fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تسخين الجبهات وبنك أهداف نتنياهو خلال المرحلة المقبلة.. تداعيات وسيناريوهات

0 40

تسخين الجبهات وبنك أهداف نتنياهو خلال المرحلة المقبلة.. تداعيات وسيناريوهات

تعتبر سياسة الاغتيالات جزءًا من الإستراتيجية الدفاعية والأمنية التي تعتمدها إسرائيل لتحقيق أهدافها الأمنية وتعزيز استقرارها الداخلي في سياق الصراعات الإقليمية المستمرة.

تُعرف هذه السياسة بتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف شخصيات تعتبرها إسرائيل تهديدًا لأمنها القومي، بما في ذلك قادة مجموعات مسلحة وأفراد يُعتقد أنهم يلعبون دورًا رئيسيًّا في تهديد مصالحها، لكن سياسة الاغتيالات هذه، التي يتم تنفيذها عادة بشكل سري، تثير جدلًا واسعًا حول فعالية هذه الإستراتيجية، والتداعيات المترتبة عليها، وتأثيراتها على الوضع الإقليمي والدولي.

تتمثل المكاسب الرئيسية لسياسة الاغتيالات في القدرة على تصفية العناصر التي تعتبرها إسرائيل خطرًا مباشرًا على أمنها. من خلال استهداف قادة الجماعات المسلحة أو الأفراد المشتبه فيهم، تسعى إسرائيل إلى إضعاف القدرات العملياتية لهذه الجماعات وتقليل قدرتها على تنفيذ الهجمات ضد أهداف إسرائيلية؛ بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه السياسة أداة للردع، حيث تعزز من الرسالة بأن أي تهديد للأمن الإسرائيلي سيواجه عواقب خطيرة.ومع ذلك، تترافق هذه السياسة مع مجموعة من الخسائر والتحديات.

يمكن أن تؤدي عمليات الاغتيال إلى تصعيد التوترات الإقليمية وزيادة الأعداء لإسرائيل، مما يؤدي إلى تدهور العلاقات مع بعض الدول أو الجماعات في كثير من الأحيان، تعزز الاغتيالات من دوافع الانتقام لدى الأطراف المستهدفة، مما يؤدي إلى مزيد من الهجمات والعمليات الانتقامية التي تؤثر على الأمن والاستقرار.

تاريخ الاغتيالات الإسرائيلية:

يذكر في كتاب بعنوان: “عمليات القتل المستهدف الإسرائيلية قبل وأثناء الانتفاضة الثانية: مقارنة سياقية”، إلى أن أول عمليات الاغتيالات الإسرائيلية بعد تأسيس دولة الاحتلال حدثت عام 1956، وكانت تلك عملية متزامنة استهدفت مصطفى حافظ ضابط الاستخبارات الحربية المصرية في قطاع غزة، وصلاح مصطفى الملحق العسكري المصري في الأردن “انتقامًا من دورهما في دعم الفدائيين الفلسطينيين”.

وهو ما عكس استمرار دولة الاحتلال في سياسة الاغتيالات التي اعتمدتها العصابات الصهيونية قبل عام 1948، كما حدث في اغتيال عصابة شتيرن لكل من اللورد موين وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط عام 1944، والكونت فولك برنادوت المبعوث الأممي للقضية الفلسطينية.

وامتدت سياسة الاغتيالات عبر عقود لتشمل قائمة كبيرة من قيادات منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المختلفة، وكثيرًا من الشخصيات التي يعتقد أن لها دورًا ما في دعم القضية والمقاومة الفلسطينية حتى من غير الفلسطينيين.

واستخدمت إسرائيل عدة أساليب في التنفيذ، منها الطرود المفخخة والمسدسات المزودة بكواتم الصوت، والسيارات المفخخة والقنص والمواد الكيميائية السامة والخنق والطائرات المسيرة، وصولًا إلى القصف الجوي بقنابل ضخمة لضمان التدمير الكامل للهدف(1).

أبرز ما تم من اغتيالات:

عملية الاغتيال الكبرى التي نفذت في العاصمة الإيرانية طهران، وراح ضحيتها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إضافة إلى اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر بغارة على الضاحية الجنوبية، تظهر مدى شهية القادة الإسرائيليين للتخلص ممن يشكلون تهديدًا، علاوة على أنها تظهر تمسكهم بوهم أن القتل يحل كل المشاكل.

