fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الكابلات البحرية.. تنافس دولي محتدم وإرهاب حوثي إيراني قد يطالها في الشرق الأوسط

61

الكابلات البحرية.. تنافس دولي محتدم وإرهاب حوثي إيراني قد يطالها في الشرق الأوسط

تُعد كابلات الإنترنت البحرية إحدى أركان العالم المعاصر؛ إذ تقوم بنقل المعلومات عبر القارات المختلفة أسفل سطح البحر، وتمر بمضيق باب المندب عبر قاع المحيط الهندي ومياه بحر العرب قادمة من الهند، على طول سواحل شبه الجزيرة العربية، ووصولًا إلى البحر الأحمر وقناة السويس، ومن ثم البحر الأبيض المتوسط وشواطئ أوروبا.

وفي ديسمبر 2023م، تداولت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لجماعة الحوثيين، ذراع إيران باليمن، صورًا تظهر خطوط كابلات الإنترنت البحرية، المارة بالقرب من اليمن، وهو ما أثار مخاوف من احتمالية إقدام جماعة الحوثيين على استهداف خطوط الكابلات البحرية؛ ما سيشكل خطرًا جسيمًا على أنظمة الاتصالات العالمية.

فمَا كابلات الإنترنت البحرية؟ وما أبرز الدول المتنافسة في مجال صناعة الكابلات؟ وهل تقدم جماعة الحوثيين باليمن على استهدافها؟ وما تداعيات ذلك على أنظمة الاتصالات العالمية؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته على بعض النِّقَاط المهمة حول التنافس الدولي على كابلات الإنترنت البحرية، وتداعيات استهدافها من قِبَل ميلشيات الحوثي وأذرع إيران المختلفة على أنظمة الاتصالات العالمية؛ في هذه السطور الآتية.

ما كابلات البيانات البحرية؟

كابلات الإنترنت البحرية هي كابلات توضع في قاع البحار والمحيطات، وتربط بين المحطات الأرضية، والسيرفرات المختلفة؛ لنقل إشارات الاتصالات الضوئية بين الدول والقارات، عبر مساحات شاسعة من المحيطات والبحار.

ويعود تاريخ إنشاء أولى الكابلات البحرية إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، وقد ساهمت في ذلك الوقت في تنظيم ونقل حركة التلغراف، وكانت البداية الأولى لروابط الاتصالات الفورية بين القارات، وكان أول كابل اتصال بحري قد أنشئ في 16 من أغسطس 1858م، لربط أوروبا وأمريكا الشِّمالية، مرورًا بالمحيط الأطلسي؛ وفي عامي: 1871م – 1872م، تم ربط جميع قارات العالم المأهولة لأول مرة بشبكة كابلات، لتنظيم ونقل حركة التلغراف. (أراجيك).

ومنذ سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى الآن، تنوعت صناعة الكابلات البحرية وتطورت، لنقل إشارات الهواتف الجوالة، وحركة اتصالات البيانات والإنترنت، والتحويلات المالية، وغيرها؛ وأصبحت خلال القرن الواحد والعشرين إحدى أركان النظام العالمي المعاصر، وعماد العولمة والتطور العالمي؛ فهي كابلات نحيفة جدًّا، وبسمك لا يتجاوز عده سنتيمترات؛ وتعمل عن طريق الألياف البصرية حيث تطلق إشارات ليزر نحو مستقبلات على الطرف الآخر، لكن تلك الإشارات، تتداخل عندما تقطع مسافات طويلة، ولهذا يجري وضع جهاز مكرر كل 60 أو 70 كيلومترًا لتعزيز الإشارة، ومن خلال أجهزة المكرر، تستطيع أجهزة استخبارات العالم الوصول إلى مناجم ذهب كل معلومات الكوكب عبر مراقبة الكابلات في محطات الهبوط الساحلية، بدءًا من دعابات الإنترنت الظريفة، وحتى أخطر المعلومات الحساسة، والمتعلقة بالأمن القومي للدول.

