fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

القضارف في مرمى السقوط.. الإمارات وإثيوبيا تُحكمان كماشة الدعم السريع على السودان

49

القضارف في مرمى السقوط.. الإمارات وإثيوبيا تُحكمان كماشة الدعم السريع على السودان

في ظل تعقيدات المشهد السياسي والأمني في منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط، يتنامى الدور الإقليمي الذي تلعبه قوات الدعم السريع في السودان، والتي باتت تتلقى دعمًا من قوى إقليمية مؤثرة؛ مثل: إثيوبيا والإمارات.

هذا الدعم لا يأتي من فراغ، بل يعكس مصالح إستراتيجية وتحالفات تكتيكية تسعى تلك الدول إلى تعزيزها في مواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها، ففي الوقت الذي تسعى فيه إثيوبيا إلى تعزيز نفوذها في السودان ضمن سياق صراعها مع مصر حول سد النهضة، تنخرط الإمارات في دعم قوات الدعم السريع بهدف تحقيق توازن قوى في مواجهة النفوذ التركي والقطري المتزايد في المنطقة.

هذه التحالفات تُبرز أبعادًا جديدة من الصراع الإقليمي، حيث تتحول القوات المحلية إلى أدوات في لعبة جيوسياسية أكبر، تمثل فيها التحالفات والمصالح المتشابكة العامل الحاسم في تشكيل مسارات الأحداث.

ويعكس هذا التوجه طبيعة الصراعات المتشابكة في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار والأمن الإقليمي، ودور القوى الخارجية في تحديد مصير الدول والشعوب في منطقة تعيش على حافة التوترات المستمرة.

الصراع السوداني مسرح للتدخلات الخارجية:

لا يختلف اثنان على أن الحرب الدائرة في السودان الآن، بدأت من يومها الأول حربًا إقليميَّة لا عاصمَ من اتساع رقعتها، مع تورُّط دول ومنظمات وهيئات في الإقليم في لهيبِها المستعر، وتعمل كل هذه الجهات على تحقيق مطامعها وأهدافها، وتتخذ مواقفها المعلنة والمستترة، ونشأت تحالفات بينها؛ فقد أماط الاقتتال الضاري في أرض النيلَين اللثام عن حجم التهافت والتكالب الإقليمي والدولي على السودان، وموارده وموقعه، وتم توظيف هذه الحرب لإحداث التحولات الجيوسياسية في المنطقة الأهم في إفريقيا جنوب الصحراء والقرن الإفريقي، والسيطرة على الموارد.

ظلَّ المسرح السوداني يتهيأ لهذه الحرب وضواريها وَفق مرئيات إستراتيجية جامحة، منذ ذهاب نظام البشير في الحادي عشر من إبريل / نيسان 2019م، عندما انفتحت الشهية على أشدها، ونسجت الأطراف الدوليَّة تحالفاتها، وتشابكت الخطوط في الداخل، وعُقدت الصفقات مع بعض دول الجوار، وتحددت التوجهات طَوال الأربع سنوات الماضية، وعندما اندلعت الحرب سرعان ما تراصت الصفوف واصطفّت اصطفافًا مرتبًا، حيث تتخذ المواقف المطلوبة، ويُكشف المحجوب والمستور من تحالفات وتفاهمات إقليمية ودولية، وتُوضع كل أوراق اللعبة على الطاولة.

غني عن القول: إن عوامل الجغرافيا – بما في ذلك موقع السودان في القارّة، والطمع في الموارد الطبيعية، وموجبات منظومتي: الأمن الإقليمي والدولي، والتوازنات السياسية في المنطقة- لعبت دورًا في قدح نار الحرب وتأجيجها وإطالة أمدها، حتى تحقق أهدافها في دولة كانت أكبر البلدان الإفريقية والعربية، ولا تزال ضمن الدول الكبرى في المساحة حتى بعد انفصال جنوب السودان(1).

من الممكن قراءة مواقف دول الجوار السوداني، وَفْق معيار واحد، وهو نوع وحجم وشدّة الشراهة في ربح المصالح والمطامع ما بين مكوّنات الداخل والخارج.

