مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
العلاقات الإيرانية السودانية.. قراءة في دوافع وأبعاد الدور الإيراني في السودان ومستقبل العلاقات بين البلدين في ظل مساعي طهران لتوسيع النفوذ في البحر الأحمر
العلاقات الإيرانية السودانية.. قراءة في دوافع وأبعاد الدور الإيراني في السودان ومستقبل العلاقات بين البلدين في ظل مساعي طهران لتوسيع النفوذ في البحر الأحمر
بعد قطيعة استمرت نحو 8 سنوات؛ عادت العلاقات الدبلوماسية من جديد بين طِهران والخرطوم، والتي تأتي ضمن سياسات إيرانية جديدة لتهدئة علاقاتها المتأزمة مع الدول العربية والإقليمية، فقطار المُصالحة الإيرانية والذي بدأ مع السعودية ثم دول الخليج العربي ثم مصر، قد وصل محطته في السودان؛ إذ أعلنت الحكومة السودانية في أكتوبر 2023م استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، منهية بذلك قطيعة دبلوماسية بين البلدين استمرت نحو 8 سنوات، كانت الدولتان قبلهما على عِلاقة سياسية وعسكرية وتسليحية كبيرة.
إلا أنه وفي ظل ما يشهده السودان من صراع داخلي مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبعد أن انتشرت مقاطع فيديو ظهرت فيه عناصر من قوات الدعم السريع يحملون حُطَام إحدى الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع؛ تصاعدت المخاوف من عودة النظام السوداني السابق بكل تفاصيله للساحة السودانية ومعه حلفاء الأمس، الذين كانوا سببًا مباشرًا في عزلة السودان الدولية ووضعه في قائمة العقوبات الأممية والدولية لثلاثة عقود؛ كما وكثرت التساؤلات حول دوافع وتداعيات دخول إيران على خط الصراع في السودان، في ظل استثمار إيران في النزاعات والصراعات المسلحة لتأسيس ميلشييات وأذرع تعمل لخدمة مصالح طِهران في محيطها الإقليمي.
فما تطورات العلاقات الإيرانية السودانية خلال السنوات الأخيرة؟ وما أسباب ودوافع التعاون العسكري الإيراني السوداني في ظل الأزمة السودانية الحالية؟ وما أهداف إيران في السودان؟ وما تداعيات دخول إيران والقوى الإقليمية والدولية على خط الأزمة السودانية؟ وفي ظل التطورات السودانية الحالية ما هو مستقبل السودان خلال السنوات القادمة؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على؛ العلاقات الإيرانية السودانية والدور الإيراني العسكري في الأزمة السودانية الحالية في ظل أهداف إيرانية في السودان ومنطقة البحر الأحمر؛ في هذه السطور الآتية:
تطورات العلاقات الإيرانية السودانية خلال السنوات الأخيرة:
مرت العلاقات السودانية الإيرانية بتقلبات كثيرة خلال العقود الأخيرة؛ ففي إبريل 1985م اتهم الرئيس السوداني السابق “جعفر النميري” الذي احتفظ بعلاقات وطيدة مع واشنطن، طِهران بتسليح جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة نظام حكمه، لكن ثورة شعبية أطاحت بنظامه بعد أيام من هذه الاتهامات، ليحاول رئيس الوزراء المنتخب “الصادق المهدي” في 1986م القيام بوساطة بين بغداد وطهران لوقف حرب الثماني سنوات، لكن مساعيه لم تكلل بالنجاح، نظرًا لضعف التأثير السوداني السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي حينها.
