fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

السودان.. معاناة الوطن ونزوح المواطنين

39

السودان.. معاناة الوطن ونزوح المواطنين

يعيش السودان الشقيق وضعًا مأساويًّا على كل الأصعدة، فمن القتل إلى التشريد إلى النزوح؛ كلها أعمال عنف لا يتوقف عنها الأطراف المتصارعة في البلاد. فمنذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003، وبحلول نهاية 2022، شهدت البلاد نزوح أكثر من 3.7 مليون شخص داخليًّا، وكان يعيش 800 ألف سوداني آخرين في الدول المجاورة؛ مثل: تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا قبل بدء الصراع الأخير.

فهذه الأوضاع الحاصلة على أرض السودان تُعَدُّ من أقسى الظروف الغاشمة التي فتكت بالكثيرين من أبناء الشعب السوداني؛ كان لها رجع صدى مأساوي للسودان وجيرانه الأشقاء، ومن بينهم مصر التي فتحت ذراعيها لاستقبال آلاف النازحين السودانيين إليها، وتقديم جميع المساعدات الإنسانية العلاجية والغذائية.

فخلافات السودان الشقيق والجريح تدور حول نقطة رئيسية؛ وهي: المصالح الشخصية في المقام الأول، والمتمثلة في الانتقال السياسي وتصاعد التوترات بين قائد الجيش الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول “محمد حمدان دقلو” المُلقب بـ “حميدتي”، وحول المدى الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.

وازدادت حدة الاشتباكات بين القوتين مرة أخرى عقب انشغال العالم بالحرب على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، وتعثر استمرارية جهود الوساطة الرامية إلى تهدئة الأوضاع بين أطراف الصراع. نتيجة لذلك، قُتل أكثر من 12 ألف مدني على الأقل، وسجلت السودان “أكبر أزمة نزوح في العالم” وفقًا للأمم المتحدة؛ الأمر الذي يدفعنا نحو تساؤل حول مدى تدهور الوضع الإنساني في السودان بعد أكثر من نصف عام من الصراع المسلح.

يزداد عدد النازحين من السودان يومًا بعد آخر، وينشد بعضهم اللجوء إلى الدول المجاورة، فيما يكتفي من لا قدرة له على السفر خارج البلاد بالنزوح إلى الأقاليم التي تتمتع بهدوء نسبي منذ بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

مع العلم أن منظمات حقوقية أفادت بوقوع جرائم حرب ومذابح وعمليات نزوح جماعية خلال الصراع الممتد منذ ثمانية أشهر في السودان.

معاناة الوطن تتجسد في نزوح المواطن وذبحه:

كشف الصراع الدامي في السودان عن تدهور الوضع الإنساني والسياسي في ظل الصراع المسلح؛ بالإضافة إلى ذلك، يعيش الشعب السوداني حالة هشاشة إنسانية، مفقود وفاقد؛ فاقد لجميع سبل العيش من طعام، وشراب، ومسكن، ودواء. ولم يتوقف الصراع لوهلة واحدة لإعادة النظر في مصير شعب كامل يُباد ويُقتل ويموت جوعًا، مصابًا بالأمراض.

في سياق متصل، أدت الحرب إلى فقدان ملايين الأشخاص في المناطق الحضرية أعمالهم ووظائفهم؛ ما يجعلهم في أعداد المحتاجين إلى مساعدات، ووجود عشرات الآلاف ممن فروا إلى المدن الآمنة، وتزداد أعداد النازحين داخليًّا لدرجة يصعب تقديرها، وكانت أعدادهم قبل الحرب 3.7 مليون شخص.

أوضاع تؤدي إلى مجاعة:

إن الأزمة الإنسانية في السودان تتفاقم بشكل يفوق التصور؛ تجلى ذلك من خلال نزوح الملايين من أفراد الشعب السوداني عن ديارهم إثر احتدام القتال. ويعاني الآلاف في مسعاهم للبحث عن المأوى، ولم يتمكنوا من الوصول إلى المواد الغذائية، ومياه الشرب النظيفة، وأي من الاحتياجات الأساسية، ويبيت الكثيرون تحت الأشجار على قارعة الطرق.