مواقف دول الجوار السوداني واتجاهاتها:

الموقف المصري من الحرب السودانية:

المشهد الحالي في السودان يطرح تساؤلًا عن موقع مصر من الخريطة السياسية في السودان؛ إذ لطالما مرت العلاقات بين البلدين بمحطات مشحونة بالحساسيات والمخاوف المتبادلة، فغياب القاهرة عن جهود الوساطة الدولية في الخرطوم، سواء الرباعية الدولية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات أو الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، يعكس محدودية الدور المصري في الجارة الجنوبية على رغم الآمال التي أثارها سقوط البشير نحو تقارب البلدين، لا سيما في ظل الدعم المصري للجيش السوداني في الفشقة التي سيطرت عليها إثيوبيا طيلة نحو خمسة وعشرين عامًا، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين.

ويقول مراقبون: إن محدودية الدور المصري في السودان تعود إلى اتخاذ القاهرة موقفًا متحيزًا، وإن لم يكن واضحًا خلال السنوات القليلة الماضية في الأزمة السياسية بالداخل، فعندما أعلن البرهان عن حل الحكومة المدنية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغيره من كبار الشخصيات المدنية التي كان الجيش قد وافق على اقتسام السلطة معها إلى حين إجراء الانتخابات في 2022، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية، آنذاك، مريم المهدي، مصر بدعم ما وصفته “الانقلاب العسكري”.

تصريح المهدي سارع نظيرها المصري بالرد عليه خلال مؤتمر صحافي في واشنطن، قائلًا: “لا ندعم فريقًا على حساب آخر في السودان، ولا نتدخل في شؤون الآخرين”.

خلال تلك الفترة احتفظت القاهرة بعلاقات جيدة مع البرهان كرئيس لمجلس السيادة في السودان، لكنها في الوقت نفسه أبقت على علاقات قائمة مع الفصائل الأخرى والقوى المدنية. وفي زيارته للخرطوم مطلع العام الجاري، عقد رئيس الاستخبارات العامة المصرية عباس كامل مباحثات مع البرهان، والتقى أيضًا قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) واقترح استضافة القاهرة ورشة عمل خلال الفترة من الأول حتى الثامن من فبراير (شباط) الماضي بعنوان “آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع”، وذلك بهدف إيجاد منبر لحوار يؤدي إلى توافق سوداني – سوداني.

لكن بنهاية المطاف رفضت قوى “الحرية والتغيير” المشاركة في الورشة قائلة في بيان “إن الورشة تشكل منبرًا لقوى الانتفاضة المضادة التي تأمل أن تحتشد في المبادرة المصرية لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي”، مؤكدة أن هذه القوى مرتبطة بالنظام السابق الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما.

سبق المبادرة المصرية نجاح الرباعية الدولية في الوساطة بين الفرقاء في السودان؛ مما أسفر عن توقيع “الاتفاق الإطاري” في ديسمبر (كانون الأول) 2022، من دون أي دور مصري يذكر(2).

إريتريا وموقعها من الصراع المسلح بين الفرقاء:

ظلَّ التوجس من قوات الدعم السريع قائمًا لدى الرئيس أسياس أفورقي منذ العام 2015م، بعد مشاركتها في حرب اليمن ودورها في معارك دارفور ضد الحركات المتمردة آنذاك. فعند زيارة قائد الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو إلى مدينة كسلا في معية والي الولاية الجديد آدم جماع في يونيو 2016م، أثيرت تساؤلات في إريتريا حول مغزى مشاركة قائد الدعم السريع في احتفالات الولاية؛ هل توجد رغبة من الخرطوم في تمدد هذه القوات شرقًا والعمل على تجنيد أبناء قبائل الشرق في صفوفها؟ وأبدى أكثر من مسؤول إريتري مخاوفَ في زيارات متكررة للخرطوم، خاصة بعد تدهور العلاقات بين البلدين، وإغلاق الحدود بقرار من السودان في عام 2016م.