ومع ذلك، احتفظت الخُرْطُوم بقدر من سياسة عدم الانحياز إبان الحرب العراقية الإيرانية طوال الفترة من 1985م وإلى 1988م، وفي تلك الفترة دفعت بغداد بمدافع ثقيلة لمساعدة الخُرْطُوم على استعادة مدينة الكرمك جَنُوب شرقي البلاد من أيدي الجيش الشعبي بقيادة “جون قرنق”، وفي العام ذاته اغتيل السياسي العراقي المعارض “مهدي الحكيم” في الخُرْطُوم، ما أثار غضب الحكومة السودانية تجاه بغداد بعد تسريب تقارير عن ضلوع دبلوماسيين عراقيين في اغتياله. (أسباب).
ووسط تلك العاصفة الدبلوماسية بين الخُرْطُوم وبغداد؛ انقلب المتشددون السودانيون على حكومة “الصادق المهدي”، ليصطفوا أثناء حرب الخليج الثانية (حرب الكويت) مع الجانب العراقي، ما أدى إلى توتر العلاقات مع دول الخليج، وفي بداية التسعينيات شهدت العلاقات بين الخُرْطُوم وطهران تطورًا كبيرًا؛ إذ أسهمت الأخيرة في بناء القدرات العسكرية الذاتية للسودان، وأسست مركزًا ثقافيًّا نشطاً استقطب مثقفين وساسة سودانيين طوروا علاقتهم بإيران؛ ثم حدثت الانتكاسة في العلاقات عام 2018م، حين قطعت الخُرْطُوم علاقتها الدبلوماسية بإيران بعد اقتحام السِّفَارة السُّعُودية في طهران.
وشهدت العلاقات السودانية الإيرانية تطورًا كبيرًا بعد وصول “عمر البشير” إلى السلطة عام 1989م بدفع من الحركة الإسلامية بزعامة “حسن الترابي”؛ إذ كانت الحركة تنظر بإعجاب غير خفي إلى تجرِبة الثورة الإيرانية، وربما شكلت إلهامًا لها في الوصول إلى السلطة واستنساخ بعض ملامحها، خاصة في تأسيس بعض تكويناتها العسكرية وشبه العسكرية؛ وبعد انقلاب البشير، طور الطرفان علاقتهما لتشمل جوانب عدة تجارية وعسكرية ودبلوماسية، وقامت طِهران بتدريب بعض عناصر الإسلاميين على العمل الأمني والعسكري.
التعاون العسكري الإيراني السوداني:
حاليًا فرضت مُستجدات الأوضاع السودانية نفسها على مشهد التقارب السوداني الإيراني الأخير، بما حملته من تحديات مُلحة وضعت سقفًا منخفضًا لما يمكن توقعه من خطوة إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين؛ إذ تتعدد القيود التي تطرحها الأوضاع الداخلية السودانية بين استمرار التفاعلات الصراعية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في العاصمة الخُرْطُوم وولايات إقليم دارفور على وجه الخصوص.
وبين تعدد الجهود الدولية الرامية لتحقيق تسوية سريعة للصراع الداخلي في السودان بين آلية دول الجوار التي أطُلقت في القاهرة في يوليو 2023م، والمفاوضات الثنائية التي استضفتها مدينة جَدَّة السُّعُودية بدعم أمريكي، والتي يُنتظر ألا تسفر فقط هذه المباحثات عن توافق بشأن ترتيبات وقف إطلاق النار وحسم القضايا ذات الطبيعة العسكرية، وإنما يتصور أيضًا ضرورة أن تتسع لتشمل استئناف المسار السياسي والمُضي قدمًا في إجراءات تشكيل حكومة جديدة انتقالية بقيادة مدنية ستقوم بطبيعة الحال بمراجعة شاملة لمختلف ملفات السياسة الخارجية في ظل الواقع الجديد.
وتحيط بفرص انتقال التقارب السوداني الإيراني إلى المجال الأمني والعسكري العديد من الشكوك، وعلى رأسها درجة الاستنفار الأمريكي الكبير في منطقة البحر الأحمر، والذي سبق وأن قطع الطريق على جهود روسية متراكمة للحصول على موطئ قدم على السواحل السودانية.
