fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حيثيات موقف الفاتيكان الإيجابي تجاه حزب الله

129

حيثيات موقف الفاتيكان الإيجابي تجاه حزب الله

لا يخفى على أحدٍ ما يحدث في البلد اللبناني الشقيق، وما يمر به من ظروفٍ، جعلت لُعَاب بعض الدول يسيل عليها؛ فتارة فرنسا، وأخرى الفاتيكان، وكل يدعي وصل بليلى، وليلى لا تقر لهم بذلك؛ فعلى الرغم من أن لبنان بها العديد من الديانات والطوائف إلا أنها ستظل بلد الأغلبية المسلمة، ولكن تحاول الدول الغربية طمس هويتها لتكون البوابة الرئيسية لغزو معتقدات وفكر المسلمين، وهنا في هذه المقالة نتناول محاولة استمالة الفاتيكان لحزب الله لتكون لبنان بين نارين: حزب الله من ناحية، ومن ناحية أخرى: المسيحيون، ومِن خلفهم: الدول الغربية ، وعلى رأسهم: الفاتيكان.

فلقد تم التقاء تحالفي غير مباشر يجمع بين حزب الله الذي يعتبره الغرب والخليج و”إسرائيل” إرهابًا موصوفًا، وبين الفاتيكان والكنيسة المارونية المعروفين بتجذرهما في الولاء الغربي؛ فلماذا يتلاقيان مع حزب الله على الرغم من تناقض انتماءاتهما العالمية؟

جذور العلاقة بين الفاتيكان ولبنان:

تعود العلاقة الرسمية بين لبنان والفاتيكان إلى عام 1584، حيث إنه في ذلك العام أنشِئت المدرسة المارونية، وهي عبارة عن معهد دراسي أنشئ في روما بعد توحيد العقيدة المارونية بالديانة المسيحية، وكان اللبنانيون المارونيون يذهبون الى هذه المدرسة سنوياً ثمّ يعودون إلى لبنان.

وأنشأ هذه المدرسة غريغوريوس الثالث عشر، وفتح أمام تلاميذها أبواب التقدم والدراسة في روما، وما لبثت أن انتقلت إلى لبنان لتعليم المذهب الماروني في لبنان، ومع إنشاء هذه المدرسة، بدأت عملية التواصل بين المسيحيين الموارنة من خلال إرسال طلاب إلى روما؛ إضافة الى رجال الدين المسيحيين(1).

الفاتيكان يخاف من ضياع لبنان:

في خضم حبس الأنفاس لنتائج الرد اللبناني على المبادرة العربية الخليجية الدولية، زار بيروت أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات بين الدول، المونسنيور ريتشارد بول غالاغير، المتابع ملفاته بدقة متناهية، على غرار دبلوماسيين سبقوه، واللافت: أن زيارة الدبلوماسي الأول في الفاتيكان، كما تقول مصادر دبلوماسية، هي ليست للاطلاع على الوضع اللبناني.

الزائر الفاتيكاني ذكر قي خطابه أثناء الزيارة ثلاث كلمات للبابا فرنسيس خصَّ بها لبنان، وهو اختار مِن هذه الكلمات الجمل المباشرة، مؤكدًا: أن البابا فرنسيس يقول ما يقوله للمسؤولين في لبنان، لا سيما مَن هم في السلطة، وتحديدًا للمسيحيين منهم، مِن دون أن يلقى تجاوبًا لما يقوله.

الهم الوحيد الحفاظ على مسيحي لبنان:

ومن القصر الجمهوري شدد غالاغير على الحفاظ على الدور المسيحي، محذرًا من أن إضعاف المسيحيين سيخل بالتوازن الداخلي وبهوية لبنان، ودعا المسؤولين اللبنانيين إلى العمل من أجل بلادهم، وليس من أجل مصالحهم الخاصة. وطالب بعدالة كاملة لضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، وحق الشعب اللبناني في معرفة الحقيقة كاملة لا نصفها(2).