ومنذ نشوب الصراع في شهر إبريل 2023، وصل عدد النازحين داخليًّا إلى 4.5 مليون شخص، فيما اضطر 1.2 مليون شخص للفرار إلى الدول المجاورة؛ مثل: مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى. وتمثل النساء والأطفال الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين (تصل نسبتهم إلى 90% في بعض الحالات – كما هو الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى).

تزداد أعداد النازحين داخليًّا بشكل لافت للانتباه، حيث يعيش ما يقدر بأكثر من 433,000 شخص في مخيمات النازحين الداخلية. إضافة إلى أن هذه الولاية كانت تستضيف نحو 300,000 لاجئ –أغلبهم من جنوب السودان– في 10 مخيمات.

إن السودان يعيش حالة من التشرد والذعر والمجاعة؛ حيث أدى الارتفاع الحاد في عدد الأشخاص النازحين قسرًا إلى فرض ضغوط كبيرة على الخدمات الأساسية في المخيمات؛ كما هو الحال في شتى أنحاء السودان، أغلقت المدارس أبوابها واتخذها الشعب السوداني مأوى لهم.

ولم يقتصر الأمر على إغلاق المدارس وحرمان الأطفال من التعليم، وصار مستقبل الأطفال عرضة للخطر؛ صارت هذه المدارس مأمنًا لهم ومأوى يحميهم من الموت الذي يلاقيه غيرهم تحت الأشجار وهم نائمون تحتها. والوضع في تدهور مستمر، ولم يقتصر الأمر على عدم توفر المأوى والطعام فحسب، ولكن قطع مياه الشرب والصرف الصحي فهو على درجة من السوء قد يتأتى عنها تفشي وباء الكوليرا(1).

خارطة النزوح الداخلي للسودانيين:

يشهد الداخل السوداني حركة نزوح كبيرة من الولايات المتضررة جراء الحرب إلى الولايات الأكثر أمنًا؛ إذ وصل عدد النازحين إلى أكثر من 5.5 مليون شخص نازح داخل البلاد منذ أبريل 2023. تنقل النازحون بين 6,089 موقعًا عبر الولايات الثماني عشرة. وتقدر أعلى نسبة نزوح في ولاية جنوب دارفور بأكثر من 692,000، أي بنسبة 13% من مجموع النازحين. تليها ولاية شرق دارفور بحوالي 658,210، أي 12%. ونهر النيل بحوالي 619,659 بنسبة 11%. والجزيرة بحوالي 524,919، وهو ما يمثل 9%. وشمال دارفور بحوالي 451,578، أي بنحو 8%. بينما تشهد ولاية الخرطوم أقل عدد من النازحين إليها بحوالي 39,000 شخص.

تفيد البيانات الأممية أن أكبر عدد من النازحين كان من نصيب سكان ولاية الخرطوم بحوالي 3.5 مليون شخص، أي بنسبة 64% من المجموع، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وقد ارتفعت أعداد النازحين وفقًا للأمم المتحدة إلى أكثر من 7.1 مليون شخص، من بينهم 1.5 مليون قد لجأوا إلى البلدان المجاورة. وذلك بعد دخول ميليشيا “الدعم السريع” ولاية الجزيرة وبسط سيطرتها على حاضرتها “ود مدني” والمناطق المحيطة بها، بعد أن كانت من أكثر المدن الآمنة لملايين النازحين السودانيين، والتي أدت إلى نزوح حوالي 250 إلى 300 ألف شخص من ود مدني إلى ولايات القضارف وسنار وكسلا والنيل الأبيض. لجأ أكثر من 15 ألف شخص إلى ولاية القضارف.

