة تتسع لجميع مكوناتها وتحقيق العدالة والاستقرار لشعبٍ قد عانى من نظامٍ قمعيٍّ قدم مصالحه الشخصية على مصالح الشعب.
المصادر:
كلمات مفتاحية: سوريا بعد سقوط الأسد – موقف الشرع من القضايا الداخلية والخارجية – ضم الاحتلال لأراضي سورية