مثل هذه الأوهام تغذيها “الحصانة” التي تتمتع بها إسرائيل فهي لم تتوقف على اقتناص أعدائها في أي مكان تصل إليه، منتهكة سيادة الدول الأخرى وبعضها لمرات، من دون أن تجد من يصدها بطريقة متكافئة وبمواقف دولية صارمة كما يجري في مثل هذه الأحوال.

عمليات الاغتيال التي نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي شملت عددًا كبيرًا من الدول منها فرنسا وإيطاليا واليونان، وقبرص ومالطا، والنرويج وأوغندا، وماليزيا، وإيران ولبنان، وتونس والسودان، والإمارات، وسوريا، والعراق.

باريس -على سبيل المثال- شهدت اغتيال لموساد في عام 1972 لممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا محمود همشري بزرع قنبلة في هاتفه، وفي العام التالي تم اغتيال باسل الكبيسي الأستاذ في القانون بالجامعة الأمريكية في بيروت بأعيرة نارية في أحد شوارع باريس. الموساد نفذ عملية اغتيال ثالثة كبيرة في عام 1980 واستهدفت العالم المصري في الفيزياء النووية يحيى المشد الذي كان يقود البرنامج النووي العراقي.

الموساد تحرك في إيطاليا أيضًا وقام باغتيال وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في هذا البلد بإطلاق النار عليه أمام مدخل شقته في أحد أحياء روما.

في نيقوسيا عام 1973 اغتال جهاز الموساد الإسرائيلي حسين البشير ممثل حركة فتح في قبرص بواسطة قنبلة زرعت في غرفته بأحد الفنادق.

الدماء الفلسطينية سالت أيضًا في اليونان حيث قام الموساد في عام 1973 باغتيال زيد مقصبي ممثل فتح في قبرص. أما النرويج فقد شهدت إحدى سقطات الموساد الكبرى بقتل فريق اغتيال إسرائيل عاملًا مغربيًا هو أحمد بوشيخي ظنًّا منه أنه حسن سلامة القيادي الفلسطيني الأمني الشهير.

الإسرائيليون نفذوا العديد من العمليات السرية بهدف تخريب أو تعطيل المنشآت النووية الإيرانية، علاوة على قيامهم باغتيال أربعة علماء إيرانيين في طهران بين عامي 2010 – 2012 هم مسعود محمدي ومجيد شهرياري وداريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن.

إسرائيل وصلت بعملياتها إلى أدغال إفريقيا حيث أرسلت قوة محمولة جوًا في يوليو عام 1976 إلى أوغندا على بعد 4000 كيلو متر لتحرير رهائن في طائرة مختطفة. في هذه العملية قتل الضابط الإسرائيلي يوناتان نتنياهو الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لبنان كان دائمًا ضحية مفضلة لإسرائيل. ومن بين أشهر عمليات الاغتيال التي نفذت في هذا البلد اغتيال حسن سلامة القيادي البارز في منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة أيلول الأسود بتفجير سيارة في طريق موكبه في بيروت عام 1979؛ تلك كانت واحدة من العديد من عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي نفذت ولا تزال متواصلة في لبنان.

تونس هي الأخرى لم تسلم من يد إسرائيل الطويلة على الرغم من بعد المسافة؛ هذا البلد تعرض لغارة جوية إسرائيلية في عام 1985 استهدفت مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط ما تسبب في مقتل العشرات من التونسيين والفلسطينيين.

في هذا البلد اغتال عملاء الموساد أيضًا “أبو جهاد” القيادي الفلسطيني الشهير في منزله بحي سيدي بوسعيد شمال شرق العاصمة تونس عام 1988.

تونس شهدت حادثة اغتيال أخرى كبيرة بقتل جهاز الموساد في ديسمبر عام 2016 محمد الزواري؛ وهو مهندس يقال: إنه تعاون مع كتائب القسام الجناح العسكري لحماس في تطوير صناعة الطائرات المسيرة.

في أحد فنادق دبي قتل الموساد بطريقة فظيعة في 10 يناير عام 2010 محمود المبحوح، القيادي في كتائب القسام، وقد كشفت شرطة إمارة دبي حينها هوية 11 من المشبوهين في تنفيذ العملية.