يرجع نزوح هؤلاء الأشخاص لتوافر الاحتياجات الأساسية، حيث قدمت المظلة الأممية 1,500 مجموعة من المواد غير الغذائية لحوالي 7,500 نازح في ولايتي سنار والقضارف، ولديها 200 خيمة في المخزون تسع ما لا يقل عن 1,000 نازح؛ إضافة إلى نشر عيادات متنقلة في ثلاث مدن (سنجة وسنار وأبو حجر)، مع بدء الوكالات الإنسانية في ولاية القضارف بتقديم مساعدات الإغاثة الفورية لـ 330 نازحًا من ولاية الجزيرة.

وفي مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، نزح 750 شخصًا آخرين نتيجة الاشتباكات المستمرة بين أطراف الصراع. في جنوب دارفور، فر حوالي 850 شخصًا من منازلهم في نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور يوم 14 ديسمبر 2023، بعد تجدد الاشتباكات المسلحة بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع”. نزح حوالي 4 آلاف شخص من “ود مدني” إلى بورتسودان حتى 26 ديسمبر، وقد يزداد عدد النازحين في الفترة المقبلة، وفقًا لمفوضية العون الإنساني.

وقد يلجأ النازحون إلى ولايات أخرى، نظرًا لكثرة المهددات القائمة في مناطقهم، مع امتداد المعارك وتدمير منازلهم ونهب وسرقة ممتلكاتهم، وتدمير المرافق الصحية وانقطاع الكهرباء، وانعدام الأمن؛ الأمر الذي قد يتسبب في تعليق المساعدات الأساسية للنازحين(2).

تنامي العنف الجنسي في السودان ضد النساء:

بينما احتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من نوفمبر 2023، سُلطت الأضواء الدولية على محنة النساء في السودان؛ الأمر الذي عُدَّ انتهاكًا للقانون الدولي؛ حيث وفقًا للفقرة الثانية من المادة السابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الأربعة لعام 1949، “يجب حماية النساء بصفة خاصة في أوقات النزاعات المسلحة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولا سيما ضد الاغتصاب”؛ إلا أن العنف الجنسي ضد النساء تم استخدامه كسلاح منذ بداية الحرب في السودان وحتى الآن، حيث تعرضن لأقسى أنواع العنف الاجتماعي المتمثلة في حالات الاختطاف والاعتقالات والاغتصاب.

ولا يوجد حصر دقيق لتلك الحالات، خاصةً أن هناك أعدادًا هائلة في مناطق الاشتباكات، يصعب رصدها وتوثيقها، إلى جانب الوصمة الاجتماعية التي تجعل أغلب الأسر تُفضل الصمت وعدم الكشف عن هذه الانتهاكات، ولكن بحسب عضو في مجموعة محامي الطوارئ، فإن مجمل ما تم توثيقه من المجموعة ولجنة الأطباء المركزية ومنظمات المجتمع المدني منذ بداية الحرب في السودان، نحو 360 حالة اغتصاب في جميع أنحاء السودان.

وتشكل هذه الحالات التي بلغت عن تعرضها للاغتصاب نسبة 1% فقط من الحالات الفعلية؛ لأن هناك نساء وفتيات كثيرات يخشين التحدث عن تعرضهن للاغتصاب؛ علاوة على ذلك: تم رصد العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تناقش محنة النساء في السودان، وخوفهن من الاغتصاب، وبحثهن عن وسائل منع الحمل، ومطالبتهن بفتاوى دينية تسمح لهن بالانتحار(3).

النزوح إلى الدول المجاورة:

شهدت دول جوار السودان عبور عدد كبير من اللاجئين، حيث لجأ حوالي 1.5 مليون منذ إبريل 2023، وتمثل دولة تشاد النسبة الأكبر، حيث لجأ إليها حوالي 484,626، تليها: جمهورية جنوب السودان بنحو 441,963، ثم مصر بحوالي 378,504 حالات لجوء، وإثيوبيا تقدر بحوالي 40,489، وأخيرًا: جمهورية إفريقيا الوسطى؛ فقد لجأ إليها نحو 25,715 شخصًا.