ويلفت هذا الوضع الانتباه للطبيعة المغايرة لموجة التقارب الجديدة بين السودان وإيران مقارنة بموجة التقارب التي سبقت القطيعة بينهما في عام 2016م؛ وأتاحت الحرب الدائرة في السودان الفرصة لإيران لتصحيح مسارها مع السودان، إذ تزود طِهران الجيش السوداني بطائرات مُسيرة، ما يمنحه فرصة التفوق على قوات الدعم السريع في المعارك الدائرة بالبلاد منذ أشهر.
ونشرت العديد من التقارير الدولية تحول الأوضاع العملياتية في السودان لصالح القوات المسلحة السودانية ضد قوات الدعم السريع؛ حيث قطعت القوات المسلحة السودانية خطوات كبيرة في أم درمان، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ فترة بَدْء الصراع. (منتدى فكرة).
بالإضافة إلى تسريب بعض الصور التقطتها الأقمار الاصطناعية في قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال الخُرْطُوم، لطائرات مُسيرة من طراز (مهاجر 6) و(أبابيل) الإيرانية، والتي تم نقلها إلى السودان عدة مرات منذ أواخر العام الماضي بواسطة شركة قشم فارس الجوية الإيرانية؛ وتظهر سجلات تتبع الرِّحْلات قيام طائرة (بوينج 747 – 200) التجارية التابعة لقشم فارس إير بـ6 رِحْلات، من إيران إلى قاعدة بورتسودان في الفترة ما بين نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري. (عروبة 22).
أبعاد ودوافع التعاون العسكري الإيراني السوداني:
تتعدد المصالح الإيرانية في السودان لتشمل مصالح، جيوسياسية وأيديولوجية واقتصادية؛ حيث تهدف طِهران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال تأسيس وجود استراتيجي طويل الأمد في السودان، لمواجهة منافسيها ودعم حلفائها وتأمين الوصول إلى الموارد والأسواق المحورية.
لذا تنبع محورية السودان في العقيدة الإيرانية من مجموعة من العوامل المهمة، ويُعد استعادة العلاقات مع السودان جزءًا من حملة سياسة خارجية منسقة تقوم بها الإدارة الإيرانية لإصلاح علاقات إيران مع حلفائها السابقين ومحيطها الإقليمي ولا سيما الدول التي قطعت علاقاتها مع إيران في عام 2016م، وفقًا لرؤية الخارجية الإيرانية الساعية للتوجه نحو الشرق، والتي تستند على تعزيز العلاقات مع الجَنُوب العالمي.
كما تهتم إيران بشكل خاص بالسودان بسبب موقعه على البحر الأحمر؛ حيث يُشكل تأمين موطئ قدم لها أولوية منذ رئاسة “محمود أحمدي نجاد” وخاصة بعد ما أصبح البحر الأحمر ذا أهمية متزايدة بسبب توسع الحرب المستمرة في غزة، إذ تسعى إيران إلى تأمين نفوذ أكبر في البحر الأحمر كوسيلة لمراقبة تطورات النفوذ الإسرائيلي والغربي في المنطقة، في ظل الشد والجذب المستمر بينهما.
وعلى الرغم من أن نتائج الحرب المستمرة في السودان لا تزال مجهولة؛ فمن المحتمل أن تسيطر القوات المسلحة السودانية على جزء كبير من البلاد بمجرد أن يهدأ الصراع، حتى لو لم تنجح في استعادة السيطرة على السودان بالكامل، إذ وبحسب مراقبين فإن الجيش السوداني يتمتع بالقدرات اللازمة للاحتفاظ بالمناطق التي استعادها من قوات الدعم السريع.