لكن سرعان ما تبددت المخاوف الإريترية نوعًا ما بعد عودة العلاقات إلى طبيعتها، وعندما أصبحت قوات الدعم السريع تشارك في مكافحة الهجرة غير الشرعية للهاربين من دول القرن الإفريقي عبر حدود إريتريا وإثيوبيا إلى ليبيا، ثم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي. وقد بذلت الخرطوم جهدًا في طمأنة الجانب الإريتري. عقب التغيير في 11 إبريل / نيسان 2019 ورحيل البشير، ووصول قائد الدعم السريع إلى موقع الرجل الثاني في الدولة، تهيأت الظروف لعلاقة مباشرة لحميدتي مع الرئيس الإريتري.

جرت لقاءات بينهما في العاصمتَين، وكان الإقليم داعمًا للتغيير في السودان بجانب دول الخليج التي عمل بعضها على تشجيع نوع من التفاهم بين إريتريا والدعم السريع. في الوقت نفسه، كانت لدى أسمرا علاقات جيدة مع قيادة الجيش في السودان، وتوجد ملفات أمنية وسياسية تحكم مسار هذا التفاهم.

حاولت بعض الدول الإقليمية بناءً على علاقاتها مع إريتريا دمج قضية الدعم السريع كملف نشط بينهما؛ بالإضافة إلى ملف حرب إقليم تيغراي الإثيوبي والدور الإريتري فيها. تمت محاولات للاستثمار من قبل الدعم السريع في إريتريا، حيث تعاونت إريتريا مع بعض الدول في إنشاء مركز لتجميع وعبور بعض قوات الدعم السريع التي شاركت في حرب اليمن عبر موانئ إريتريا.

قبل شهر واحد من اندلاع الحرب، قام حميدتي، بزيارة إلى إريتريا في 13 مارس / آذار 2023، وذلك في ظل تصاعد التوتر وإشارات الحرب وعمليات التحشيد، خلال اجتماعه مع أسياس أفورقي، شنَّ هجومًا قاسيًّا على الفريق عبد الفتاح البرهان، والجيش السوداني، وألمح إلى نية تنفيذ عمل عسكري حاسم إذا لم يوقع الجيش بقيادة البرهان على الاتفاق الإطاري بصيغته النهائية. ردَّ أفورقي بعدم الدخول في هذه المغامرة الخاسرة، وأكد أن الأمور ليست سهلة في الجيش السوداني.

وبالرغم من سخرية حميدتي من الجيش وانتقاده له؛ إلا أن أفورقي أنهى اللقاء بنصيحة له بعدم المخاطرة بهذه الخطوة المدمرة، وذلك في مصلحة حميدتي أولًا، ومن ثم في مصلحة السودان.

عندما اندلعت الحرب، أعلنت إريتريا موقفًا واضحًا يدعو إلى وقف الحرب، ومنع تصاعد الصراع.

أعلنت أسمرا عن دعوتها إلى وقف الحرب ومنع تصاعد النزاع وعدم تدويل الصراع، وأكدت ضرورة مساهمة الدول المجاورة للسودان بشكل إيجابي في إيجاد حلول تضمن سلامة التراب السوداني؛ كما تسلط إريتريا الضوء على شرق السودان والعلاقات الثقافية والقبلية والروابط التاريخية بين البلدين، وتأخذ في الاعتبار تداعيات النزاع السوداني على منطقة القرن الإفريقي.

في الآونة الأخيرة، تعززت علاقة إريتريا مع مجلس السيادة والحكومة والجيش السوداني، حيث تم التنسيق في العديد من القضايا والملفات. يمكن أن تشهد الفترة المقبلة تطورات مهمة في منطقة القرن الإفريقي؛ بسبب النزاع الصومالي الإثيوبي وزيارة الرئيس الصومالي لإريتريا قبل أيام؛ لذا ستجد إريتريا نفسها وسط صراعات معقدة، وقد تضطر إلى إعلان مواقف قد تؤثر على الوضع في السودان(3).

الدور الإثيوبي وذراعه الممدود بالداخل السوداني:

منذ إبريل / نيسان 2019 وحتى اندلاع الحرب في إبريل / نيسان 2023، دخلت إثيوبيا في علاقة استثمارية ومالية وثيقة مع الدعم السريع. بدأت هذه العلاقة بالاستثمارات التجارية والودائع المالية الكبيرة، وتجلى هذا التعاون في العديد من الجوانب، بدءًا من الدعم السياسي وصولًا إلى التعاون متعدد الاتجاهات. في عام 2020، تم استيعاب 12 جنديًّا من الدعم السريع للتدريب على الطيران في إثيوبيا، كما تم تسجيل عدة شركات تابعة للدعم السريع في أديس أبابا في العام نفسه.