وبعد الأحداث الأخيرة في ولاية الجزيرة، فقد لجأ معظم النازحين الجدد إلى تشاد وجنوب السودان، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويرجع السبب الأساسي في تزايد أعداد اللجوء إلى نقص المواد الغذائية، والانتهاكات العنيفة التي تتعرض لها الفتيات والسيدات، إضافة إلى قتل الرجال ونهب المنازل والسرقة وتزايد حالات الاغتصاب والتحرش، كما يفر العديد من اللاجئين إلى تلك الدول بسبب روابطهم التاريخية؛ إضافة إلى وجود أسر وأقارب لهم في هذه البلدان.

وعليه، قد تؤثر نسبة النزوح على الأوضاع الاقتصادية للدول المجاورة وتحديدًا الدول الفقيرة؛ مثل: تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان؛ نظرًا لعدم قدرة تلك الدول على استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين مع توفير حياة كريمة لهم، حيث تعاني هذه الدول من مشاكل اقتصادية وسياسية ضخمة، حسب خبراء.

أسباب رئيسية في نزوح المواطنين:

1- ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي:

تسبب الوضع المأساوي في السودان في نقص شديد في السلع الغذائية، مع زيادة في أسعار السلع المتاحة، وسوف يزداد الوضع سوءًا في حال توقف الإنتاج الزراعي، وتحديدًا في ولاية الجزيرة التي تحتوي على أكبر المشاريع المروية على مستوى العالم، وتمتلك مخزونًا إستراتيجيًا للمحاصيل الأساسية من القمح والذرة؛ الأمر الذي قد يهدد المنشآت الزراعية والثروة الحيوانية ومنظومة الري، فضلًا عن نقص الأدوية لأنها تتوفر من مدينة “ود مدني”؛ إضافة إلى إغلاق الأسواق وتوقف الإنتاج.

وعليه، قد تتسبب هذه الأوضاع في مضاعفة أسعار بعض السلع الغذائية لأكثر من ثلاثة أضعاف ثمنها بسبب توقف سلاسل الإمداد، إلى جانب انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستويات عالية لنحو 17.7 مليون شخص في جميع أنحاء السودان؛ أي: نحو 37% من السكان؛ فضلًا عن العقبات التي تعيق المنظمات الإنسانية من الوصول إلى الأشخاص المتضررين. لذلك يبحث المواطن السوداني عن أماكن آمنة توفر له الغذاء والمأوى والمسكن.

2- تعليق المساعدات:

هناك 18.1 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة حتى نهاية عام 2023، حسب خطة الاستجابة في السودان. وتم تمويل ما نسبته 39.5% فقط؛ أي: توفير 1,012.5 مليون دولار من أصل 2.6 مليار دولار أمريكي حتى 21 ديسمبر 2023، وفقًا للأمم المتحدة.

كما أكدت “كليمنتاين نكويتا سلامي”، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، أن السبب في تقليص عمل المنظمات الإنسانية في البلاد يرجع إلى مقتل وإصابة عمال الإغاثة أنفسهم، إضافة إلى تعرض المستودعات والأصول الإنسانية للنهب والتدمير، ويؤثر نقص الوقود أيضًا على حركة موظفي الإغاثة الإنسانية والإمدادات وتوليد الطاقة اللازمة لتوفير المياه وغيرها.

وبالرغم من ذلك يحاول الشركاء في المجال الإنساني تقديم المساعدات للأشخاص المتضررين الذين يمكنهم الوصول إليهم، ولكن تم تعليق جميع البعثات الإنسانية الميدانية داخل ولاية الجزيرة بعد الاشتباكات المسلحة بين أطراف الصراع؛ الأمر الذي يهدد تقديم المساعدات الحيوية لأكثر من 270,000 شخص بحاجة إلى مساعدات داخل “ود مدني”؛ إضافة إلى السكان النازحين من العنف المستمر في البلاد، وفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية في السودان، كما أوقف برنامج الأغذية العالمي تقديم المساعدة لـ 800,000 شخص في البلاد؛ نظرًا لامتداد المعارك التي تعرقل تقديم المساعدات للأشخاص المتضررين.