ففي مدينة مارسيليا الفرنسية، حيث منشأة مارسيليا فورس في فرنسا؛ والتي تتمتع بشبكة بيانات واسعة، تشكل 95% من حركة الإنترنت العالمية العابرة للبحار حيث يوجد فيها نحو 1400 موقع هبوط عالمي، تربط نحو 500 كابل بحري نشط، وتخدم مناطق عدة حول العالم، مثل: هونج كونج وسنغافورة، والهند، وعمان، ومصر، واليونان وبريطانيا، والبرتغال، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا؛ وبتتبع هذه الكابلات البحرية؛ نجد أنها تجوب بحار ومحيطات الكوكب، لتوفر الشبكة حركة مرور سلسة ومتوفرة حول العالم. (أراجيك).

ولذلك تعمل حكومات العالم على مكافحة التجسس والتنصت على البنية التحتية للبيانات، مثل: الكابلات البحرية، ومحطات الهبوط (السيرفرات)؛ وتنفق العديد من الحكومات مليارات الدولارات سنويًّا لدعم بنيتها التحتية وحمايتها، لتجنب وصول أي معلومات حساسة إلى أيدي الاستخبارات المعادية.

التنافس الدولي حول الكابلات البحرية:

ومن أجل فهم حدة التنافس الدولي، على تركيب وصيانة كابلات الاتصالات البحرية؛ فإن أعمال التصنيع والتركيب والصيانة كانت تحت هيمنة مجموعة من الشركات الأمريكية والفرنسية واليابانية؛ قبل أن تظهر شركات العملاق الصيني، لتكسر هذه الهيمنة، وتدخل هذه الحرب من أوسع أبوابها.

ولتصبح بكين شريكة في إدارة معاملات مالية تتجاوز قيمتها 10 تريليونات دولار، تمر كل يوم عبر تلك الكابلات التي تنقل كل أشكال البيانات، بداية من برامج نتفليكس ومقاطع اليوتيوب، مرورًا بالبرقيات الدبلوماسية عالية السرية، وصولًا إلى الأوامر العسكرية، التي تصدر لتطلق الحروب في العالم.

ومن أجل هذا باتت هذه الكابلات، أولوية جيوسياسية، أنحسر فيها الدور الأوروبي أخيرًا ممثلًا بفرنسا لتبرز الصين والولايات المتحدة اللتان كرستا كل أدوات سيطرة الدولة، من أجل التحكم فيها، وفرض تكافؤ القِوَى في القرن الواحد والعشرين.

وما أدل على ذلك الصراع مما حدث لدي محاولة أستراليا إتمام مهمة كابلات تمتد في أعماق البحر، قبالة جزر سليمان عبر تمديد كابل ألياف بصرية جديد، بطول 4500 كيلومترًا بين مدينتي هونيارا وسيدني؛ إلا أن كل شيء تعطل رغم الدعم الغربي الكبير للمشروع عندما قررت جزر سليمان، منح العقد لشركة هواوي مارين الصينية؛ ما أكد لكنبيرا بأن بكين ستحذو حذو الولايات المتحدة عبر تعديل المُعِدَّات، لترسل بيانات المراقبة إلى استخباراتها. (مركز المستقبل).

ورغم أن الأمر انتهي بإلغاء التعاقد مع هواوي؛ إلا أن الصين لا تزل تنشط للسيطرة عبر شركاتها التكنولوجية المختلفة، على مشروعات الكابلات البحرية؛ لأنها ببساطة هي المسؤولة اليوم عن شكل عالمنا المعاصر.

ولأن صناعة الكابلات وتركيبها وصيانتها، ما زالت مجالًا شديد التخصص نجد أن شح الخبراء، يجبر عديد الحكومات المتنافسة على الاستعانة بأعدائهم ومنافسيهم، ولنا في ذلك خير مثال عندما استعانت واشنطن بمهندسين صينيين لصيانة كابلات مملوكة لشركات أمريكية، رغم ما تعرفة الولايات المتحدة من خطر عند الاستعانة بمصادر خارجية للصيانة.