شملت هذه العلاقة أيضًا الاستثمار في المشروعات العقارية، حيث اشترت “الدعم السريع” مستشفى إثيو تبيب (Ethio-Tabib hospital) وشرعت في توسيع أعمالها في مشروعات استثمارية عقارية. بالإضافة إلى ذلك، قامت الدعم السريع بشراء سلسلة منتجعات كُرفتو (Kuriftu) في مناطق متنوعة في إثيوبيا، وشملت الصفقة أيضًا منتجعًا فاخرًا يُعرف باسم “آللالا – Allala resort” في مدينة أواسا بجنوب إثيوبيا.

تشير مصادر إثيوبية إلى أن الأموال التي تم استثمارها في هذه المشروعات في العامين 2020 و2021 بلغت في المرحلة الأولى 100 مليون دولار؛ كما هناك دراسات مستقبلية لمشروعات عقارية وفنادق، بالإضافة إلى عمليات شراء أسهم في بعض المؤسسات الأخرى.

لذلك عندما نشبت المواجهات المسلحة في منطقة الفشقة السودانية على الحدود مع إثيوبيا، وشاركت مكونات القطاع العسكري؛ مثل: الجيش والحركات المسلحة في الدفاع عن الفشقة، رفضت قوات الدعم السريع المشاركة في الدفاع عن الأراضي السودانية. يبدو أن ذلك يعود إلى تورط إثيوبيا في مشروع مشترك في المنطقة، الأمر الذي قد يمنع الدعم السريع من إرسال قوات لحماية المنطقة.

على الرغم من ذلك، ذكرت تقارير دبلوماسية غربية: أن آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، لم ترُق له فكرة طرحها عليه محمد حميدتي خلال زيارته إلى إثيوبيا في منتصف العام 2021. الفكرة كانت تتعلق بتدخل قوات الدعم السريع لصالح الحكومة الإثيوبية والمشاركة في مطاردة ومحاربة مليشيات “فانو” ومجموعات “الأمهرة” العسكرية. وقد اعتبر آبي أحمد أن هذه الفكرة غير محبّذة وغير مقبولة، حيث اعتبر أن الجيش الإثيوبي قادر على التعامل مع هذه المسألة بمفرده، وأنها تعتبر مسألة سيادة وطنية تخصّ إثيوبيا.

بالنسبة للموقف الإثيوبي من القوات المسلحة السودانية، فمنذ عهد البشير، كانت هناك اتهامات إثيوبية لاستخبارات الجيش السوداني بدعم جبهة التيغراي، ولكن خلال الفترة الأخيرة، تراجعت هذه الاتهامات مع استمرار القلق الإثيوبي.

هناك عدة تيارات داخل الحكومة الإثيوبية تدعو إلى علاقة طيبة مع السودان وعدم التصعيد، ومع ذلك، يبدو أن التيار الغالب حاليًّا ينحاز إلى التوجهات الإسرائيلية تجاه السودان.

من الواضح أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يؤكد حق السودانيين في التواجد في عاصمة إثيوبيا، أديس أبابا، وممارسة الأنشطة السياسية المدنية. ومع ذلك يشير إلى أن أي تحول لهذا التواجد إلى أعمال عدائية مسلحة، سيتم وقف هذه الأنشطة وطردها على الفور؛ هذا يعكس استعداد إثيوبيا للسماح بوجود سياسي سوداني في العاصمة، دون التسامح مع أي أعمال تهدد الأمن والاستقرار.

من ناحية أخرى: يشير الدعم غير المحدود للتمرد وأعوانه، والضغط السياسي من قبل إثيوبيا ودول أخرى على مفوضية الاتحاد الإفريقي وتعزيز مواقفها المتشددة تجاه السودان إلى التورط المحتمل لإثيوبيا في دعم العناصر المعارضة للحكومة السودانية. قد يشمل هذا التورط تقديم الدعم المادي أو اللوجيستي أو الدعم السياسي.