العراق هو الآخر شهد غارات جوية يعتقد أنها إسرائيلية استهدفت إحداها قاعدة عسكرية للحشد الشعبي وسط العراق في 19 يوليو عام 2019، واستهداف أخرى في 27 يوليو من نفس العام معسكر أشرف، وثالثة ضربت في 12 أغسطس مستودع أسلحة للحشد الشعبي.

السودان دخل أيضًا جغرافيا العمليات الإسرائيلية بعيدة المدى، بتعرضه لثلاثة غارات جوية؛ اثنتان حدثتا في يناير وفبراير عام 2009، ضد ما زعم إنها أسلحة تهرب إلى قطاع غزة؛ إضافة إلى سيارة بالقرب من مدينة بورسودان شرق البلد.

الغارة الثالثة وكانت الأعنف، جرت في منتصف ليلة 23 أكتوبر عام 2012، بقيام ثماني طائرات إسرائيلية بقصف مصنع اليرموك للأسلحة في ضواحي العاصمة الخرطوم.

هكذا تصول وتجول إسرائيل بواسطة عملاء للموساد على الأرض أو في الجو بذراعها الطويلة؛ سلاح الجو، ضاربة سيادة الدول الأخرى بعرض الحائط، ناهيك عن جميع القوانين والأعراف الدولية، وبطريقة منتظمة ومن دون حدود، بل وبدعم أمريكي وصمت غربي(2).

دوافع إسرائيل لتبني تلك السياسة:

لفهم تصاعد الأحداث في المنطقة ومسارات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا بد من تحليل أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في المرحلة الحالية.

ويمكن تلخيص هذه الأهداف على النحو التالي:

1- إطالة أمد الحرب وتوسيع رقعتها: يُعد نتنياهو المستفيد الأكبر من استمرار الحرب على غزة وتوسيع نطاقها الجغرافي ليشمل جبهات أخرى. من خلال ذلك، يسعى لتعطيل الملاحقات القضائية ضده في إسرائيل، وإطالة عمر حكومته المتطرفة، وإشغال المجتمع الدولي عن جرائم الحرب في غزة، فضلًا عن كسب دعم دولي، وخاصةً من الولايات المتحدة، بتعزيز سردية المواجهة مع إيران والفصائل الموالية لها.

2- الرهان على كسب الوقت: يسعى نتنياهو لإطالة أمد الأزمة من خلال تبني سياسات تصعيدية لكسب الوقت، وهو يستهدف بذلك عدة مكاسب؛ منها: انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، التي قد تُعيد دونالد ترامب إلى الحكم، وهو ما سيضمن له دعمًا أكبر. كما أن إطالة الحرب تزيد من تفكيك حركة حماس وتحقق تقدمًا عسكريًّا لإسرائيل، فضلًا عن تحسين موقفها التفاوضي.

3- الحسابات الداخلية الإسرائيلية: يهدف نتنياهو إلى إعادة ترتيب الأوراق السياسية في إسرائيل من خلال التصعيد على جميع الجبهات؛ يهدف ذلك إلى إرضاء اليمين المتطرف، وتأجيل تفكك الائتلاف الحاكم؛ بالإضافة إلى استخدام اغتيال قادة حماس كفؤاد شكر وإسماعيل هنية ومحمد الضيف، لتعزيز مشروعية استمرار العمليات العسكرية وبناء شعبيته المتدهورة؛ كما يسعى نتنياهو للإطاحة بالمعارضين داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وتوسيع الائتلاف الحكومي لتجاوز الضغوط الداخلية.

4- الاعتماد على نهج المراوغة: يعتمد نتنياهو على استراتيجية “المراوغة”، بإرسال وفود محدودة الصلاحيات إلى عواصم دولية، بينما يقوم بتصعيد العمليات العسكرية. يُظهر ذلك انتقادات من داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية له، حيث يُحمَّل مسؤولية تأخير التوصل إلى وقف إطلاق النار واستعادة المحتجزين.