الفاتيكان يصرِّح: حزب الله جزء من لبنان:

فوق خلافات المسيحيين في لبنان وانقساماتهم المستمرة، زاد الموقف الفاتيكاني الإيجابي من حزب الله اللبناني خلافًا وانقسامًا جديدين؛ ففي مطلع شهر آذار/ مارس، نشرت جريدة “الأخبار” اللبنانية في عنوان عريض موقفًا فاتيكانيًّا يقول: إنَّ حزب الله جزء أساسي من لبنان واللبنانيين، ويجب طمأنته، ويطالب الدول بإسقاطه من لائحة الإرهاب.

رفض الفريق المناهض لهذا الحزب الخبر، وتوالت شخصياته على نفيه أو بالأصح رفضه، بأشكال مختلفة، وتعاطت معه بإنكار لا يقبل التشكيك، فالبعض اعتبره خبرًا مدسوسًا ومسمومًا، بعد رفض تصديقه، وذهب بعيدًا في تحليلاته لماهية أهدافه، باعتباره يصبُّ في مصلحة حلفاء الحزب المسيحيين على أبواب الانتخابات، والبعض الآخر راح بعيدًا في التحريض على أكثر من طرف، من بينهم شخصيات كنسية اتهمت بلباس لبوس مسيحيي الثامن من آذار (التسمية المتعارفة للشريحة المؤيدة لحزب الله وسوريا)، فيما تبرعت أقلام للكتابة عكس ما نشر.

قلة من الفريق المناهض أخذت القضية (الخبر) على محمل الجد، وراحت تفتش بوجل عن صحته وأصوله ومتفرعاته، لتبني عليه حركتها المعاكسة، ولتتخذ في ضوئه الخطوات لمواجهته أو إجهاض أساساته وتداعياته.

زيارة ميشال عون:

وقد أدَّت زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الفاتيكان ولقاؤه البابا فرنسيس، وصدور موقف علني وواضح عنه لصحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية من قلب روما، الذي أكَّد فيه: “أنَّ مقاومة الاحتلال ليست إرهابًا، وليس لحزب الله المكون من لبنانيين، والذي حرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، أي تأثير في الواقع الأمني الداخلي للبنانيين”، لإشعال جبهة الداخل، واتهام عون بأنه ذاهب إلى الفاتيكان ليدافع عن حزب الله، ويقنعه بأنه حامٍ للمسيحيين في لبنان والشرق، في وقت كان بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، مار بشارة بطرس الراعي يدور في طرحه “حياد لبنان” أرض الكنانة، ليحشد تأييدًا عربيًّا ودوليًّا له، بعد ما احتشد له في الداخل بعض المسيحيين الحالمين بالفيدرالية، وبعض دعاة التقسيم والانعزال عن إخوانهم المسلمين في البلد الصغير أصلًا جغرافيًّا، بدلًا من المفاخرة بأنَّ لكبارٍ من المسيحيين الفضل في قيام لبنان الكبير الذي احتفل بمئويته الأولى قبل سنتين.

في زيارة عون للفاتيكان، وضع الأخير الواقع المسيحي: الكنسي والسياسي، على مشرحة واقعية، بعد ما كانت دوائر أساسية في رأس الكنيسة في العالم قد تلمَّست ما يمكن تسميته شططًا في تعاطي الكنيسة في لبنان مع رعاياها خلال الأزمة الخانقة الراهنة عبر مؤسساتها الصحية والاجتماعية والتربوية وسواها، وخصوصًا بحسب مصادر كنسية: أن الكنيسة المارونية لم تعد اليوم الطفل المدلل لدى الفاتيكان، على غرار ما كانت عليه دومًا؛ إذ كانت لها خصوصيتها وموقعها الريادي المتقدم في عاصمة الكثلكة(3).

ثوابت يدعيها الفاتيكان:

لذلك يمكننا بعد التعمق في أبعاد المواقف والمبادرات للفاتيكان؛ سواء كانت علنية ورسمية، أو تلك البعيدة عن الإعلام، استنتاج أبرز الثوابت التي ينطلق منها:

1- التشديد والتأكيد على أن الحوار بين المكونات اللبنانية، هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلد من أزماته، وهذا ما ينسجم مع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني إلى كلِّ الأساقفة الكاثوليك في العالم، في الـ7 من أيلول للعام 1989، حينما وصف لبنان بأنه أكثر من بلد: “إنّه رسالة حريّة ونموذج للتنوّع للشرق كما للغرب”.