من الجدير بالذكر: أن موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ومدير مكتبه محمد ولد لبات يمكن أن يكون لهما دور في محاولة تسوية النزاع أو التدخل في المسائل المتعلقة بالسودان. وقد يكون هذا تحالفًا ممكنًا مع إثيوبيا في الوقت الحالي.

خلال زيارة قائد التمرد إلى أديس أبابا يوم 28 ديسمبر / كانون الأول الماضي، تبدَّى حجم الاستقبال الرسمي الكبير الذي جرى له بمطار أديس أبابا، وفي لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي في مبنى البنك التجاري الإثيوبي، حيث أودع حميدتي خلال هذه الزيارة مبالغ مالية في البنك التجاري الأثيوبي Ethiopian commercial bank ECB.

كما أن توقيع اتفاق بين حميدتي ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ومجموعته من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، يمكن أن يكون له تأثير كبير على المشهد السياسي في السودان. تفاصيل هذا الاتفاق والتزامات الأطراف المتعاقدة ستكون مهمة لمستقبل السياسة في البلاد.

خلاصة القول: إن الموقف الإثيوبي الذي يعبر عنه رسميًّا أنه مع مبادرة “الإيغاد” وإيجاد حل سلمي للنزاع في السودان وحرص إثيوبيا على الحل السياسي؛ إلا أن السودان وأطرافًا أخرى في جوار السودان وقوى إقليمية ودولية ترى أن الموقف الإثيوبي متطابق مع دعم التمرّد، ويفتح الباب على مصراعيه في سبيل تقوية شوكة المتمردين.

بجانب ذلك: لا يساورُ المراقبون في القرن الإفريقي شكٌّ في أن استقبال إثيوبيا أحدَ قادة المتمرّدين في منطقة النيل الأزرق (جوزيف تكة – قائد عسكري منشق على مالك عقار رئيس الحركة الشعبية ونائب رئيس المجلس السيادي)، وترتيب زيارة مشتركة له مع عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية “شمال” إلى “أبو ظبي” وقبول مقترح إنشاء مطار ترابي قرب الحدود السودانية – الإثيوبية في مناطق (يابوس)، ثم التراجع عنه مؤقتًا، هو خطوة تصعيدية غير محسوبة النتائج، ربما تكون عواقبها وخيمة على المنطقة الحدودية؛ خاصة أن عناصر جوزيف تكة المتواجد هناك، غير مرحب بها في إقليم بني شنقول والجبهة الإثيوبية المعارضة للحكم في أديس أبابا؛ فأي معارك هناك أو توترات أمنية تهدد موقع سد النهضة الإثيوبي، ولا يمكن أن تخاطر الحكومة الإثيوبية بذلك(4).

القضارف في مرمى السقوط:

ولاية القضارف هي أهم مناطق السودان الزراعية، وتقع على الحدودية الشرقية جوار دولة إثيوبيا، وتوجد بها أكبر معسكرات اللاجئين الإثيوبيين الفارين من الحروب الإثيوبية بحقب تاريخية مختلفة، وتشهد الولاية توترات في منطقة الفشقة المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، وصل إلى حدِّ إخراج مزارعي إثيوبيا من المنطقة بعد خمسة وعشرين عاما، على يد الجيش السوداني الذي أعاد انتشاره الكثيف منذ عام 2020 م.

وبعد اندلاع الحرب في 15 إبريل 20223، عادت المجموعات الإثيوبية لنشاطها السابق، وتعاني الفشقة من حالة سيولة أمنية، وتنتشر فيها جرائم الخطف والسرقة والقتل التي تقوم بها عصابات تسمى: (الشفتة)؛ بالإضافة لتجارة السلاح، مما يجعل الوضع في القضارف مضطرب للغاية، وينذر بوقوع انتهاكات أوسع نطاقا، تتجاوز حدود السودان إلى إثيوبيا.

معطيات جغرافية لمدينة القضارف:

ولاية القضارف تقع في الجزء الشرقي بين خطي عرض 12 و17 درجة شمالًا، وخطي طول 34 و36 درجة شرقًا.