3- عدم توافر الخدمات الأساسية:

يعاني الشعب السوداني من تدمير المرافق الصحية، والتي تقدر نسبته بـ 70% في الولايات المتضررة، كما أغلقت معظم المستشفيات والصيدليات والمراكز الصحية قسرًا، رغم حاجة أصحاب الأمراض المزمنة للرعاية الصحية والأدوية؛ فضلًا عن الأشخاص المصابين جراء القتال. كما تعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصصة، الحكومية والأهلية، في الخرطوم لتخريب كلي أو جزئي؛ إضافةً إلى تدمير الخدمات المصرفية والمالية، وخدمات الاتصالات، والانقطاع المتكرر لإمدادات الكهرباء، وانقطاع المياه. فهناك 15 مليون شخص لا يجدون مصادر مياه صالحة للشرب في الولايات المتضررة من النزاع.

4- تنامي ظاهرة تعرض النساء للعنف الجنسي:

تتعرض النساء والفتيات للاعتداءات الجنسية من قبل ميليشيا “الدعم”، الأمر الذي يجعل الأسر تبحث عن أماكن آمنة لحمايتهن من تلك الاعتداءات الوحشية. وإلى الآن، لا يوجد حصر دقيق لحالات الاغتصاب، ولكن ما تم توثيقه منذ بداية الحرب نحو 360 حالة اغتصاب في البلاد. ويعد هذا العدد 1% فقط من الحالات الفعلية اللاتي تعرضن للاغتصاب، بسبب خوفهن من التحدث. ولكن هناك فتيات أخريات تحدثن عن كثرة حالات الاغتصاب القسري على موقع (X) وطالبت بعضهن بحبوب منع الحمل، والبعض الآخر بفتاوى دينية تسمح لهن بالانتحار. ويعد ذلك انتهاكًا للمادة الـ 27 من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والتي تنص على “حماية النساء ضد أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، أو أي هتك لحرمتهن”.

5- انتشار الأمراض:

نتيجة لتلوث المياه، فإن عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا في تزايد، حيث تم الإبلاغ عن 8,267 حالة، ومن ضمنها 224 حالة وفاة. وقد أعلن المسؤولون في السودان عن انتشار وباء الكوليرا في القضارف في 26 سبتمبر 2023، وانتشاره في 46 منطقة ضمن 9 ولايات حتى 23 ديسمبر 2023، حسب منظمة الصحة العالمية؛ لذلك تحاول المنظمات الإنسانية الحد من تفشي المرض وتوفير العلاج للمصابين، إضافةً إلى مراقبة جودة المياه.

وقد حرصت المنظمات على تطعيم أكثر من 2.2 مليون شخص ضد الكوليرا في المناطق المعرضة للخطر في القضارف والجزيرة، مع استمرار جهود المنظمات لتطعيم 5.5 مليون شخص آخرين في 6 ولايات، كما توفي أكثر من ألف شخص من مرضى الكلى والأمراض المزمنة الأخرى بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية، وإصابة 100,000 بالملاريا ونحو 3,500 بحمى الضنك، وفقًا للأمم المتحدة، نظرًا للغلق القسري للمستشفيات والصيدليات والمراكز الصحية.

6- انعدام الأمن:

يتعرض الشعب السوداني لأبشع عمليات النهب والسرقة واحتجاز الرهائن، حيث يشهد المواطنون سرقة المنازل والسيارات والآلات الثقيلة والجرارات ووسائل الحركة والاتصال، إضافةً إلى قتل الميليشيا لأكثر من 12,000 شخص، وحرق أحياء ومواقع بأكملها، وإعدام المدنيين في منازلهم، وهو ما يتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية. الأمر الذي قد يهدد سلامة توفير الاحتياجات الإنسانية وإنتاج الغذاء للمواطنين. وسوف يزداد الوضع سوءًا باستمرار الميليشيا في عمليات القتال في الولايات التي لا تزال آمنة(4).