إذ من الممكن تركيب أجهزة صغيرة لالتقاط البيانات، أو إفسادها؛ ما سيحول الكابل إلى ورقة مناورة جيوسياسية بيد العدو؛ لأن معظم البيانات حول العالم تُنقل عبر الكابلات البحرية؛ ولهذا تستحق الكابلات البحرية، القتال من أجلها. (مركز المستقبل).

خاصة وأن الأقمار الاصطناعية تحمل بيانات أقل وتكلفة إطلاقها وصيانتها أعلى بكثير من الكابلات البحرية، وهو ما يعني بأن الكابلات البحرية ستبقى شريان حياة الإنترنت، في كل العالم ولعقود قادمة؛ رغم القلق المتزايد بشأن نِقَاط ضعف الكابلات البحرية المتمثلة في التجسس والتخريب.

وهو ما يجعل الحكومات، تركز على حماية مياهها الإقليمية بدرجة أكبر، بينما تجتهد الدول الكبرى، للسيطرة على الكابلات في كل بحار ومحيطات الكوكب؛ خاصة تلك التي تمر اليوم من تحت مياه البحر الأحمر.

الكابلات البحرية والصراع الصيني الأمريكي:

حيث تتوسع شركات الاتصالات الصينية مثل شركة هواوي في الأسواق المفتقرة للخدمات، مثل تلك التي تمر قرب سواحل اليمن، وبابوا غينيا الجديدة، ومنطقة بحر الكاريبي؛ لتنجح الصين بعد عقد واحد فقط في مزاحمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واحتلال مكانتها الخاصة في تصنيع وتجارة الكابلات وتركيبها وصيانتها.

فبحلول عام 2015م دشنت الصين طريق الحرير الرقمي لتوسيع شبكتها بالتعاون مع شركة هواوي البحرية لتستحوذ على 15% من السوق العالمي خلال 4 سنوات فقط؛ فكانت تلك صرخة لإيقاظ الولايات المتحدة التي بدأت تحاول تشديد قبضتها على شبكة الكابلات البحرية، وضمان هيمنة الشركات الأمريكية على السوق وتحصيل رسوم على مرور البيانات، وبيع النطاق الترددي أو تأجير السَّعَة، لشركات التقنية ومقدمي خِدْمَات الأنترنت، خاصة في الدول النامية. (مركز المستقبل).

حيث يزيد مدى وصول شركات التقنية الأمريكية العملاقة، من أجل تعزيز قدرات المراقبة الخاصة بالولايات المتحدة، ومن أجل هذا، تنسق الحكومة الأمريكية، مع شركاتها المختلفة حتى إن الحكومة الأمريكية، تتكفل بتكاليف بَدْء التشغيل المرتفعة لضمان حصول الشركات الأمريكية، على عقود الكابلات بدلًا من الصينيين.

وكدليل على هذه الشراكات الناجحة، بين الحكومة الأمريكية والشركات؛ فإن عمالقة وادي السيليكون، قد نجحوا في فرض أنفسهم على سوق الكابلات البحرية، بفضل تحالفهم مع الحكومة الفيدرالية الأمريكية.

لنجد أن شركات، جوجل وميتَا ومايكروسوفت؛ استثمرت ملياري دولار منذ 2016م، أي: 15% من إجمالي الاستثمارات العالمية، ومن المتوقع أن تستثمر 4 مليارات دولار أخرى، على مدار الثلاث سنوات المقبلة؛ بعد أن كانت هذه الشركات، تستخدم نحو ثلثي النطاق الترددي العالمي؛ ما يحكم سيطرتها على البنية التحتية أولًا، ثم على كامل صناعة الكابلات أيضًا. (المشهد).

وأمام هذه الاستفاقة الأمريكية بدأت إلى حدًا ما، تعاني شركات الكابلات الصينية في الآونة الأخيرة؛ وهو ما سيؤخر تحول الشركات الصينية إلى أصحاب مصالح رئيسية في سوق الكابلات البحرية العالمية.

فاليوم لا تمثل شركة (HMNTECH) الصينية، سوى 10% من شبكات الكابلات البحرية الحالية، وهي نسبه أقل بكثير من شركتي (ASN) الفرنسية، و(SUBCOM) الأمريكية اللتين تمثلان 41% و21% من إجمالي سوق صناعة الكابلات العالمية على الترتيب. (المشهد).