 تحدّها من الناحيتين الشمالية والغربية ولايتي الخرطوم والجزيرة، ومن الناحية الشرقية ولاية كسلا والحدود السودانية الإثيوبية، ومن الجنوب ولاية سنار.

تمتد الفشقة على طول الحدود السودانية الإثيوبية بمسافة 168 كيلو مترا (104.390 ميلا)، وتقع على مساحة تبلغ 5700 كيلو متر (3541.815 ميلًا) مربعًا، يشقها نهر بإسلام إلى جانب نهري ستيت وعطبرة، تحدها من الشمال ولاية كسلا ومحلية البطانة بالسودان والحدود الإثيوبية ومن الشرق محلية القضارف، ومحلية القلابات الغربية بالسودان.

المحور الإثيوبي الإماراتي:

يشهد السودان أسوأ فتراته؛ فالحرب المستمرة لأكثر من عام ونصف، شردت الملايين وأضحى المدنيون ضحايا انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ويغذي النزاع المسلح تدفقات الأسلحة والذخائر والمعدات التي تتعدد مصادرها، فالدعم السريع المدعوم إماراتيًّا بشكل رئيس، تتعدد مراكز دعمه ففي الجانب الغربي من الدولة، تسيطر قوات الدعم السريع على ولايات غرب السودان، والتي تتدفق إليها الأسلحة والجنود من دولة تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا؛ الأمر الذي ساهم بشكل كبير في توغلها في ولايات شمال كردفان وغرب كردفان، ومؤخرًا ولاية سنار ونسبة لكبر جغرافيا السودان، واعتماد الدعم السريع على إستراتيجية الاجتياح البري المفاجئ لوجود خط إمداد على الجانب الشرقي، وإلا ما كان للدعم السريع المجازفة بتوسيع رقعة المعارك شرقًا، وترك مواقع أخرى هامة، قد سيطر عليها مؤخرًا.

محمد النعيم الأستاذ والمحاضر بكلية العلوم السياسية في جامعة الإمام الهادي، ذكر أن مليشيات الدعم السريع جندت مرتزقة إثيوبيين، منذ سيطرتها على العاصمة الخرطوم، كانوا يقيمون بأحياء وسط الخرطوم، ومعظمهم جنود سابقين، شاركوا في الحرب الإثيوبية الأخيرة ضد جبهة تحرير تجراي.

 وعن علاقة حميدتي بإثيوبيا قال: إن حميدتي زار إثيوبيا خلال فترة الحرب، والتقى بالرئيس الإثيوبي آبي أحمد.

 وبالرجوع للعام 2020 م، نجد أن المسيرات القادمة من الإمارات ساهمت في دعم الجيش الاثيوبي؛ للقضاء على جبهة تحرير تيجراي التي كانت على بعد 200 كيلو متر من العاصمة أديس أبابا.

وقد وقعت إثيوبيا والإمارات في 2019، مذكرة تعاون عسكري وتطور التعاون؛ ليشمل كافة الجوانب الاقتصادية والأمنية، وبالنظر للعلاقات المميزة التي تجمع القائد العام للدعم السريع حميدتي بالإمارات، فتبرز سردية الكماشة المشتركة الإماراتية الإثيوبية، باستخدام آلية ”ميليشيا الدعم السريع” كمعبر أكثر صدقا وقربا للواقع، لا سيما في ظل انسحاب الجيش السوداني من منطقة الفشقة الحدودية، وانشغاله بالحرب الداخلية، وعودة إثيوبيا للسيطرة على المنطقة.

الوضع ينذر بكارثة أكثر مرارة وفداحة حال سيطرة الدعم السريع على القضارف، خاصة أن الوضع بشرق السودان محتقن قبل نشوب الحرب؛ بالإضافة للانتهاكات الواسعة لقوات الدعم السريع، وأسلوبها الذي يعتمد على تشريد المدنيين، وتفاقم أزمات النزوح والمجاعة؛ الأمر الذي سيلقي بظلاله على الأمن الإقليمي والدولي(5).

إثيوبيا شرطي أمريكا في المنطقة:

انتشرت في الأيام القليلة الماضية كثير من المعلومات والفيديوهات والصور؛ حول دخول إثيوبيا خط المواجهة والصراع الدائر في السودان إلى جانب ميليشيا الدعم السريع ضد الجيش السوداني.