فمن وجهة نظر إيران؛ فإن دعم البرهان في هذا الصراع يمكن أن يبشر بشكل إيجابي بشراكة دائمة مع الخُرْطُوم، مما يضمن للإيرانيين مستوى أعلى من النفوذ في البحر الأحمر؛ كما وتطمح إيران إلى جعل السودان قاعدة لها في البحر الأحمر على غرار نموذجها في لبنان والعراق واليمن، وذلك من خلال دعم الجيش السوداني وتزويده بالتقنيات العسكرية اللازمة؛ ما سيُمكن طِهران من التحكم بشكل كبير في تسليح الجيش السوداني والتأثير على القرار السياسي في البلاد.
كما وأن توفير إيران أسلحة وذخائر للقوات المسلحة السودانية سيعزز مصالح طِهران خارج السودان، حيث إن رؤية المزيد من الدول في العالم وخاصة تلك التي تخضع لضغوط وعقوبات غربية، الفارق الذي يمكن أن تحدثه الأسلحة الإيرانية في الصراعات، فهناك احتمال كبير أنها ستحاول الحصول عليها؛ حيث تتمتع الطائرات بدون طيار الإيرانية الرخيصة بسجل في صراعات مختلفة في العالم العربي، إلى جانب الحرب الإثيوبية بين عامي 2020م – 2022م، والحرب الروسية الأوكرانية.
كما وأن الموقع الإستراتيجي للسودان المطل على البحر الأحمر، يجعل من السودان دولة مركزية ومفتاحية مهمة للتأثير الإقليمي في منطقة البحر الأحمر؛ ما يمثل فرصة ذهبية لإيران للتأثير والسيطرة على المنطقة بمداخلها ومخارجها الحاكمة، وتحديدًا مراقبة السفن بمضيق باب المندب وقناة السويس؛ ومن ثم فإن إنشاء ميناء إيراني أو قاعدة بحرية بمدينة بورتسودان، من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية في البحر، ومراقبة البضائع القادمة إلى إيلات وقناة السويس.
فالسيطرة على مضيق باب المندب يعزز الوجود الإيراني في البحر الأحمر من خلال جماعة الحوثي؛ إذ إن السيطرة الإيرانية على هذا المضيق الإستراتيجي الذي يشكل أحد أهم شرايين التجارة البحرية العالمية، وهو ما يعطي إيران السبق في المحيط الحيوي للمصالح والأمن الغربي في المنطقة، كما يعطيها أفضلية عسكرية وأمنية تسمح لها باستخدام السودان كورقة ضغط وأداة لمراقبة الدور الإسرائيلي والغربي في إطار صراع النفوذ القائم بينهما.
وكشفت عن هذا؛ العمليات العسكرية البحرية التي تقوم بها جماعة الحوثي منذ نوفمبر 2023م، واستهدافها السفن الإسرائيلية والأمريكية في المضيق ومياه البحرين العربي والأحمر؛ وعلى الرغم من كون عمليات الحوثيين في البحر الأحمر شكلية وهزلية إلى حد كبير، إلا أنها قد أثرت على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة البحرية في المنطقة.
ومن ثم فإن النفوذ الإيراني في السودان، يجعل طِهران تضطلع بدور فاعل في العمق الإفريقي، خاصة في ظل الحرب الاستخباراتية التي تخوضها إيران وإسرائيل في المجال الإفريقي؛ أما الخُرْطُوم فتسعى من خلال ترميم علاقاته مع إيران إلى كسب حليف خارجي جديد، لا سيما أن عِلاقة الخُرْطُوم مع منظمة إيجاد تشهد خلافات وتدهورًا منذ فترة، حيث جمدت الخُرْطُوم عضويتها في الهيئة الإفريقية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد) في يناير 2024م، نظرًا لتجاهل المنظمة لقرار السودان، الذي نُقل إليها رسميًّا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).