ومن أجل ذلك بدأت الصين تغير قواعد اللعبة عبر السيطرة أكثر وأكثر على سوق الصيانة، بدلًا من الصناعة والتجارة؛ إذ يأتي انقطاع الاتصال على حين غُرة، بطبيعته وعادة ما تقع مهمة الإصلاح، على عاتق الجهة القادرة والمتاحة والمتواجدة في الجوار.

وطبعًا الصين هي دائمًا الجاهزة والقادرة والموجودة بالجوار؛ وهو ما حول بكين إلى راعي للبنية التحتية للكابلات في البحار القريبة، بما فيها الكابلات الأمريكية واليابانية، وهو ما يمنحها قدرة هائلة على التنصت.

ورغم أن الولايات المتحدة واليابان -وكل دول الاتحاد الأوروبي- تعلم هذا الأمر جيدًا؛ إلا أن الصين، لم تترك كثيرًا من الفرص لهذه الدول، بعد أن أقنعت الشركات بأنها القادرة دائمًا على رعاية البنية التحتية للكابلات؛ وما حدث في عام 2022م خير دليل؛ حين أصلحت السفن الصينية كابلات بحرية تديرها شركة مايكروسوفت الأمريكية في بحر الصين الشرقي؛ وما هي إلا شهر حتى أعلنت شركة مايكروسوفت، أن جهات حكومية صينية اخترقت بنية اتصالاتها التحتية. (المشهد).

ورغم نفي بكين على الفور هذه المزاعم؛ إلا أن واشنطن بدأت على الفور خِطَّة لإبقاء كابلاتها الجديدة بعيدة عن الصين عبر حظر أي اتصال مباشر فعلي بين الولايات المتحدة وبين البر الرئيسي للصين؛ حتى وصل الأمر إلى إفساد الولايات المتحدة العديد من الصفقات لدي الصين، ومن بينها: إلغاء البنك الدولي عام 2021م بعد تدخل أمريكي، مشروع كابل كانت ستنفذه شركة (HMNTECH) الصينية؛ ليربط بين جزيرة غوام وميكرونيسيا وكيربياتي وناورو.

وبعدها أعلنت واشنطن وطوكيو وكانبيرا أنهم سيمولون كابلًا بحريًّا جديدًا على الخط نفسه، وبحلول يونيو 2023م بدأ تنفيذ المشروع الذي يمتد إلى 2250 كيلومترًا، بميزانية 95 مليون دولار. (المشهد).

وبهذا قطعت الولايات المتحدة مشروعات الكابلات البحرية الصينية، قرب جزيرة غوام التي لم تعد فقط قاعدة أمريكية خارجية شديدة العسكرة، بل مركز بيانات خارجي أيضًا.

وعلى الرغم من كل ذلك؛ فإن التنافس الدولي على الكابلات البحرية لا يتوقف هنا؛ فالصراع اليوم يمتد من البحر الأحمر وصولًا إلى المحيط الهندي، ومع تشعب الكابلات البحرية وتحولها إلى شبكات منفصلة؛ فإن كل هذا يزيد من جاذبيتها باعتبارها أهدافًا عسكرية خاصة في المناطق الجيوسياسية المشتعلة.

تهديدات إيران وأذرعها الإرهابية لخطوط الكابلات البحرية:

في 24 من ديسمبر 2023م، نشرت صفحات مملوكة للحوثيين على تطبيق “تليجرام”، خرائط توضح مسارات كابلات الإنترنت البحرية، التي تمر بالقرب من اليمن بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، قادمة من بحر العرب والمحيط الهندي، مع فقرة تقول: “هناك خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عبر البحر، ويبدو أن اليمن في موقع إستراتيجي، حيث تمر بالقرب منه خطوط الإنترنت التي تربط قارات العالم بأكملها وليس الدول فقط”. (dw).