وبحسب المعلومات المتداولة فقط اتخذ التدخل الإثيوبي أشكال متعددة من إرسال السلاح والذخيرة للدعم السريع إلى جانب المرتزقة والمقاتلين وانتهاءً بالتوغل المباشر للقوات الإثيوبية والسيطرة على بعض الأراضي.

وشهدت السنوات الأخيرة أزمات سياسية وأمنية متتالية بين إثيوبيا ودول الجوار، وبشكل خاص مع السودان والصومال ومصر. ولعل السبب الرئيسي وراء تلك الأزمات هي الطموحات الغير محدودة للقيادة الاثيوبية بالسيطرة على مزيد من الأراضي والمساحات المائية والوصول لمنفذ بحري يدعم اقتصادها.

وقد تمت ترجمة المساعي الإثيوبية الحثيثة بهذا الاتجاه، بأزمات على الأرض مع دول الجوار، لكنها في الوقت ذاته، لاقت المصالح الإثيوبية في المنطقة دعمًا أمريكيًّا – إسرائيليًّا يوحي بالتقاء المصالح الأمريكية الإثيوبية في كثير من الملفات ويشير إلى وقوف واشنطن وراء تصعيد تلك الأزمات، بما يحقق مصالحها(6).

الدور الاماراتي في الصراع السوداني:

بحسب المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، نظم مركز ستراسبورغ للسياسات، وهو منصة مشهورة لمناقشات السياسة الدولية، لقاءً حواريًّا بعنوان: “دور الإمارات في جرائم الحرب في السودان”.

وخلال الحدث، بحثت لجنة متميزة من الخبراء الأوروبيين في الديناميكيات المعقدة المحيطة بتورط دولة الإمارات في الحرب الأهلية في السودان.

وتناول المتحدثون الجوانب المختلفة لمساهمات دولة الإمارات في الصراع من خلال مناقشة دقيقة وتحليل شامل، وسلطوا الضوء على مصالحها الإستراتيجية وإستراتيجياتها العملياتية.

وألقى الكلمة الأولى جيوفاني باريتا، المتعاون البرلماني في مجلس الشيوخ ومجلس النواب والمتخصص في الشؤون الأوروبية من إيطاليا.

وقال باريتا: إنه من المهم أن تتوقف الدول الإقليمية والقوى الدولية عن تأجيج الصراع في السودان، مشيرا إلى أن الإمارات تعمل على زعزعة استقرار السودان من خلال دعم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والذي يهاجم الحكومة الشرعية.

وذكر باريتا أن تعقيدات الصراع في السودان، حيث تتنافس فصائل مختلفة على السلطة وسط مظالم عميقة الجذور، تتطلب اتباع نهج دقيق، بما في ذلك منع تورط جهات خارجية مثل الإمارات في دعم شخصيات محددة.

ونبه إلى أن تاريخ السودان يرسم صورة صارخة للعواقب المدمرة للصراع الداخلي “حيث دمرت سنوات من الحرب الأهلية البلاد، مما أدى إلى نزوح الملايين وترك ندوب عميقة على المجتمع. والآن، بينما تبحر البلاد بحذر في مرحلة انتقالية هشة نحو الديمقراطية، فإنّ أي إجراء يهدد بإعادة إشعال الصراع يجب أن يتم تقييمه بدقة”

من جهته قال لوكا أنطونيو بيبي، خبير العلاقات الدولية والمتعاون البرلماني: إن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع في الحرب الأهلية في السودان أثار انتقادات من المراقبين الذين يقولون إن ذلك يؤجج نيران العنف.

وذكر أن دعم الإمارات لقائد قوات الدعم السريع حميدتي “لعب دورًا رئيسيًّا في نجاحاته في ساحة المعركة” وفقًا لجورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أناليتيكس لاستشارات المخاطر.

ونبه إلى اتخاذ قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان موقفًا متشددًا ضد الإمارات بما في ذلك طرد 15 دبلوماسيًّا إماراتيًّا في ديسمبر بسبب دعم البلاد المستمر لقوات الدعم السريع.

وأشار إلى أن ذلك بعد أن كان معسكر البرهان يتوخى الحذر والدبلوماسية، متجنبًا المواجهات اللفظية المباشرة ضد اللاعبين الرئيسيين؛ مثل: المشير الليبي خليفة حفتر، وروسيا، وأبو ظبي.

وقال: إن “لدى حفتر ومرتزقة مجموعة فاغنر الروسية والإمارات علاقات مع قوات الدعم السريع ومع حميدتي شخصيًّا. وقد قام حفتر وفاغنر بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة في وقت مبكر من الصراع باستخدام طائرات فاغنر المتمركزة في جنوب ليبيا.”

وأضاف: “ترتبط شركة فاغنر التي أعيدت تسميتها مؤخرًا باسم: “فيلق إفريقيا”، والإمارات بعلاقة طويلة مع حميدتي من خلال استخراج وتهريب الذهب من مناجم جبل عامر في دارفور، والتي يسيطر عليها حميدتي. وينتهي معظم هذا الذهب في دولة الإمارات حيث يدخل السوق الدولية.

ولفت باريتا إلى أن حميدتي يحتفظ بأمواله الخاصة وأموال قوات الدعم السريع في دولة الإمارات والتي تعد أيضًا موطنًا لشبكة الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لقوات الدعم السريع.

ولفت إلى أنه في عام 2019، قبل أربع سنوات من بدء الصراع مع القوات المسلحة السودانية، اشترى حميدتي 1000 مركبة من الإمارات يمكن تحويلها إلى “مركبات تقنية” تحمل مدافع رشاشة؛ كما أن الشركة العائلية لحميدتي التي اشترت تلك المركبات، وهي شركة Tradive General Trading، يقع مقرها أيضًا في الإمارات.

وشدد على أنه مع استمرار الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أصبح دعم الأطراف الخارجية – وخاصة الإمارات – مهمًّا للغاية حيث يدفع المجتمع الدولي من أجل وقف إطلاق النار، وفقًا لأليكس دي وال، مدير مؤسسة السلام العالمي(7).

الملخص:

الوضع الإنساني المتدهور:

السودان يواجه أزمة إنسانية خطيرة بسبب الصراع المستمر؛ مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السودانيين.

نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية تسبب في معاناة كبيرة للسكان المدنيين.

الخاسر الأكبر: الشعب السوداني.

الشعب السوداني هو الضحية الرئيسية للصراع، حيث يعاني من الفقر، الجوع، وانعدام الأمن.

تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية أدى إلى تفاقم معاناة السودانيين، مما جعل حياتهم أكثر صعوبة.

استمرار الصراع يزيد من معاناة المواطنين، ويضعف فرص السودان في تحقيق الاستقرار والتنمية.

الدعم الإثيوبي:

إثيوبيا تدعم قوات الدعم السريع؛ لتعزيز نفوذها في السودان وسط التوترات مع مصر بشأن سد النهضة.

الدعم الإثيوبي يأتي في إطار إستراتيجيتها لتعزيز الأمن في منطقة القرن الإفريقي، وتكوين حليف إقليمي لمواجهة التهديدات الحدودية.

الدعم الإماراتي:

الإمارات تدعم قوات الدعم السريع كجزء من تحالفها الإقليمي لحماية مصالحها في السودان والمنطقة.

الإمارات تسعى من خلال هذا الدعم للحفاظ على الاستقرار في السودان، وضمان حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية.

هذا الدعم هو جزء من إستراتيجية مواجهة النفوذ التركي والقطري في السودان والمنطقة.

الدعم الإثيوبي والإماراتي لقوات الدعم السريع يعكس التنافس الإقليمي والتوازنات الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط، حيث تسعى كلٌّ من إثيوبيا والإمارات لتحقيق مصالحهما الإستراتيجية من خلال هذه التحالفات.

والأزمة الإنسانية في السودان تؤكد أن الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني، الذي يعاني من تبعات الصراع المستمر، بما في ذلك النزوح، الجوع، وانعدام الرعاية الصحية.

المصادر:

1_ الجزيرة

2_ إندبندت

3_ صحيفة العرب

4_ الشرق الأوسط

5_ مصر 360

6_أخبار السودان

7_ الجزائر الآن

التعليقات مغلقة.