ويطمح الجيش السوداني حاليًا إلى استمرار الدعم العسكري من إيران؛ حيث اعتمد الجيش السوداني على طائرات بدون طيار قديمة إلى جانب المدفعية والطائرات المقاتلة، لكنها لم تكن فعالة في مواجهة قوات الدعم السريع المتمركزة في المناطق الحضرية، ومع استئناف العلاقات بين السودان وإيران في أكتوبر 2023م، حصل الجيش السوداني على طائرات مهاجر وأبابيل الإيرانية المتطورة، والتي أثبتت فعاليتها في استعادة الأراضي التي خسرتها أمام قوات الدعم السريع في أم درمان ومناطق أخرى؛ إضافة إلى رغبه السودان في زيادة الضغط على المجتمع الدَّوْليّ واستخدام التقارب كورقة ضغط.
تداعيات التدخل الإيراني في السودان على المنطقة ككل:
مع استمرار الحرب وعدم وجود حل في الأفق؛ زادت التدخلات الدولية التي تبحث عن مصالح لها في السودان والتي تراهن على بعض الفصائل، بهدف كسب المزيد من النفوذ في بلد يسوده الاضطراب؛ وظهرت سيطرة محور الحركة الإسلامية “الكيزان” بقوة خصوصًا بعد تعليق منبر جَدَّة وتوقف التفاوض لإنهاء الحرب ورفض السودان لمبادرة الإيجاد.
حيث قالت الحكومة السودانية عن المبادرة، إنها منحازة للدعم السريع وقائده الفريق “محمد حمدان دقلو” فقائد الجيش الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” الذي جعل من شرق البلاد عاصمته، وتحديدًا في بورسودان المطلة على البحر الأحمر، تطاله اتهامات في الداخل السوداني بأنه مدعوم من جماعة النظام السابق “عمر البشير” وقياداته الإسلامية وبأنهم هم العقل المدبر للحرب. (الجزيرة).
وهذه الجماعة التي تسمى بالكيزان، ما زالت ترتبط بعلاقات مع إيران؛ وكان مُنظرها وقائدها السابق “حسن الترابي” من الموالين لها؛ وتاريخيًا دائمًا ما ربطت عِلاقة قوية بين كيزان السودان وباقي التنظيمات الإسلامية في المنطقة، مثل الإخوان المسلمين والقاعدة وحزب الله وإيران وفي الواقع، تظل احتمالية استمرار هذه العلاقة بصورة غير رسمية قائمة حتى في وقت التوترات.
حيث إن العديد من الأفراد المنخرطين في الحركة الإسلامية، لديهم اتصالات خارج السودان بما في ذلك مع قطر وإيران، حتى خلال فترة برود العِلاقة بين طِهران والخرطوم؛ فالأوضاع الداخلية في السودان معقدة ويزيدها تعقيدًا التدخلات الخارجية والدور الإيراني في البلاد.
فإستراتيجية إيران في الوصول إلى سواحل البحر الأحمر في السودان، ليست وليدة اللحظة ففي مطلع عام 1993م، تحدث الرئيس المصري “حسني مبارك” عن تواجد سفن عسكرية إيرانية في ميناء بورتسودان، وكان واضحًا في تهديده للرئيس السوداني السابق عمر البشير، قائلًا: “لو عملت قاعدة إيرانية في بورتسودان هضربك ومش هسمحلك ولا أنت ولا غيرك”. (اندبندنت عربية).
فمصر تدرك طبيعة الأهداف الإيرانية في الوصول للبحر الأحمر ومراقبة باب المندب وقناة السويس؛ كما وأن نشاط الحوثيين أذرع إيران في اليمن وسيطرتهم على جزءًا من السواحل اليمنية من جهة، إلى جانب تأسيس قاعدة إيرانية على السواحل السودانية من جهة أخرى؛ سيُمكن إيران من زيادة تأثيرها بشكل أكبر في المنطقة، ولذلك يمكن رصد القلق الدَّوْليّ المتزايد إزاء التحركات الإيرانية.