كما أن البابا فرنسيس قد رفض في هذا الإطار، محاولات بعض المسؤولين الفرنسيين في العام 2013 تقريبًا -إبّان الحرب على سوريا- تشجيع المسيحيين على الهجرة الى أوروبا، عوضًا عن اللاجئين من سوريا (فيكون لبنان وطنًا بديلًا)، وبذلك يمنعوا التغيير الديمغرافي لقارتهم.

وكان سبب رفض البابا: أن هذا المشروع سوف يلغي النموذج الوحيد (في الشرق والغرب)، الذي يمكن من خلاله إثبات فكرة التعايش بين أتباع الديانات المختلفة.

2- ومن هذا المنطلق أيضًا: يرفض الفاتيكان بشكل قاطع مشاريع التقسيم في لبنان، وهذا ما أكدّه البابا فرنسيس خلال لقاءه بالبطاركة الشرقيين في تموز العام 2021، حينما قال: “لبنان بلد صغير كبير، وهو أكثر من ذلك: هو رسالة عالمية، رسالة سلام وأخوّة ترتفع من الشرق الأوسط”.

كما دعا غالاغر في زيارته لأن “يبقى لبنان مشروع سلام ووطنًا للتسامح والتعددية حيث تلتقي كل الطوائف والأديان”.

3- تقدير الجهود التي ساهمت في هزيمة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة، وهذا ما عناه البابا فرنسيس يعد لقاءه بالمرجع السيد علي السيستاني، حينما قدَّم له الشكر وللطائفة الشيعية (حزب الله من ضمنها)؛ لأنهم رفعوا صوتهم إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعًا عن الضعفاء والمضطهدين.

4- التأكيد على أن التغيير آتٍ الى لبنان، والذي قد يكون من خلال مبادرة حوار لبنانية برعاية دولية، يكون للفاتيكان دور مركزي فيها، تسفر عن شكل جديد للحياة السياسية في البلد(4).

تواصل حزب الله بالسفارة البابوية:

ثمة معلومات تتحدّث عن تواصل بدأ بين حزب الله والسفارة البابوية في لبنان، وأن لقاءين حصلا بالفعل، إلا أنَّ الطرفين لم يؤكّدا هذه المعلومات، ولم ينفياها.

وأمام مسيحي ينشد الحياد إلى حدود الانعزال عن مجريات ما يحدث من تطورات في المنطقة، ويعتبره خلاصًا وحماية صلبة للمسيحيين، وآخر يدعو إلى الانفتاح وعدم الغياب عما يُطبخ من خرائط وتسويات، كأساس لديمومة وجوده ودوره في هذا الشرق؛ كي لا تأتي التسويات على حسابه، تأخذني الذاكرة إلى جلسة مع إحدى الشخصيات المسيحية التي كانت السباقة في محاولة كسر حلقة الانعزال عند المسيحيين على مدى 15 عامًا من الحرب، بمقاربته تاريخ الموارنة في لبنان، بالقول: “غريب أن بعضهم ما زال يتباهى بتحصن أجدادهم في المغاور وبأبواب أديرتهم ذات السقوف المنخفضة في الجبال والوديان، خلال تصديهم لغزاتهم، وهم بدورهم مستعدون لتكرار أي تجارب مماثلة، في حين أن آخرين يرون أن الحماية والحفاظ على الوجود لا يكون إلا بالأبواب العالية، والانفتاح والحوار، والانخراط في الأنشطة الأوسع والأكثر مدى وحيوية”(5).

الخلاصة:

يحاول حزب الله التواصل مع جميع الأطراف اللبنانية للتوصل إلى سدة الحكم، وكذلك يعمل على التأثير على القوى الخارجية، ويظهر ذلك من خلال تعامله مع مسيحي لبنان، وكيفية التعامل معهم هم ومَن خلفهم مِن الفاتيكان وفرنسا، وبالتالي وعود واتفاقيات، وما زال الشعب اللبناني المسلم وغير المسلم يعاني من لعبة المصالح الخالصة.

1_عربي بوست

2_الأندبندت

3_الميادين

4_ إنباء الأخباري

5_ النهار

التعليقات مغلقة.