الأطفال.. أكثر الفئات تضررًا في السودان:

من الناحية القانونية: توفر اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 حماية خاصة لصالح الأطفال خلال النزاعات المسلحة، حيث يحظى الأطفال بشكلين من الحماية التي يكفلها لهم القانون الدولي الإنساني، وهما: الحماية العامة التي يتمتعون بها بصفتهم مدنيين أو أشخاصًا لا يشاركون في أعمال عدائية أو كفوا عن المشاركة فيها، والحماية الخاصة التي يتمتعون بها بصفتهم أطفالًا، وعلى الرغم من انضمام السودان إلى الاتفاقيات السابقة، إلا أن مواد تلك الاتفاقيات تُنتهك بشكل صارخ في السودان، ولا يتم توفير أي حماية سواء عامة أو خاصة للأطفال.

وبينما يُشكل عدد الأطفال في السودان نصف عدد السكان، لا يزال ملايين الأطفال يعانون من آثار الصراع المزمن، ومن الكوارث الطبيعية الموسمية، وانتشار الأمراض؛ الأمر الذي تفاقم مع تصاعد الاشتباكات مرة أخرى في أكتوبر الماضي، حيث وصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى 19 مليونًا بسبب القتال، مع إغلاق آلاف المدارس في جميع أنحاء البلاد، وهو ما يعني ضعف العدد المقدر من قبل الأمم المتحدة، نحو 8 ملايين في الربع الأخير من عام 2022.

ويبلغ معدل الالتحاق بالمدارس في المناطق المتضررة من النزاع (ولاية دارفور، وجنوب وغرب كردفان، والنيل الأزرق) 47%، وهي نسبة متدنية جدًّا مقارنةً بمتوسط معدل الالتحاق بالمدارس في باقي مناطق البلاد. علاوةً على ذلك، يشكل الأطفال 61% من الأشخاص النازحين داخليًّا، و65% من اللاجئين خارج السودان.

كما أكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي على ارتفاع عدد الأطفال السودانيين الذين يعانون من سوء التغذية إلى 4 ملايين. ووفقًا لتوقعات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، فإن ما لا يقل عن 10,000 طفل دون سن الخامسة قد يموتون بحلول نهاية عام 2023، وتُعزى هذه الوفيات إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي، وتعطل الخدمات الأساسية منذ اندلاع الصراع المسلح في السودان. ويزيد هذا الرقم بأكثر من 20 مرة عن العدد الرسمي للأطفال الذين قتلوا بسبب القتال(5).

سيناريوهات الحرب السودانية:

السيناريو الأول: حسم الحرب لصالح أحد الطرفين:

يبدو هذا السيناريو ضعيف الاحتمال، حيث لم يستطع أي طرف تحقيق نصر حاسم حتى الآن. ولا يبدو أن أيًا منهما يمتلك المقدرة على تحقيق ذلك خلال المستقبل المنظور، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو: طبيعة وخصوصية ميزان القوة بين طرفي الحرب، مما يمكنهما من مواصلة القتال لفترة أطول.

فإذا كان الجيش يمتلك التفوق من حيث سلاح الطيران والمدفعية وغير ذلك من الأسلحة الثقيلة، فإن قوات الدعم السريع تمتلك القدرة على المناورة وسرعة الحركة اعتمادًا على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كما أن مسرح العمليات متمثلًا بالأساس في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث وإقليم دارفور، يجعل القدرة على إنهاء الحرب لصالح هذا الطرف أو ذاك أكثر صعوبة وتعقيدًا.