وقد نشرت أيضًا قناة “تليجرام” التابعة لحزب الله اللبناني صورة للبحر الأحمر وكتبت: “هل تعلم أن خطوط الإنترنت التي تربط الشرق بالغرب تمر عبر باب المندب”، كما نشرت أيضًا ميلشيات مدعومة من إيران بالعراق على قناه تيليجرام منشور حمل: “كابلات الإنترنت العالمية التي تمر عبر مضيق باب المندب أصبحت في مقبضنا”. (dw).

وتتعدد المخاوف إقليميًّا وعالميًّا من إقدام الجماعات الإرهابية التابعة لإيران على شن مزيد من الهجمات العدائية على المصالح العالمية، لتحقيق مكاسب سياسية، تحت شعار الانتصار لغزة في حربها مع إسرائيل؛ إذ حذرت عديد التقارير من احتمال قيام الحوثيين أو حزب الله، باستهداف الكابلات البحرية التي من الممكن أن تكون هدفًا جديدًا لهجماتهم المقبلة في البحر الأحمر في إطار عملياتهم التصعيدية في المياه الدولية، مما يشير إلى تهديد متطور يمكن أن يعطل الاتصالات والاقتصاد العالميين بصورة خطرة وغير مسبوقة.

وبالنظر إلى الحشد العسكري الدولي في البحر الأحمر، والضربات العسكرية الأمريكية والبريطانية، الذي تسبب فيه السلوك الحوثي الإرهابي؛ فإن احتمالية إقدام الحوثيين على استهداف الكابلات البحرية مرتفعًا جدًّا؛ خاصة وأن الكابلات البحرية تُعد هدفًا سهلًا ومثاليًّا، ويجب أن يثير هذا الاحتمال قلق جميع الدول التي تعتمد على هذه البنية التحتية بالغة الأهمية، القريبة والبعيدة على حد سواء.

قدرات أذرع إيران الإرهابية على استهداف الكابلات البحرية:

يستبعد البعض أن تكون جماعة الحوثيين الإرهابية قادرة على الوصول إلى الكابلات البحرية؛ وذلك لعدم امتلاكها للغواصات المتطورة، وافتقارها للقوة البحرية المدربة، لتنفيذ عملية دقيقة بهذا الشكل؛ فوفقًا لقائد الغواصة السابق في البحرية البريطانية الأدميرال جون غاور، “فإن جماعة الحوثيين، ستحتاج إلى حليف يتمتع بالقدرة الكافية، مثل: الغواصات المتطورة، وقدرة على تحديد موقع الكابلات”. (بي بي سي عربية).

ولكن في منطقة مضيق باب المندب لا يزيد عمق المياه عن 100 متر فقط، وهو ما يقلل من حاجة الحوثيين إلى غواصات عالية التطور لتنفيذ المهمة، فمن الممكن قيام مجموعة من الغواصيين المدربين جيدًا باستهداف الكابلات البحرية، أو حتى قيام الحوثيين بإتلاف الكابلات عبر استخدام ترسانة الألغام البحرية لديهم التي تزودهم بها إيران.

فالنظام الإيراني قد زود الحوثيين بالعديد من الأسلحة المختلفة، ولا أدل على ذلك من تزويد إيران للحوثيين في الآونة الأخير بصاروخ “قادر الباليستي”، وهو نسخة محسنة من الصاروخ الإيراني “شهاب 3″، وتصل سرعة الصاروخ شهاب 3 إلى 2.4 كيلومتر / الثانية، أي: حوالي 7 ماخ. (روسيا اليوم).

فمن الممكن أن تزود إيران جماعة الحوثيين الإرهابية بالأسلحة اللازمة لتدمير أو إتلاف كابلات البيانات البحرية، أو حتى تدريب الغواصيين الحوثيين للقيام بتلك المهمة، ولكن بالنسبة إلى إيران؛ فإن تمكين الحوثيين من تخريب كابلات الإنترنت العالمية تحت البحر وتزويدهم للحوثيين بالقدرات والإمكانات اللازمة لأداء هذه المهمة سيكون بمثابة خطوة محفوفة بالمخاطر من جانب طِهران.