5- حضور العامل الأمريكي في حسابات نتنياهو: تأخذ أهداف نتنياهو في الاعتبار “العامل الأمريكي”، حيث يعتقد أن انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي وترشيح نائبته كمالا هاريس قد يقلل من الضغوط الأمريكية لإنهاء الحرب. كما يعتمد على الدعم الأمريكي المستمر، والذي يسمح له باستئناف الحرب بعد أي اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، مع رهان مستقبلي على وصول ترامب إلى الحكم لتعزيز مكاسبه(5).

أحدث العمليات ودوافعها:

كشفت عمليات الاغتيالات الاسرائيلية عن تحول واضح في السياسة الإسرائيلية، فلأول مرة تستهدف إسرائيل شخصية بهذه الأهمية مقيمة خارج الأراضي الفلسطينية، حيث يُعتبر هنية حلقة وصل رئيسية بين حماس وحلفائها الإقليميين، خاصة حزب الله وإيران.

هذا التحول يأتي في إطار ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 22 نوفمبر 2023، حيث أوعز للموساد بتنفيذ عمليات ضد قادة حماس، بما يشمل أولئك الموجودين خارج غزة.

وتأكيدًا لذلك، كشفت تقارير إعلامية عن إطلاق إسرائيل عملية “نيلي”، التي تستهدف قادة حماس الرئيسيين، وقد ظهر ذلك بوضوح في تسجيل مسرب لرئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شين بيت”، رونين بار، والذي تحدث أمام البرلمانيين الإسرائيليين عن نية قتل قادة حماس في أي مكان يتواجدون فيه، بما في ذلك غزة والضفة الغربية ولبنان وتركيا وقطر، مشيرًا إلى أن هذا الهدف سيستغرق بضع سنوات لتحقيقه.

تأتي هذه العمليات في وقت حساس، حيث تتزايد التقارير عن احتمالية التوصل إلى هدنة مؤقتة وصفقة جديدة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، مما يجعل توقيت الاغتيال ذا دلالات كبيرة.

فالعملية قد تهدف إلى عرقلة أي اتفاق يمكن أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، خاصة في ظل إخفاق إسرائيل في تحقيق انتصار عسكري يُعزز موقفها داخليًّا وإقليميًّا.

علاوة على ذلك، قد تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تسخين الجبهات وتوسيع نطاق الصراع إقليميًّا كوسيلة للهروب من أزماتها الداخلية، فمن خلال زيادة الضغط على “محور المقاومة”، يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تضمن استمرار الدعم الأمريكي وتجنب أي ضغوط لإنهاء الحرب، وهو ما يتوافق مع رغبتها في البقاء في المشهد السياسي لأطول فترة ممكنة.

كما أن هذه العملية قد تكون جزءًا من إستراتيجية تحقيق انتصار يمكن الترويج له داخليًّا؛ مما يُمهّد الطريق لدفع مسار تفاوضي جديد، قد يؤدي إلى صفقة لتبادل الأسرى تشمل وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار.

فتسعى إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى تعزيز الردع الإقليمي ضد “محور المقاومة”، فعملية اغتيال هنية جاءت متزامنة مع سلسلة من العمليات الأخرى في المنطقة، مما يشير إلى تصعيد متعمد يستهدف تقييد حركات المقاومة وتوجيه رسالة واضحة بأن إسرائيل ستستمر في الضغط على حلفاء حماس الإقليميين، بما في ذلك إيران وحزب الله، من خلال تصعيد العمليات العسكرية على الجبهات الشمالية والجنوبية(3).

 الاتجاهات والتحول في التصعيد الجاري:

غلب على المشهد الإقليمي المصاحب للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي دخلت في شهرها العاشر، العديد من الاتجاهات والتطورات المهمة التي كان أكثرها عسكريًا، وبعضها سياسيًا، ويمكن القول إن هذه التطورات مثلت نقطة تحول مهمة في مسار الحرب، لكن مجملها يدفع باتجاه المزيد من تعقد الأوضاع.

ويمكن تناول أبرز هذه التطورات وذلك على النحو التالي:

  1. الاستهداف الإسرائيلي لميناء الحديدة اليمني: بدأ مسلسل التحول في مسار التصعيد الإقليمي الراهن، والمرتبط بشكل رئيسي بحرب غزة الممتدة منذ 10 أشهر، في يوم 19 يوليو الماضي، عندما استهدفت جماعة الحوثي اليمنية العمق الإسرائيلي عبر إحدى الطائرات المسيرة، ولاحقًا الاستهداف الإسرائيلي عبر هجمات متزامنة لميناء الحديدة اليمني المطل على البحر الأحمر، في 20 يوليو الماضي.

وارتبطت أهمية هذا التصعيد بمجموعة من الاعتبارات الرئيسية؛ أولها: أنه مثل انتقالًا من قبل الطرفين (إسرائيل والحوثيين) إلى نمط “المواجهات المباشرة”. وثانيها: أن هذا التصعيد مثل تأكيدًا إسرائيليًا على الاستعداد لفتح أكثر من جبهة في نفس التوقيت، ورسالة من تل أبيب مفادها أنه لا يوجد إشكال فيما يتعلق بتجاوز قواعد الاشتباك. وثالثها: أن الاستهداف الذي حدث لتل أبيب من قبل الحوثيين أكد على اعتبار مقاده تطور القدرات العسكرية للتنظيم اليمني وقدرته على استهداف العمق الإسرائيلي، وليس فقط مناطق الأطراف أو المناطق الساحلية، كما كان يحدث منذ بدء انخراط الحوثيين في التصعيد الإقليمي الجاري منذ 7 أكتوبر 2023.

  • الاستهداف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت: كانت جبهة لبنان شمالي الأراضي المحتلة هي الأكثر من حيث مستوى التفاعلات خلال الفترات الماضية لا سيما على المستوى العسكري، خصوصًا منذ العملية الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو 2024؛ وهي العملية التي أسفرت عن مقتل رئيس الجناح العسكري لحزب الله فؤاد شكر، والذي كان مسؤولًا بشكل رئيسي عن إدارة الجبهة القتالية للحزب على مدار الأشهر العشرة الماضية. وقد مثلت هذه العملية نقطة تحول مهمة في مسار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل وذلك على أكثر من مستوى؛ أولها: أنها مثلت استهدافًا إسرائيليًّا مباشرًا للضاحية الجنوبية لبيروت، ما يمثل خرقًا واضحًا لكافة قواعد الاشتباك. وثانيها: أنها استهدفت واحدًا من أهم المسؤولين بالحزب في ثنايا التصعيد الراهن، ما مثل ضربة موجعة لحزب الله. وثالثها: أن العملية مثلت وفقًا للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله “تدشينًا لمرحلة جديدة تنتهي فيها عمليات إسناد المقاومة الفلسطينية وتبدأ فيها عمليات الحرب المفتوحة”. ورابعها: أن العملية تقتضي بطبيعة الحال أن يشرع الحزب في الفترات المقبلة من جانب في عمليات لإعادة تنظيم وهيكلة الجناح العسكري الخاص به، ومن جانب آخر في تبني تحركات عملياتية تستهدف تحقيق الردع والرد المناسب على هذه العملية الكبيرة، ما يعني المزيد من التصعيد.
  • اغتيال إسماعيل هنية في طهران: عقب اغتيال قائد الجناح العسكري لحزب الله فؤاد شكر، نفذت إسرائيل – حتى وإن لم تعلن ذلك بشكل رسمي – واحدة من أهم عمليات الاغتيال التي تمت منذ بدء الحرب الجارية، وذلك عندما اغتالت إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في 31 يوليو 2024، على هامش مشاركته في فاعليات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

وقد ارتبطت أهمية هذه العملية بجملة من الاعتبارات؛ أولها: طبيعة المستهدف؛ إذ إنه المسؤول الأهم في حماس على المستوى السياسي جنبًا إلى جنب مع كونه الممثل الرئيسي لحماس في كافة جولات التفاوض التي كانت تتم. وثانيها: مرتبط بموقع الاغتيال، بمعنى أن تنفيذ العملية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وفي أحد المباني التابعة للحرس الثوري مثل تعبيرًا عن أن العملية كانت موجهة إلى إيران بالقدر الذي كانت موجهة به إلى حركة حماس. وثالثها: أن تزامن العملية مع تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مثل: محاولة للضغط عليه من منطلق إحراجه داخليًّا، وأمام الأذرع الموالية لإيران في المنطقة.

وكان الارتداد والانعكاس الأبرز لعملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران قد ارتبط بالإعلان من قبل الحركة بعد أيام وبالتحديد في 6 أغسطس 2024 عن اختيار يحيى السنوار كرئيس للمكتب السياسي للحركة خلفًا لإسماعيل هنية؛ ليصبح “السنوار” بذلك هو المسؤول الأهم داخل حماس على المستوى السياسي والعسكري.

  • تسخين إسرائيلي لجبهة غزة: بالتزامن مع هذا التصعيد الإقليمي الكبير الذي تبنته إسرائيل على مدار الأيام الماضية، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المزيد من “تسخين” جبهة غزة، ما تجسد بشكل رئيسي في تطورين مهمين: الأول: هو الإعلان في 9 أغسطس الجاري عن تشديد مرحلة جديدة من العمليات العسكرية في منطقة خان يونس جنوب القطاع. والثاني: هو المجزرة التي تمت صباح اليوم عندما استهدفت إسرائيل مدرسة “التابعين” التي تؤوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة مما أدى إلى استشهاد نحو 100 فلسطيني وإصابة العشرات الآخرين، ما عبر بشكل واضح عن كون “نتنياهو” يسعى إلى الجمع بين نمط “العمليات النوعية المركزة” وكذا استمرار نمط العمليات الوحشية داخل قطاع غزة.

5- البيان الثلاثي المصري الأمريكي القطري: دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأمريكي جو بايدن، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إسرائيل وحركة “حماس” إلى استئناف المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يوم 15 أغسطس الجاري.

وقال الزعماء، في البيان: “لقد حان الوقت، وبصورة فورية، لوضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لسكان قطاع غزة، وكذلك للرهائن وعائلاتهم، وحان الوقت للانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين”.

ولعل أهمية هذا البيان المشترك ارتبطت ببعض الاعتبارات الرئيسية؛ أولها: تعبير البيان عن إرادة سياسية مشتركة خاصة بالوقف الفوري لإطلاق النار. وثانيها: رسم خط زمني ولوجستي خاص بمسألة مباحثات وقف إطلاق النار. وثالثها: توقيت البيان؛ إذ إنه يأتي في خضم مجموعة من التطورات المهمة والمتشابكة التي تشهدها المنطقة على وقع التصعيد الجاري. ورابعها: أن تأكيده على التوجه نحو تقديم مقترح نهائي خاص بوقف إطلاق النار يضمن معالجة الملفات الخلافية.

السيناريوهات والتداعيات المحتملة بعد اغتيال إسماعيل هنية:

في ضوء اغتيال إسماعيل هنية، قائد المكتب السياسي لحركة حماس، يتوقع أن تشهد المنطقة تطورات كبيرة وتداعيات واسعة على الصعيدين المحلي والإقليمي؛ هذه التطورات يمكن أن تأخذ عدة سيناريوهات، تشمل تأثيرات مباشرة على الساحة الفلسطينية والصراعات الإقليمية.

والتي يمكن تلخيصها كالتالي:

  1. تجميد المحادثات بشأن صفقة جديدة لتبادل الأسرى: في ظل التصعيد الأخير، من المرجح أن يتم تجميد المحادثات بشأن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس. اغتيال هنية قد يؤدي إلى تشديد المواقف داخل حركة حماس، مما يدفعها لتعليق أي محادثات مع الوسطاء. هذا السيناريو يتماشى مع قرار حماس بتجميد المفاوضات السابقة، وهو ما يمكن أن يعزز إمكانية شن عمليات عسكرية ضد القيادات الإسرائيلية ردًا على عملية الاغتيال، خاصة مع التصاعد المحتمل في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة أو الساحة اللبنانية.
  2. تفعيل المفاوضات عبر الوسطاء الإقليميين: على الرغم من احتمالية تجميد المحادثات، فإن هناك احتمالًا آخر يتمثل في أن يتدخل الوسطاء الإقليميون؛ مثل: قطر ومصر، لإحياء المفاوضات ودفع الطرفين نحو صفقة جديدة لتبادل الأسرى. الضغط الأمريكي يمكن أن يلعب دورًا محوريًّا في هذا السياق، حيث قد تسعى واشنطن لتهدئة الأوضاع عبر ضمان اتفاق يسمح بهدنة طويلة نسبيًّا، بما يخفف من التوتر في المنطقة.
  3. تفجر الأوضاع في الضفة الغربية: اغتيال هنية قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع في الضفة الغربية، حيث كان له دور كبير في إدارة العمليات هناك. من المتوقع أن يشهد الشارع الفلسطيني تصعيدًا في الاحتجاجات والمواجهات مع القوات الإسرائيلية؛ خاصة في ظل الاحتقان الشعبي المتزايد، والذي قد يتم توظيفه من قبل الفصائل الفلسطينية لتأجيج الصراع.
  4. رد إيران المنضبط عبر وكلائها: رد الفعل الإيراني على اغتيال هنية قد يكون منضبطًا ومحدودًا، حيث قد تختار إيران توجيه وكلائها في المنطقة للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية ولكن ضمن نطاق محدد، لتجنب اندلاع حرب إقليمية واسعة. من المتوقع أن يتم هذا الرد عبر استهدافات محدودة من قبل المجموعات المسلحة الموالية لطهران في سوريا أو العراق.
  5. تصاعد وتيرة التصعيد العسكري على الجبهة الشمالية: اغتيال هنية قد يدفع حزب الله إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل من الجبهة الشمالية. زعيم الحزب حسن نصر الله قد يتخذ من هذا الاغتيال ذريعة للقيام بعمليات ضد أهداف استراتيجية إسرائيلية، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك التقليدية لتجنب اندلاع حرب شاملة. هذا التصعيد قد يشمل عمليات نوعية مثل استهداف البنى التحتية في حيفا أو استهداف حقل كاريش للغاز الطبيعي.
  6. تصاعد عمليات الحوثيين ضد الأهداف التجارية الإسرائيلية في البحر الأحمر: الردود المتوقعة من الحوثيين على اغتيال هنية قد تتضمن تصعيدًا في استهداف السفن التجارية الإسرائيلية في البحر الأحمر؛ هذه العمليات قد تأتي في سياق الرد على العمليات الأخيرة ضد إيران وحلفائها، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعقيد في مشهد الصراع الإقليمي.

الخلاصة:

يمكن القول: إن كافة التطورات التي شهدتها الأيام الماضية والمرتبطة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خصوصًا التطورات ذات الطابع العسكري، تدفع من جانب باتجاه إضفاء المزيد من التعقيدات على مسار وقف إطلاق النار. ومن جانب آخر: باتجاه المزيد من التوتر على مستوى منظومة الأمن الإقليمي ككل. وهو التوتر الذي قد يصل إلى ذروته حال تجاوز الرد الإيراني ورد حزب الله على التصعيد الإسرائيلي الأخير بشكل يتجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها.كما تعكس متغيرات السياق الراهن على النحو المبين سلفًا نزوع إسرائيل إلى تبني سياسة جديدة لإدارة الحرب خلال المرحلة القادمة، على النحو الذي يُمكنها من استمرار فرض الضغط على الفصائل الفلسطينية خاصةً في ظل فشلها حتى الآن في حسم الأمر عسكريًا ويعزز في الوقت ذاته موقفها التفاوضي إذا لجأت إلى استئناف مسار التفاوض تحت تأثير الضغط الأمريكي.وبطبيعة الحال سوف يكون لهذه التطورات انعكاسات مباشرة سواءً على مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وملف مباحثات وقف إطلاق النار أو على مستوى حالة التصعيد الإقليمي الراهنة خصوصًا مع رد الفعل المحتمل والمنتظر من قبل كل من إيران وحزب الله على العمليات الأخيرة. وللفهم أعمق لديناميات واتجاهات الصراع في المنطقة خلال المرحلة المقبلة في ضوء هذه التطورات، من المهم الوقوف على ما يمكن تسميته بـ “بنك الأهداف” الخاص برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باعتبار أن “نتنياهو” والحسابات الخاصة به يمثل الحلقة الأصعب في هذا الصراع خصوصًا وأن كافة التحركات التي يتبناها تكون مبنية على اعتبارات سياسية خاصة به وبالائتلاف الحاكم في إسرائيل.

المصادر:

1_ الجزيرة

2_ روسيا اليوم

3_ سما الإخبارية

4_ المركز المصري للفكر والدراسات

5_ الشرق الأوسط

6_ مركز الأهرام للدراسات

7_ الحرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.