السيناريو الثاني: قبول الطرفين بوقف دائم لإطلاق النار والدخول في مفاوضات تفضي إلى حل سياسي:

يُعد هذا السيناريو ضعيف الاحتمال أيضًا، وذلك لعدم توفر شروط تحقيقه على أرض الواقع، وفي مقدمتها اقتناع كل من الطرفين بصعوبة الانتصار في هذه المواجهة، ومن ثم لا بديل سوى التفاوض، ووجود ضغوط دولية حقيقية تجبرهما على وقف القتال والقبول بمفاوضات جادة لإنهاء الحرب؛ وبالإضافة إلى ذلك: فإن هناك عوامل أخرى تجعل هذا السيناريو غير مرجح، منها: أن الطرفين أوغلا في المواجهة، وتبادلا اتهامات حادة، وأصبحت الحرب بينهما مباراة صفرية. ويحاول كل طرف على الأقل تحقيق إنجاز عسكري ملموس يعزز موقفه التفاوضي في حال الاضطرار إلى التفاوض من أجل إنهاء الحرب.

السيناريو الثالث: استمرار الحرب بشكل متقطع خلال الأجل القصير:

يُعد هذا السيناريو الأكثر احتمالًا خلال الأجل القصير، وبخاصة في ظل استمرار غياب العوامل التي تجبر الطرفين على القبول بوقف دائم لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي شامل، فضلاً عن عدم قدرة أي منهما على تحقيق نصر حاسم يضع نهاية للحرب، ووفقاً لهذا السيناريو، سوف تظل الحرب محصورة بدرجة كبيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسوف تظل متمركزة بالأساس في العاصمة بمدنها الثلاث، وعدد من المدن الأخرى، وبخاصة في إقليم دارفور.

السيناريو الرابع: الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة:

إذا استمرت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع لفترة طويلة نسبيًّا، فإنها يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية شاملة، وبخاصة في ظل عمق الانقسامات الرأسية في المجتمع السوداني من ناحية، وإرث الحروب الأهلية الممتدة التي شهدتها البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي لا تزال تداعيات بعضها تتواصل حتى الآن، من ناحية أخرى. ويقوم هذا السيناريو على عدة عناصر؛ منها: غياب سلطة مركزية مدنية، حيث لا توجد حكومة في السودان منذ الانقلاب الذي قاده البرهان ضد المكون المدني في السلطة الانتقالية، متمثلًا في حكومة عبد الله حمدوك في 25/10/2021، وانشغال مجلس السيادة الانتقالي بالحرب مع قوات الدعم السريع، فضلاً عن تصدع أجهزة الدولة ومؤسساتها بسبب حالة الحرب، وما يترتب عليها من فوضى وانعدام أمن(6).

الخلاصة:

الوضع المأساوي في السودان يدلل عليه الآتي:

نزوح 3.7 مليون شخص داخليًا و800 ألف سوداني في الدول المجاورة قبل نهاية 2022.

تصاعد النزاعات بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أزمة دارفور 2003.

أرقام تدل على التدهور الإنساني:

مقتل أكثر من 12,000 مدني.

أكبر أزمة نزوح في العالم حسب الأمم المتحدة.

نزوح 4.5 مليون شخص داخليًا منذ أبريل 2023 و1.2 مليون شخص فروا إلى الدول المجاورة.

من أبرز أسباب النزوح:

ارتفاع الأسعار.

انعدام الأمن الغذائي.

تعليق المساعدات الإنسانية.

تدمير الخدمات الأساسية.

انتشار الأمراض وتفشي وباء الكوليرا.

تنامي العنف الجنسي ضد النساء.

الأطفال الأكثر تضررًا والدليل:

ملايين الأطفال يعانون من آثار الصراع وسوء التغذية.

ارتفاع عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى 19 مليونًا.

النزوح إلى الدول المجاورة:

لجأ 1.5 مليون سوداني إلى دول مثل تشاد، وجنوب السودان، ومصر، وإثيوبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى.

تأثير النزوح على الأوضاع الاقتصادية للدول المجاورة.

سيناريوهات الحرب السودانية والرؤية المستقبلية تنحصر في الآتي:

استمرار الحرب بشكل متقطع خلال الأجل القصير.

احتمال الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة إذا استمرت المواجهات لفترة طويلة.

المصادر:

1- السياسة الدولية

2- مركز رع للدراسات

3- المرصد المصري

4- بي بي سي

5- الحرة

6- مركز الأهرام للدراسات

التعليقات مغلقة.