تداعيات إقدام الحوثيين على استهداف كابلات الإنترنت بالبحر الأحمر:

ورغم جدية التهديدات؛ فإن جماعة الحوثيين لن تجرؤ على ذلك، لأنه سيُعد سابقة في التاريخ، وسيخلق أعداءً جددًا داخليًّا وخارجيًّا، وسيفقدون كثيرًا من التعاطف أو الحياد الذي تلتزمه بعض الدول، كون الإنترنت يمثل شريان حياة للعالم كله”.

فجماعة الحوثيين تدرك تمامًا: أن استهداف الكابلات البحرية سيؤدي إلى توقف العالم فعليًّا أو “موته سريريًا”، وهو أمر يعلم الحوثيين عواقبه الوخيمة التي لن يسكت العالم إزاءها؛ فموضوع أنظمة الاتصالات العالمية وبنيتها التحتية مهم للغاية؛ لأنه يمثل أمن المعلومات العالمية، وخدمات المواطنين في جميع القارات.

كما أن البحر الأحمر؛ إضافة إلى كونه يربط الشرق والغرب تجاريًّا واقتصاديًّا عبر قناة السويس بمصر، فإن هذا الارتباط، يشمل أيضًا الاتصالات والإنترنت، وغيرها.

فوفقًا لمجلة فورين بوليسي، “فإن أكثر من 99 بالمائة من الاتصالات العابرة للقارات، تمر عبر الكابلات البحرية، وهذا لا يقتصر على الإنترنت، بل يشمل أيضًا، المعاملات المالية والتحويلات بين البنوك، كما أن الكثير من إدارات الدفاع، تعتمد على الكابلات أيضًا، وتوجد كميات هائلة من البيانات والأموال التي يتم تناقلها بين أوروبا وآسيا، عبر حُزْمَة من كابلات الألياف الضوئية التي تمتد عبر المنطقة التي ينشط فيها الحوثيين بشكل أكبر” ما يمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن العالمي.

الخلاصة:

– منذ بَدْء استخدام الكابلات البحرية في خمسينيات القرن التاسع عشر لنقل حركة التلغراف، تطورت صناعة الكابلات البحرية مع الثورة الرقمية والحاسوبية على مدار الزمن، حتي باتت اليوم، جزء مهم للغاية من عالمنا المعاصر، وتنبع أهمية الكابلات البحرية في كونها تنقل جميع البيانات والمعلومات عبر القارات، بَدْءا بالأمور البسيطة، وحتى أخطر المعلومات المتعلقة بالأمن القومي للدول؛ ولذلك يشهد مجال صناعة الكابلات البحرية تنافسًا دوليًا محتدمًا دائمًا، بهدف الهيمنة على هذا السوق بالغ الأهمية.

– في ظل الأزمة المشتعلة في البحر الأحمر، والتحشد العسكري من قبل العديد من الدول قرب مضيق باب المندب، عقب استهداف جماعة الحوثيين لسفن الشحن التجارية الدولية، وزعزعة استقرار الاقتصادات العربية والعالمية؛ وضعت أذرع إيران الإرهابية في المنطقة، كابلات الإنترنت البحرية، هدفًا جديدًا لها عبر نشر خريطة توضح مناطق مرور خطوط الكابلات البحرية، وتصاعدت التحذيرات العالمية من خطورة إقدام الحوثيين على إتلاف الكابلات البحرية؛ ما سيعرض أنظمة الاتصالات العالمية لخطر حقيقي.

– تختلف آراء المراقبين حول قدرة جماعة الحوثيين على إتلاف الكابلات البحرية، ففي حين يرى البعض: أن الجماعة تفتقر للإمكانات اللازمة لتنفيذ مهمة استهداف الكابلات البحرية، ويرى البعض الآخر: أن إيران التي ترعى الجماعات الإرهابية في المنطقة، قد تزود الحوثيين بالإمكانات اللازمة لتنفيذ تلك المهمة، ما سيكون له تداعيات كارثية على أنظمة الاتصالات العالمية، وقد يخلق للحوثيين وإيران أعداءً جددًا ظلوا محايدين خلال الفترة السابقة.

المصادر:

أراجيك

مركز المستقبل

المشهد

Dw

بي بي سي عربية

روسيا اليوم

التعليقات مغلقة.