إذ حذر السيناتور “جيم ريش” العضو الجمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي خلال اجتماع اللجنة لدارسة نشاطات الجماعات الوكيلة لإيران في الشرق الأوسط؛ من أن طِهران توسع وجودها العسكري بسرعة في السودان، وأضاف أن توسيع العلاقات العسكرية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحكومة السودانية يمكن أن يؤدي إلى تدويل الحرب الأهلية في السودان وقد يوفر لطهران حليفًا جديدًا، حتى تتمكن من توظيفه في البحر الأحمر.
مستقبل السودان في ظل التدخلات الدولية المتصاعدة:
بالنظر إلى أن الصراع في السودان حظي باهتمام عالمي أقل من الصراع في أوكرانيا وغزة؛ فباستعادة علاقات السودان مع إيران ودخول إيران على خط الحرب الدائرة في البلاد، من المرجح أن يجذب الصراع في السودان أنظار المجتمع الدولي أكثر.
وذلك لتوقعات متزايدة بأن يسمح الجيش السوداني للنظام الإيراني بزيادة وجوده الأمني في هذه المنطقة الاستراتيجية، في ظل حاجة الجيش السوداني لمزيد من الدعم العسكري والذخائر؛ ويخشى المجتمع الدَّوْليّ من تعزيز إيران قوتها البحرية بالحصول على قناة نفوذ في شرق السودان ومن خلال الحدود البحرية السودانية، يمكنها تعطيل الممر المهم في البحر الأحمر مباشرة، وعن طريق الحوثيين.
ويمثل استعانة الجيش السـودان بالدعم العسكري الإيراني؛ إنذارًا ليس فقط للقاهرة التي لا ترحب بأي نفوذ عسكري خارجي في السودان، ولكنه أيضًا سيثير امتعاضًا غربيًّا وإسرائيليًّا، رغم تأكيد وزير الخارجية السوداني بأن عودة العلاقات مع إيران ليست موجهة ضد أي دولة أخرى.
وبينما تمارس واشنطن ضغوطًا على قادة الجيش في السودان من أجل عدم المضي قدمًا في اتفاق استراتيجي مع روسيا يسمح لموسكو بالتواجد العسكري في مواني السودان، وإن احتمالات تواجد نفوذ إيراني سيكون له نفس الحساسية؛ لأنه قد يفتح المجال لتوسع تقديم إيران الدعم لجماعة الحوثي في اليمن.
فضلًا عن التهديد الاستراتيجي لأمن الملاحة المرتبط بدولة الاحتلال؛ وبالتالي وفي ظل هذه التطورات، قد تعمل القِوَى الإقليمية والدولية على زيادة دعمها المقدم لأطراف الصراع؛ ما سيطيل أمده من جهة، ويفاقم من معاناة المدنيين من جهة أخرى، فضلًا عن تداعياته الأمنية على منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، في ظل كون السودان يعد بوابة لمنطقة القرن الأفريقي والساحل.
الخلاصة:
شكَّل التقارب السوداني الإيراني مؤخرًا حلقة جديدة في حلَقات التقارب والتباعد المُستمرة في العلاقات بين البلدين؛ في ظل غلبة لتأثير المُحددات الإقليمية في العلاقات بينهما، وقد تكون العديد من الاعتبارات المُتصلة بالحسابات الحالية للخرطوم وطهران هي ما ساعد على إتمام الخطوة الرمزية بعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وبالنظر إلى الطرق التي نما بها النفوذ الإيراني في أماكن أخرى في المنطقة، فإن دخول إيران في الصراع السوداني يُثير العديد من المخاوف من أن يتحول الجيش السوداني، إلى أداة بيد إيران في إفريقيا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ممارسة إرادة إيران مقابل التمويل والمساعدات العسكرية والذخائر، والتي يحتاجها الجيش السوداني في ظل صراعه الحالي، وتتفاقم هذه المخاوف بشكل خاص بعد دعوات لتسليح المواطنين في السودان وتنظيم المقاومة الشعبية من خلال فتح المجال أمام الأفراد لشراء الأسلحة.
المصادر: